إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

توقّعات بتجاوز 4 آلاف مليون دينار في أفق 2030.. الاستثمارات الأجنبية في تونس تقترب من حاجز 3 آلاف مليون دينار مع نهاية 2025

تتجه تونس بخطى ثابتة نحو تحقيق قفزة نوعية في مجال الاستثمارات الأجنبية، مع توقّعات بتجاوز إجمالي الاستثمارات حاجز 3000 مليون دينار بنهاية عام 2025، وأكثر من 4000 مليون دينار خلال الفترة الممتدّة بين 2026-2030، وذلك وفق ما كشفت عنه وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي.

هذه التوقّعات تأتي مدفوعة بالانتعاشة التي شهدتها البلاد خلال النصف الأول من العام نفسه، حيث بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية 1650 مليون دينار، وهو ما يعكس ثقة متزايدة من المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التونسي.

ورغم التحديات الاقتصادية، تسعى الحكومة التونسية إلى تكريس جهودها لتنويع مصادر الاستثمار، وخلق بيئة أعمال مواتية لتعزيز النمو ورفع التنافسية الإقليمية.

نموّ متواصل مقارنة بالسنوات الماضية

تُظهر الأرقام أنّ الاستثمارات الدولية في تونس لم تقتصر على الحفاظ على نسقها، بل تجاوزته إلى مستويات جديدة. فقد ارتفعت بنسبة 20,8 % مقارنة بسنة 2024، وبنسبة 35,8 % مقارنة بعام 2023، لتصل نسبة النمو إلى 63,6 % مقارنة بـ2022.

هذه الأرقام لا تعكس مجرّد زيادة مالية، بل تعبّر عن بداية تحوّل في توجّهات المستثمرين تجاه تونس، خصوصا في ظلّ المنافسة الإقليمية الشديدة مع بلدان مثل المغرب ومصر.

يشير هذا النموّ إلى أن تونس، رغم الصعوبات الاقتصادية، لا تزال تحافظ على مكانتها كسوق واعدة تتميّز بيد عاملة مؤهّلة وتكلفة إنتاجية تنافسية، إضافة إلى موقع جغرافي استراتيجي يجعلها بوابة طبيعية بين أوروبا وأفريقيا.

تدفّق لافت للاستثمارات الأجنبية

تشير المعطيات إلى أنّ الاستثمارات المباشرة الدولية بلغت 1650 مليون دينار، بينما عرفت استثمارات المحافظ تراجعًا بـ28,3 % لتستقر عند 9,7 مليون دينار.

وتوزّعت الاستثمارات المباشرة بين الصناعات المعملية بنسبة 62,9 %، وقطاع الطاقة بنسبة 24,3 %، والخدمات بنسبة 11,6 %، والفلاحة بنسبة 1,2 %.

وتوضّح هذه النسب أنّ الصناعات التحويلية والمعملية لا تزال هي المحرّك الرئيسي للاستثمارات في تونس، وهو ما يعكس قوّة هذا القطاع في جذب المستثمرين، بفضل تاريخه الطويل وقاعدة المؤسّسات المحلية والدولية العاملة فيه.

كما أنّ قطاع الطاقة، رغم أهميّته، لا يزال يواجه تحدّيات مرتبطة بالانتقال الطاقي، والحاجة إلى استثمارات أوسع في مجال الطاقات المتجدّدة.

أثر الاستثمارات على التشغيل

وخلال النصف الأول من العام الجاري، نجحت تونس في استقطاب استثمارات أجنبية بلغت قيمتها 1650.3 مليون دينار، مقابل 1366 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2024، مسجّلة بذلك نموًّا بنسبة 20,8 بالمائة، علما وأن الهدف في المرحلة القادمة هو رفع قيمة الاستثمارات الأجنبية إلى أكثر من 4000 مليون دينار خلال الفترة الممتدة بين 2026-2030، وهو ما يرفع من حجم الاقتصاد الوطني ويوفّر آلاف فرص العمل.

