- الرئيس الأسبق لمحكمة التعقيب المنجي الأخضر في يوم دراسي برلماني: العمل فعل بشري معرّض للخطإ والصواب ومن غير المنطقي محاسبة الموظف أو شبهه على حسن نيته من وراء القرار الذي اتخذه
-النائب عبد القادر بن زينب لـ «الصباح»: فصل كبّل الإدارة وتنقيحه خطوة لتحريرها
لم يتوقف الفصل 96 من المجلة الجزائية عن إثارة الجدل خلال كل السنوات التي تلت الثورة سواء في علاقة بالمتهمين الذين أحيلوا بمقتضاه على المحاكم، أو في علاقة اليوم بدور هذا الفصل في تكبيل العمل الإداري وعدم منحه فرصة التطوّر والتقدّم، حيث ظلت الإدارة التونسية ترزح تحت عدة أثقال ومكبّلات مختلفة تحول دون أن تكون إدارة عصرية تستجيب لاحتياجات المواطن، باعتبار أن الإدارة هي عصب الدولة وجهازها المركزي الموكول له مهمة تنفيذ السياسات العامة وتسهيل حياة المواطنين.
وخلال الأسبوع القادم ستكون هناك جلسة عامة بمجلس نواب الشعب للنظر في تنقيح الفصل 96، والذي حاولت أغلب الحكومات السابقة وفشلت في ذلك لأسباب مختلفة، حيث كان الهدف دائما إضفاء بعض المرونة على هذا الفصل الزجري والذي أحيل بمقتضاه على المحاكم بعد الثورة،عشرات المسؤولين الإداريين والوزراء.
وفي الأشهر الأخيرة تكثّف العمل على ضرورة تنقيح هذا الفصل حيث أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ حوالي سنة على جلسة عمل وزارية خصّصت لمناقشة تنقيح هذا الفصل حيث اعتبر أن بعض الموظفين يتقاعسون عن أداء وظيفتهم متعلّلين بالفصل 96 للامتناع عن القيام بالواجبات الموكولة إليهم..
واليوم يتخذ البرلمان خطوة عملية في اتجاه تنقيح الفصل 96 بعد مسار من النقاش داخل اللجان ويوم دراسي مفتوح للاستماع إلى وجهة نظر المختصين في المسألة، وقد أكّد مساعد رئيس مكتب نواب الشعب المكلف بالإعلام النائب عبد القادر بن زينب في تصريح لـ «الصباح» إن تنقيح هذا الفصل والحدّ من طابعه الزجري يحظى اليوم بإجماع داخل البرلمان.
التنقيح المنتظر لفصل مثير للجدل
كان الهدف من الفصل 96 من المجلة الجزائية هو حماية المال العام ومصالح المواطنين من أية تجاوزات قد يرتكبها الموظفون العموميون، بالإضافة إلى دعم نزاهة الإدارة وتعزيز العدل والتكافؤ في المعاملات الإدارية، إلا أنه لا يمكن الإنكار أنه في حالات كثيرة تم الانحراف بالأهداف التشريعية التي من أجلها سنّ هذا القانون، حيث استغل البعض نفوذه الإداري لتحقيق منافع شخصية، كما لا يمكن إنكار أن البعض ذهب ضحية هذا الفصل دون أن تكون له النية في الإضرار بالإدارة أو تحقيق منفعة شخصية، ولكن بعض المعاملات الإدارية التي قام بها تم تكييفها على هذا الأساس، ولذلك الرهان الذي يطرح اليوم هو حماية المواطن من تجاوزات الموظّف العمومي وفي نفس الوقت تحفيز روح المبادرة والانجاز، حتى لا يكون الموظّف في المستقبل موضع ملاحقات وتتبّعات قضائية.
وينص هذا الفصل على أن الموظف العمومي أو شبهه الذي يتعمد استغلال وظيفته لتحقيق منفعة مادية لنفسه أو لغيره، مع سوء نية ومخالفة للقانون يعاقب بالسجن مدّة خمسة أعوام وبخطيّة تُساوي قيمة المنفعة المُتحصّل عليها أو بإحدى العقوبتين المذكورتين والمحاولة مُوجبة للعقاب.
