إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الشعر والمهرجانات الصيفية في عيون الشعراء.. «ديوان العرب» اليوم يدفع ثمن الاختيارات الثقافية.. صيفا

- دعوة للمراهنة على «ليلة الشعر العربي» في قرطاج

ارتفعت أصوات الشعراء هنا وهناك منذ انطلاق ماراطون المهرجانات الصيفية، للمطالبة بما يعتبرونه حقهم في الحضور والمشاركة في تأثيث سهرات وأمسيات شعرية. نداءات وطلبات لم تجد من يستجيب لها في مهرجانات هذه الصائفة، إلا بعض المبادرات النادرة جدا من مهرجانات قليلة وذات طابع محلي.

هذه الاختيارات كان لها – على ما يبدو – أثر سلبي على الشعراء الذين استطلعنا آراء بعضهم، فكانت هذه النتيجة:

خالد الوغلاني: المراهنة على  «ليلة الشعر العربي»؟

الشعر يظل أول الفنون، لأنه الفن الذي لا يحتاج الإنسان فيه إلا إلى اللغة وحدها، وهو لذلك قادر أن يوجد في كل زمان ومكان. والساحة الشعرية العربية تزخر بالشعراء الكبار الذين يظلون قادرين على أن يملؤوا المسارح الكبرى لو راهن مهرجان من مهرجاناتنا عليهم في ليلة يسميها «ليلة الشعر العربي» مثلا، تقدَّم في شكل عرض في المسرح الأثري بقرطاج، يقع إعداده بالاشتراك بين شاعر ومخرج مسرحي وموسيقي تونسي، مع أضواء وشاشة عملاقة بها فيديوهات ترافق إلقاء القصائد بشكل محترف.

يقدَّم فيه عدد من الشعراء الكبار، يكون من بينهم مثلا: أحمد بخيت من مصر، تميم البرغوثي من فلسطين، مهدي منصور من لبنان، عارف الساعدي من العراق، جمال الملا من سلطنة عمان، محمد إبراهيم يعقوب من المملكة العربية السعودية، أحمد عريج من المغرب، روضة الحاج من السودان، حنين عمر من الجزائر، عبد الواحد عمران من اليمن، عبد الرحمان الحميري من الإمارات، محمد ولد الطالب من موريتانيا، بهيجة إدلبي من سوريا، وخالد الوغلاني من تونس.

ويمكن أن يطلب من كل شاعر مقطع شعري يُغنّى بأصوات تونسية وتنفيذ من الفرقة الوطنية للموسيقى كفاصل بين كل شاعر وآخر، وتكون الأمسية مخصصة لفلسطين. عندها سنكون قد خدمنا القضية الفلسطينية والشعر العربي، وكنا روادا بأتم معنى الكلمة، وأكدنا سمعة الجمهور التونسي لدى الإخوة العرب كجمهور مثقف من درجة أولى. ويمكن أن نطلب من كل شاعر قصيدة قصيرة يلقيها بعامية بلاده.

المولدي فرّوج: المتنفذون  منعوا الشعر في الصيف

لم يفقد الشعر صلوحيته في الصيف، بل لعلّ محبيه هجروه إلى حيث يمنعه المسؤولون عن المهرجانات والفضاءات الثقافية من التواجد. بان هذا جليا منذ الثورة خاصّة، وبانت الرغبة في تصفية الجانب الفكري والأدبي في التظاهرات الصيفية. ما معنى أن يقام «مصيف كتاب» على امتداد ثلاثة أيام من الرقص والصياح دون دعوة كاتب وحيد ولا كتاب؟

أغلب الأنشطة نراها على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الواقع. شخصيا، كان مروري على ركح قرطاج لقراءة الشعر سنة 2012 من أجمل الذكريات، وكذلك في المهدية حين أبرمت اتفاقية مع هيئة مهرجان «ليالي المهدية» للقيام بتظاهرة فكرية. وكذلك في أماكن أخرى كانت المهرجانات تولي أهمية في برنامجها للجوانب الفكرية. أما الآن فقد تغيّر الحال وامتدّ التصحر الفكري والأدبي ليشمل الفضاءات الثقافية كالمهرجانات والإعلام والصحف. كان هذا من الماضي.

