-في زمن تحكمه خوارزميات المنصات الرقمية، يصبح الترويج وجودة الإنتاج البصري والحضور على «السوشيال ميديا» عناصر أساسية
يعيش المشهد الفني التونسي في الآونة الأخيرة حركية لافتة، تجسدها أعمال جديدة لفنانين تونسيين اختاروا التوجه إلى لهجات وأساليب موسيقية متعددة، في محاولة لخلق حضور أوسع يتجاوز الحدود المحلية نحو الفضاء العربي والدولي. ومن بين هذه الأسماء تبرز الفنانة يسرى محنوش التي عانقت اللهجة العراقية من جديد، والفنانة بهاء الكافي التي غنّت باللهجة المصرية، إلى جانب الفنان خيرالدين سلطاني الذي أطلق مشروعًا موسيقيًا عابرًا للثقافات تحت عنوان «باريس- تونس»، وتضمن أغنية ديو مع الفنانة أمينة فاخت. هذه الخيارات تثير تساؤلات حول ملامح الاستراتيجية الفنية لهؤلاء النجوم، وأي دلالات تحملها هذه التوجهات في زمن تتحكم فيه خوارزميات المنصات الرقمية في الذوق العام والانتشار.
منذ انطلاقتها، عُرفت يسرى محنوش كصوت طربي استثنائي قادر على التعمق في المقامات الشرقية وإعادة إحياء كلاسيكيات الزمن الجميل بروح عصرية. لكن الجديد في مسيرتها اليوم هو إصدارها لأغنية «مرّ الحلو» باللهجة العراقية، التي أطلقتها عبر قناتها الرسمية على احدى المنصات الرقمية منذ يومين، وحققت 250 ألف مشاهدة إضافة إلى تفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي.
الأغنية من كلمات حمزة محسن، وألحان ثائر حازم، وتوزيع حسام كامل. وقد حملت مزيجًا موسيقيًا يوازن بين الأصالة والحداثة، حيث اعتمدت على الآلات الشرقية التقليدية ممزوجة بإيقاعات عصرية تناسب الأذن الحديثة. أما الفيديو كليب فجاء بسيطًا ورومانسيًا ركّز على إبراز قوة صوت يسرى محنوش وحضورها الفني بعيدًا عن التكلف البصري أو المبالغة في المؤثرات.
هذا التوجه نحو اللهجة العراقية ليس جديدًا على هذه الفنانة المتألقة، لكنه يعكس بوضوح إدراكها لأهمية السوق العراقي والخليجي في ترسيخ مكانتها العربية، خاصة وأن اللون العراقي أصبح في السنوات الأخيرة حاضرًا بقوة في قوائم الاستماع الأكثر شعبية على المنصات الرقمية.
في مقابل ذلك، اختارت الفنانة بهاء الكافي، وبعد غياب طويل، أن تعود إلى جمهورها من بوابة اللهجة المصرية من خلال أغنيتها المصوّرة «الرد الطبيعي»، التي أطلقتها عبر قناتها الرسمية على إحدى المنصات الرقمية ، وعلى كافة منصات البث الرقمي منذ أكثر من أسبوع، وحققت ما يقارب 715 ألف مشاهدة. والأغنية من كلمات صبري رياض، وألحان محمد راجح، وتوزيع ياسر ماجد، و»ميكسّ» ياسر أنور، وهي من إنتاجها الخاص.
هل تكفي اللهجة المصرية لتحقيق الانتشار؟
اختيار اللهجة المصرية قد لا يكون تفصيلا عابرًا، بل يعكس رغبة واضحة في الانفتاح على سوق موسيقية يتعتبر الأوسع في العالم العربي. فمصر التي مازالت تملك القوة الرمزية في صناعة النجوم منذ عقود، تظلّ الوجهة المفضلة لكل فنان يبحث عن الانتشار الواسع.
والعمل الذي أخرجه جان- بيار عبدايم في لبنان خلال يوم واحد، جاء في شكل فيلم كوميدي قصير. فافتتح المخرج الكليب برسالة صادمة عن غيابها وعودتها، ليحوّل هذا الغياب إلى عنصر تشويق. وقد شاركها التمثيل الممثل اللبناني جلال مروان الشعّار، ما أضفى على العمل لمسة درامية خفيفة.
