في الأشهر الأخيرة أبدت الحكومة اهتماما كبيرا بالميزان الاقتصادي والذي يختلف كليا عن الميزان التجاري، ولكن هذا المصطلح الذي لم تكن الحكومات السابقة تمنحه حيزا كبيرا من النقاش الحكومي ولا يُطرح بشكل متواتر في البلاغات الرسمية بات اليوم ضمن أولويات حكومة سارة الزعفراني الزنزري، وفي الأسابيع الأخيرة كان محلّ نقاشات محلية وجهوية ومركزية، وقد أشرفت رئيسة الحكومة الثلاثاء الماضي على مجلس وزاري خصّص للنظر في الملامح الأولية للميزان الاقتصادي لسنة 2026.
وتعتبر الحكومة أن الميزان الاقتصادي للسنة القادمة يعدّ محورا أساسيا في تنفيذ أولويات الدولة وتجسيد خياراتها الاقتصادية والاجتماعية من خلال بناء نموذج جديد يحقّق التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية..
ويستعمل مصطلح الميزان الاقتصادي للحديث عن حالة التساوي أو التوازن بين الموارد وعائدات الدخل وبين النفقات العمومية واستخدامات تلك الموارد خلال حيّز زمني محدّد حيث يجب أن يكون هناك توازن بين حجم الموارد المالية وكيفية استخدامها، وتحديد أولويات ذلك الاستخدام من طرف الحكومة والسلطة المركزية، واليوم ومع انطلاق الإعداد للمنوال التنموي الجديد 2026- 2030 هناك تشريك للمحليات والجهات في بلورة أولويات المنوال التنموي وفق حاجيات كل جهة.
2026.. سنة الانطلاق للمنوال التنموي الجديد
في المجلس الوزاري الذي انتظم بيّنت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري أن الميزان الاقتصادي يعتبر وثيقة توجيهية تستند إلى نتائج أعمال المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم في إطار إعداد المخطط التنموي للفترة 2026-2030، كما شددت رئيسة الحكومة على أن مشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2026 يندرج ضمن مقاربة تشاركية جديدة تضمن التناغم بين هذا المشروع وميزانية الدولة لسنة 2026 ومخطّط التّنمية للفترة 2026-2030 الذي يعتمد على منهج تصاعدي ينطلق من المستوى المحلّي ثمّ الجهوي فالإقليمي وصولا إلى المستوى الوطني.
كما جدّدت رئيسة الحكومة الالتزام بتدعيم أسس الدولة الاجتماعية مع ضمان العدالة الاجتماعية، من خلال مزيد العناية والإحاطة بالفئات الاجتماعية الهشة وذات الدخل الضعيف والعمل على إدماجها الاقتصادي وتحسين ظروفها المعيشيّة وذلك من خلال التشغيل والحدّ من البطالة انطلاقا من فتح آفاق انتدابات جديدة في الوظيفة العمومية خلال سنة 2026 وتسوية عديد الوضعيات الإدارية.
إلى جانب الاستثمار في التنمية الجهوية اعتمادا على نتائج أعمال المجالس المحليّة والجهويّة ومجالس الأقاليم في إطار إعداد مخطط التنمية 2026-2030، وذلك من خلال دفع الاستثمار العمومي ودعم الشّركات الأهليّة والمؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة، بالإضافة إلى الاستثمار في قطاعات الصّحة والنّقل والتربية ودفع الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة وإدماج الاقتصاد الموازي وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية وإصلاحها وتجديد النسيج الصناعي وتحسين تنافسية الاقتصاد وتطوير مناخ الأعمال مع العمل على تعزيز البنية التحتية وتحفيز قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والنقل والاتصال.
وكانت أهم توصية صادرة عن المجلس الوزاري الأخير بعد ختم أعماله هو الإسراع في إعداد مشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2026 استنادا على المعطيات الميدانية التي رُفعت خلال المشاورات المحلية والجهوية والإقليمية في إطار إعداد المخطط التنموي الجديد مع ضمان التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وتناغم هذا المشروع مع مخطط التنمية وقانون المالية لسنة 2026 في إطار تنفيذ البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للدولة.