خير الدين الشابي: الشعر يعيش عزلة مفروضة في الصيف

كان الشعر – ولم يعد – سيّد المواقف في هذا العصر المتطور في جميع المجالات، إلا في مجال الكتابة. أصبح مختصرا في فئة معينة خُلقت لتكمل المشهد الشعري المفقود، خاصة في فصل الصيف. غاب دور الشعر في المهرجانات الصيفية رغم الأموال المرصودة للفنانين والعازفين والراقصين، ما عدا أصحاب القلم الذين فقدوا مشاريعهم ومشروعيتهم في المشاركة، وأصبحوا في عزلة مقيتة رغم الإصدارات المتواصلة.

مديرو هذه المهرجانات لا يطعّمون حفلاتهم – ولو على الهامش – بإدماج الشعراء، حتى تكون لفتة كريمة ترفع من شأنهم، إذ كثيرا ما تمرّ سنة كاملة دون أن يقرؤوا إنتاجاتهم. ومن هنا أصبحت الثقافة عموما بلا صدى، وبلا مدد، وبلا تشجيع مادي أو معنوي. هذا ما أكّده المشهد الفرجوي والفني وعزل الشعر والشعراء عن مواكبة مسيرتهم في عديد التظاهرات، بما فيهم المهرجانات الصيفية. كما أصبحت الإصدارات عاجزة عن الوصول إلى الجمهور، وخفتت الأصوات الشعرية، واهترأت الإمكانيات الخاصة، وضاعفت المغامرة في هذا المجال. أتمنى أن تكون المهرجانات الصيفية – كما كانت سابقا – فضاء يكون الشعر فيه عنصرا من عناصر النجاح المؤكَّد.

عادل الجريدي: الشعر يحتاج إلى مشروع ثقافي يعي مكانته

رغم أن الصيف ظلّ لقرون مصدر إلهام للشعراء وساحة للمحاورة الشعرية والسجال ضمن سهرات الأعراس والأفراح على أنغام الناي وتحت ضوء القمر، فإن المفارقة اليوم تكمن في تراجع حضوره، خاصة على مستوى برمجته في سهرات المهرجانات الصيفية التي باتت تبحث عن التعبئة الجماهيرية أو الانسياق خلف المقولة الخطيرة «الجمهور عايز كدا».

وفي الحقيقة، الجمهور العريض هو جماهير متباينة الأذواق والاهتمامات، والشعر في العموم لا يتقاطع مع بقية الفنون، ولن يفقد بريقه ولن تذبل أزهاره. فقط يحتاج إلى من يحترم الشعراء وجمهور الشعر بإدراجه ضمن البرمجة العامة للمهرجانات، وإحياء تلك السهرات الشعرية التي زانت مهرجان قرطاج في دورات سابقة. والأكيد أنّه سينسج على منواله بقية المهرجانات المتوزعة على امتداد خارطة الوطن. الشعر مادة ثقافية وروحية وحسية دسمة لا زالت الإنسانية بحاجة ماسّة إليها.

فائزة بن مسعود: الشعر لغة الروح  في كل المواسم

الشعر صدى الإنسان وليس صدى الطقس... الشعر لا يرتبط بفصل دون آخر، بل هو لغة الروح في كل المواسم. وحرارة الصيف قد تُلهب المشاعر وتزيد انفعال الحواس، فتنبثق الصور الشعرية أكثر توهجا وتأثيرا وجمالا. وفي ظلال القيظ والحرّ يبحث الإنسان عن الجمال والخيال ليخفّف من ثقل الواقع، فيجد في الشعر ملاذه ونسيمه العليل البارد... فربما تكون قصيدة صيفية كنسمة بحر أو كغيمة تعانق عطش الحقول.

