❞ السؤال الحقيقي اليوم لم يعد: «من يغني في قرطاج؟»..
بل ما هي الرؤية الثقافية التي يدافع عنها المهرجان؟❝
❞الإعلان بعد طول انتظار عن برمجة شبه عادية ما عدا بعض الأسماء التي قوبلت مبدئيا بالترحيب❝
أخيرًا، وبعد جدل واسع وبعد التسريبات من هنا وهناك، تمّ الإعلان أمس الثلاثاء 8 جويلية الجاري عن البرنامج الرسمي للعروض الفنية للدورة الـ59 لمهرجان قرطاج الدولي، الذي ستنطلق فعالياته يوم 19 من نفس الشهر وتتواصل إلى غاية يوم 21 أوت القادم، بتخصيص 21 سهرة فنية: 9 منها من تونس والبقية تتوزع بين عروض عربية وعالمية. وتنطلق الدورة بعرض «من قاع الخابية» للموسيقار محمد القرفي (19 جويلية)، في خطوة تؤكد المراهنة في هذه الدورة على التجارب الموسيقية التونسية ذات العمق التعبيري والبحث الجمالي، ويُختتم بسهرة تؤثثها الفنانة الإماراتية «أحلام».
في حقيقة الأمر، لم يحمل البرنامج أي مفاجآت كبيرة عما تمّ تسريبه من أسماء، ووسط الجدل الواسع الذي رافق عدم الإعلان عن مدير لهذه الدورة كما معتادًا من قبل، ظل الغموض يكتنف المشهد إلى غاية الكشف مؤخرًا عن المعلقة الرسمية للدورة الجديدة للمهرجان، ثم الإعلان أمس عن البرنامج كاملاً. وما يمكن قوله مبدئيًا أن البرمجة بدت شبه عادية ما عدا بعض الأسماء التي نالت استحسان عدد من المتفاعلين مع البرمجة المعلنة للدورة 59 للتظاهرة، بالصفحة الرسمية لمهرجان قرطاج الدولي على موقع التواصل الاجتماعي. ووفق ما ظهر من التعليقات، يمكن القول إن هناك ترحيبًا خاصًا بالفنانين «آدم» و»محمد عساف» و»ناصيف زيتون» و»نجوى كرم».
ولنا أن نشير إلى أن ملاحظة قائمة الأسماء التي ستعتلي ركح مسرح قرطاج الأثري في الدورة الجديدة للمهرجان، تدفع إلى طرح العديد من الأسئلة خاصة فيما يتعلق بالهوية الجمالية للمهرجان وأيضًا بفلسفة الاختيار، إذ يبدو أن هناك، وباستثناء بعض السهرات القليلة، مراهنة على الأسماء التي يمكن الوثوق بقدرتها على تأمين على الأقل حدًا أدنى من الحضور الجماهيري، ويُستنتج ذلك من اعتماد منهج تكرار نفس الأسماء في عدة دورات، أكثر منه للتنويع والتعمق والبحث. وربما يكون ذلك مرتبطًا بالمسائل المالية واللوجستية والمادية.
فبنظرة أولى، يُفهم وكأن البرنامج كان محكومًا بتوازن حذر بين أسماء عربية جماهيرية (نانسي عجرم، أحلام، نجوى كرم، ناصيف زيتون، آدم، محمد عساف)، مقابل عروض محلية ذات طابع فني أو تراثي (محمد القرفي، رياض الفهري، كريم ثليبي، سهرة تونسية، لطيفة، صوفية صادق، بينومي).
والملاحظ بالتالي هو ميل البرمجة نحو النجوم المعتادين الذين سبق لهم اعتلاء ركح قرطاج عدة مرات في السنوات الأخيرة. نجوى كرم، نانسي، ناصيف، فكلها أسماء لم تعد مفاجئة، مما يضعف من عنصر «الإبهار» الذي طالما ميّز المهرجان، فكأنه يعيد «تدوير» نفس الأسماء التي ضمنت النجاح الجماهيري مسبقًا، بدل أن يغامر بأصوات جديدة أكثر حضورًا أو تجديدًا أو تأثيرًا في المشهد الحالي.
