لعبت المخدرات دورا رئيسيا في عالم الجريمة وكانت المحرك الرئيسي لجرائم صادمة ارتكبها مدمنون في حق أشخاص أبرياء وفي حق ذويهم، إذ يتحول المدمن في لحظة الى وحش متعطش للقتل والدم ولا يثنيه عن جرائمه لا الروابط الدموية ولا العلاقات الاجتماعية..ما خلق علاقة وارتباط وثيق جدا بين المخدرات والجرائم وجعلهما وجهان لعملة واحدة خاصة الجرائم التي تحدث داخل الأسرة الواحدة.
يضاف عامل آخر أصبح لا يقل خطورة عن الإدمان وهو الرغبة في الهجرة غير النظامية وبلوغ الفضاء الأوروبي الذي انتهى في بعض الحالات بجرائم صادمة..
ومن الإدمان ما قتل..
ضحايا كثيرون وقعوا في فخ إدمان المخدرات ولم يجدوا أمامهم سوى أقرب الناس اليهم للتخلص منهم في لحظة بدأت بمشادة ثم تطورت الى عداء ليجد المدمن نفسه أمام النهاية الحتمية لكل من تزل به قدمه في طريق الإدمان..
فكم من مدمن مخدرات قتل أقرب الناس إليه إما طمعا في المال لشراء حاجته من المخدرات وإما لإسكات صوت لأب أو لأم اللذين يحاولان توجيهه الى الطريق السوي.
انتهت حياة امرأة في العقد السادس من عمرها على يد ابنها.
الحادثة تم الكشف عنها عندما وقع العثور على جثّة امرأة أسفل درج منزلها في جهة لمطة التابعة لمعتمدية قصر هلال من ولاية المنستير، وتحوم الشبهات في مقتلها حول أحد ابنيها الذي كانت على خلاف مستمرّ معه بسبب المخدّرات.
وتولى أعوان الحماية المدنية إعلام الوحدات الأمنية التابعة لمنطقة الأمن الوطني بقصر هلال والتي تحوّلت إلى منزل الضحية حيث تمّت معاينة الجثة من قبل الطبيب الشرعي وبحضور وكيل الجمهورية.
وأثبتت معاينة الجثّة أنّ الضحية كانت تحمل أثر إصابة على مستوى الرأس، لتنطلق على إثر ذلك الأبحاث.
وبالتحري مع الابنين (وهما من مواليد 95 و96) وتفتيش غرفتيهما عثر على أثار دماء على ثياب أحدهما، كما تمّت ملاحظة آثار خدوش وعضّة على جسمه، وبمجابهته اعترف بأنّه على خلاف مستمر مع والدته من أجل تمكينه من أموال لشراء المخدرات.
وجاء في شهادات عدد من الأجوار، أنّ الضحية لطالما اشتكت من تصرّفات أحد ابنيها.
جريمة مروّعة أخرى شهدتها ولاية المهدية في وقت سابق تتمثل في العثور على جثة امرأة في الستينات من العمر ملقاة بجانب محطة القطار وتحمل إصابات وجروح بجسدها وكانت شبه عارية.
تم حصر الشبهة في شاب عاطل عن العمل ومن ذوي السوابق في استهلاك المخدرات وقد تمت مداهمة منزله أين تم العثور على آثار دماء لكنّه فرّ من المهدية في اتجاه سوسة ليتمّ القبض عليه في وقت وجيز واعترف بارتكابه جريمة اغتصاب وقتل وهو في حالة سكر وتحت تأثير المخدرات.
ولـ«الحرقة» نصيب ..
جريمة صادمة شهدتها مؤخرا معتمدية الشبيكة من ولاية القيروان. جريمة هزّت سكان المنطقة وأثارت صدمة واسعة، بعد أن لقي شاب يبلغ من العمر 27 سنة حتفه على يد خالته إثر طعنة قاتلة تلقاها على مستوى البطن بواسطة آلة حادة.
الجريمة جدت نتيجة خلاف عائلي شديد بين الضحية وخالته، بعد أن طالبها بمبلغ مالي كان يعتزم استخدامه للهجرة خلسة نحو أوروبا، في خطوة كشفت عن معضلة اجتماعية متكررة لدى فئة الشباب الذين يسعون لمغادرة البلاد بحثًا عن فرص عمل وحياة أفضل.
وقد رفضت الخالة تلبية طلبه، ما أدى إلى نشوب شجار حاد بين الطرفين انتهى بمحاولة الشاب تخريب سيارتها، وردّت الخالة على ذلك باستخدام سكين، مسددة له طعنة قاتلة أودت بحياته على الفور في مشهد مأساوي.