في تصريح لـ «الصباح» أكّد عبد القادر بن زينب مساعد رئيس مكتب نواب الشعب المكلف بالإعلام، أنه خلال الأسبوع القادم ستكون هناك جلسة عامة مفتوحة ومتواصلة أيام 22 و23 و24 جويلية 2025 للمصادقة على تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية وكذلك للمصادقة على مشاريع قوانين صادرة عن الحكومة، وكذلك النظر في مقترح قانون العفو في جريمة إصدار شيك دون رصيد، وقال في علاقة بتنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية:«تنقيح هذا الفصل بات ضرورة اليوم لأننا كنواب نرى أنه كان من أحد أبرز الأسباب التي عطّلت الإدارة عن أداء مهامها باعتبار أن هذا الفصل زجري بامتياز، وتعديله اليوم سيكون في اتجاه فتح الآفاق وتحرير الإرادة الإدارية في إطار القدرة على الإنجاز والنجاعة».
وفي إجابة عن سؤال حول ما إذا كان التنقيح سيتجه إلى نزع التجريم في الفصل 96 ومراجعة العقوبات السجنية، قال عبد القادر بن زينب: «طبعا هذه هي الغاية من التنقيح، فحتى في ديننا الحنيف نقول من اجتهد ولم يصب له أجر واحد، وبالتالي لا معنى لمضاعفة الزجر والحكم بالسجن لكل من حاول أن يجتهد في إطار مهامه الإدارية حيث أن بعض المسؤولين اتهموا وكانوا موضع ملاحقات قانونية وقضائية لمجرّد اجتهادهم في بعض المسائل دون أي قصد إجرامي ودون نية مبيتة للإضرار بالإدارة أو تحقيق منافع شخصية، ولكن رغم ذلك قد يجدون أنفسهم في السجن. وهو ما ترتّبت عنه معاناة كبيرة بالنسبة لهؤلاء المسؤولين، والأخطر من كل ذلك أن الخوف من أن يجد أي مسؤول نفسه ملاحقا على معنى الفصل 96، أدّى ذلك إلى تكبيل الإدارة وخمولها وشلّ حركتها في مواكبة التغييرات».
محدّثنا أشار كذلك إلى أن هذه المبادرة التشريعية لتنقيح الفصل 96 تحظى بإجماع برلماني وتفهّم كبير من النواب للمشاكل التي تعاني منها الإدارة التونسية، وأنه بهذا التنقيح يحاول البرلمان القيام بدوره في حماية المسؤولين الإداريين ورفع المكبّلات التي تعيق عملهم وقدرتهم على الإنجاز، كما أشار بن زينب إلى أن هذا التنقيح الذي سيتم تمريره للتصويت عليه في الجلسة العامة الأسبوع المقبل هو تتويج لمسار من النقاش العميق داخل اللجان، وكذلك تتويج لليوم الدراسي الذي تم فيه الاستماع إلى وجهة نظر المختصين وملاحظتهم وهو كذلك يتنزّل صلب مهام مجلس نواب الشعب والتزامه بدوره الرقابي وبدوره في تدارك الثغرات ورفع المكبّلات التي تعيق أي مسار للتقدّم والنهوض، وفق تعبيره.
مسار من النقاش البرلماني
نظرت لجنة التشريع العام خلال جلسة بداية الشهر الجاري في الصيغة النهائية لتعديل الفصلين 96 و98 من المجلة الجزائية حيث تم التصويت بأغلبية أعضاء اللجنة على تدقيق أركان جريمة الاستيلاء على المال العام من قبل الموظف العمومي أو شبهه تفاديا للتوسع في التأويل والحط من العقوبة السجنية وذلك وفق ما اعتبرته اللجنة انسجاما مع المعايير الدولية في المادة الجزائية من جهة مع الموازنة بين حماية المال العام وعدم تكبيل الإدارة والإبقاء على باب الاجتهاد في اتخاذ القرارات.
وخلال يوم دراسي عقده مجلس نواب الشعب منذ أيام بخصوص مقترحي القانونين عدد 15 و 28 لسنة 2023 المتعلقين بتنقيح الفصول 96 و97 و98 من المجلّة الجزائية أكّد الرئيس الأسبق لمحكمة التعقيب المنجي الأخضر أن «الفصل 96 لم يوضّح القصد الجزائي في حين أن القانون الجزائي مبني على القصد». وبأن الفصل 96 من المجلّة الجزائية بصيغته الحالية يحتوي على 6 جرائم على الأقل مما يستوجب توضيح وتدقيق معانيه والتشديد على أهمية أن تكون صفة الموظّف مرتبطة بالفعل المجرّم.