لكن في ذات الوقت، من المهم التأكيد على أهمية الأسماء الموسيقية التونسية المشاركة على غرار عرض «Tapis Rouge 2» لرياض الفهري، الذي يُعدّ من أبرز مشاريع المزج بين الكلاسيكي والعصري في الساحة الموسيقية التونسية، إلى جانب سهرة la nuit des chefs والتي من المنتظر أن تجمع عددًا من قادة الأوركسترا لتقديم مقطوعات فنية متنوعة.
كما يحضر الفنان كريم الثليبي بعرضه «تخيل روحك تسمع»، وهو عنوان يختزل روح المغامرة والتجديد في البرمجة، إذ يُعتبر الثليبي من الأسماء التي تدفع بالتجريب الصوتي نحو أفق أوسع، بعيدًا عن الاستسهال التجاري.
إلاّ أنه تجدر الإشارة إلى أنه تمّ تغييب وجوه تونسية من الموسيقى البديلة والراب، في المقابل تم إدراج عرض لـ»سان ليفنت» أو مروان عبد الحميد، وهو موسيقي وكاتب أغاني ومغني راب فلسطيني يؤدي الموسيقى البديلة، ما يطرح سؤالًا: لماذا يُفتح الباب للموسيقى البديلة الأجنبية ويُغلق على نظيرتها المحلية؟
من جهة أخرى، هناك مراهنة على الفن التجريبي والتونسي المعاصر، من خلال برمجة عرض «بينومي» لعزيز الجبالي الذي لاقى نجاحًا لافتًا في مهرجان الحمامات الدولي للسنة الماضية.
وفي ما يتعلق بالبرمجة العالمية، فيمكن القول إن الحضور يُعد خجولًا بعد سنوات الانفتاح. ففي سنوات مضت، كان مهرجان قرطاج يستضيف عمالقة من العالم مثل شارل أزنافور، وجيلبرتو جيل، باتي سميث، والعازف ياني وغيرهم، لكن في السنوات الخمس الأخيرة، وخصوصًا بعد جائحة كورونا، تراجع هذا الحضور بشكل واضح.
فدورة 2025 لا تضم سوى هيلين سيغارا من فرنسا، والتي لا يُعرف لها جديدًا، وقد يطفئ الانتقادات الموجهة للمهرجان حضور اسم مثل كي-ماني مارلي، ابن الراحل بوب مارلي.
وإن كانت هذه الاختيارات منطقية من زاوية الكلفة والجمهور، إلا أنها قد تعكس تراجع المستوى العالمي لمهرجان قرطاج، الذي كان عبارة عن محطة دولية للقاء الثقافات. ويبدو أن التركيز بات أكثر على العروض المضمونة خاصة من الناحية التجارية والمتاح بدلًا من المفاجئ والمغاير، وبدلًا من فلسفة المغامرة. والسؤال الحقيقي اليوم لم يعد: «من يغني في قرطاج؟»، بل ما الرؤية الثقافية التي يدافع عنها المهرجان؟
وما يمكن قوله مبدئيًا ومباشرة بعد ملاحظة قائمة العروض في الدورة الجديدة لمهرجان قرطاج الدولي، هو أن قرطاج 2025 ليست دورة ضعيفة، لكنها أيضًا ليست دورة إعادة تأسيس أو دورة متجددة. بالأحرى هي دورة متنوعة حاولت أن تقدم توليفة من العروض التي تستجيب أكثر ما يمكن إلى أذواق مختلفة، حتى إنه يمكن أن نقول إنها دورة ذكية في بعض اختياراتها، لكنها تظل تفتقر إلى الجرأة التي تتجاوز البرمجة إلى صياغة مشروع ثقافي واضح.
الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي.. البرنامج الكامل
19 جويلية: عرض من قاع الخابية لمحمد القرفي
20 جويلية : tapis rouge 2 لرياض الفهري
22 جويلية: binomi لعزيز الجبالي
25 جويلية: لطيفة العرفاوي
26 جويلية: ابراهيم معلوف
27 جويلية: محمد عساف
28 جويلية: سهرة تونسية
30 جويلية: ناصيف زيتون
31 جويلية: HELENE SEGARA
1 أوت: la nuit des chefs
2 اوت: نانسي عجرم
3 اوت: chatalgoya
5 اوت: سان ليفانت
8 اوت: «تخيل روحك تسمع» للفنان كريم ثليبي
9 أوت: نجوى كرم
11 أوت: فولكلور
13 أوت: صوفية صادق
16 أوت: سهرة أم كلثوم لمي فاروق
17 أوت: kymanimarley
18 أوت: آدم
21 أوت: أحلام
إيمان عبد اللطيف
❞ السؤال الحقيقي اليوم لم يعد: «من يغني في قرطاج؟»..
بل ما هي الرؤية الثقافية التي يدافع عنها المهرجان؟❝
❞الإعلان بعد طول انتظار عن برمجة شبه عادية ما عدا بعض الأسماء التي قوبلت مبدئيا بالترحيب❝
أخيرًا، وبعد جدل واسع وبعد التسريبات من هنا وهناك، تمّ الإعلان أمس الثلاثاء 8 جويلية الجاري عن البرنامج الرسمي للعروض الفنية للدورة الـ59 لمهرجان قرطاج الدولي، الذي ستنطلق فعالياته يوم 19 من نفس الشهر وتتواصل إلى غاية يوم 21 أوت القادم، بتخصيص 21 سهرة فنية: 9 منها من تونس والبقية تتوزع بين عروض عربية وعالمية. وتنطلق الدورة بعرض «من قاع الخابية» للموسيقار محمد القرفي (19 جويلية)، في خطوة تؤكد المراهنة في هذه الدورة على التجارب الموسيقية التونسية ذات العمق التعبيري والبحث الجمالي، ويُختتم بسهرة تؤثثها الفنانة الإماراتية «أحلام».
في حقيقة الأمر، لم يحمل البرنامج أي مفاجآت كبيرة عما تمّ تسريبه من أسماء، ووسط الجدل الواسع الذي رافق عدم الإعلان عن مدير لهذه الدورة كما معتادًا من قبل، ظل الغموض يكتنف المشهد إلى غاية الكشف مؤخرًا عن المعلقة الرسمية للدورة الجديدة للمهرجان، ثم الإعلان أمس عن البرنامج كاملاً. وما يمكن قوله مبدئيًا أن البرمجة بدت شبه عادية ما عدا بعض الأسماء التي نالت استحسان عدد من المتفاعلين مع البرمجة المعلنة للدورة 59 للتظاهرة، بالصفحة الرسمية لمهرجان قرطاج الدولي على موقع التواصل الاجتماعي. ووفق ما ظهر من التعليقات، يمكن القول إن هناك ترحيبًا خاصًا بالفنانين «آدم» و»محمد عساف» و»ناصيف زيتون» و»نجوى كرم».
ولنا أن نشير إلى أن ملاحظة قائمة الأسماء التي ستعتلي ركح مسرح قرطاج الأثري في الدورة الجديدة للمهرجان، تدفع إلى طرح العديد من الأسئلة خاصة فيما يتعلق بالهوية الجمالية للمهرجان وأيضًا بفلسفة الاختيار، إذ يبدو أن هناك، وباستثناء بعض السهرات القليلة، مراهنة على الأسماء التي يمكن الوثوق بقدرتها على تأمين على الأقل حدًا أدنى من الحضور الجماهيري، ويُستنتج ذلك من اعتماد منهج تكرار نفس الأسماء في عدة دورات، أكثر منه للتنويع والتعمق والبحث. وربما يكون ذلك مرتبطًا بالمسائل المالية واللوجستية والمادية.
فبنظرة أولى، يُفهم وكأن البرنامج كان محكومًا بتوازن حذر بين أسماء عربية جماهيرية (نانسي عجرم، أحلام، نجوى كرم، ناصيف زيتون، آدم، محمد عساف)، مقابل عروض محلية ذات طابع فني أو تراثي (محمد القرفي، رياض الفهري، كريم ثليبي، سهرة تونسية، لطيفة، صوفية صادق، بينومي).