وساهمت التدفقات الاستثمارية خارج قطاع الطاقة في إنجاز 623 عملية استثمارية بقيمة 1242 مليون دينار، ما مكّن من إحداث 4677 موطن شغل جديد خلال النصف الأول من العام الجاري.

هذا الرقم يُعتبر مؤشّرا إيجابيّا، لكنه يطرح أيضا تساؤلات حول مدى قدرة هذه الاستثمارات على خلق فرص شغل مستدامة طويلة الأمد.

الأثر المستقبلي لهذه الاستثمارات قد يكون أوسع بكثير، فالمشاريع الكبرى عادة ما تبدأ بطاقة تشغيلية محدودة، لكنها تتوسّع تدريجيّا لتشمل آلاف الموظّفين. وإذا ما واصلت تونس هذا النسق، فمن المتوقّع أن تساهم الاستثمارات الأجنبية في خلق عشرات الآلاف من فرص الشغل الإضافية بحلول 2030، خاصّة في الصناعات الإلكترونية ومكوّنات السيارات والطاقة النظيفة.

إضافة إلى الوظائف المباشرة، فإنّ الاستثمارات الأجنبية تساهم في خلق وظائف غير مباشرة مرتبطة بسلاسل القيمة، مثل النقل، واللوجستيك، والخدمات المالية، والتوريد. هذه الوظائف غير المباشرة قد تُضاعف الأثر الاجتماعي للاستثمار، وتُوسّع من دائرة المستفيدين منه.

تفاوت جهوي في توزيع الاستثمارات

رغم التطوّر الكمّي، يظلّ التوزيع الجغرافي للاستثمارات غير متوازن. فقد استأثرت مناطق تونس الكبرى بأكثر من 42 % من إجمالي الاستثمارات، بقيمة 553,7 مليون دينار، منها 232,4 مليون دينار بولاية تونس وحدها. أما جهة الشمال الشرقي فاستحوذت على حوالي 35 % من الاستثمارات، بقيمة 436,3 مليون دينار.

هذا التمركز يعكس استمرار جاذبية العاصمة والمناطق الساحلية، لكنه يكشف أيضًا عن فجوة متزايدة مع الجهات الداخلية.

هذا التفاوت الجهوي يطرح إشكالية حقيقية تتعلّق بالتنمية المتوازنة. فإذا لم يتم وضع خطط لتحفيز الاستثمارات في الجهات الداخلية، عبر توفير مناطق صناعية جديدة وتحسين البنية التحتية، فإنّ الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الجهات ستتعمّق.

ويمكن القول إن نجاح تونس في المرحلة المقبلة سيكون مرهونا بقدرتها على توزيع الاستثمارات بشكل عادل يضمن الاستفادة لجميع المناطق.

فرنسا تتصدّر قائمة المستثمرين

من حيث جنسيات المستثمرين، تصدّرت فرنسا القائمة باستثمارات بلغت 421 مليون دينار، أي ما يعادل أكثر من 33 % من إجمالي الاستثمارات المباشرة خارج قطاع الطاقة.

وجاءت إيطاليا في المرتبة الثانية بـ159,4 مليون دينار، تلتها ألمانيا بـ124,2 مليون دينار، وصولا إلى هولندا بـ91,1 مليون دينار، والولايات المتحدة بـ88,4 مليون دينار.

هذا الترتيب يؤكّد أن أوروبا لا تزال الشريك الاقتصادي الأول لتونس، لكن في الوقت ذاته يطرح تساؤلات حول ضرورة تنويع الشركاء، وجذب استثمارات من آسيا وأفريقيا لتقليل الاعتماد المفرط على السوق الأوروبية.

وتكشف هذه البيانات أن تونس تسير في اتجاه استعادة موقعها كوجهة مفضّلة للاستثمارات، غير أنّ حجم الاستثمارات لا يكفي وحده إذا لم يقترن بجودة المشاريع.

