«أوركسترا داكامير افيورنتينا» الإيطالية تفتتح مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية.. من بينها مختارات لموريكوني وبوتشيني.. رحلة في العالم السحري لموسيقى الأفلام الإيطالية الشهيرة
❞قائد المجموعة ومؤسسها يثير اهتمام الجمهور بأسلوبه غير المألوف، والعرض ينطلق بعزف الفرقة للنشيدين الرسميين التونسي والإيطالي❝
❞ الجمهور وسحر الفضاء وأنواره يجعل من كل سهرة لمهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية قصة في حد ذاتها ❝
❞مجموعة شبابية من الموسيقيين يقدمون توليفة موسيقية راوحت باقتدار بين الرومانسية والتصاعد الدرامي المثير❝
فتحت أبواب المسرح الأثري بالجم مجددًا لاستقبال الفرق الموسيقية والفنانين وجمهور الموسيقى السمفونية بمناسبة الدورة الجديدة – 38 – للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم، التي انطلقت يوم السبت 12 جويلية بعرض للفرقة الإيطالية «أوركسترا داكامير افيورنتينا». وتستمر إلى غاية 16 أوت المقبل حيث يكون الاختتام مع عازف الكمان النمساوي - من أصل روسي - يوري روفيش صحبة الأوركسترا السمفونية التونسي.
فتحت إذن أبواب «كوليزي» الجم وانطلقت الحكاية السحرية من جديد. فالسهرة تحت النجوم في القصر الدائري حيث تنبعث الأضواء الخافتة من جميع أروقته، هي حكاية في حد ذاتها تبدأ منذ عبور البوابة الأولى للمسرح الذي يسترعي فيه كل شيء انتباهك وأساسًا أرضه التي تعبق برائحة التاريخ. فجأة تجد نفسك مشدودًا إلى ماض بعيد وتقف أمام عينيك صور مثل الأطياف تمر بشكل بارق لكنك لا تشعر بثقل التاريخ وكأن هناك خيطًا سحريًا يشدنا إليه. يكفي أن نعبر بوابة القصر الأثري ونعبر عبر ذلك الممر المسقوف الذي تسكنه العتمة في اتجاه ساحة العرض الشاسعة أو ذلك الفضاء الدائري الكبير الذي تحيطه الأروقة المضاءة بالشموع، حتى تعتمل الحكاية داخلنا وحتى يستيقظ فضولنا حول مكانته هنا قبل أن نكتفي بذلك الفضول وننشغل باللحظة الآنية. ولنعترف بأن كل لحظة في مهرجان الجم وحدها قصة كاملة الأركان، خاصة إذا ما اطل القمر بكمال بهائه على غرار ما حدث في سهرة الافتتاح، وتجلى في الفضاء ليزيد المكان رهبة على ما هو عليه بطبيعته.
كان الجمهور ليلة افتتاح مهرجان الجم مختلطًا كالعادة. جمهور من جنسيات مختلفة وأوروبية، محب للموسيقى الكلاسيكية ومغرم بالسمفونيات والغناء الأوبرالي، غير أن الحضور الإيطالي كان لافتًا هذه المرة، يتقدمهم سفير إيطاليا ببلادنا الذي قدم كلمة بالمناسبة تحدث فيها عن دور الموسيقى في التقارب بين الشعوب، والسبب واضح هو أن إيطاليا ممثلة في الفرقة الموسيقية المذكورة، كان لها شرف افتتاح مهرجان في قيمة وأهمية وخصوصية مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية.
انتظر الجمهور مرور قائد الفرقة بعد العاشرة ليلاً ليستقبل مصفقًا عناصر «أوركسترا داكامير افيورنتينا»، التي تتكون كلها من موسيقيين شباب، سرعان ما وقف هذا الجمهور على إمكانياتهم في العزف الجماعي وفي العزف المنفرد بعد دعوة من قائد المجموعة الذي قلما يُقال عنه أنه غير عادي في قيادة الفرقة وفي التفاعل مع الجمهور. نتحدث عن المايسترو جيسيبيلانزيتا، قائد الأوركاسترا ومؤسسها مع بداية ثمانينات القرن الماضي، كما تشير إلى ذلك الوثائق التي تعرف بالمجموعة الموسيقية.
كل عناصر الفرقة من عازفين ومؤدين هم من الشباب وقد أذهلوا الجمهور الذي صفق طويلًا وشجع كثيرًا إلى درجة جعلت المايسترو لانزيتا يعلن في عدة مرات عن نهاية السهرة قبل أن يغير رأيه ويستمر العرض لينتهي تقريبًا بعد أن استغرق ساعتين كاملتين.
برنامج السهرة يتكون في أغلبه من مقطوعات مشهورة من أعمال سينمائية وأوبرالية إيطالية ونفذت المجموعة بالخصوص مقطوعات ألفها العازف الإيطالي المعروف أنيوموريكوني الذي يعتبر من أشهر مؤلفي موسيقى الأفلام في إيطاليا، وقد عزفت المجموعة مقطوعات عديدة له، من بينها «سيناء» و«نافولتا ان أمريكا» و«الكلونديسيلياني» و«لاكاليفا» و«سينما بارادزيو» و«ذي بيانيست» وغيرها. قدمت المجموعة أيضًا مقطوعات لجياكو موبوتشيني، وهو يعتبر من بين أبرز الموسيقيين الإيطاليين الذين عاشوا في ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وعزف لها أوركسترا الغرفة فيورنتينا أجزاء من أوبرا «لابوهام» ومقطوعات من أوبرا «جيانيسكيكي»، كما عزف لجيو فانيروتا المعروف في إيطاليا بـ«نينوروتا»، وهو أيضًا من كبار الموسيقيين ومشاهير مؤلفي الموسيقى للسينما. وقد تعاون بالخصوص مع المخرج فيديريكو فيليني كما قدمت مختارات للموسيقار وعازف البيانو نولي بيوفاني الشهير بتأليفه أيضًا الموسيقى للأفلام.
وإذ نفذت المجموعة المختارات من الألحان بحرفية كبيرة وتناغم كبير، فإن القائد جيسيبي لانزيتا منح الفرصة أكثر من مرة خلال السهرة لعازفين للبروز أمام الجمهور بعزفهم المنفرد وهما كل من فرناندو ديياز على البيانو ومارشيلو نيزي عازف الإيقاع. فقد دعاهم لمواجهة الجمهور بشكل فردي في أكثر من مناسبة مما لاقى تشجيعًا كبيرًا من هذا الجمهور وتصفيره.
السهرة تضمنت أيضًا فقرات غنائية بإمضاء السوبرانو إيفلين سافديرا، وهي فنانة ذات حنجرة قوية وحضور خفيف الظل. أطلت بفستانها البراق أمام الجمهور لتُعطي الانطباع منذ الوهلة الأولى أنها فنانة تجمع بين جمالية الأداء وطرافة الحضور وخفة الظل. كان برفقتها التينور أنطونيو ساليسا الذي كان قريبًا من الصورة التي عادة ما يحيط بها فنانو الأوبرا الذين يقفون على الركح بلباس الأوبرا الكلاسيكي ليصدحوا بقوة وبصوت جهوري كثيرًا ما يتردد صداه عبر كامل أرجاء المسرح.
العرض كان متنوعًا وقديرًا، سما بالجمهور في موجة من الألحان بشكل درامي تصاعدي قبل أن يهبط من جديد على الأرض بلمسة من الهدوء الساحر والتناغم بين الآلات، برزت من خلالها مهارة العازفين الذين أهدوا للجمهور توليفة من الألحان الرقيقة والحالمة أحيانًا والإيقاعية التي تتصاعد بشكل مثير أحيانًا أخرى، كل ذلك في انسيابية واضحة أدارها قائد المجموعة بأسلوبه التواصلي الطريف البصري واللغوي، في سهرة يمكن القول أن شعارها صفر من الملل. وقد شارك الجمهور في أداء بعض الجمل المعروفة من أغاني الأفلام الإيطالية الشهيرة، ولم يتردد البعض في القيام بحركات راقصة تأثرًا وتفاعلًا مع بعض المقطوعات ذات الإيقاع الراقص.
وقد لفت قائد الأوركاسترا الانتباه بأسلوبه الطريف في إدارة العرض كما ذكرنا، إذ جمع بين الدور القيادي والتفسيري للجمهور، وكان يستدير، وهو الذي قاد المجموعة على كرسيه الدوار، بين الفينة والأخرى، ليخاطب الحضور الذي توزع على المقاعد وعلى مدارج المسرح الأثري بالجم الذي يتابع العرض باهتمام شديد ، ولم يفته بالتأكيد أسلوب قائد الفرقة الذي كان كثيرًا ما يخاطب عناصر المجموعة الشابة بالعينين وكان لا يتردد في التعبير عن تشجيعه لأي عزف يستحق ذلك.