كما ذكّر المنجي الأخضر أنّ محكمة التعقيب هي المحكمة الوحيدة التي أخذت على عاتقها في القضايا المتعلقة بالموظفين العموميين المحالين على معنى الفصل 96توضيح القصد الجزائي بمعنى التأكّد من أن فعل الموظف انطوى على سوء نيّة للإضرار بالإدارة، كما شدّد الرئيس الأسبق لمحكمة التعقيب على أن العمل فعل بشري معرّض للخطأ والصواب ومن غير المنطقي محاسبة الموظف أو شبهه على حسن نيته من وراء القرار الذي اتخذه.
وفي ذات السياق وخلال اليوم الدراسي البرلماني قال رئيس لجنة التشريع العام ياسر القوراري إنّ الفصل 96 أصبح مكبّلا للاقتصاد، نظرا إلى أن التتبّعات الجزائية التي طالت موظفين عموميين على خلفية اتخاذهم لقرارات في إطار تسيير المرافق العمومية التي يشرفون عليها أدّى إلى امتناع زملائهم عن اتخاذ القرارات أو المبادرات خشية تعرضهم للتتبعات. كما أشار القوراري إلى أن الغاية من هذا التنقيح هي تجسيد الإصلاحات التشريعية الرامية إلى ضمان تحقيق المعادلة بين أهداف السياسة الجزائية في مكافحة الفساد الإداري والمالي من جهة وعدم عرقلة وتعطيل العمل الإداري والمرفق العام وتحقيق نجاعته من جهة أخرى..
ووفق ما اقترحه النواب في التنقيح قبل المرور إلى الجلسة العامة هو تضييق مجال الجريمة في الفصل 96 وذلك باشتراط توفر سوء النية كركن قصدي على أساسه يتمّ التمييز بين الخطأ عند الاجتهاد في التصرف والفعل الإجرامي الذي ينطوي على انصراف نية الموظف العمومي أو شبهه إلى ارتكاب ذلك الفعل قصد تحقيق المنفعة أو إلحاق الضرر بالإدارة، مع تقليص العقوبة السجنية ومضاعفة قيمة الخطية المالية.
«ضحايا الفصل 96»
تنقيح الفصل 96 كان من التنقيحات المنتظرة، هذا الفصل الذي اتخذ شهرته من كمية الجدل المتواصل حوله منذ الثورة وخاصة بعد احالة شخصيات فاعلة في نظام بن علي على القضاء بمقتضاه، وإجماع المختصين على أن هذا الفصل كان له الأثر والتأثير السلبي على أداء الإدارة التونسية، وأنه بقي سيفا مسلّطا على رقاب المديرين العامين والمسؤولين البارزين في الإدارة وكبّل قراراتهم خوفا من الملاحقة اللاحقة، وهو ما يحتّم اليوم تنقيحه والخروج بفصل يحفّز المسؤول الإداري على العمل بعيدا عن الخوف والاكراهات أيضا.
وكان رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العمومي وحياد الإدارة عبد القادر اللباوي، قد كشف منذ سنتين أن أكثر من 6 آلاف موظف تونسي تلاحقهم متابعات عدلية على صلة بالفصل «96» من القانون الجزائي، وقال إن هناك أحكاماً صدرت ضد نحو 1500 موظف، وإن أكثر من 100 موظف عمومي يقبعون في السجون بسبب الفصل ذاته.
والى اليوم تتم إحالة موظفين سامين ووزراء على معنى هذا الفصل، وتلاحق عدة قضايا وزراء ومسؤولين سابقين على معنى هذا الفصل، والذي استغلته حتى جمعيات ناشطة في مكافحة الفساد للتشكّي ببعض المسؤولين في الدولة استنادا لهذا الفصل، ففي 2023 تمت إحالة وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق محمد الطرابلسي وعدد من المديرين العامين لديوان التونسيين بالخارج على مقتضى الفصل 96 وصدر قرار بختم البحث في قضية شبهات الفساد والرشوة في عملية تعيين دفعات الملحقين الاجتماعيين بالخارج للسنوات 2017 و2018-2019.