إبان الجريمة المروعة انتقلت الوحدات الأمنية على وجه السرعة إلى مكان الحادث، حيث قامت بمعاينة الجثة وفتح بحث أمني موسّع للكشف عن ملابسات الجريمة، وتحديد المسؤوليات، فضلاً عن جمع الأدلة والشهادات من الجيران والمواطنين الذين شهدوا الحادث.
العلاقة بين الإدمان والجريمة..
إن العوامل التي تؤدي إلى تعاطي المخدرات كثيرة ومتفرعة ومتنوعة، كما أن العوامل التي تؤدي إلى ارتكاب الجرائم متعددة ومختلفة ومتداخلة ومحاورها كثيرة ومن ثم يمكن القول إن العلاقة بين تعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم موضوع متشعب، إلا أنه في ضوء ما أسفرت عنه البحوث الاجتماعية والنفسية عن هذه العلاقة، تبين وجود ارتباط إيجابي منتظم بين الادمان والجريمة..
فجرائم المخدرات في سنة 2002 كانت تمثل على سبيل المثال حوالي 55 % من جميع النزلاء في السجون الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية، وتشير الدراسة التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007 إلى أن العقاقير المخدرة لها علاقة بالعديد من الجرائم؛ فكانت العامل الرئيسي الذي ترتب عنه وقوع حوالي 35 % من جرائم الانتحار، و62 % من جرائم الاعتداءات، و69 % حوادث الغرق، و58 % من جرائم القتل الخطأ، و50 % من حوادث السيارات، و52 % من جرائم الاغتصاب، و 38 % من جرائم العنف ضد الأطفال، و49 % من جرائم القتل، و50 % من جرائم العنف بين الأزواج.
ويرى بعض المختصين في علم الاجتماع النفسي أنه من الضروري معاملة مدمن المخدرات كمريض والمبادرة بسرعة علاجه داخل المراكز المتخصصة، وأن يكون للأسرة عامل قوى فى تشجيعه وتحفيزه على العلاج لإنقاذه من هذا الخطر الذي من الممكن أن يعرضه للسجن أو الإعدام ويعرض المحيطين به الى القتل.
ومنذ انتشار المخدرات تطور شكل الجريمة نظرا لتأثيرها الصحي والنفسي والاقتصادي على المجتمع ويرى الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين أنه من منظور نفسي، يمكن تفسير هذا الانخراط العائلي في تجارة المخدرات واستهلاكها من خلال عدة عوامل أولها، ظاهرة «التكيف مع الانحراف»، حيث يؤدي التعرض المستمر لبيئة إجرامية إلى تآكل الحواجز النفسية التي تمنع الفرد من الانخراط في الجريمة، إذ يصبح الانحراف سلوكًا طبيعيًا في السياق الاجتماعي للأسرة. ثانيًا، يعاني العديد من الأفراد من اضطرابات نفسية ناتجة عن ضغوط الحياة، مثل القلق والاكتئاب، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى المخدرات كآلية دفاعية للهروب من الواقع. كما أن غياب الإشباع العاطفي داخل الأسرة وانعدام التواصل الفعّال بين أفرادها يؤديان إلى البحث عن بدائل وهمية للشعور بالأمان والانتماء.
وعلى المستوى الأوسع، ساهم تفشي الفساد في تسهيل التطبيع مع تجارة المخدرات والإدمان على استهلاكها، حيث بات النفوذ المالي والإجرامي لبعض الشبكات أقوى من المؤسسات الرسمية، ما جعل محاربة هذه الظاهرة أمرًا بالغ الصعوبة.. هذا التطبيع لم يقتصر على الفئات الفقيرة أو المهمشة، بل امتد إلى مختلف الشرائح الاجتماعية، ما جعل من المخدرات جزءًا من الحياة اليومية لدى فئات واسعة من المجتمع.
أمام هذا الواقع المعقد، تبرز الحاجة إلى تدخلات متعددة الأبعاد تتجاوز الحلول الأمنية العقابية لتشمل إصلاحات اجتماعية واقتصادية وثقافية عميقة. من الضروري إعادة الاعتبار لدور الأسرة عبر دعم السياسات التي تعزز استقرارها وتقوي روابطها، مع تحسين جودة التعليم وضمان توفير فرص عمل تتيح للشباب بدائل مشروعة للنجاح. كما يجب التركيز على الجانب النفسي من خلال تطوير برامج دعم نفسي وتأهيل اجتماعي تستهدف الأفراد الأكثر عرضة للانحراف، بهدف إعادة إدماجهم في المجتمع بطرق بناءة.