إنّ الشعر ابن اللحظة والانبعاث، حيث يزهر في البرد كما في الحر، وعبر كل الفصول يتغذى من نبض القلوب. والحق أن الإبداع الحقيقي لا يعرف عطلة موسمية، بل يشتد حين يزداد الشوق إلى المعنى. لذلك يظل الشعر صالحا دائما مضيئا عبر الفصول والمواسم.

لم يصبح الشعر غير صالح في الصيف، لكنّ ما يحدث هو أنّ المهرجانات الصيفية أهملت حضوره عمدا لصالح فنون أخرى كالرقص والغناء، ظنّا أنّ الجمهور لا يرغب في الإصغاء للقصيدة تحت شمس الترفيه. هذا الإقصاء جعل الشعر يبدو غائبا لا لضعفه، بل لغياب المنصات التي تمنحه مكانته. فالشعر قادر على أن ينعش الأرواح في قيظ الصيف كما في برد الشتاء. لكنّ السياسات الثقافية السائدة تحصر الصيف في مظاهر المتعة السريعة وتقصي الكلمة العميقة. إنّ تغييبه لا يعني موته، بل يكشف أزمة تقدير للقيمة الإبداعية. فلو أُتيح للشعر فضاؤه في مهرجانات الصيف، لكان صوتا جميلا يرافق الأغاني والرقصات، ويذكّر الناس بأن الفصول جميعها تحتاج إلى المعنى والجمال، لا إلى الترفيه وحده.

صالح الفضلاوي: الشعر  رهين أمسيات عادية

لا يخفى على أحد أنّه ليست هناك مبادرات لبرمجة أمسيات أو لقاءات شعرية على هامش المهرجانات الصيفية، رغم أنّه بإمكانها أن تكون متنفسا وفرصة سانحة للشعراء كي يقتربوا أكثر من المتقبل. فالقائمون على شؤون هذه التظاهرات لا يفكرون البتة في ذلك، ربما لأن الشعر – حسب رأيهم – لا يستقطب العامة من المتابعين وهو سجين فئة معينة من المثقفين.

ورغم أن تنظيم أمسية شعرية في إطار مهرجان صيفي في أي جهة لا يتطلب الكثير من الإمكانيات المالية واللوجستية، إلا أنّ هذا النوع من الأنشطة – على قيمته وأهميته – يبقى الغائب الأبرز عن البرامج الصيفية. وهو اختيار سلبي من منطلق تفكير ضيق لمسؤولين لا يبحثون سوى عن عروض قادرة على تعبئة مسارحهم، وهي في الغالب إما موسيقية أو مسرحية. رغم أنّه بتوفير إمكانيات بسيطة يمكن تقديم عروض شعرية ناجحة.

وفي هذا الإطار، ما على وزارة الشؤون الثقافية سوى أن تعمل على حثّ المسؤولين عن المهرجانات الصيفية على برمجة أمسيات شعرية، ليأخذ هذا الفعل الثقافي نصيبه من هذه التظاهرات الهامة التي تدعمها الدولة، ولكي لا يبقى حبيس أمسيات عادية لا تفي بالحاجة ولا يحضرها سوى القليل من المثقفين في بقية فصول السنة.

نور الدين بن يمينة: الشعر نص صالح لكل زمان ومكان.. لكن؟

لا يمكن للشعر الحقيقي أن يفقد صلوحيته لا في الصيف ولا في غيره من الفصول. فالشعر فن راق يحتاج إلى متلق واع وذي ذائقة عالية في كل وقت وحين، وهو بهذا المعنى نص صالح لكل زمان ومكان. إلا أن أغلب هيئات المهرجانات الصيفية لا علاقة لها بالأدب والشعر، الذي يرونه ترفا فكريا تمارسه نخبة من المجانين لا تقدر على جلب الجمهور إلى الفضاءات. وهم على حق في بعض ذلك، فالشعر كائن جمالي لا يجتمع عنده وإليه إلا القليل من المريدين. إلا أن النص الشعري الجيد قادر على استنفار محبي الجمال والرؤيا، فيلتف حوله الكثير. وعليه، فليس الخطأ في الشعر والشعراء الحقيقيين، بل في هيئات المهرجانات التي تسوّق للتفاهة وهزّ الوسط والرقص.

