إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أثير مجددًا في زحمة المهرجانات... نقاش قديم جديد في علاقة الفنان بالزمن .. هل من معايير فاصلة بين التألق الفني وزمن التقاعد؟

تختلف الآراء دائمًا حول استمرار الفنانين في إحياء الحفلات الحية في مسارح كبرى وفي إطار المهرجانات التي تتميز بحضور جماهيري واسع، رغم بلوغهم سنًّا تُعتبر نسبيًّا متقدّمة. وهي تتراوح بين مشجّع وبين منتقد. وقد أُثير الموضوع هذه الأيام مجددًا مع إحياء الفنانة صوفية صادق عرضًا في مهرجان قرطاج الدولي، في سهرة 13 أوت، وفي إطار الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي. وقد انقسم المعلقون بين من رحّب بشدة، خاصة أن صوفية صادق غابت عن المهرجانات لما لا يقل عن 8 سنوات، وبين من اعتبر أنها فقدت الكثير من طاقاتها الصوتية نتيجة لهذا الغياب، وربما أيضًا لتأثير عامل السن.

ورغم أن الفنان عدنان الشواشي  في تدوينة له، نشرها مؤخرًا على صفحته الخاصة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ، عبر فيها عن موقفه من زملائه الذين فقدوا من منظوره القدرة على الغناء، وأثارت الجدل، لم يشر   إلى صوفية صادق أو حفلها الأخير في قرطاج، لكن أغلب المتابعين ذهبوا إلى القول بأن الملاحظات والنصائح التي أشار إليها في تدوينته هي من وحي السهرة التي أحيتها صوفية صادق في مهرجان قرطاج الدولي، وأنها هي المقصودة بكلماته.

وقد كتب عدنان الشواشي في تدوينته ما يلي:

«نصيحتي إلى زملائي الكبار في السّنّ وزميلاتي ممّن لم تعد لهم القدرة على الغناء «المباشر» السّليم بحكم ترهّل حبالهم الصّوتيّة، أن يجتنبوا المجازفة بقبول إحياء «الحفلات الكبرى» التي تبثّها التّلفزة مباشرة وتوثّقها كشاهد على المستوى الحقيقي لكلّ فنّانة أو فنّان يظنّ، عبثًا، أنّ الصّعود على الرّكح بمؤهّلات فنّيّة تقنيّة مهترئة وبطاقات بدنيّة مُنتهيّة وبمدارج «معبّية» منتصبة، يكفي لإقناع النّاس وخاصّة السّمّيعين منهم والمحترفين، أنّه لا يزال فنّانًا ناجحًا يستحقّ الإنصات له والإعجاب به وبصوته الخارق النّاعم البديع !!!!!!! نصيحتي لهم، إذًن، إمّا أن يشرّكوا معهم أصواتًا شابّة موهوبة مقنعة حتّى لا يتعبوا كثيرًا فتتجلّى نواقصهم وعيوبهم الفنّيّة المُحرِجة الفاضحة، أو أن يرفضوا تمامًا، القبول بإقامة مثل هذه العروض لما قد تبرزه من دلائل صارخة تشوّه ماضيهم الفنّي عندما كانوا، بالفعل، يُحسنون الغناء ويتفنّنون فيه بلا حرج ولا تصنّع ولا نشاز... خلاصة القول «عاش من عرف قدره»...

وقد أثارت هذه التدوينة جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن وجّه نصيحة صريحة لزملائه من كبار الفنانين، دعاهم فيها إلى عدم قبول إحياء الحفلات الكبرى التي تُبث مباشرة على التلفزيون، بحجّة أن الحبال الصوتية المرهقة، والطاقات البدنية المنهكة لا تسمح بأداء يحفظ ماء الوجه.

و ختم الشواشي تدوينته بعبارة لافتة: «عاش من عرف قدره»، تبدو وكأنها وصية فنية تضع حدًا بين زمن التألق والبروز الفني وزمن التقاعد.