وحسب ما كشفه عدد من خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، فإنّ المطلوب اليوم هو التركيز على استثمارات قادرة على نقل التكنولوجيا، وتحسين الإنتاجية، وتطوير الكفاءات المحلية. فالمكسب الحقيقي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يقتصر على الأموال، بل يشمل كذلك المعرفة والتجارب التي يمكن أن تعزّز الاقتصاد الوطني.

آفاق التشغيل خلال السنوات القادمة

وتشير التوقّعات الصادرة عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي إلى أنّ تونس قد تُحقّق مستوى قياسيا في الاستثمارات الأجنبية خلال 2025، مع إمكانية تجاوز حاجز 3000 مليون دينار، إذا ما واصلت تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وتحسين بيئة الأعمال.

ويتوقّع أن تكون قطاعات التكنولوجيا، والطاقة النظيفة، والصناعات الإلكترونية في طليعة المستفيدين من هذا النمو، وهو ما سيُعزّز من قدرة الاقتصاد التونسي على تحقيق معدّلات نموّ أعلى وخلق المزيد من فرص العمل. وفي أفق 2030، يمكن أن تصبح تونس مركزا إقليميا لتجميع الصناعات الميكانيكية والإلكترونية، إذا ما استثمرت في التكوين المهني وملاءمته مع حاجيات السوق.

هذا السيناريو من شأنه أن يُغيّر المشهد الاقتصادي والاجتماعي بشكل جذري.

أهمّية الاستثمارات في دعم جهود الدولة

ويرجع هذا النموّ إلى عدّة عوامل مترابطة، منها الإصلاحات الاقتصادية التي شملت تحسين الإطار القانوني للاستثمار وتبسيط الإجراءات، إضافة إلى المناخ الأمني والسياسي المستقرّ نسبيا، فضلا عن الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي سهّلت دخول المستثمرين.

كما أن توفر يد عاملة مؤهّلة بتكلفة تنافسية ساعد على تعزيز موقع تونس.

وساهمت هذه الاستثمارات في دعم سياسات الدولة الرامية إلى الحدّ من البطالة وتحفيز النمو، كما أنها ساهمت في إدماج تونس في الاقتصاد العالمي عبر سلاسل الإنتاج والتوريد، وساعدت على تحسين ميزان المدفوعات.

غير أن هذا الدعم سيبقى محدودا ما لم يتم توجيه الاستثمارات نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية مثل التكنولوجيا والرقمنة.

توصيات لتوسيع قاعدة الاستثمارات

ولتعزيز المكاسب المحقّقة، يُشدّد أغلب خبراء الاقتصاد على ضرورة أن تتبنّى تونس سياسة استثمارية أكثر وضوحًا، تستهدف قطاعات المستقبل. ويبرز هنا قطاع التكنولوجيا الرقمية باعتباره المحرّك الأساسي للنمو عالميًا. كما يجب دعم الابتكار وريادة الأعمال المحلية عبر تمويل المشاريع الناشئة، وتمكينها من النفاذ إلى الأسواق الدولية. كذلك، فإن تطوير البنية التحتية الرقمية يُعدّ شرطا أساسيا لتحويل تونس إلى منصّة إقليمية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية.

وفي المحصّلة، تدلّ المؤشّرات الصادرة عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي على أن تونس تسير في الاتجاه الصحيح فيما يتعلّق بجذب الاستثمارات الدولية، لكن الطريق لا يزال طويلًا.

والمطلوب اليوم هو الانتقال من مجرّد جذب الأموال إلى بناء شراكات استراتيجية تُحقّق التنمية الشاملة، وتُوفّر مواطن شغل مستدامة. وإذا ما نجحت تونس في استغلال هذا الزخم الاستثماري وتوجيهه نحو القطاعات التكنولوجية والرقمية، فإنّ السنوات القادمة قد تشهد انتعاشة اقتصادية غير مسبوقة، تجعل من البلاد فاعلا إقليميا أساسيا في سوق الاستثمارات العالمية.