والملاحظ بالتالي هو ميل البرمجة نحو النجوم المعتادين الذين سبق لهم اعتلاء ركح قرطاج عدة مرات في السنوات الأخيرة. نجوى كرم، نانسي، ناصيف، فكلها أسماء لم تعد مفاجئة، مما يضعف من عنصر «الإبهار» الذي طالما ميّز المهرجان، فكأنه يعيد «تدوير» نفس الأسماء التي ضمنت النجاح الجماهيري مسبقًا، بدل أن يغامر بأصوات جديدة أكثر حضورًا أو تجديدًا أو تأثيرًا في المشهد الحالي.
لكن في ذات الوقت، من المهم التأكيد على أهمية الأسماء الموسيقية التونسية المشاركة على غرار عرض «Tapis Rouge 2» لرياض الفهري، الذي يُعدّ من أبرز مشاريع المزج بين الكلاسيكي والعصري في الساحة الموسيقية التونسية، إلى جانب سهرة la nuit des chefs والتي من المنتظر أن تجمع عددًا من قادة الأوركسترا لتقديم مقطوعات فنية متنوعة.
كما يحضر الفنان كريم الثليبي بعرضه «تخيل روحك تسمع»، وهو عنوان يختزل روح المغامرة والتجديد في البرمجة، إذ يُعتبر الثليبي من الأسماء التي تدفع بالتجريب الصوتي نحو أفق أوسع، بعيدًا عن الاستسهال التجاري.
إلاّ أنه تجدر الإشارة إلى أنه تمّ تغييب وجوه تونسية من الموسيقى البديلة والراب، في المقابل تم إدراج عرض لـ»سان ليفنت» أو مروان عبد الحميد، وهو موسيقي وكاتب أغاني ومغني راب فلسطيني يؤدي الموسيقى البديلة، ما يطرح سؤالًا: لماذا يُفتح الباب للموسيقى البديلة الأجنبية ويُغلق على نظيرتها المحلية؟
من جهة أخرى، هناك مراهنة على الفن التجريبي والتونسي المعاصر، من خلال برمجة عرض «بينومي» لعزيز الجبالي الذي لاقى نجاحًا لافتًا في مهرجان الحمامات الدولي للسنة الماضية.
وفي ما يتعلق بالبرمجة العالمية، فيمكن القول إن الحضور يُعد خجولًا بعد سنوات الانفتاح. ففي سنوات مضت، كان مهرجان قرطاج يستضيف عمالقة من العالم مثل شارل أزنافور، وجيلبرتو جيل، باتي سميث، والعازف ياني وغيرهم، لكن في السنوات الخمس الأخيرة، وخصوصًا بعد جائحة كورونا، تراجع هذا الحضور بشكل واضح.
فدورة 2025 لا تضم سوى هيلين سيغارا من فرنسا، والتي لا يُعرف لها جديدًا، وقد يطفئ الانتقادات الموجهة للمهرجان حضور اسم مثل كي-ماني مارلي، ابن الراحل بوب مارلي.
وإن كانت هذه الاختيارات منطقية من زاوية الكلفة والجمهور، إلا أنها قد تعكس تراجع المستوى العالمي لمهرجان قرطاج، الذي كان عبارة عن محطة دولية للقاء الثقافات. ويبدو أن التركيز بات أكثر على العروض المضمونة خاصة من الناحية التجارية والمتاح بدلًا من المفاجئ والمغاير، وبدلًا من فلسفة المغامرة. والسؤال الحقيقي اليوم لم يعد: «من يغني في قرطاج؟»، بل ما الرؤية الثقافية التي يدافع عنها المهرجان؟
وما يمكن قوله مبدئيًا ومباشرة بعد ملاحظة قائمة العروض في الدورة الجديدة لمهرجان قرطاج الدولي، هو أن قرطاج 2025 ليست دورة ضعيفة، لكنها أيضًا ليست دورة إعادة تأسيس أو دورة متجددة. بالأحرى هي دورة متنوعة حاولت أن تقدم توليفة من العروض التي تستجيب أكثر ما يمكن إلى أذواق مختلفة، حتى إنه يمكن أن نقول إنها دورة ذكية في بعض اختياراتها، لكنها تظل تفتقر إلى الجرأة التي تتجاوز البرمجة إلى صياغة مشروع ثقافي واضح.