هذه التدوينة لم تمرّ مرور الكرام، لأنها تفتح نقاشًا قديمًا جديدًا في علاقة الفنان بالزمن: هل التقدّم في العمر يعني بالضرورة التراجع الفني؟ وهل يُطلب من الفنان أن يتوارى عن الركح بمجرد أن تهتز طبقاته الصوتية أو تضعف أنفاسه؟ أم أن الإبداع حالة لا تخضع لمقاييس اللياقة الجسدية فقط، بل ترتكز أساسًا على الصدق، والعمق، والتجربة، وإرث الفنان وتاريخه؟

لا شك أن الشواشي، في جوهر ما قاله، أراد حماية صورة الفنان من السقوط في فخ الأداء المهتز الذي قد يُسيء لتاريخه. لكن اللغة التي استخدمها، والحزم القاطع في عبارته الأخيرة، جعل النصيحة تبدو أقرب إلى حكم قاسٍ يقترب من الإقصاء، أكثر ممّا هو حرص على حماية صورة الفنان.

وفي الواقع، ومن خلال عدة أمثلة، لا يبدو أن الزمن عدوّ الفن، بل يكون أحيانًا شريكًا خفيًّا في نضجه. التقدّم في العمر، إذا أحسن الفنان توظيفه، قد يصبح مصدرًا لقوة إضافية، لأنه يمنح الأداء بُعدًا شعوريًّا عميقًا قد لا يملكه الشباب.

لا أحد يُنكر أن الحبلين الصوتيين يضعفان مع مرور الوقت، وأن صعود المسرح لساعتين أو أكثر مسألة مرهقة حتى لنجوم في عز عطائهم. لكن الفن لم يكن يومًا مجرّد استعراض للقوة الجسدية، بل هو تجربة وجدانية تُقاس بالصدق، لا بالمساحة الصوتية فقط.

فشارل أزنافور، المغني الفرنسي، الذي واصل الغناء حتى تجاوز التسعين من عمره، قدّم حفلات في مدن العالم وهو يجلس أحيانًا على كرسي. لا يركض ولا يصرخ، لكنه كان يشعل القلوب بأغانيه. جمهوره لم يكن يبحث عن قوة الصوت، بل عمّا تثيره التجربة فيهم من حنين.

وفي العالم العربي، الصورة ليست مختلفة كثيرًا؛ فالفنان وديع الصافي ظل يغني حتى آخر أنفاسه، وربما فقد شيئًا من صوته القوي، لكنه لم يفقد روحه الطربية التي صنعت منه مدرسة.

فيروز، التي لم تعد تظهر، لا تزال أيقونة تُلهم أجيالًا، وأعمالها في آخر مراحل رحلتها الفنية، وقبل قرار اعتزالها وابتعادها، لم تفقد بريقها.

حتى في تونس، نجد لطفي بوشناق مثالًا للفنان الذي يصالح الزمن بالتدريب والانضباط، فيُثبت أن الحنجرة تحتاج إلى عناية، لا إلى استسلام.

هذه النماذج تكشف أن الشيخوخة الفنية ليست بالضرورة انطفاء، بل قد تكون لحظة إشراق إذا أُحسن الفنان إدارتها. لكن لماذا يثير موضوع السنّ كل هذه الحساسية لدى الفنانين؟

نعتقد أن الأمر يتجاوز الجانب التقني إلى بُعد نفسي واجتماعي عميق. الفنان يعيش في مجتمع يُمجّد الشباب، ويختزل الجمال في القوة واللياقة، لذلك يصبح أي اهتزاز في الأداء كابوسًا يهدّد صورة بُنيت على مدى عقود. وتُكرّس اليوم مواقع التواصل الاجتماعي هذا الوضع، ويزيد الانتقاد العشوائي والشعبوي، الذي يهطل على هذه المواقع، الوضع تعقيدًا.

وفي زمن الأرشيف الرقمي، بات الخوف أكبر، لأن أي زلّة تُوثّق وتُقتطع من سياقها، لتتحوّل إلى مادة للتندر والثرثرة. وربما في هذا السياق يمكن فهم دوافع الفنان عدنان الشواشي، ومنها القلق من المشهدية القاسية التي تفضح تراجع القدرات.