منية العرفاوي
- الرئيس الأسبق لمحكمة التعقيب المنجي الأخضر في يوم دراسي برلماني: العمل فعل بشري معرّض للخطإ والصواب ومن غير المنطقي محاسبة الموظف أو شبهه على حسن نيته من وراء القرار الذي اتخذه
-النائب عبد القادر بن زينب لـ «الصباح»: فصل كبّل الإدارة وتنقيحه خطوة لتحريرها
لم يتوقف الفصل 96 من المجلة الجزائية عن إثارة الجدل خلال كل السنوات التي تلت الثورة سواء في علاقة بالمتهمين الذين أحيلوا بمقتضاه على المحاكم، أو في علاقة اليوم بدور هذا الفصل في تكبيل العمل الإداري وعدم منحه فرصة التطوّر والتقدّم، حيث ظلت الإدارة التونسية ترزح تحت عدة أثقال ومكبّلات مختلفة تحول دون أن تكون إدارة عصرية تستجيب لاحتياجات المواطن، باعتبار أن الإدارة هي عصب الدولة وجهازها المركزي الموكول له مهمة تنفيذ السياسات العامة وتسهيل حياة المواطنين.
وخلال الأسبوع القادم ستكون هناك جلسة عامة بمجلس نواب الشعب للنظر في تنقيح الفصل 96، والذي حاولت أغلب الحكومات السابقة وفشلت في ذلك لأسباب مختلفة، حيث كان الهدف دائما إضفاء بعض المرونة على هذا الفصل الزجري والذي أحيل بمقتضاه على المحاكم بعد الثورة،عشرات المسؤولين الإداريين والوزراء.
وفي الأشهر الأخيرة تكثّف العمل على ضرورة تنقيح هذا الفصل حيث أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ حوالي سنة على جلسة عمل وزارية خصّصت لمناقشة تنقيح هذا الفصل حيث اعتبر أن بعض الموظفين يتقاعسون عن أداء وظيفتهم متعلّلين بالفصل 96 للامتناع عن القيام بالواجبات الموكولة إليهم..
واليوم يتخذ البرلمان خطوة عملية في اتجاه تنقيح الفصل 96 بعد مسار من النقاش داخل اللجان ويوم دراسي مفتوح للاستماع إلى وجهة نظر المختصين في المسألة، وقد أكّد مساعد رئيس مكتب نواب الشعب المكلف بالإعلام النائب عبد القادر بن زينب في تصريح لـ «الصباح» إن تنقيح هذا الفصل والحدّ من طابعه الزجري يحظى اليوم بإجماع داخل البرلمان.
التنقيح المنتظر لفصل مثير للجدل
كان الهدف من الفصل 96 من المجلة الجزائية هو حماية المال العام ومصالح المواطنين من أية تجاوزات قد يرتكبها الموظفون العموميون، بالإضافة إلى دعم نزاهة الإدارة وتعزيز العدل والتكافؤ في المعاملات الإدارية، إلا أنه لا يمكن الإنكار أنه في حالات كثيرة تم الانحراف بالأهداف التشريعية التي من أجلها سنّ هذا القانون، حيث استغل البعض نفوذه الإداري لتحقيق منافع شخصية، كما لا يمكن إنكار أن البعض ذهب ضحية هذا الفصل دون أن تكون له النية في الإضرار بالإدارة أو تحقيق منفعة شخصية، ولكن بعض المعاملات الإدارية التي قام بها تم تكييفها على هذا الأساس، ولذلك الرهان الذي يطرح اليوم هو حماية المواطن من تجاوزات الموظّف العمومي وفي نفس الوقت تحفيز روح المبادرة والانجاز، حتى لا يكون الموظّف في المستقبل موضع ملاحقات وتتبّعات قضائية.
وينص هذا الفصل على أن الموظف العمومي أو شبهه الذي يتعمد استغلال وظيفته لتحقيق منفعة مادية لنفسه أو لغيره، مع سوء نية ومخالفة للقانون يعاقب بالسجن مدّة خمسة أعوام وبخطيّة تُساوي قيمة المنفعة المُتحصّل عليها أو بإحدى العقوبتين المذكورتين والمحاولة مُوجبة للعقاب.