من الناحية التسويقية، يبدو خيار اللهجة المصرية ذكيًا، خصوصًا إذا ما قارناه بمحدودية اللهجة التونسية في الوصول إلى المستمع العربي. فالنجوم التونسيون الذين صنعوا شهرتهم عربيًا، من لطيفة العرفاوي إلى صابر الرباعي والراحلة ذكرى محمد، فعلوا ذلك أساسًا عبر اللهجة المصرية. لكن يبقى السؤال: هل يكفي تغيير اللهجة لتحقيق الانتشار؟ أم أن نجاح العمل مرهون أيضًا بجودة المحتوى وقوة التوزيع والتسويق على المنصات الرقمية؟
على الضفة الأخرى، يعود الفنان التونسي الفرنسي خيرالدين سلطاني إلى الساحة الغنائية العالمية بمشروع موسيقي طموح حمل عنوان «باريس تونس». وهو عمل يتجاوز حدود الأغنية التقليدية ليصبح جسرًا فنيًا وثقافيًا يربط بين روح الأغنية الفرنسية وإيقاعات الشرق، في تجربة تمثل خلاصة مسيرة فنية امتدت لسنوات من الابتكار.
لقاء مع أمينة فاخت
الألبوم الذي طُرح رسميًا على المنصات الرقمية حمل في طياته مفاجأة تمثلت في ديو استثنائي جمع سلطاني بالفنانة التونسية أمينة فاخت من خلال أغنية «يا ليل»، في لقاء يمكن اعتباره حدثًا فنيًا بامتياز، لما يجمع بين صوت مبدع حافظ على أصالة الطرب التونسي وبين موسيقي عالمي يمزج بين المعاصرة والجذور.
هذه الأغنية لا تبدو مجرد تعاون، بل تجسيدًا لحوار ثقافي عميق يوحّد بين لغتين وهويتين، في إطار موسيقي يميل إلى المزج بين النغم الغربي وإيقاعات «الدربوكة» الشرقية، ما يجعل العمل مرشحًا لأن يكون أحد أبرز إنتاجات 2025.
وإذا كان خيرالدين سلطاني قد اعتاد منذ سنوات على الظهور في المحافل العالمية ونيل الجوائز الكبرى مثل «الفيكتوار دو لا موزيك»، وتصدر ألبوماته المراتب الأولى في فرنسا وخارجها، فإن هذا المشروع يكرّس عودته إلى الجذور دون أن يتخلى عن بصمته العالمية، ليقدم للجمهور حكاية موسيقية تحتفي بالهوية التونسية وتفتح لها أبواب الانتشار على أوسع نطاق.
وبالتالي، ما يجمع بين هذه التجارب الثلاث هو السعي إلى كسر حدود المحلية: فيسرى محنوش تراهن على اللهجة العراقية لكسب جمهور خليجي وعراقي، وبهاء الكافي تختار اللهجة المصرية لتعزيز فرصها في المشهد الفني والموسيقي العربي، وخيرالدين سلطاني يذهب أبعد من ذلك بمشروع يربط بين الضفتين المتوسطية والعربية. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه: هل يكفي التنوع في اللهجة والموسيقى لتحقيق الانتشار؟
في زمن تحكمه خوارزميات المنصات الرقمية، يصبح عامل الترويج وجودة الإنتاج البصري والحضور على «السوشيال ميديا» عناصر لا تقلّ أهمية عن مضمون الأغنية نفسه. فالمنافسة لم تعد فقط على مستوى الكلمة واللحن، بل أصبحت معركة على مستوى الصورة والتسويق والاستراتيجية الرقمية، وهو ما سعت إليه وما تزال الفنانة آية دغنوج، التي تشهد صفحتها على إحدى المنصات الرقمية انتشارًا واسعًا ومتابعات ومشاهدات تُعدّ بالآلاف عن كل مقطع فيديو.