المجموعة التي توزعت على مسرح الجم كانت تقريبًا في حدود 30 عازفًا أو أكثر بقليل، وكلهم من العازفين الشباب وقد تميزوا بالدقة والانضباط واحترام الجمهور وقدموا عرضًا مشبعًا بالموسيقى غنيًا بالطرب وخاليًا تقريبًا من الملل.
ونشير إلى أن أوركسترا كاميرا دا فيورنتينا قد تأسست في 1981 على يد قائدها الحالي غيسيبي لانزيتو وهي اليوم لديها خبرة كبيرة في تقديم العروض في مسارح تاريخية في العالم وهي تعتبر من أبرز فرق موسيقى الغرفة في أوروبا. وتحظى بدعم وزارة الثقافة الإيطالية ولديها تسجيلات نادرة خاصة في موسيقى الباروك التي يطغى عليها الجانب الرومانسي. وقد أظهرت المجموعة قدرة مبهرة على خلق أجواء رومانسية بمسرح الجمال الأثري بعزفها المزخرف وبإيقاعاتها الحالمة غالبًا وبشغف واضح لمس قلوب الجمهور بسهولة.
ولنا أن نشير إلى أن مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية قد اكتسب مهارة واضحة في التنظيم، أثمرت سهرة رائقة مع جمهور له ذائقة موسيقية متطورة تجعله يتقن الإصغاء ويطرب للألحان التي تغمر الكيان وتلمس الوجدان وتحقق شعورًا بالإشباع الموسيقي قليلًا ما يتحقق في مهرجاناتنا.
وجدير بالذكر أن العرض انطلق بعزف أوركسترا الغرفة في فيورنتينا للنشيد الرسمي التونسي والإيطالي أمام جمهور واقفً في حضرة قصر الجم الذي يكاد يحصل إجماعا على تفرده ، مما يجعله يتفوق على كولوسيوم روما المصنف مع ذلك كأحد عجائب الدنيا.
حياة السايب
❞قائد المجموعة ومؤسسها يثير اهتمام الجمهور بأسلوبه غير المألوف، والعرض ينطلق بعزف الفرقة للنشيدين الرسميين التونسي والإيطالي❝
❞ الجمهور وسحر الفضاء وأنواره يجعل من كل سهرة لمهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية قصة في حد ذاتها ❝
❞مجموعة شبابية من الموسيقيين يقدمون توليفة موسيقية راوحت باقتدار بين الرومانسية والتصاعد الدرامي المثير❝
فتحت أبواب المسرح الأثري بالجم مجددًا لاستقبال الفرق الموسيقية والفنانين وجمهور الموسيقى السمفونية بمناسبة الدورة الجديدة – 38 – للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم، التي انطلقت يوم السبت 12 جويلية بعرض للفرقة الإيطالية «أوركسترا داكامير افيورنتينا». وتستمر إلى غاية 16 أوت المقبل حيث يكون الاختتام مع عازف الكمان النمساوي - من أصل روسي - يوري روفيش صحبة الأوركسترا السمفونية التونسي.
فتحت إذن أبواب «كوليزي» الجم وانطلقت الحكاية السحرية من جديد. فالسهرة تحت النجوم في القصر الدائري حيث تنبعث الأضواء الخافتة من جميع أروقته، هي حكاية في حد ذاتها تبدأ منذ عبور البوابة الأولى للمسرح الذي يسترعي فيه كل شيء انتباهك وأساسًا أرضه التي تعبق برائحة التاريخ. فجأة تجد نفسك مشدودًا إلى ماض بعيد وتقف أمام عينيك صور مثل الأطياف تمر بشكل بارق لكنك لا تشعر بثقل التاريخ وكأن هناك خيطًا سحريًا يشدنا إليه. يكفي أن نعبر بوابة القصر الأثري ونعبر عبر ذلك الممر المسقوف الذي تسكنه العتمة في اتجاه ساحة العرض الشاسعة أو ذلك الفضاء الدائري الكبير الذي تحيطه الأروقة المضاءة بالشموع، حتى تعتمل الحكاية داخلنا وحتى يستيقظ فضولنا حول مكانته هنا قبل أن نكتفي بذلك الفضول وننشغل باللحظة الآنية. ولنعترف بأن كل لحظة في مهرجان الجم وحدها قصة كاملة الأركان، خاصة إذا ما اطل القمر بكمال بهائه على غرار ما حدث في سهرة الافتتاح، وتجلى في الفضاء ليزيد المكان رهبة على ما هو عليه بطبيعته.