تحدثوا لـ«الصباح».. الشعراء الذين استطلعت «الصباح» آراءهم هم على التوالي:

خالد الوغلاني، شاعر يكتب القصيد الفصيح والملحون، ترأس مركز تونس للترجمة. له عديد المشاركات في تظاهرات وملتقيات شعرية وطنية وعربية.

المولدي فروج، عضو سابق في الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين طيلة دورات عديدة في عهد الميداني بن صالح بدرجة أولى، وهو شاعر وله عديد الدواوين وطبيب متقاعد.

عادل الجريدي، شاعر ومؤسس ملتقى عليسة للمبدعات، عضو سابق في اتحاد الكتاب التونسيين على امتداد دورات، كتب القصة وألف في المسرح.

خير الدين الشابي، من أبرز شعراء الجريد التونسي، معروف بنفسه الثوري في كتاباته الشعرية، وهو من أبرز المساهمين في تأسيس مهرجان توزر الدولي للشعر.

فائزة بن مسعود، شاعرة تونسية مقيمة في كندا، تكتب الشعر المعبّر عن ذات الإنسان والوجود، وهي عضو في لجنة القراءة لإحدى دور النشر التي تم بعثها حديثا في تونس. تكتب القصة والشعر.

صالح الفضلاوي، أحد أبرز الأصوات في إذاعة الكاف. يكتب الشعر وله مشاركات هامة في أكثر من تظاهرة شعرية في تونس.

نور الدين بن يمينة، إذاعي سابق، وإطار حاليا بالمكتبة العمومية بالكاف، يكتب الشعر الفصيح وله أكثر من ديوان.

مهرجان قرطاج الدولي ورحلته مع الشعر

على مدى مسيرته منذ ما يفوق الخمسين سنة، كان الشعر أحد مفاخر مهرجان قرطاج الدولي في ثلاث دورات سابقة مازالت حية في الذاكرة والوجدان. من ذلك أن الدورة 17 لهذا المهرجان العريق «1980» شهدت لأول مرة سهرة الشعر الشعبي تحت إدارة رجل الثقافة والمسرح محمد رجاء فرحات.

وفي دورتي «2005» و»2006»، تحت إشراف رجل المسرح والتلفزيون والسينما رؤوف بن عمر، كان الموعد من خلال سهرتين استثنائيتين مع أسماء لامعة في الشعر والفكر والأدب: محمود درويش الذي تم تكريمه، وسميح القاسم، إلى جانب الاحتفاء بالتجربة الشعرية لحكيم إفريقيا الرئيس السنغالي الراحل ليوبولد سيدار سنغور، الذي جمع في حياته بين السياسة والشعر، وهو المؤسس الخالد لما يعرف اليوم في المدونة الأدبية والشعرية العالمية بـ»الأدب الزنجي»، والكاتب العالمي غابريال غارسيا ماركيز.

وفي دورة 2012، تحت إشراف رجل السينما والفكر فتحي الخراط، أحيا المهرجان ذكرى رحيل محمود درويش من خلال أمسية شعرية ذات طابع عربي. ومن أبرز المشاركين فيها المنصف الوهايبي وآدم فتحي من تونس، وتميم البرغوثي، والأخوين جبران الذين تغنوا بأشعار الراحل، مستحضرين صفحات من نضاله الإبداعي والسياسي.