سفيان المهداوي

توقّعات بتجاوز 4 آلاف مليون دينار في أفق 2030..   الاستثمارات الأجنبية في تونس تقترب من حاجز 3 آلاف مليون دينار مع نهاية 2025

تتجه تونس بخطى ثابتة نحو تحقيق قفزة نوعية في مجال الاستثمارات الأجنبية، مع توقّعات بتجاوز إجمالي الاستثمارات حاجز 3000 مليون دينار بنهاية عام 2025، وأكثر من 4000 مليون دينار خلال الفترة الممتدّة بين 2026-2030، وذلك وفق ما كشفت عنه وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي.

هذه التوقّعات تأتي مدفوعة بالانتعاشة التي شهدتها البلاد خلال النصف الأول من العام نفسه، حيث بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية 1650 مليون دينار، وهو ما يعكس ثقة متزايدة من المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التونسي.

ورغم التحديات الاقتصادية، تسعى الحكومة التونسية إلى تكريس جهودها لتنويع مصادر الاستثمار، وخلق بيئة أعمال مواتية لتعزيز النمو ورفع التنافسية الإقليمية.

نموّ متواصل مقارنة بالسنوات الماضية

تُظهر الأرقام أنّ الاستثمارات الدولية في تونس لم تقتصر على الحفاظ على نسقها، بل تجاوزته إلى مستويات جديدة. فقد ارتفعت بنسبة 20,8 % مقارنة بسنة 2024، وبنسبة 35,8 % مقارنة بعام 2023، لتصل نسبة النمو إلى 63,6 % مقارنة بـ2022.

هذه الأرقام لا تعكس مجرّد زيادة مالية، بل تعبّر عن بداية تحوّل في توجّهات المستثمرين تجاه تونس، خصوصا في ظلّ المنافسة الإقليمية الشديدة مع بلدان مثل المغرب ومصر.

يشير هذا النموّ إلى أن تونس، رغم الصعوبات الاقتصادية، لا تزال تحافظ على مكانتها كسوق واعدة تتميّز بيد عاملة مؤهّلة وتكلفة إنتاجية تنافسية، إضافة إلى موقع جغرافي استراتيجي يجعلها بوابة طبيعية بين أوروبا وأفريقيا.

تدفّق لافت للاستثمارات الأجنبية

تشير المعطيات إلى أنّ الاستثمارات المباشرة الدولية بلغت 1650 مليون دينار، بينما عرفت استثمارات المحافظ تراجعًا بـ28,3 % لتستقر عند 9,7 مليون دينار.

وتوزّعت الاستثمارات المباشرة بين الصناعات المعملية بنسبة 62,9 %، وقطاع الطاقة بنسبة 24,3 %، والخدمات بنسبة 11,6 %، والفلاحة بنسبة 1,2 %.

وتوضّح هذه النسب أنّ الصناعات التحويلية والمعملية لا تزال هي المحرّك الرئيسي للاستثمارات في تونس، وهو ما يعكس قوّة هذا القطاع في جذب المستثمرين، بفضل تاريخه الطويل وقاعدة المؤسّسات المحلية والدولية العاملة فيه.

كما أنّ قطاع الطاقة، رغم أهميّته، لا يزال يواجه تحدّيات مرتبطة بالانتقال الطاقي، والحاجة إلى استثمارات أوسع في مجال الطاقات المتجدّدة.

أثر الاستثمارات على التشغيل

وخلال النصف الأول من العام الجاري، نجحت تونس في استقطاب استثمارات أجنبية بلغت قيمتها 1650.3 مليون دينار، مقابل 1366 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2024، مسجّلة بذلك نموًّا بنسبة 20,8 بالمائة، علما وأن الهدف في المرحلة القادمة هو رفع قيمة الاستثمارات الأجنبية إلى أكثر من 4000 مليون دينار خلال الفترة الممتدة بين 2026-2030، وهو ما يرفع من حجم الاقتصاد الوطني ويوفّر آلاف فرص العمل.