في تصريح لـ «الصباح» أكّد عبد القادر بن زينب مساعد رئيس مكتب نواب الشعب المكلف بالإعلام، أنه خلال الأسبوع القادم ستكون هناك جلسة عامة مفتوحة ومتواصلة أيام 22 و23 و24 جويلية 2025 للمصادقة على تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية وكذلك للمصادقة على مشاريع قوانين صادرة عن الحكومة، وكذلك النظر في مقترح قانون العفو في جريمة إصدار شيك دون رصيد، وقال في علاقة بتنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية:«تنقيح هذا الفصل بات ضرورة اليوم لأننا كنواب نرى أنه كان من أحد أبرز الأسباب التي عطّلت الإدارة عن أداء مهامها باعتبار أن هذا الفصل زجري بامتياز، وتعديله اليوم سيكون في اتجاه فتح الآفاق وتحرير الإرادة الإدارية في إطار القدرة على الإنجاز والنجاعة».
وفي إجابة عن سؤال حول ما إذا كان التنقيح سيتجه إلى نزع التجريم في الفصل 96 ومراجعة العقوبات السجنية، قال عبد القادر بن زينب: «طبعا هذه هي الغاية من التنقيح، فحتى في ديننا الحنيف نقول من اجتهد ولم يصب له أجر واحد، وبالتالي لا معنى لمضاعفة الزجر والحكم بالسجن لكل من حاول أن يجتهد في إطار مهامه الإدارية حيث أن بعض المسؤولين اتهموا وكانوا موضع ملاحقات قانونية وقضائية لمجرّد اجتهادهم في بعض المسائل دون أي قصد إجرامي ودون نية مبيتة للإضرار بالإدارة أو تحقيق منافع شخصية، ولكن رغم ذلك قد يجدون أنفسهم في السجن. وهو ما ترتّبت عنه معاناة كبيرة بالنسبة لهؤلاء المسؤولين، والأخطر من كل ذلك أن الخوف من أن يجد أي مسؤول نفسه ملاحقا على معنى الفصل 96، أدّى ذلك إلى تكبيل الإدارة وخمولها وشلّ حركتها في مواكبة التغييرات».
محدّثنا أشار كذلك إلى أن هذه المبادرة التشريعية لتنقيح الفصل 96 تحظى بإجماع برلماني وتفهّم كبير من النواب للمشاكل التي تعاني منها الإدارة التونسية، وأنه بهذا التنقيح يحاول البرلمان القيام بدوره في حماية المسؤولين الإداريين ورفع المكبّلات التي تعيق عملهم وقدرتهم على الإنجاز، كما أشار بن زينب إلى أن هذا التنقيح الذي سيتم تمريره للتصويت عليه في الجلسة العامة الأسبوع المقبل هو تتويج لمسار من النقاش العميق داخل اللجان، وكذلك تتويج لليوم الدراسي الذي تم فيه الاستماع إلى وجهة نظر المختصين وملاحظتهم وهو كذلك يتنزّل صلب مهام مجلس نواب الشعب والتزامه بدوره الرقابي وبدوره في تدارك الثغرات ورفع المكبّلات التي تعيق أي مسار للتقدّم والنهوض، وفق تعبيره.
مسار من النقاش البرلماني
نظرت لجنة التشريع العام خلال جلسة بداية الشهر الجاري في الصيغة النهائية لتعديل الفصلين 96 و98 من المجلة الجزائية حيث تم التصويت بأغلبية أعضاء اللجنة على تدقيق أركان جريمة الاستيلاء على المال العام من قبل الموظف العمومي أو شبهه تفاديا للتوسع في التأويل والحط من العقوبة السجنية وذلك وفق ما اعتبرته اللجنة انسجاما مع المعايير الدولية في المادة الجزائية من جهة مع الموازنة بين حماية المال العام وعدم تكبيل الإدارة والإبقاء على باب الاجتهاد في اتخاذ القرارات.
وخلال يوم دراسي عقده مجلس نواب الشعب منذ أيام بخصوص مقترحي القانونين عدد 15 و 28 لسنة 2023 المتعلقين بتنقيح الفصول 96 و97 و98 من المجلّة الجزائية أكّد الرئيس الأسبق لمحكمة التعقيب المنجي الأخضر أن «الفصل 96 لم يوضّح القصد الجزائي في حين أن القانون الجزائي مبني على القصد». وبأن الفصل 96 من المجلّة الجزائية بصيغته الحالية يحتوي على 6 جرائم على الأقل مما يستوجب توضيح وتدقيق معانيه والتشديد على أهمية أن تكون صفة الموظّف مرتبطة بالفعل المجرّم.