إعداد محسن بن أحمد 

  الشعر والمهرجانات الصيفية في عيون الشعراء..   «ديوان العرب» اليوم يدفع ثمن الاختيارات الثقافية.. صيفا

- دعوة للمراهنة على «ليلة الشعر العربي» في قرطاج

ارتفعت أصوات الشعراء هنا وهناك منذ انطلاق ماراطون المهرجانات الصيفية، للمطالبة بما يعتبرونه حقهم في الحضور والمشاركة في تأثيث سهرات وأمسيات شعرية. نداءات وطلبات لم تجد من يستجيب لها في مهرجانات هذه الصائفة، إلا بعض المبادرات النادرة جدا من مهرجانات قليلة وذات طابع محلي.

هذه الاختيارات كان لها – على ما يبدو – أثر سلبي على الشعراء الذين استطلعنا آراء بعضهم، فكانت هذه النتيجة:

خالد الوغلاني: المراهنة على  «ليلة الشعر العربي»؟

الشعر يظل أول الفنون، لأنه الفن الذي لا يحتاج الإنسان فيه إلا إلى اللغة وحدها، وهو لذلك قادر أن يوجد في كل زمان ومكان. والساحة الشعرية العربية تزخر بالشعراء الكبار الذين يظلون قادرين على أن يملؤوا المسارح الكبرى لو راهن مهرجان من مهرجاناتنا عليهم في ليلة يسميها «ليلة الشعر العربي» مثلا، تقدَّم في شكل عرض في المسرح الأثري بقرطاج، يقع إعداده بالاشتراك بين شاعر ومخرج مسرحي وموسيقي تونسي، مع أضواء وشاشة عملاقة بها فيديوهات ترافق إلقاء القصائد بشكل محترف.

يقدَّم فيه عدد من الشعراء الكبار، يكون من بينهم مثلا: أحمد بخيت من مصر، تميم البرغوثي من فلسطين، مهدي منصور من لبنان، عارف الساعدي من العراق، جمال الملا من سلطنة عمان، محمد إبراهيم يعقوب من المملكة العربية السعودية، أحمد عريج من المغرب، روضة الحاج من السودان، حنين عمر من الجزائر، عبد الواحد عمران من اليمن، عبد الرحمان الحميري من الإمارات، محمد ولد الطالب من موريتانيا، بهيجة إدلبي من سوريا، وخالد الوغلاني من تونس.

ويمكن أن يطلب من كل شاعر مقطع شعري يُغنّى بأصوات تونسية وتنفيذ من الفرقة الوطنية للموسيقى كفاصل بين كل شاعر وآخر، وتكون الأمسية مخصصة لفلسطين. عندها سنكون قد خدمنا القضية الفلسطينية والشعر العربي، وكنا روادا بأتم معنى الكلمة، وأكدنا سمعة الجمهور التونسي لدى الإخوة العرب كجمهور مثقف من درجة أولى. ويمكن أن نطلب من كل شاعر قصيدة قصيرة يلقيها بعامية بلاده.

المولدي فرّوج: المتنفذون  منعوا الشعر في الصيف

لم يفقد الشعر صلوحيته في الصيف، بل لعلّ محبيه هجروه إلى حيث يمنعه المسؤولون عن المهرجانات والفضاءات الثقافية من التواجد. بان هذا جليا منذ الثورة خاصّة، وبانت الرغبة في تصفية الجانب الفكري والأدبي في التظاهرات الصيفية. ما معنى أن يقام «مصيف كتاب» على امتداد ثلاثة أيام من الرقص والصياح دون دعوة كاتب وحيد ولا كتاب؟

أغلب الأنشطة نراها على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الواقع. شخصيا، كان مروري على ركح قرطاج لقراءة الشعر سنة 2012 من أجمل الذكريات، وكذلك في المهدية حين أبرمت اتفاقية مع هيئة مهرجان «ليالي المهدية» للقيام بتظاهرة فكرية. وكذلك في أماكن أخرى كانت المهرجانات تولي أهمية في برنامجها للجوانب الفكرية. أما الآن فقد تغيّر الحال وامتدّ التصحر الفكري والأدبي ليشمل الفضاءات الثقافية كالمهرجانات والإعلام والصحف. كان هذا من الماضي.