مفيدة القيزاني
لعبت المخدرات دورا رئيسيا في عالم الجريمة وكانت المحرك الرئيسي لجرائم صادمة ارتكبها مدمنون في حق أشخاص أبرياء وفي حق ذويهم، إذ يتحول المدمن في لحظة الى وحش متعطش للقتل والدم ولا يثنيه عن جرائمه لا الروابط الدموية ولا العلاقات الاجتماعية..ما خلق علاقة وارتباط وثيق جدا بين المخدرات والجرائم وجعلهما وجهان لعملة واحدة خاصة الجرائم التي تحدث داخل الأسرة الواحدة.
يضاف عامل آخر أصبح لا يقل خطورة عن الإدمان وهو الرغبة في الهجرة غير النظامية وبلوغ الفضاء الأوروبي الذي انتهى في بعض الحالات بجرائم صادمة..
ومن الإدمان ما قتل..
ضحايا كثيرون وقعوا في فخ إدمان المخدرات ولم يجدوا أمامهم سوى أقرب الناس اليهم للتخلص منهم في لحظة بدأت بمشادة ثم تطورت الى عداء ليجد المدمن نفسه أمام النهاية الحتمية لكل من تزل به قدمه في طريق الإدمان..
فكم من مدمن مخدرات قتل أقرب الناس إليه إما طمعا في المال لشراء حاجته من المخدرات وإما لإسكات صوت لأب أو لأم اللذين يحاولان توجيهه الى الطريق السوي.
انتهت حياة امرأة في العقد السادس من عمرها على يد ابنها.
الحادثة تم الكشف عنها عندما وقع العثور على جثّة امرأة أسفل درج منزلها في جهة لمطة التابعة لمعتمدية قصر هلال من ولاية المنستير، وتحوم الشبهات في مقتلها حول أحد ابنيها الذي كانت على خلاف مستمرّ معه بسبب المخدّرات.
وتولى أعوان الحماية المدنية إعلام الوحدات الأمنية التابعة لمنطقة الأمن الوطني بقصر هلال والتي تحوّلت إلى منزل الضحية حيث تمّت معاينة الجثة من قبل الطبيب الشرعي وبحضور وكيل الجمهورية.
وأثبتت معاينة الجثّة أنّ الضحية كانت تحمل أثر إصابة على مستوى الرأس، لتنطلق على إثر ذلك الأبحاث.
وبالتحري مع الابنين (وهما من مواليد 95 و96) وتفتيش غرفتيهما عثر على أثار دماء على ثياب أحدهما، كما تمّت ملاحظة آثار خدوش وعضّة على جسمه، وبمجابهته اعترف بأنّه على خلاف مستمر مع والدته من أجل تمكينه من أموال لشراء المخدرات.
وجاء في شهادات عدد من الأجوار، أنّ الضحية لطالما اشتكت من تصرّفات أحد ابنيها.
جريمة مروّعة أخرى شهدتها ولاية المهدية في وقت سابق تتمثل في العثور على جثة امرأة في الستينات من العمر ملقاة بجانب محطة القطار وتحمل إصابات وجروح بجسدها وكانت شبه عارية.
تم حصر الشبهة في شاب عاطل عن العمل ومن ذوي السوابق في استهلاك المخدرات وقد تمت مداهمة منزله أين تم العثور على آثار دماء لكنّه فرّ من المهدية في اتجاه سوسة ليتمّ القبض عليه في وقت وجيز واعترف بارتكابه جريمة اغتصاب وقتل وهو في حالة سكر وتحت تأثير المخدرات.
ولـ«الحرقة» نصيب ..
جريمة صادمة شهدتها مؤخرا معتمدية الشبيكة من ولاية القيروان. جريمة هزّت سكان المنطقة وأثارت صدمة واسعة، بعد أن لقي شاب يبلغ من العمر 27 سنة حتفه على يد خالته إثر طعنة قاتلة تلقاها على مستوى البطن بواسطة آلة حادة.
الجريمة جدت نتيجة خلاف عائلي شديد بين الضحية وخالته، بعد أن طالبها بمبلغ مالي كان يعتزم استخدامه للهجرة خلسة نحو أوروبا، في خطوة كشفت عن معضلة اجتماعية متكررة لدى فئة الشباب الذين يسعون لمغادرة البلاد بحثًا عن فرص عمل وحياة أفضل.
وقد رفضت الخالة تلبية طلبه، ما أدى إلى نشوب شجار حاد بين الطرفين انتهى بمحاولة الشاب تخريب سيارتها، وردّت الخالة على ذلك باستخدام سكين، مسددة له طعنة قاتلة أودت بحياته على الفور في مشهد مأساوي.