كما ذكّر المنجي الأخضر أنّ محكمة التعقيب هي المحكمة الوحيدة التي أخذت على عاتقها في القضايا المتعلقة بالموظفين العموميين المحالين على معنى الفصل 96توضيح القصد الجزائي بمعنى التأكّد من أن فعل الموظف انطوى على سوء نيّة للإضرار بالإدارة، كما شدّد الرئيس الأسبق لمحكمة التعقيب على أن العمل فعل بشري معرّض للخطأ والصواب ومن غير المنطقي محاسبة الموظف أو شبهه على حسن نيته من وراء القرار الذي اتخذه.
وفي ذات السياق وخلال اليوم الدراسي البرلماني قال رئيس لجنة التشريع العام ياسر القوراري إنّ الفصل 96 أصبح مكبّلا للاقتصاد، نظرا إلى أن التتبّعات الجزائية التي طالت موظفين عموميين على خلفية اتخاذهم لقرارات في إطار تسيير المرافق العمومية التي يشرفون عليها أدّى إلى امتناع زملائهم عن اتخاذ القرارات أو المبادرات خشية تعرضهم للتتبعات. كما أشار القوراري إلى أن الغاية من هذا التنقيح هي تجسيد الإصلاحات التشريعية الرامية إلى ضمان تحقيق المعادلة بين أهداف السياسة الجزائية في مكافحة الفساد الإداري والمالي من جهة وعدم عرقلة وتعطيل العمل الإداري والمرفق العام وتحقيق نجاعته من جهة أخرى..
ووفق ما اقترحه النواب في التنقيح قبل المرور إلى الجلسة العامة هو تضييق مجال الجريمة في الفصل 96 وذلك باشتراط توفر سوء النية كركن قصدي على أساسه يتمّ التمييز بين الخطأ عند الاجتهاد في التصرف والفعل الإجرامي الذي ينطوي على انصراف نية الموظف العمومي أو شبهه إلى ارتكاب ذلك الفعل قصد تحقيق المنفعة أو إلحاق الضرر بالإدارة، مع تقليص العقوبة السجنية ومضاعفة قيمة الخطية المالية.
«ضحايا الفصل 96»
تنقيح الفصل 96 كان من التنقيحات المنتظرة، هذا الفصل الذي اتخذ شهرته من كمية الجدل المتواصل حوله منذ الثورة وخاصة بعد احالة شخصيات فاعلة في نظام بن علي على القضاء بمقتضاه، وإجماع المختصين على أن هذا الفصل كان له الأثر والتأثير السلبي على أداء الإدارة التونسية، وأنه بقي سيفا مسلّطا على رقاب المديرين العامين والمسؤولين البارزين في الإدارة وكبّل قراراتهم خوفا من الملاحقة اللاحقة، وهو ما يحتّم اليوم تنقيحه والخروج بفصل يحفّز المسؤول الإداري على العمل بعيدا عن الخوف والاكراهات أيضا.
وكان رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العمومي وحياد الإدارة عبد القادر اللباوي، قد كشف منذ سنتين أن أكثر من 6 آلاف موظف تونسي تلاحقهم متابعات عدلية على صلة بالفصل «96» من القانون الجزائي، وقال إن هناك أحكاماً صدرت ضد نحو 1500 موظف، وإن أكثر من 100 موظف عمومي يقبعون في السجون بسبب الفصل ذاته.
والى اليوم تتم إحالة موظفين سامين ووزراء على معنى هذا الفصل، وتلاحق عدة قضايا وزراء ومسؤولين سابقين على معنى هذا الفصل، والذي استغلته حتى جمعيات ناشطة في مكافحة الفساد للتشكّي ببعض المسؤولين في الدولة استنادا لهذا الفصل، ففي 2023 تمت إحالة وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق محمد الطرابلسي وعدد من المديرين العامين لديوان التونسيين بالخارج على مقتضى الفصل 96 وصدر قرار بختم البحث في قضية شبهات الفساد والرشوة في عملية تعيين دفعات الملحقين الاجتماعيين بالخارج للسنوات 2017 و2018-2019.