خير الدين الشابي: الشعر يعيش عزلة مفروضة في الصيف

كان الشعر – ولم يعد – سيّد المواقف في هذا العصر المتطور في جميع المجالات، إلا في مجال الكتابة. أصبح مختصرا في فئة معينة خُلقت لتكمل المشهد الشعري المفقود، خاصة في فصل الصيف. غاب دور الشعر في المهرجانات الصيفية رغم الأموال المرصودة للفنانين والعازفين والراقصين، ما عدا أصحاب القلم الذين فقدوا مشاريعهم ومشروعيتهم في المشاركة، وأصبحوا في عزلة مقيتة رغم الإصدارات المتواصلة.

مديرو هذه المهرجانات لا يطعّمون حفلاتهم – ولو على الهامش – بإدماج الشعراء، حتى تكون لفتة كريمة ترفع من شأنهم، إذ كثيرا ما تمرّ سنة كاملة دون أن يقرؤوا إنتاجاتهم. ومن هنا أصبحت الثقافة عموما بلا صدى، وبلا مدد، وبلا تشجيع مادي أو معنوي. هذا ما أكّده المشهد الفرجوي والفني وعزل الشعر والشعراء عن مواكبة مسيرتهم في عديد التظاهرات، بما فيهم المهرجانات الصيفية. كما أصبحت الإصدارات عاجزة عن الوصول إلى الجمهور، وخفتت الأصوات الشعرية، واهترأت الإمكانيات الخاصة، وضاعفت المغامرة في هذا المجال. أتمنى أن تكون المهرجانات الصيفية – كما كانت سابقا – فضاء يكون الشعر فيه عنصرا من عناصر النجاح المؤكَّد.

عادل الجريدي: الشعر يحتاج إلى مشروع ثقافي يعي مكانته

رغم أن الصيف ظلّ لقرون مصدر إلهام للشعراء وساحة للمحاورة الشعرية والسجال ضمن سهرات الأعراس والأفراح على أنغام الناي وتحت ضوء القمر، فإن المفارقة اليوم تكمن في تراجع حضوره، خاصة على مستوى برمجته في سهرات المهرجانات الصيفية التي باتت تبحث عن التعبئة الجماهيرية أو الانسياق خلف المقولة الخطيرة «الجمهور عايز كدا».

وفي الحقيقة، الجمهور العريض هو جماهير متباينة الأذواق والاهتمامات، والشعر في العموم لا يتقاطع مع بقية الفنون، ولن يفقد بريقه ولن تذبل أزهاره. فقط يحتاج إلى من يحترم الشعراء وجمهور الشعر بإدراجه ضمن البرمجة العامة للمهرجانات، وإحياء تلك السهرات الشعرية التي زانت مهرجان قرطاج في دورات سابقة. والأكيد أنّه سينسج على منواله بقية المهرجانات المتوزعة على امتداد خارطة الوطن. الشعر مادة ثقافية وروحية وحسية دسمة لا زالت الإنسانية بحاجة ماسّة إليها.

فائزة بن مسعود: الشعر لغة الروح  في كل المواسم

الشعر صدى الإنسان وليس صدى الطقس... الشعر لا يرتبط بفصل دون آخر، بل هو لغة الروح في كل المواسم. وحرارة الصيف قد تُلهب المشاعر وتزيد انفعال الحواس، فتنبثق الصور الشعرية أكثر توهجا وتأثيرا وجمالا. وفي ظلال القيظ والحرّ يبحث الإنسان عن الجمال والخيال ليخفّف من ثقل الواقع، فيجد في الشعر ملاذه ونسيمه العليل البارد... فربما تكون قصيدة صيفية كنسمة بحر أو كغيمة تعانق عطش الحقول.

