إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

وزيرة‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سماح‭ ‬حمد‭ ‬لـ«الصباح‮»‬: أطفال‭ ‬غزة‭ ‬مقبلون‭ ‬على‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد

 

في‭ ‬لحظة‭ ‬تختلط‭ ‬فيها‭ ‬رائحة‭ ‬الرماد‭ ‬بأنين‭ ‬الجوع،‭ ‬وحين‭ ‬تتحوّل‭ ‬الخريطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬فسيفساء‭ ‬من‭ ‬الخيام‭ ‬والحواجز‭ ‬والأسى،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬رسمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬يمسك‭ ‬بخيوط‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الميدان‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬المكاتب‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تفتح‭ ‬وزيرة‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سماح‭ ‬حمد‭ ‬قلبها‭ ‬وعقلها‭ ‬لجريدة‭ ‬‮«‬الصباح‮»‬،‭ ‬لتقدم‭ ‬شهادة‭ ‬بالغة‭ ‬الخطورة‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وعن‭ ‬التهديد‭ ‬الوجودي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وعن‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تُدير‭ ‬أزمة‭ ‬وطنية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حصار‭ ‬مالي‭ ‬خانق‭ ‬واحتلال‭ ‬متوحش‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬الشامل،‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬الوزيرة‭ ‬بوصف‭ ‬الألم،‭ ‬بل‭ ‬تقدم‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬خارطة‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الأزمة‭: ‬عن‭ ‬الإيواء‭ ‬والتغذية،‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬المحاصر،‭ ‬عن‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬ولدوا‭ ‬في‭ ‬المجاعة،‭ ‬وعن‭ ‬نساء‭ ‬يحملن‭ ‬أوجاع‭ ‬القضية‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬الابادة‭. ‬وكشفت‭ ‬الوزيرة‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الكارثي‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العدوان‭ ‬المستمر‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬والتصعيد‭ ‬الممنهج‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬والحصار‭ ‬المالي‭ ‬الخانق‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬حربا،‭ ‬بل‭ ‬عملية‭ ‬إبادة‭ ‬منسقة‭ ‬تستهدف‭ ‬الإنسان‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬وجوده،‭ ‬في‭ ‬ذاكرته،‭ ‬وفي‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياته‭ ‬اليومية‭.‬‮»‬
من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء،‭ ‬نستعرض‭ ‬أوجه‭ ‬المعاناة،‭ ‬وسبل‭ ‬الصمود،‭ ‬وتفاصيل‭ ‬الجهد‭ ‬الحكومي‭ ‬المتواصل‭ ‬رغم‭ ‬التحديات‭.‬

منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬ونصف،‭ ‬يخوض‭ ‬سكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬معركة‭ ‬حياة‭ ‬أو‭ ‬موت‭. ‬الوزيرة‭ ‬سماح‭ ‬حمد‭ ‬تبدأ‭ ‬حديثها‭ ‬بلهجة‭ ‬حزينة‭ ‬لكنها‭ ‬حازمة‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬هوادة‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬أمام‭ ‬نمط‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬الجماعي‭. ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الأمان،‭ ‬لا‭ ‬سقف‭ ‬يُطمئن،‭ ‬ولا‭ ‬خبز‭ ‬يسد‭ ‬رمق‭ ‬الأطفال‭. ‬الاحتلال‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بالقصف،‭ ‬بل‭ ‬يمنع‭ ‬إدخال‭ ‬الغذاء‭ ‬والماء،‭ ‬ويمنع‭ ‬ترميم‭ ‬المستشفيات،‭ ‬ويدمر‭ ‬المدارس‭ ‬فوق‭ ‬رؤوس‭ ‬طلابها‭.‬‮»‬
وتضيف‭ ‬‮«‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬مليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬خلق‭ ‬وضعا‭ ‬إنسانيا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭. ‬النزوح‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬دائم‭. ‬الناس‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬خيام‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬للبقاء،‭ ‬لا‭ ‬ماء،‭ ‬لا‭ ‬كهرباء،‭ ‬لا‭ ‬غذاء‭ ‬كافٍ‭. ‬الأطفال‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬تغذية،‭ ‬ونحن‭ ‬مقبلون‭ ‬على‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد،‭ ‬سنرى‭ ‬آثارها‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التقزم‭ ‬ونقص‭ ‬المناعة‭.‬‮»‬
وتشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬الأطنان‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والطبية‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬المعابر،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نطلب‭ ‬تمويلًا‭ ‬الآن،‭ ‬نطلب‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بإدخال‭ ‬ما‭ ‬لدينا‭. ‬المساعدات‭ ‬موجودة،‭ ‬لكنها‭ ‬محتجزة‭.‬‮»‬
غرفة‭ ‬عمليات‭ ‬طارئة‭: ‬العمل‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬الهدنة‭ ‬الأولى
الوزيرة‭ ‬أعادت‭ ‬التذكير‭ ‬بتجربة‭ ‬‮«‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬الحكومية‭ ‬الطارئة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أُنشئت‭ ‬خلال‭ ‬أول‭ ‬هدنة‭ ‬جزئية،‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬العدوان،‭ ‬وقالت‭ ‬‮«‬في‭ ‬العام‭ ‬2024،‭ ‬وخلال‭ ‬أول‭ ‬تهدئة‭ ‬مؤقتة،‭ ‬أطلقنا‭ ‬هذه‭ ‬الغرفة‭ ‬بمشاركة‭ ‬15‭ ‬مؤسسة‭ ‬ووزارة‭. ‬الهدف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فقط‭ ‬الإغاثة‭ ‬الطارئة،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭: ‬تعليم،‭ ‬صحة،‭ ‬مياه،‭ ‬إيواء‭.‬‮»‬
وتابعت‮»‬خلال‭ ‬شهرين‭ ‬فقط،‭ ‬أقمنا‭ ‬18‭ ‬مركزًا‭ ‬منظمًا‭ ‬للإيواء‭ ‬في‭ ‬أراضٍ‭ ‬مدمرة‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭. ‬استعدنا‭ ‬قطاعات‭ ‬حيوية‭ ‬كالزراعة‭ ‬والتشغيل،‭ ‬رغم‭ ‬نقص‭ ‬المعدات‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬يمنع‭ ‬الاحتلال‭ ‬دخولها‭. ‬وقد‭ ‬لاقت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬إشادة‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬‮»‬
وتضيف‭ ‬الوزيرة‭ ‬بثقة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ننتظر‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬‹اليوم‭ ‬التالي›‭. ‬بالنسبة‭ ‬لنا،‭ ‬‹اللحظة‭ ‬التالية›‭ ‬تبدأ‭ ‬الآن،‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬بصيص‭ ‬أمل‭ ‬بوقف‭ ‬العدوان‭. ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬دائم‭.‬‮»‬
تحالف‭ ‬مجتمعي‭ ‬شامل‭ ‬داخل‭ ‬الغرفة‭ ‬الوطنية
ما‭ ‬بدأ‭ ‬بـ15‭ ‬جهة،‭ ‬توسع‭ ‬ليشمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬مؤسسة‭ ‬وكيانا‭ ‬فلسطينيا‭: ‬وزارات،‭ ‬منظمات‭ ‬أهلية،‭ ‬دوائر‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير،‭ ‬الهلال‭ ‬الأحمر،‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وحتى‭ ‬ممثلين‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭.‬
وأكدت‭ ‬الوزيرة‭ ‬قائلة‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الفريد‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬والتنسيق‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬رغم‭ ‬الانقسام،‭ ‬ورغم‭ ‬الحرب،‭ ‬ورغم‭ ‬الشحّ‭.‬
لكن‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الوزيرة،‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬التمويل،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحصار‭ ‬المالي،‭ ‬واحتجاز‭ ‬الاحتلال‭ ‬لأموال‭ ‬المقاصة‭.‬
الضفة‭ ‬الغربية‭.. ‬اجتياح‭ ‬متواصل
في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬الصورة‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬فظاعة‭. ‬الوزيرة‭ ‬تصف‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬زحف‭ ‬بطيء‭ ‬نحو‭ ‬الاجتثاث‮»‬،‭ ‬مضيفة‭ ‬‮«‬الهجمات‭ ‬الاستيطانية‭ ‬اليومية‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والمزارع‭ ‬والبوادي‭. ‬اعتداءات‭ ‬ممنهجة‭ ‬على‭ ‬النساء،‭ ‬على‭ ‬الرعاة،‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭. ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬الدولي‭.‬‮»‬
وتتابع‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬لدينا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬نازح‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬مخيمات‭ ‬نور‭ ‬شمس‭ ‬وطولكرم‭ ‬وجنين‭. ‬هذه‭ ‬المخيمات‭ ‬لم‭ ‬تُقصف‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هدمت‭ ‬بناها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بالكامل‭.‬‮»‬
ورغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬تمكنت‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬إقامة‭ ‬مراكز‭ ‬للإيواء‭ ‬والتعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬لكن‭ ‬الوزيرة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬هشاشة‭ ‬الوضع‭ ‬‮«‬ارتفاع‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق‭ ‬والعنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬يعكس‭ ‬أزمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬حقيقية‭. ‬العائلات‭ ‬تعيش‭ ‬بلا‭ ‬استقرار،‭ ‬بلا‭ ‬دخل،‭ ‬بلا‭ ‬أفق‭.‬‮»‬
القدس‭ ‬ومعركة‭ ‬الوعي
تتوقف‭ ‬الوزيرة‭ ‬عند‭ ‬القدس،‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أشرس‭ ‬المعارك‭ ‬غير‭ ‬المعلنة،‭ ‬معركة‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والهوية‭ ‬وأكدت‭ ‬قائلة‭ ‬‮«‬منعونا‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬امتحانات‭ ‬التوجيهي‭. ‬أغلقوا‭ ‬مدارس‭ ‬بالكامل‭. ‬اضطررنا‭ ‬لتنظيم‭ ‬بدائل‭ ‬ميدانية‭ ‬رغم‭ ‬المخاطر‭. ‬التعليم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬ليس‭ ‬خدمة،‭ ‬بل‭ ‬صمودا‮»‬‭.‬
أما‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تفعيل‭ ‬التعليم‭ ‬الإلكتروني‭ ‬رغم‭ ‬الدمار،‭ ‬ويتم‭ ‬التحضير‭ ‬لامتحانات‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬وسط‭ ‬ظروف‭ ‬استثنائية‭.‬
أيتام‭ ‬الحصار‭ ‬والموت‭.. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬طفل‭ ‬دون‭ ‬معيل
الرقم‭ ‬الذي‭ ‬تُعلنه‭ ‬الوزيرة‭ ‬صادم‭: ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬يتيم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وحدها،‭ ‬الرقم‭ ‬لا‭ ‬يشمل‭ ‬من‭ ‬فقدوا‭ ‬أحد‭ ‬الوالدين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬أطفالا‭ ‬فقدوا‭ ‬عائلات‭ ‬بأكملها‭.‬
وأكدت‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إحصاء‭ ‬العدد‭ ‬بدقة‭ ‬بسبب‭ ‬تعذر‭ ‬العمل‭ ‬الميداني،‭ ‬لكن‭ ‬المؤشرات‭ ‬تنذر‭ ‬بكارثة‭ ‬اجتماعية‭. ‬الأسرة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬تنهار،‭ ‬وهذه‭ ‬آثار‭ ‬لا‭ ‬تزول‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب‭ ‬فقط‭.‬‮»‬
ديون‭ ‬متراكمة‭ ‬ورواتب‭ ‬منقوصة‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات
الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬هي‭ ‬الحلقة‭ ‬الأكثر‭ ‬خنقا‭. ‬الوزيرة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الرواتب‭ ‬قليلة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وأشارت‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬نعاني‭ ‬من‭ ‬احتجاز‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2‭.‬3‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬المقاصة‭. ‬ديوننا‭ ‬تجاوزت‭ ‬12‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭: ‬ديون‭ ‬للمستشفيات،‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬للموظفين،‭ ‬للبنوك‭.‬‮»‬
وتتابع‭ ‬‮«‬الوضع‭ ‬كارثي‭. ‬السوق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مغمور‭ ‬بالسيولة‭ ‬النقدية،‭ ‬دون‭ ‬غطاء‭ ‬اقتصادي،‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬عملة‭ ‬وطنية‭. ‬نتعامل‭ ‬بالشيكل،‭ ‬والأسواق‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬الكتلة‭ ‬النقدية‭ ‬المتداولة‭.‬‮»‬
ورغم‭ ‬تعقيدات‭ ‬الواقع،‭ ‬تؤكد‭ ‬الوزيرة‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬قائمة‭ ‬وتعمل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحافظات،‭ ‬وتقول‭ ‬‮«‬لدينا‭ ‬مكاتب‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬القرى‭. ‬نحاول‭ ‬توصيل‭ ‬المساعدات‭ ‬رغم‭ ‬الحواجز،‭ ‬رغم‭ ‬المضايقات،‭ ‬رغم‭ ‬العراقيل‭.‬‮»‬
وتضيف‭ ‬‮«‬حماية‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬هي‭ ‬أولوية‭. ‬لكن‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬الحواجز‭ ‬يعرقل‭ ‬حتى‭ ‬وصول‭ ‬فرق‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬نواصل‭ ‬عملنا‭.‬‮»‬
غزة‮…‬‭ ‬صمود‭ ‬رغم‭ ‬الرماد
الوزيرة‭ ‬تختتم‭ ‬الحوار‭ ‬بإصرار‭ ‬لا‭ ‬تخطئه‭ ‬العين‭ ‬‮«‬لدينا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬يتبعون‭ ‬للسلطة،‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬نوفر‭ ‬لهم‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭: ‬ماء،‭ ‬كهرباء،‭ ‬تعليم‭. ‬هذا‭ ