في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا وتغزو كل تفاصيل حياتنا، لم يعد العالم الرقمي مجرّد وسيلة للترفيه أو الاستكشاف بالنسبة للمراهقين، بل أصبح ظاهرة مقلقة تهدّد حياتهم اليومية. الهواتف الذكية والحواسيب لم تعد أدوات عادية، بل تحوّلت إلى جزء لا يتجزأ من حياتهم، وكأنها عضو من جسدهم. حتى انقطاع الكهرباء لبضع دقائق يجعلهم يشعرون بالعجز عن التواصل مع العالم المحيط بهم.
وتُعرف هذه الظاهرة، التي تفشّت في مختلف المجتمعات العربية والعالمية، باسم الإدمان الإلكتروني، وهي حالة من الارتباط المُفرط وغير المُبرّر بالأجهزة والشبكات الرقمية، إلى درجة تجعلها بالنسبة لهم كالهواء الذي يتنفسونه، إذ يُصبح من الصعب عليهم متابعة حياتهم اليومية دونها.
وتشير البيانات في تونس إلى ارتفاع كبير لاستخدام الإنترنت، حيث بلغ عدد المستخدمين حوالي 10,5 ملايين شخص سنة 2025، أي ما يعادل 84 % من إجمالي السكان. ومن بينهم، يستعمل ما يقارب 7,25 ملايين شخص منصات التواصل الاجتماعي، حيث يحتلّ «فايسبوك» المرتبة الأولى من حيث الاستخدام، يليه «تيك توك» في المرتبة الثانية. ويقضي بعض المواطنين ساعات طويلة على هذه المنصات الرقمية، غالبا في متابعة محتوى ترفيهي، وهو ما جعل الإنترنت جزءا أساسيًا من حياتهم اليومية.
ومع هذا الاستخدام المُكثف، بدأت تظهر آثار سلبية ملموسة على الأفراد، خاصة المراهقين والشباب، إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي
15 % إلى 20 % من المراهقين في تونس يعانون من مظاهر الإدمان الرقمي، ما ينعكس في شكل عزلة اجتماعية، تراجع في الصحة النفسية، وصعوبة في الانفصال عن الشاشات، إضافة إلى الشعور بالملل والقلق عند انقطاع الإنترنت.
تشير الاستبيانات أيضا إلى أن الذكور أكثر عرضة للانغماس في استخدام الإنترنت بشكل مفرط مقارنة بالإناث، اللواتي تساعدهن مهاراتهن الاجتماعية على تفادي الانغلاق الكلي. ومع ذلك، ليس من السهل التمييز بين الاستخدام المُكثّف والاستخدام المرضي، إذ غالبا ما تبدأ المؤشرات بضعف الانتباه وفقدان الحافز للتعلّم وراء التعلّق بالشاشات.
وتفيد الدراسات الحديثة بأن الإدمان الرقمي لا يقلّ خطورة عن بعض أشكال الاعتماد التقليدي، مثل الكحول أو المخدرات، إذ ينشّط نفس مناطق “المكافأة” في الدماغ، ما يولّد رغبة متزايدة في قضاء وقت أطول أمام الشاشات. ومع تراكم الساعات، تظهر تداعيات واضحة تشمل تراجع التحصيل الدراسي، العزلة الاجتماعية، فقدان الاهتمامات، وظهور خلافات داخل الأسرة.
ويربط الأخصائيون هذه الظاهرة بعدّة عوامل، أبرزها الشخصية، مثل القلق والاكتئاب والرغبة في الهروب من الضغوط اليومية، إضافة إلى العوامل المرتبطة بتصميم التطبيقات والمنصات الرقمية نفسها، التي تعتمد على الإشعارات والمكافآت الفورية لجذب المستخدمين وإبقائهم متصلين لفترات أطول، ما يجعل السيطرة على الوقت والاستخدام أكثر صعوبة ويزيد من احتمالية تطور الإدمان.
يحذّر الخبراء من أن الإدمان لا يُصنّف كاضطراب إلا إذا استمر لفترة طويلة، ما يفرض على الأسرة التدخّل مبكرا. فالمتابعة والرقابة الأبوية تُعدّ خط الدفاع الأول، عبر تنظيم وقت الاستخدام، والاهتمام بأنشطة الأبناء الرقمية، وتقديم التوجيه بدل الاقتصار على المنع. لكن التحدّي يكمن في افتقار الكثير من الأولياء للمهارات الإعلامية اللازمة لمواكبة أبنائهم ومساعدتهم على التعامل الواعي مع التكنولوجيا.
رنيم الربعاوي*
*(متربصة من معهد الصحافة وعلوم الأخبار)
في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا وتغزو كل تفاصيل حياتنا، لم يعد العالم الرقمي مجرّد وسيلة للترفيه أو الاستكشاف بالنسبة للمراهقين، بل أصبح ظاهرة مقلقة تهدّد حياتهم اليومية. الهواتف الذكية والحواسيب لم تعد أدوات عادية، بل تحوّلت إلى جزء لا يتجزأ من حياتهم، وكأنها عضو من جسدهم. حتى انقطاع الكهرباء لبضع دقائق يجعلهم يشعرون بالعجز عن التواصل مع العالم المحيط بهم.
وتُعرف هذه الظاهرة، التي تفشّت في مختلف المجتمعات العربية والعالمية، باسم الإدمان الإلكتروني، وهي حالة من الارتباط المُفرط وغير المُبرّر بالأجهزة والشبكات الرقمية، إلى درجة تجعلها بالنسبة لهم كالهواء الذي يتنفسونه، إذ يُصبح من الصعب عليهم متابعة حياتهم اليومية دونها.
وتشير البيانات في تونس إلى ارتفاع كبير لاستخدام الإنترنت، حيث بلغ عدد المستخدمين حوالي 10,5 ملايين شخص سنة 2025، أي ما يعادل 84 % من إجمالي السكان. ومن بينهم، يستعمل ما يقارب 7,25 ملايين شخص منصات التواصل الاجتماعي، حيث يحتلّ «فايسبوك» المرتبة الأولى من حيث الاستخدام، يليه «تيك توك» في المرتبة الثانية. ويقضي بعض المواطنين ساعات طويلة على هذه المنصات الرقمية، غالبا في متابعة محتوى ترفيهي، وهو ما جعل الإنترنت جزءا أساسيًا من حياتهم اليومية.
ومع هذا الاستخدام المُكثف، بدأت تظهر آثار سلبية ملموسة على الأفراد، خاصة المراهقين والشباب، إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي
15 % إلى 20 % من المراهقين في تونس يعانون من مظاهر الإدمان الرقمي، ما ينعكس في شكل عزلة اجتماعية، تراجع في الصحة النفسية، وصعوبة في الانفصال عن الشاشات، إضافة إلى الشعور بالملل والقلق عند انقطاع الإنترنت.
تشير الاستبيانات أيضا إلى أن الذكور أكثر عرضة للانغماس في استخدام الإنترنت بشكل مفرط مقارنة بالإناث، اللواتي تساعدهن مهاراتهن الاجتماعية على تفادي الانغلاق الكلي. ومع ذلك، ليس من السهل التمييز بين الاستخدام المُكثّف والاستخدام المرضي، إذ غالبا ما تبدأ المؤشرات بضعف الانتباه وفقدان الحافز للتعلّم وراء التعلّق بالشاشات.
وتفيد الدراسات الحديثة بأن الإدمان الرقمي لا يقلّ خطورة عن بعض أشكال الاعتماد التقليدي، مثل الكحول أو المخدرات، إذ ينشّط نفس مناطق “المكافأة” في الدماغ، ما يولّد رغبة متزايدة في قضاء وقت أطول أمام الشاشات. ومع تراكم الساعات، تظهر تداعيات واضحة تشمل تراجع التحصيل الدراسي، العزلة الاجتماعية، فقدان الاهتمامات، وظهور خلافات داخل الأسرة.
ويربط الأخصائيون هذه الظاهرة بعدّة عوامل، أبرزها الشخصية، مثل القلق والاكتئاب والرغبة في الهروب من الضغوط اليومية، إضافة إلى العوامل المرتبطة بتصميم التطبيقات والمنصات الرقمية نفسها، التي تعتمد على الإشعارات والمكافآت الفورية لجذب المستخدمين وإبقائهم متصلين لفترات أطول، ما يجعل السيطرة على الوقت والاستخدام أكثر صعوبة ويزيد من احتمالية تطور الإدمان.
يحذّر الخبراء من أن الإدمان لا يُصنّف كاضطراب إلا إذا استمر لفترة طويلة، ما يفرض على الأسرة التدخّل مبكرا. فالمتابعة والرقابة الأبوية تُعدّ خط الدفاع الأول، عبر تنظيم وقت الاستخدام، والاهتمام بأنشطة الأبناء الرقمية، وتقديم التوجيه بدل الاقتصار على المنع. لكن التحدّي يكمن في افتقار الكثير من الأولياء للمهارات الإعلامية اللازمة لمواكبة أبنائهم ومساعدتهم على التعامل الواعي مع التكنولوجيا.