وأشارت رئيسة الحكومة إلى التقدّم المسجل في مسار الإعداد لمخطط التنمية وانخراط كل الجهات المتدخلة مؤكّدة في هذا الإطار على أهمية هذا المخطط الذي يجسّم المبادئ الدستورية التي تهدف إلى إرساء تنمية حقيقية شاملة وعادلة، حيث يكون للمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم دور محوري وبالغ الأهمية في عملية التخطيط والمشاركة في تحديد الأولويات والمشاريع التنموية. كما أكدت رئيس الحكومة أن كل ذلك يتمّ وفق منهج تصاعدي يتم اتباعه لأوّل مرة في تونس حيث ينطلق العمل من المستوى المحلي وصولا إلى المستوى الوطني لضمان دفع الاندماج الاقتصادي والاجتماعي للجهات وخلق مناخ اقتصادي ملائم ومحفّز للاستثمار خاصة وأنه سيشرّك كل المواطنين في بلورة أولويات جهاتهم، حتى لا تكون القرارات مسقطة من المركز.
ويعتمد مخطط التنمية 2026-2030 على منهج تصاعدي يقوم على بناء قاعدي يضمن الانسجام بين سياسة الدولة والبرامج والمشاريع التنموية المقترحة من مختلف المجالس المحلية والجهوية، ثم تأتي عملية التأليف بين التقارير الخاصة بمخططات التنمية المقترحة على المستوى المحلي ثم الجهوي ثم على مستوى الأقاليم وصولا إلى صياغة مخطط التنمية على المستوى الوطني وذلك باعتماد تسلسل تصاعدي.
العمل بمنهجية جديدة...
حيث أنّ المنهجية الجديدة التي انطلق العمل بها لإعداد مخطط التنمية 2026-2030 تقوم على التخطيط التصاعدي وتمنح دورا محوريا للمجالس المحلية والجهوية والإقليمية والمجلس الوطني للجهات والأقاليم في صياغة الأولويات والمشاريع الاقتصادية وكل ذلك يستند إلى جملة من الثوابت والمبادئ الدستورية التي تهدف إلى إرساء تنمية حقيقية وشاملة وعادلة وخاصة في مجال تعزيز الدور الاجتماعي للدولة وتأمين التوازن بين الجهات والأقاليم..
وهذه المنهجية الجديدة ولئن كان لا يمكن الحكم عليها وعلى نتائجها وتبعاتها إلا أنها تعتبر تغييرا جذريا في منهجية إعداد واعتماد المخططات التنموية التي كان يتحكّم فيها المركز دون اشراك فعلي للجهات في صياغة هذه المخططات.. فمنذ الاستقلال اعتمدت تونس نهج المخططات التنموية سواء متوسطة المدى أو بعيدة المدى حيث سعت الدولة إلى اعتماد مخطّطات تنموية ثلاثية أو خماسية مع التركيز على قطاعات معينة تمت المراهنة عليها بشكل استراتيجي للنهوض بالاقتصاد مثل الصناعة والسياحة والفلاحة والتعليم والصحة، وفي مختلف المخططات التنموية السابقة كانت النزعة المركزية سائدة حيث أن السلطة المركزية هي من تقود كل المبادرات التنموية وتضع لها التصوّرات وترصد لها الاعتمادات وتختار المشاريع الاستثمارية والمناطق الصناعية وهي من تحدّد حاجيات الجهات والمحليات.
وخلال كل التجربة الماضية اختلفت تلك المخططات باختلاف الحقب الاقتصادية حيث مررنا من التأميم مع تجربة التعاضد إلى ليبرالية سنوات السبعينات وصولا إلى الإصلاح الهيكلي الذي فرضه صندوق النقد الدولي في منتصف الثمانينات، ثم بعد ذلك الانفتاح المحدود منذ التسعينات مرورا بفترة التباس ملامح المخطط التنموي وتحوّله إلى عملية بيروقراطية، وصولا إلى مرحلة التعويل على الذات التي تتبناها اليوم الحكومة، ومن المؤكّد أنه سيكون لها انعكاس على مخطّط التنمية القادم.
واليوم مع المخطّط التنموي التشاركي والتصاعدي من المحليات إلى الجهات ثم المركز، يعتبر ذلك انعطافا مهما في مسار إعداد مخططات التنمية، ولكن هذا الانعطاف لا يمكن الحكم على نتائجه إلا في السنوات القادمة حيث ستكون سنة 2026 هي المختبر الأول لهذا التوجّه وانطلاقته وستكون نتائجه مؤشرا جدّيا لمدى نجاح هذا الخيار السياسي في إعداد مخطط التنمية.