وساهمت التدفقات الاستثمارية خارج قطاع الطاقة في إنجاز 623 عملية استثمارية بقيمة 1242 مليون دينار، ما مكّن من إحداث 4677 موطن شغل جديد خلال النصف الأول من العام الجاري.

هذا الرقم يُعتبر مؤشّرا إيجابيّا، لكنه يطرح أيضا تساؤلات حول مدى قدرة هذه الاستثمارات على خلق فرص شغل مستدامة طويلة الأمد.

الأثر المستقبلي لهذه الاستثمارات قد يكون أوسع بكثير، فالمشاريع الكبرى عادة ما تبدأ بطاقة تشغيلية محدودة، لكنها تتوسّع تدريجيّا لتشمل آلاف الموظّفين. وإذا ما واصلت تونس هذا النسق، فمن المتوقّع أن تساهم الاستثمارات الأجنبية في خلق عشرات الآلاف من فرص الشغل الإضافية بحلول 2030، خاصّة في الصناعات الإلكترونية ومكوّنات السيارات والطاقة النظيفة.

إضافة إلى الوظائف المباشرة، فإنّ الاستثمارات الأجنبية تساهم في خلق وظائف غير مباشرة مرتبطة بسلاسل القيمة، مثل النقل، واللوجستيك، والخدمات المالية، والتوريد. هذه الوظائف غير المباشرة قد تُضاعف الأثر الاجتماعي للاستثمار، وتُوسّع من دائرة المستفيدين منه.

تفاوت جهوي في توزيع الاستثمارات

رغم التطوّر الكمّي، يظلّ التوزيع الجغرافي للاستثمارات غير متوازن. فقد استأثرت مناطق تونس الكبرى بأكثر من 42 % من إجمالي الاستثمارات، بقيمة 553,7 مليون دينار، منها 232,4 مليون دينار بولاية تونس وحدها. أما جهة الشمال الشرقي فاستحوذت على حوالي 35 % من الاستثمارات، بقيمة 436,3 مليون دينار.

هذا التمركز يعكس استمرار جاذبية العاصمة والمناطق الساحلية، لكنه يكشف أيضًا عن فجوة متزايدة مع الجهات الداخلية.

هذا التفاوت الجهوي يطرح إشكالية حقيقية تتعلّق بالتنمية المتوازنة. فإذا لم يتم وضع خطط لتحفيز الاستثمارات في الجهات الداخلية، عبر توفير مناطق صناعية جديدة وتحسين البنية التحتية، فإنّ الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الجهات ستتعمّق.

ويمكن القول إن نجاح تونس في المرحلة المقبلة سيكون مرهونا بقدرتها على توزيع الاستثمارات بشكل عادل يضمن الاستفادة لجميع المناطق.

فرنسا تتصدّر قائمة المستثمرين

من حيث جنسيات المستثمرين، تصدّرت فرنسا القائمة باستثمارات بلغت 421 مليون دينار، أي ما يعادل أكثر من 33 % من إجمالي الاستثمارات المباشرة خارج قطاع الطاقة.

وجاءت إيطاليا في المرتبة الثانية بـ159,4 مليون دينار، تلتها ألمانيا بـ124,2 مليون دينار، وصولا إلى هولندا بـ91,1 مليون دينار، والولايات المتحدة بـ88,4 مليون دينار.

هذا الترتيب يؤكّد أن أوروبا لا تزال الشريك الاقتصادي الأول لتونس، لكن في الوقت ذاته يطرح تساؤلات حول ضرورة تنويع الشركاء، وجذب استثمارات من آسيا وأفريقيا لتقليل الاعتماد المفرط على السوق الأوروبية.

وتكشف هذه البيانات أن تونس تسير في اتجاه استعادة موقعها كوجهة مفضّلة للاستثمارات، غير أنّ حجم الاستثمارات لا يكفي وحده إذا لم يقترن بجودة المشاريع.