إبان الجريمة المروعة انتقلت الوحدات الأمنية على وجه السرعة إلى مكان الحادث، حيث قامت بمعاينة الجثة وفتح بحث أمني موسّع للكشف عن ملابسات الجريمة، وتحديد المسؤوليات، فضلاً عن جمع الأدلة والشهادات من الجيران والمواطنين الذين شهدوا الحادث.
العلاقة بين الإدمان والجريمة..
إن العوامل التي تؤدي إلى تعاطي المخدرات كثيرة ومتفرعة ومتنوعة، كما أن العوامل التي تؤدي إلى ارتكاب الجرائم متعددة ومختلفة ومتداخلة ومحاورها كثيرة ومن ثم يمكن القول إن العلاقة بين تعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم موضوع متشعب، إلا أنه في ضوء ما أسفرت عنه البحوث الاجتماعية والنفسية عن هذه العلاقة، تبين وجود ارتباط إيجابي منتظم بين الادمان والجريمة..
فجرائم المخدرات في سنة 2002 كانت تمثل على سبيل المثال حوالي 55 % من جميع النزلاء في السجون الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية، وتشير الدراسة التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007 إلى أن العقاقير المخدرة لها علاقة بالعديد من الجرائم؛ فكانت العامل الرئيسي الذي ترتب عنه وقوع حوالي 35 % من جرائم الانتحار، و62 % من جرائم الاعتداءات، و69 % حوادث الغرق، و58 % من جرائم القتل الخطأ، و50 % من حوادث السيارات، و52 % من جرائم الاغتصاب، و 38 % من جرائم العنف ضد الأطفال، و49 % من جرائم القتل، و50 % من جرائم العنف بين الأزواج.
ويرى بعض المختصين في علم الاجتماع النفسي أنه من الضروري معاملة مدمن المخدرات كمريض والمبادرة بسرعة علاجه داخل المراكز المتخصصة، وأن يكون للأسرة عامل قوى فى تشجيعه وتحفيزه على العلاج لإنقاذه من هذا الخطر الذي من الممكن أن يعرضه للسجن أو الإعدام ويعرض المحيطين به الى القتل.
ومنذ انتشار المخدرات تطور شكل الجريمة نظرا لتأثيرها الصحي والنفسي والاقتصادي على المجتمع ويرى الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين أنه من منظور نفسي، يمكن تفسير هذا الانخراط العائلي في تجارة المخدرات واستهلاكها من خلال عدة عوامل أولها، ظاهرة «التكيف مع الانحراف»، حيث يؤدي التعرض المستمر لبيئة إجرامية إلى تآكل الحواجز النفسية التي تمنع الفرد من الانخراط في الجريمة، إذ يصبح الانحراف سلوكًا طبيعيًا في السياق الاجتماعي للأسرة. ثانيًا، يعاني العديد من الأفراد من اضطرابات نفسية ناتجة عن ضغوط الحياة، مثل القلق والاكتئاب، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى المخدرات كآلية دفاعية للهروب من الواقع. كما أن غياب الإشباع العاطفي داخل الأسرة وانعدام التواصل الفعّال بين أفرادها يؤديان إلى البحث عن بدائل وهمية للشعور بالأمان والانتماء.
وعلى المستوى الأوسع، ساهم تفشي الفساد في تسهيل التطبيع مع تجارة المخدرات والإدمان على استهلاكها، حيث بات النفوذ المالي والإجرامي لبعض الشبكات أقوى من المؤسسات الرسمية، ما جعل محاربة هذه الظاهرة أمرًا بالغ الصعوبة.. هذا التطبيع لم يقتصر على الفئات الفقيرة أو المهمشة، بل امتد إلى مختلف الشرائح الاجتماعية، ما جعل من المخدرات جزءًا من الحياة اليومية لدى فئات واسعة من المجتمع.
أمام هذا الواقع المعقد، تبرز الحاجة إلى تدخلات متعددة الأبعاد تتجاوز الحلول الأمنية العقابية لتشمل إصلاحات اجتماعية واقتصادية وثقافية عميقة. من الضروري إعادة الاعتبار لدور الأسرة عبر دعم السياسات التي تعزز استقرارها وتقوي روابطها، مع تحسين جودة التعليم وضمان توفير فرص عمل تتيح للشباب بدائل مشروعة للنجاح. كما يجب التركيز على الجانب النفسي من خلال تطوير برامج دعم نفسي وتأهيل اجتماعي تستهدف الأفراد الأكثر عرضة للانحراف، بهدف إعادة إدماجهم في المجتمع بطرق بناءة.