لكن، هل الحل هو الانسحاب الكامل من المشهد؟ أم أن هناك بدائل أكثر إنصافًا للفنان وللجمهور؟

الحقيقة أن الإبداع لا يُقاس بالمدة الزمنية للحفل، ولا بعدد مرّات الصعود إلى الركح، بل بالذكاء في التكيّف مع المرحلة وفهمها جيدًا. وبالتالي، للسائل أن يتساءل: لماذا لا نعيد النظر في شكل العروض، بدل رجاء الفنانين الذين تقدّموا في السنّ إلى مغادرة الساحة؟

يمكن تنظيم عروض لا تطول كثيرًا، ولا تُرهق الفنان، وكذلك الجمهور. فالفنان المحترف الأجنبي لا «يمطّط» فترة العرض كثيرًا، وأحيانًا يقدّم عرضًا في أقل من ساعة... يمكن أيضًا تقاسم الركح مع أصوات شابّة، ليس من باب ستر العيوب، بل من باب التلاقح الفني. كما يمكن كذلك الاستعانة بالتقنيات الصوتية الحديثة التي تقلل من الإرهاق وتساعد الفنان على تقديم أفضل ما لديه.

ما قاله عدنان الشواشي مشروع من زاوية القلق على صورة الفنان، لكنه ينطوي على تبسيط لمعادلة أعقد من ذلك. العمر قد يجعل الجسد يشيخ، لكن الروح الإبداعية الحقيقية لا تشيخ ، وتبقى دائمًا شابة.

الفنانون الكبار يملكون رأس مال رمزي لا يمكن محوه، بفضل الخبرة، الصدق، العمق، التاريخ، والحكاية الطويلة مع الجمهور. ونتصور أن السؤال ليس: هل ينسحبون؟ بل: **كيف يظلون حاضرين بطريقة تليق بهم؟

السؤال إذن:

هل نطلب من الفنان أن يعرف «قدر صوته» فينحني أمام الزمن؟

أم نطلب منه أن يظل واقفًا، حتى لو كان صوته همسًا؟

والسؤال في المطلق: هل يهرم الفن أو يشيخ؟؟؟

إيمان عبد اللطيف

 

 

أثير مجددًا في زحمة المهرجانات... نقاش قديم جديد في علاقة الفنان بالزمن ..   هل من معايير فاصلة بين التألق الفني وزمن التقاعد؟

تختلف الآراء دائمًا حول استمرار الفنانين في إحياء الحفلات الحية في مسارح كبرى وفي إطار المهرجانات التي تتميز بحضور جماهيري واسع، رغم بلوغهم سنًّا تُعتبر نسبيًّا متقدّمة. وهي تتراوح بين مشجّع وبين منتقد. وقد أُثير الموضوع هذه الأيام مجددًا مع إحياء الفنانة صوفية صادق عرضًا في مهرجان قرطاج الدولي، في سهرة 13 أوت، وفي إطار الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي. وقد انقسم المعلقون بين من رحّب بشدة، خاصة أن صوفية صادق غابت عن المهرجانات لما لا يقل عن 8 سنوات، وبين من اعتبر أنها فقدت الكثير من طاقاتها الصوتية نتيجة لهذا الغياب، وربما أيضًا لتأثير عامل السن.

ورغم أن الفنان عدنان الشواشي  في تدوينة له، نشرها مؤخرًا على صفحته الخاصة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ، عبر فيها عن موقفه من زملائه الذين فقدوا من منظوره القدرة على الغناء، وأثارت الجدل، لم يشر   إلى صوفية صادق أو حفلها الأخير في قرطاج، لكن أغلب المتابعين ذهبوا إلى القول بأن الملاحظات والنصائح التي أشار إليها في تدوينته هي من وحي السهرة التي أحيتها صوفية صادق في مهرجان قرطاج الدولي، وأنها هي المقصودة بكلماته.