وحسب ما كشفه عدد من خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، فإنّ المطلوب اليوم هو التركيز على استثمارات قادرة على نقل التكنولوجيا، وتحسين الإنتاجية، وتطوير الكفاءات المحلية. فالمكسب الحقيقي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يقتصر على الأموال، بل يشمل كذلك المعرفة والتجارب التي يمكن أن تعزّز الاقتصاد الوطني.

آفاق التشغيل خلال السنوات القادمة

وتشير التوقّعات الصادرة عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي إلى أنّ تونس قد تُحقّق مستوى قياسيا في الاستثمارات الأجنبية خلال 2025، مع إمكانية تجاوز حاجز 3000 مليون دينار، إذا ما واصلت تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وتحسين بيئة الأعمال.

ويتوقّع أن تكون قطاعات التكنولوجيا، والطاقة النظيفة، والصناعات الإلكترونية في طليعة المستفيدين من هذا النمو، وهو ما سيُعزّز من قدرة الاقتصاد التونسي على تحقيق معدّلات نموّ أعلى وخلق المزيد من فرص العمل. وفي أفق 2030، يمكن أن تصبح تونس مركزا إقليميا لتجميع الصناعات الميكانيكية والإلكترونية، إذا ما استثمرت في التكوين المهني وملاءمته مع حاجيات السوق.

هذا السيناريو من شأنه أن يُغيّر المشهد الاقتصادي والاجتماعي بشكل جذري.

أهمّية الاستثمارات في دعم جهود الدولة

ويرجع هذا النموّ إلى عدّة عوامل مترابطة، منها الإصلاحات الاقتصادية التي شملت تحسين الإطار القانوني للاستثمار وتبسيط الإجراءات، إضافة إلى المناخ الأمني والسياسي المستقرّ نسبيا، فضلا عن الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي سهّلت دخول المستثمرين.

كما أن توفر يد عاملة مؤهّلة بتكلفة تنافسية ساعد على تعزيز موقع تونس.

وساهمت هذه الاستثمارات في دعم سياسات الدولة الرامية إلى الحدّ من البطالة وتحفيز النمو، كما أنها ساهمت في إدماج تونس في الاقتصاد العالمي عبر سلاسل الإنتاج والتوريد، وساعدت على تحسين ميزان المدفوعات.

غير أن هذا الدعم سيبقى محدودا ما لم يتم توجيه الاستثمارات نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية مثل التكنولوجيا والرقمنة.

توصيات لتوسيع قاعدة الاستثمارات

ولتعزيز المكاسب المحقّقة، يُشدّد أغلب خبراء الاقتصاد على ضرورة أن تتبنّى تونس سياسة استثمارية أكثر وضوحًا، تستهدف قطاعات المستقبل. ويبرز هنا قطاع التكنولوجيا الرقمية باعتباره المحرّك الأساسي للنمو عالميًا. كما يجب دعم الابتكار وريادة الأعمال المحلية عبر تمويل المشاريع الناشئة، وتمكينها من النفاذ إلى الأسواق الدولية. كذلك، فإن تطوير البنية التحتية الرقمية يُعدّ شرطا أساسيا لتحويل تونس إلى منصّة إقليمية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية.

وفي المحصّلة، تدلّ المؤشّرات الصادرة عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي على أن تونس تسير في الاتجاه الصحيح فيما يتعلّق بجذب الاستثمارات الدولية، لكن الطريق لا يزال طويلًا.

والمطلوب اليوم هو الانتقال من مجرّد جذب الأموال إلى بناء شراكات استراتيجية تُحقّق التنمية الشاملة، وتُوفّر مواطن شغل مستدامة. وإذا ما نجحت تونس في استغلال هذا الزخم الاستثماري وتوجيهه نحو القطاعات التكنولوجية والرقمية، فإنّ السنوات القادمة قد تشهد انتعاشة اقتصادية غير مسبوقة، تجعل من البلاد فاعلا إقليميا أساسيا في سوق الاستثمارات العالمية.

سفيان المهداوي