إيمان عبد اللطيف
-في زمن تحكمه خوارزميات المنصات الرقمية، يصبح الترويج وجودة الإنتاج البصري والحضور على «السوشيال ميديا» عناصر أساسية
يعيش المشهد الفني التونسي في الآونة الأخيرة حركية لافتة، تجسدها أعمال جديدة لفنانين تونسيين اختاروا التوجه إلى لهجات وأساليب موسيقية متعددة، في محاولة لخلق حضور أوسع يتجاوز الحدود المحلية نحو الفضاء العربي والدولي. ومن بين هذه الأسماء تبرز الفنانة يسرى محنوش التي عانقت اللهجة العراقية من جديد، والفنانة بهاء الكافي التي غنّت باللهجة المصرية، إلى جانب الفنان خيرالدين سلطاني الذي أطلق مشروعًا موسيقيًا عابرًا للثقافات تحت عنوان «باريس- تونس»، وتضمن أغنية ديو مع الفنانة أمينة فاخت. هذه الخيارات تثير تساؤلات حول ملامح الاستراتيجية الفنية لهؤلاء النجوم، وأي دلالات تحملها هذه التوجهات في زمن تتحكم فيه خوارزميات المنصات الرقمية في الذوق العام والانتشار.
منذ انطلاقتها، عُرفت يسرى محنوش كصوت طربي استثنائي قادر على التعمق في المقامات الشرقية وإعادة إحياء كلاسيكيات الزمن الجميل بروح عصرية. لكن الجديد في مسيرتها اليوم هو إصدارها لأغنية «مرّ الحلو» باللهجة العراقية، التي أطلقتها عبر قناتها الرسمية على احدى المنصات الرقمية منذ يومين، وحققت 250 ألف مشاهدة إضافة إلى تفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي.
الأغنية من كلمات حمزة محسن، وألحان ثائر حازم، وتوزيع حسام كامل. وقد حملت مزيجًا موسيقيًا يوازن بين الأصالة والحداثة، حيث اعتمدت على الآلات الشرقية التقليدية ممزوجة بإيقاعات عصرية تناسب الأذن الحديثة. أما الفيديو كليب فجاء بسيطًا ورومانسيًا ركّز على إبراز قوة صوت يسرى محنوش وحضورها الفني بعيدًا عن التكلف البصري أو المبالغة في المؤثرات.
هذا التوجه نحو اللهجة العراقية ليس جديدًا على هذه الفنانة المتألقة، لكنه يعكس بوضوح إدراكها لأهمية السوق العراقي والخليجي في ترسيخ مكانتها العربية، خاصة وأن اللون العراقي أصبح في السنوات الأخيرة حاضرًا بقوة في قوائم الاستماع الأكثر شعبية على المنصات الرقمية.
في مقابل ذلك، اختارت الفنانة بهاء الكافي، وبعد غياب طويل، أن تعود إلى جمهورها من بوابة اللهجة المصرية من خلال أغنيتها المصوّرة «الرد الطبيعي»، التي أطلقتها عبر قناتها الرسمية على إحدى المنصات الرقمية ، وعلى كافة منصات البث الرقمي منذ أكثر من أسبوع، وحققت ما يقارب 715 ألف مشاهدة. والأغنية من كلمات صبري رياض، وألحان محمد راجح، وتوزيع ياسر ماجد، و»ميكسّ» ياسر أنور، وهي من إنتاجها الخاص.
هل تكفي اللهجة المصرية لتحقيق الانتشار؟
اختيار اللهجة المصرية قد لا يكون تفصيلا عابرًا، بل يعكس رغبة واضحة في الانفتاح على سوق موسيقية يتعتبر الأوسع في العالم العربي. فمصر التي مازالت تملك القوة الرمزية في صناعة النجوم منذ عقود، تظلّ الوجهة المفضلة لكل فنان يبحث عن الانتشار الواسع.