وقد كتب عدنان الشواشي في تدوينته ما يلي:

«نصيحتي إلى زملائي الكبار في السّنّ وزميلاتي ممّن لم تعد لهم القدرة على الغناء «المباشر» السّليم بحكم ترهّل حبالهم الصّوتيّة، أن يجتنبوا المجازفة بقبول إحياء «الحفلات الكبرى» التي تبثّها التّلفزة مباشرة وتوثّقها كشاهد على المستوى الحقيقي لكلّ فنّانة أو فنّان يظنّ، عبثًا، أنّ الصّعود على الرّكح بمؤهّلات فنّيّة تقنيّة مهترئة وبطاقات بدنيّة مُنتهيّة وبمدارج «معبّية» منتصبة، يكفي لإقناع النّاس وخاصّة السّمّيعين منهم والمحترفين، أنّه لا يزال فنّانًا ناجحًا يستحقّ الإنصات له والإعجاب به وبصوته الخارق النّاعم البديع !!!!!!! نصيحتي لهم، إذًن، إمّا أن يشرّكوا معهم أصواتًا شابّة موهوبة مقنعة حتّى لا يتعبوا كثيرًا فتتجلّى نواقصهم وعيوبهم الفنّيّة المُحرِجة الفاضحة، أو أن يرفضوا تمامًا، القبول بإقامة مثل هذه العروض لما قد تبرزه من دلائل صارخة تشوّه ماضيهم الفنّي عندما كانوا، بالفعل، يُحسنون الغناء ويتفنّنون فيه بلا حرج ولا تصنّع ولا نشاز... خلاصة القول «عاش من عرف قدره»...

وقد أثارت هذه التدوينة جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن وجّه نصيحة صريحة لزملائه من كبار الفنانين، دعاهم فيها إلى عدم قبول إحياء الحفلات الكبرى التي تُبث مباشرة على التلفزيون، بحجّة أن الحبال الصوتية المرهقة، والطاقات البدنية المنهكة لا تسمح بأداء يحفظ ماء الوجه.

و ختم الشواشي تدوينته بعبارة لافتة: «عاش من عرف قدره»، تبدو وكأنها وصية فنية تضع حدًا بين زمن التألق والبروز الفني وزمن التقاعد.

هذه التدوينة لم تمرّ مرور الكرام، لأنها تفتح نقاشًا قديمًا جديدًا في علاقة الفنان بالزمن: هل التقدّم في العمر يعني بالضرورة التراجع الفني؟ وهل يُطلب من الفنان أن يتوارى عن الركح بمجرد أن تهتز طبقاته الصوتية أو تضعف أنفاسه؟ أم أن الإبداع حالة لا تخضع لمقاييس اللياقة الجسدية فقط، بل ترتكز أساسًا على الصدق، والعمق، والتجربة، وإرث الفنان وتاريخه؟

لا شك أن الشواشي، في جوهر ما قاله، أراد حماية صورة الفنان من السقوط في فخ الأداء المهتز الذي قد يُسيء لتاريخه. لكن اللغة التي استخدمها، والحزم القاطع في عبارته الأخيرة، جعل النصيحة تبدو أقرب إلى حكم قاسٍ يقترب من الإقصاء، أكثر ممّا هو حرص على حماية صورة الفنان.

وفي الواقع، ومن خلال عدة أمثلة، لا يبدو أن الزمن عدوّ الفن، بل يكون أحيانًا شريكًا خفيًّا في نضجه. التقدّم في العمر، إذا أحسن الفنان توظيفه، قد يصبح مصدرًا لقوة إضافية، لأنه يمنح الأداء بُعدًا شعوريًّا عميقًا قد لا يملكه الشباب.

لا أحد يُنكر أن الحبلين الصوتيين يضعفان مع مرور الوقت، وأن صعود المسرح لساعتين أو أكثر مسألة مرهقة حتى لنجوم في عز عطائهم. لكن الفن لم يكن يومًا مجرّد استعراض للقوة الجسدية، بل هو تجربة وجدانية تُقاس بالصدق، لا بالمساحة الصوتية فقط.

فشارل أزنافور، المغني الفرنسي، الذي واصل الغناء حتى تجاوز التسعين من عمره، قدّم حفلات في مدن العالم وهو يجلس أحيانًا على كرسي. لا يركض ولا يصرخ، لكنه كان يشعل القلوب بأغانيه. جمهوره لم يكن يبحث عن قوة الصوت، بل عمّا تثيره التجربة فيهم من حنين.