إنّ الشعر ابن اللحظة والانبعاث، حيث يزهر في البرد كما في الحر، وعبر كل الفصول يتغذى من نبض القلوب. والحق أن الإبداع الحقيقي لا يعرف عطلة موسمية، بل يشتد حين يزداد الشوق إلى المعنى. لذلك يظل الشعر صالحا دائما مضيئا عبر الفصول والمواسم.

لم يصبح الشعر غير صالح في الصيف، لكنّ ما يحدث هو أنّ المهرجانات الصيفية أهملت حضوره عمدا لصالح فنون أخرى كالرقص والغناء، ظنّا أنّ الجمهور لا يرغب في الإصغاء للقصيدة تحت شمس الترفيه. هذا الإقصاء جعل الشعر يبدو غائبا لا لضعفه، بل لغياب المنصات التي تمنحه مكانته. فالشعر قادر على أن ينعش الأرواح في قيظ الصيف كما في برد الشتاء. لكنّ السياسات الثقافية السائدة تحصر الصيف في مظاهر المتعة السريعة وتقصي الكلمة العميقة. إنّ تغييبه لا يعني موته، بل يكشف أزمة تقدير للقيمة الإبداعية. فلو أُتيح للشعر فضاؤه في مهرجانات الصيف، لكان صوتا جميلا يرافق الأغاني والرقصات، ويذكّر الناس بأن الفصول جميعها تحتاج إلى المعنى والجمال، لا إلى الترفيه وحده.

صالح الفضلاوي: الشعر  رهين أمسيات عادية

لا يخفى على أحد أنّه ليست هناك مبادرات لبرمجة أمسيات أو لقاءات شعرية على هامش المهرجانات الصيفية، رغم أنّه بإمكانها أن تكون متنفسا وفرصة سانحة للشعراء كي يقتربوا أكثر من المتقبل. فالقائمون على شؤون هذه التظاهرات لا يفكرون البتة في ذلك، ربما لأن الشعر – حسب رأيهم – لا يستقطب العامة من المتابعين وهو سجين فئة معينة من المثقفين.

ورغم أن تنظيم أمسية شعرية في إطار مهرجان صيفي في أي جهة لا يتطلب الكثير من الإمكانيات المالية واللوجستية، إلا أنّ هذا النوع من الأنشطة – على قيمته وأهميته – يبقى الغائب الأبرز عن البرامج الصيفية. وهو اختيار سلبي من منطلق تفكير ضيق لمسؤولين لا يبحثون سوى عن عروض قادرة على تعبئة مسارحهم، وهي في الغالب إما موسيقية أو مسرحية. رغم أنّه بتوفير إمكانيات بسيطة يمكن تقديم عروض شعرية ناجحة.

وفي هذا الإطار، ما على وزارة الشؤون الثقافية سوى أن تعمل على حثّ المسؤولين عن المهرجانات الصيفية على برمجة أمسيات شعرية، ليأخذ هذا الفعل الثقافي نصيبه من هذه التظاهرات الهامة التي تدعمها الدولة، ولكي لا يبقى حبيس أمسيات عادية لا تفي بالحاجة ولا يحضرها سوى القليل من المثقفين في بقية فصول السنة.

نور الدين بن يمينة: الشعر نص صالح لكل زمان ومكان.. لكن؟

لا يمكن للشعر الحقيقي أن يفقد صلوحيته لا في الصيف ولا في غيره من الفصول. فالشعر فن راق يحتاج إلى متلق واع وذي ذائقة عالية في كل وقت وحين، وهو بهذا المعنى نص صالح لكل زمان ومكان. إلا أن أغلب هيئات المهرجانات الصيفية لا علاقة لها بالأدب والشعر، الذي يرونه ترفا فكريا تمارسه نخبة من المجانين لا تقدر على جلب الجمهور إلى الفضاءات. وهم على حق في بعض ذلك، فالشعر كائن جمالي لا يجتمع عنده وإليه إلا القليل من المريدين. إلا أن النص الشعري الجيد قادر على استنفار محبي الجمال والرؤيا، فيلتف حوله الكثير. وعليه، فليس الخطأ في الشعر والشعراء الحقيقيين، بل في هيئات المهرجانات التي تسوّق للتفاهة وهزّ الوسط والرقص.