منية العرفاوي
في الأشهر الأخيرة أبدت الحكومة اهتماما كبيرا بالميزان الاقتصادي والذي يختلف كليا عن الميزان التجاري، ولكن هذا المصطلح الذي لم تكن الحكومات السابقة تمنحه حيزا كبيرا من النقاش الحكومي ولا يُطرح بشكل متواتر في البلاغات الرسمية بات اليوم ضمن أولويات حكومة سارة الزعفراني الزنزري، وفي الأسابيع الأخيرة كان محلّ نقاشات محلية وجهوية ومركزية، وقد أشرفت رئيسة الحكومة الثلاثاء الماضي على مجلس وزاري خصّص للنظر في الملامح الأولية للميزان الاقتصادي لسنة 2026.
وتعتبر الحكومة أن الميزان الاقتصادي للسنة القادمة يعدّ محورا أساسيا في تنفيذ أولويات الدولة وتجسيد خياراتها الاقتصادية والاجتماعية من خلال بناء نموذج جديد يحقّق التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية..
ويستعمل مصطلح الميزان الاقتصادي للحديث عن حالة التساوي أو التوازن بين الموارد وعائدات الدخل وبين النفقات العمومية واستخدامات تلك الموارد خلال حيّز زمني محدّد حيث يجب أن يكون هناك توازن بين حجم الموارد المالية وكيفية استخدامها، وتحديد أولويات ذلك الاستخدام من طرف الحكومة والسلطة المركزية، واليوم ومع انطلاق الإعداد للمنوال التنموي الجديد 2026- 2030 هناك تشريك للمحليات والجهات في بلورة أولويات المنوال التنموي وفق حاجيات كل جهة.
2026.. سنة الانطلاق للمنوال التنموي الجديد
في المجلس الوزاري الذي انتظم بيّنت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري أن الميزان الاقتصادي يعتبر وثيقة توجيهية تستند إلى نتائج أعمال المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم في إطار إعداد المخطط التنموي للفترة 2026-2030، كما شددت رئيسة الحكومة على أن مشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2026 يندرج ضمن مقاربة تشاركية جديدة تضمن التناغم بين هذا المشروع وميزانية الدولة لسنة 2026 ومخطّط التّنمية للفترة 2026-2030 الذي يعتمد على منهج تصاعدي ينطلق من المستوى المحلّي ثمّ الجهوي فالإقليمي وصولا إلى المستوى الوطني.
كما جدّدت رئيسة الحكومة الالتزام بتدعيم أسس الدولة الاجتماعية مع ضمان العدالة الاجتماعية، من خلال مزيد العناية والإحاطة بالفئات الاجتماعية الهشة وذات الدخل الضعيف والعمل على إدماجها الاقتصادي وتحسين ظروفها المعيشيّة وذلك من خلال التشغيل والحدّ من البطالة انطلاقا من فتح آفاق انتدابات جديدة في الوظيفة العمومية خلال سنة 2026 وتسوية عديد الوضعيات الإدارية.
إلى جانب الاستثمار في التنمية الجهوية اعتمادا على نتائج أعمال المجالس المحليّة والجهويّة ومجالس الأقاليم في إطار إعداد مخطط التنمية 2026-2030، وذلك من خلال دفع الاستثمار العمومي ودعم الشّركات الأهليّة والمؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة، بالإضافة إلى الاستثمار في قطاعات الصّحة والنّقل والتربية ودفع الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة وإدماج الاقتصاد الموازي وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية وإصلاحها وتجديد النسيج الصناعي وتحسين تنافسية الاقتصاد وتطوير مناخ الأعمال مع العمل على تعزيز البنية التحتية وتحفيز قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والنقل والاتصال.
وكانت أهم توصية صادرة عن المجلس الوزاري الأخير بعد ختم أعماله هو الإسراع في إعداد مشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2026 استنادا على المعطيات الميدانية التي رُفعت خلال المشاورات المحلية والجهوية والإقليمية في إطار إعداد المخطط التنموي الجديد مع ضمان التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وتناغم هذا المشروع مع مخطط التنمية وقانون المالية لسنة 2026 في إطار تنفيذ البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للدولة.