وفي العالم العربي، الصورة ليست مختلفة كثيرًا؛ فالفنان وديع الصافي ظل يغني حتى آخر أنفاسه، وربما فقد شيئًا من صوته القوي، لكنه لم يفقد روحه الطربية التي صنعت منه مدرسة.

فيروز، التي لم تعد تظهر، لا تزال أيقونة تُلهم أجيالًا، وأعمالها في آخر مراحل رحلتها الفنية، وقبل قرار اعتزالها وابتعادها، لم تفقد بريقها.

حتى في تونس، نجد لطفي بوشناق مثالًا للفنان الذي يصالح الزمن بالتدريب والانضباط، فيُثبت أن الحنجرة تحتاج إلى عناية، لا إلى استسلام.

هذه النماذج تكشف أن الشيخوخة الفنية ليست بالضرورة انطفاء، بل قد تكون لحظة إشراق إذا أُحسن الفنان إدارتها. لكن لماذا يثير موضوع السنّ كل هذه الحساسية لدى الفنانين؟

نعتقد أن الأمر يتجاوز الجانب التقني إلى بُعد نفسي واجتماعي عميق. الفنان يعيش في مجتمع يُمجّد الشباب، ويختزل الجمال في القوة واللياقة، لذلك يصبح أي اهتزاز في الأداء كابوسًا يهدّد صورة بُنيت على مدى عقود. وتُكرّس اليوم مواقع التواصل الاجتماعي هذا الوضع، ويزيد الانتقاد العشوائي والشعبوي، الذي يهطل على هذه المواقع، الوضع تعقيدًا.

وفي زمن الأرشيف الرقمي، بات الخوف أكبر، لأن أي زلّة تُوثّق وتُقتطع من سياقها، لتتحوّل إلى مادة للتندر والثرثرة. وربما في هذا السياق يمكن فهم دوافع الفنان عدنان الشواشي، ومنها القلق من المشهدية القاسية التي تفضح تراجع القدرات.

لكن، هل الحل هو الانسحاب الكامل من المشهد؟ أم أن هناك بدائل أكثر إنصافًا للفنان وللجمهور؟

الحقيقة أن الإبداع لا يُقاس بالمدة الزمنية للحفل، ولا بعدد مرّات الصعود إلى الركح، بل بالذكاء في التكيّف مع المرحلة وفهمها جيدًا. وبالتالي، للسائل أن يتساءل: لماذا لا نعيد النظر في شكل العروض، بدل رجاء الفنانين الذين تقدّموا في السنّ إلى مغادرة الساحة؟

يمكن تنظيم عروض لا تطول كثيرًا، ولا تُرهق الفنان، وكذلك الجمهور. فالفنان المحترف الأجنبي لا «يمطّط» فترة العرض كثيرًا، وأحيانًا يقدّم عرضًا في أقل من ساعة... يمكن أيضًا تقاسم الركح مع أصوات شابّة، ليس من باب ستر العيوب، بل من باب التلاقح الفني. كما يمكن كذلك الاستعانة بالتقنيات الصوتية الحديثة التي تقلل من الإرهاق وتساعد الفنان على تقديم أفضل ما لديه.

ما قاله عدنان الشواشي مشروع من زاوية القلق على صورة الفنان، لكنه ينطوي على تبسيط لمعادلة أعقد من ذلك. العمر قد يجعل الجسد يشيخ، لكن الروح الإبداعية الحقيقية لا تشيخ ، وتبقى دائمًا شابة.

الفنانون الكبار يملكون رأس مال رمزي لا يمكن محوه، بفضل الخبرة، الصدق، العمق، التاريخ، والحكاية الطويلة مع الجمهور. ونتصور أن السؤال ليس: هل ينسحبون؟ بل: **كيف يظلون حاضرين بطريقة تليق بهم؟

السؤال إذن:

هل نطلب من الفنان أن يعرف «قدر صوته» فينحني أمام الزمن؟

أم نطلب منه أن يظل واقفًا، حتى لو كان صوته همسًا؟

والسؤال في المطلق: هل يهرم الفن أو يشيخ؟؟؟

إيمان عبد اللطيف