كان الجمهور ليلة افتتاح مهرجان الجم مختلطًا كالعادة. جمهور من جنسيات مختلفة وأوروبية، محب للموسيقى الكلاسيكية ومغرم بالسمفونيات والغناء الأوبرالي، غير أن الحضور الإيطالي كان لافتًا هذه المرة، يتقدمهم سفير إيطاليا ببلادنا الذي قدم كلمة بالمناسبة تحدث فيها عن دور الموسيقى في التقارب بين الشعوب، والسبب واضح هو أن إيطاليا ممثلة في الفرقة الموسيقية المذكورة، كان لها شرف افتتاح مهرجان في قيمة وأهمية وخصوصية مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية.
انتظر الجمهور مرور قائد الفرقة بعد العاشرة ليلاً ليستقبل مصفقًا عناصر «أوركسترا داكامير افيورنتينا»، التي تتكون كلها من موسيقيين شباب، سرعان ما وقف هذا الجمهور على إمكانياتهم في العزف الجماعي وفي العزف المنفرد بعد دعوة من قائد المجموعة الذي قلما يُقال عنه أنه غير عادي في قيادة الفرقة وفي التفاعل مع الجمهور. نتحدث عن المايسترو جيسيبيلانزيتا، قائد الأوركاسترا ومؤسسها مع بداية ثمانينات القرن الماضي، كما تشير إلى ذلك الوثائق التي تعرف بالمجموعة الموسيقية.
كل عناصر الفرقة من عازفين ومؤدين هم من الشباب وقد أذهلوا الجمهور الذي صفق طويلًا وشجع كثيرًا إلى درجة جعلت المايسترو لانزيتا يعلن في عدة مرات عن نهاية السهرة قبل أن يغير رأيه ويستمر العرض لينتهي تقريبًا بعد أن استغرق ساعتين كاملتين.
برنامج السهرة يتكون في أغلبه من مقطوعات مشهورة من أعمال سينمائية وأوبرالية إيطالية ونفذت المجموعة بالخصوص مقطوعات ألفها العازف الإيطالي المعروف أنيوموريكوني الذي يعتبر من أشهر مؤلفي موسيقى الأفلام في إيطاليا، وقد عزفت المجموعة مقطوعات عديدة له، من بينها «سيناء» و«نافولتا ان أمريكا» و«الكلونديسيلياني» و«لاكاليفا» و«سينما بارادزيو» و«ذي بيانيست» وغيرها. قدمت المجموعة أيضًا مقطوعات لجياكو موبوتشيني، وهو يعتبر من بين أبرز الموسيقيين الإيطاليين الذين عاشوا في ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وعزف لها أوركسترا الغرفة فيورنتينا أجزاء من أوبرا «لابوهام» ومقطوعات من أوبرا «جيانيسكيكي»، كما عزف لجيو فانيروتا المعروف في إيطاليا بـ«نينوروتا»، وهو أيضًا من كبار الموسيقيين ومشاهير مؤلفي الموسيقى للسينما. وقد تعاون بالخصوص مع المخرج فيديريكو فيليني كما قدمت مختارات للموسيقار وعازف البيانو نولي بيوفاني الشهير بتأليفه أيضًا الموسيقى للأفلام.
وإذ نفذت المجموعة المختارات من الألحان بحرفية كبيرة وتناغم كبير، فإن القائد جيسيبي لانزيتا منح الفرصة أكثر من مرة خلال السهرة لعازفين للبروز أمام الجمهور بعزفهم المنفرد وهما كل من فرناندو ديياز على البيانو ومارشيلو نيزي عازف الإيقاع. فقد دعاهم لمواجهة الجمهور بشكل فردي في أكثر من مناسبة مما لاقى تشجيعًا كبيرًا من هذا الجمهور وتصفيره.