والعمل الذي أخرجه جان- بيار عبدايم في لبنان خلال يوم واحد، جاء في شكل فيلم كوميدي قصير. فافتتح المخرج الكليب برسالة صادمة عن غيابها وعودتها، ليحوّل هذا الغياب إلى عنصر تشويق. وقد شاركها التمثيل الممثل اللبناني جلال مروان الشعّار، ما أضفى على العمل لمسة درامية خفيفة.
من الناحية التسويقية، يبدو خيار اللهجة المصرية ذكيًا، خصوصًا إذا ما قارناه بمحدودية اللهجة التونسية في الوصول إلى المستمع العربي. فالنجوم التونسيون الذين صنعوا شهرتهم عربيًا، من لطيفة العرفاوي إلى صابر الرباعي والراحلة ذكرى محمد، فعلوا ذلك أساسًا عبر اللهجة المصرية. لكن يبقى السؤال: هل يكفي تغيير اللهجة لتحقيق الانتشار؟ أم أن نجاح العمل مرهون أيضًا بجودة المحتوى وقوة التوزيع والتسويق على المنصات الرقمية؟
على الضفة الأخرى، يعود الفنان التونسي الفرنسي خيرالدين سلطاني إلى الساحة الغنائية العالمية بمشروع موسيقي طموح حمل عنوان «باريس تونس». وهو عمل يتجاوز حدود الأغنية التقليدية ليصبح جسرًا فنيًا وثقافيًا يربط بين روح الأغنية الفرنسية وإيقاعات الشرق، في تجربة تمثل خلاصة مسيرة فنية امتدت لسنوات من الابتكار.
لقاء مع أمينة فاخت
الألبوم الذي طُرح رسميًا على المنصات الرقمية حمل في طياته مفاجأة تمثلت في ديو استثنائي جمع سلطاني بالفنانة التونسية أمينة فاخت من خلال أغنية «يا ليل»، في لقاء يمكن اعتباره حدثًا فنيًا بامتياز، لما يجمع بين صوت مبدع حافظ على أصالة الطرب التونسي وبين موسيقي عالمي يمزج بين المعاصرة والجذور.
هذه الأغنية لا تبدو مجرد تعاون، بل تجسيدًا لحوار ثقافي عميق يوحّد بين لغتين وهويتين، في إطار موسيقي يميل إلى المزج بين النغم الغربي وإيقاعات «الدربوكة» الشرقية، ما يجعل العمل مرشحًا لأن يكون أحد أبرز إنتاجات 2025.
وإذا كان خيرالدين سلطاني قد اعتاد منذ سنوات على الظهور في المحافل العالمية ونيل الجوائز الكبرى مثل «الفيكتوار دو لا موزيك»، وتصدر ألبوماته المراتب الأولى في فرنسا وخارجها، فإن هذا المشروع يكرّس عودته إلى الجذور دون أن يتخلى عن بصمته العالمية، ليقدم للجمهور حكاية موسيقية تحتفي بالهوية التونسية وتفتح لها أبواب الانتشار على أوسع نطاق.
وبالتالي، ما يجمع بين هذه التجارب الثلاث هو السعي إلى كسر حدود المحلية: فيسرى محنوش تراهن على اللهجة العراقية لكسب جمهور خليجي وعراقي، وبهاء الكافي تختار اللهجة المصرية لتعزيز فرصها في المشهد الفني والموسيقي العربي، وخيرالدين سلطاني يذهب أبعد من ذلك بمشروع يربط بين الضفتين المتوسطية والعربية. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه: هل يكفي التنوع في اللهجة والموسيقى لتحقيق الانتشار؟
في زمن تحكمه خوارزميات المنصات الرقمية، يصبح عامل الترويج وجودة الإنتاج البصري والحضور على «السوشيال ميديا» عناصر لا تقلّ أهمية عن مضمون الأغنية نفسه. فالمنافسة لم تعد فقط على مستوى الكلمة واللحن، بل أصبحت معركة على مستوى الصورة والتسويق والاستراتيجية الرقمية، وهو ما سعت إليه وما تزال الفنانة آية دغنوج، التي تشهد صفحتها على إحدى المنصات الرقمية انتشارًا واسعًا ومتابعات ومشاهدات تُعدّ بالآلاف عن كل مقطع فيديو.