وأشارت رئيسة الحكومة إلى التقدّم المسجل في مسار الإعداد لمخطط التنمية وانخراط كل الجهات المتدخلة مؤكّدة في هذا الإطار على أهمية هذا المخطط الذي يجسّم المبادئ الدستورية التي تهدف إلى إرساء تنمية حقيقية شاملة وعادلة، حيث يكون للمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم دور محوري وبالغ الأهمية في عملية التخطيط والمشاركة في تحديد الأولويات والمشاريع التنموية. كما أكدت رئيس الحكومة أن كل ذلك يتمّ وفق منهج تصاعدي يتم اتباعه لأوّل مرة في تونس حيث ينطلق العمل من المستوى المحلي وصولا إلى المستوى الوطني لضمان دفع الاندماج الاقتصادي والاجتماعي للجهات وخلق مناخ اقتصادي ملائم ومحفّز للاستثمار خاصة وأنه سيشرّك كل المواطنين في بلورة أولويات جهاتهم، حتى لا تكون القرارات مسقطة من المركز.
ويعتمد مخطط التنمية 2026-2030 على منهج تصاعدي يقوم على بناء قاعدي يضمن الانسجام بين سياسة الدولة والبرامج والمشاريع التنموية المقترحة من مختلف المجالس المحلية والجهوية، ثم تأتي عملية التأليف بين التقارير الخاصة بمخططات التنمية المقترحة على المستوى المحلي ثم الجهوي ثم على مستوى الأقاليم وصولا إلى صياغة مخطط التنمية على المستوى الوطني وذلك باعتماد تسلسل تصاعدي.
العمل بمنهجية جديدة...
حيث أنّ المنهجية الجديدة التي انطلق العمل بها لإعداد مخطط التنمية 2026-2030 تقوم على التخطيط التصاعدي وتمنح دورا محوريا للمجالس المحلية والجهوية والإقليمية والمجلس الوطني للجهات والأقاليم في صياغة الأولويات والمشاريع الاقتصادية وكل ذلك يستند إلى جملة من الثوابت والمبادئ الدستورية التي تهدف إلى إرساء تنمية حقيقية وشاملة وعادلة وخاصة في مجال تعزيز الدور الاجتماعي للدولة وتأمين التوازن بين الجهات والأقاليم..
وهذه المنهجية الجديدة ولئن كان لا يمكن الحكم عليها وعلى نتائجها وتبعاتها إلا أنها تعتبر تغييرا جذريا في منهجية إعداد واعتماد المخططات التنموية التي كان يتحكّم فيها المركز دون اشراك فعلي للجهات في صياغة هذه المخططات.. فمنذ الاستقلال اعتمدت تونس نهج المخططات التنموية سواء متوسطة المدى أو بعيدة المدى حيث سعت الدولة إلى اعتماد مخطّطات تنموية ثلاثية أو خماسية مع التركيز على قطاعات معينة تمت المراهنة عليها بشكل استراتيجي للنهوض بالاقتصاد مثل الصناعة والسياحة والفلاحة والتعليم والصحة، وفي مختلف المخططات التنموية السابقة كانت النزعة المركزية سائدة حيث أن السلطة المركزية هي من تقود كل المبادرات التنموية وتضع لها التصوّرات وترصد لها الاعتمادات وتختار المشاريع الاستثمارية والمناطق الصناعية وهي من تحدّد حاجيات الجهات والمحليات.
وخلال كل التجربة الماضية اختلفت تلك المخططات باختلاف الحقب الاقتصادية حيث مررنا من التأميم مع تجربة التعاضد إلى ليبرالية سنوات السبعينات وصولا إلى الإصلاح الهيكلي الذي فرضه صندوق النقد الدولي في منتصف الثمانينات، ثم بعد ذلك الانفتاح المحدود منذ التسعينات مرورا بفترة التباس ملامح المخطط التنموي وتحوّله إلى عملية بيروقراطية، وصولا إلى مرحلة التعويل على الذات التي تتبناها اليوم الحكومة، ومن المؤكّد أنه سيكون لها انعكاس على مخطّط التنمية القادم.
واليوم مع المخطّط التنموي التشاركي والتصاعدي من المحليات إلى الجهات ثم المركز، يعتبر ذلك انعطافا مهما في مسار إعداد مخططات التنمية، ولكن هذا الانعطاف لا يمكن الحكم على نتائجه إلا في السنوات القادمة حيث ستكون سنة 2026 هي المختبر الأول لهذا التوجّه وانطلاقته وستكون نتائجه مؤشرا جدّيا لمدى نجاح هذا الخيار السياسي في إعداد مخطط التنمية.