السهرة تضمنت أيضًا فقرات غنائية بإمضاء السوبرانو إيفلين سافديرا، وهي فنانة ذات حنجرة قوية وحضور خفيف الظل. أطلت بفستانها البراق أمام الجمهور لتُعطي الانطباع منذ الوهلة الأولى أنها فنانة تجمع بين جمالية الأداء وطرافة الحضور وخفة الظل. كان برفقتها التينور أنطونيو ساليسا الذي كان قريبًا من الصورة التي عادة ما يحيط بها فنانو الأوبرا الذين يقفون على الركح بلباس الأوبرا الكلاسيكي ليصدحوا بقوة وبصوت جهوري كثيرًا ما يتردد صداه عبر كامل أرجاء المسرح.
العرض كان متنوعًا وقديرًا، سما بالجمهور في موجة من الألحان بشكل درامي تصاعدي قبل أن يهبط من جديد على الأرض بلمسة من الهدوء الساحر والتناغم بين الآلات، برزت من خلالها مهارة العازفين الذين أهدوا للجمهور توليفة من الألحان الرقيقة والحالمة أحيانًا والإيقاعية التي تتصاعد بشكل مثير أحيانًا أخرى، كل ذلك في انسيابية واضحة أدارها قائد المجموعة بأسلوبه التواصلي الطريف البصري واللغوي، في سهرة يمكن القول أن شعارها صفر من الملل. وقد شارك الجمهور في أداء بعض الجمل المعروفة من أغاني الأفلام الإيطالية الشهيرة، ولم يتردد البعض في القيام بحركات راقصة تأثرًا وتفاعلًا مع بعض المقطوعات ذات الإيقاع الراقص.
وقد لفت قائد الأوركاسترا الانتباه بأسلوبه الطريف في إدارة العرض كما ذكرنا، إذ جمع بين الدور القيادي والتفسيري للجمهور، وكان يستدير، وهو الذي قاد المجموعة على كرسيه الدوار، بين الفينة والأخرى، ليخاطب الحضور الذي توزع على المقاعد وعلى مدارج المسرح الأثري بالجم الذي يتابع العرض باهتمام شديد ، ولم يفته بالتأكيد أسلوب قائد الفرقة الذي كان كثيرًا ما يخاطب عناصر المجموعة الشابة بالعينين وكان لا يتردد في التعبير عن تشجيعه لأي عزف يستحق ذلك.
المجموعة التي توزعت على مسرح الجم كانت تقريبًا في حدود 30 عازفًا أو أكثر بقليل، وكلهم من العازفين الشباب وقد تميزوا بالدقة والانضباط واحترام الجمهور وقدموا عرضًا مشبعًا بالموسيقى غنيًا بالطرب وخاليًا تقريبًا من الملل.
ونشير إلى أن أوركسترا كاميرا دا فيورنتينا قد تأسست في 1981 على يد قائدها الحالي غيسيبي لانزيتو وهي اليوم لديها خبرة كبيرة في تقديم العروض في مسارح تاريخية في العالم وهي تعتبر من أبرز فرق موسيقى الغرفة في أوروبا. وتحظى بدعم وزارة الثقافة الإيطالية ولديها تسجيلات نادرة خاصة في موسيقى الباروك التي يطغى عليها الجانب الرومانسي. وقد أظهرت المجموعة قدرة مبهرة على خلق أجواء رومانسية بمسرح الجمال الأثري بعزفها المزخرف وبإيقاعاتها الحالمة غالبًا وبشغف واضح لمس قلوب الجمهور بسهولة.
ولنا أن نشير إلى أن مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية قد اكتسب مهارة واضحة في التنظيم، أثمرت سهرة رائقة مع جمهور له ذائقة موسيقية متطورة تجعله يتقن الإصغاء ويطرب للألحان التي تغمر الكيان وتلمس الوجدان وتحقق شعورًا بالإشباع الموسيقي قليلًا ما يتحقق في مهرجاناتنا.
وجدير بالذكر أن العرض انطلق بعزف أوركسترا الغرفة في فيورنتينا للنشيد الرسمي التونسي والإيطالي أمام جمهور واقفً في حضرة قصر الجم الذي يكاد يحصل إجماعا على تفرده ، مما يجعله يتفوق على كولوسيوم روما المصنف مع ذلك كأحد عجائب الدنيا.