تحدثوا لـ«الصباح».. الشعراء الذين استطلعت «الصباح» آراءهم هم على التوالي:

خالد الوغلاني، شاعر يكتب القصيد الفصيح والملحون، ترأس مركز تونس للترجمة. له عديد المشاركات في تظاهرات وملتقيات شعرية وطنية وعربية.

المولدي فروج، عضو سابق في الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين طيلة دورات عديدة في عهد الميداني بن صالح بدرجة أولى، وهو شاعر وله عديد الدواوين وطبيب متقاعد.

عادل الجريدي، شاعر ومؤسس ملتقى عليسة للمبدعات، عضو سابق في اتحاد الكتاب التونسيين على امتداد دورات، كتب القصة وألف في المسرح.

خير الدين الشابي، من أبرز شعراء الجريد التونسي، معروف بنفسه الثوري في كتاباته الشعرية، وهو من أبرز المساهمين في تأسيس مهرجان توزر الدولي للشعر.

فائزة بن مسعود، شاعرة تونسية مقيمة في كندا، تكتب الشعر المعبّر عن ذات الإنسان والوجود، وهي عضو في لجنة القراءة لإحدى دور النشر التي تم بعثها حديثا في تونس. تكتب القصة والشعر.

صالح الفضلاوي، أحد أبرز الأصوات في إذاعة الكاف. يكتب الشعر وله مشاركات هامة في أكثر من تظاهرة شعرية في تونس.

نور الدين بن يمينة، إذاعي سابق، وإطار حاليا بالمكتبة العمومية بالكاف، يكتب الشعر الفصيح وله أكثر من ديوان.

مهرجان قرطاج الدولي ورحلته مع الشعر

على مدى مسيرته منذ ما يفوق الخمسين سنة، كان الشعر أحد مفاخر مهرجان قرطاج الدولي في ثلاث دورات سابقة مازالت حية في الذاكرة والوجدان. من ذلك أن الدورة 17 لهذا المهرجان العريق «1980» شهدت لأول مرة سهرة الشعر الشعبي تحت إدارة رجل الثقافة والمسرح محمد رجاء فرحات.

وفي دورتي «2005» و»2006»، تحت إشراف رجل المسرح والتلفزيون والسينما رؤوف بن عمر، كان الموعد من خلال سهرتين استثنائيتين مع أسماء لامعة في الشعر والفكر والأدب: محمود درويش الذي تم تكريمه، وسميح القاسم، إلى جانب الاحتفاء بالتجربة الشعرية لحكيم إفريقيا الرئيس السنغالي الراحل ليوبولد سيدار سنغور، الذي جمع في حياته بين السياسة والشعر، وهو المؤسس الخالد لما يعرف اليوم في المدونة الأدبية والشعرية العالمية بـ»الأدب الزنجي»، والكاتب العالمي غابريال غارسيا ماركيز.

وفي دورة 2012، تحت إشراف رجل السينما والفكر فتحي الخراط، أحيا المهرجان ذكرى رحيل محمود درويش من خلال أمسية شعرية ذات طابع عربي. ومن أبرز المشاركين فيها المنصف الوهايبي وآدم فتحي من تونس، وتميم البرغوثي، والأخوين جبران الذين تغنوا بأشعار الراحل، مستحضرين صفحات من نضاله الإبداعي والسياسي.

إعداد محسن بن أحمد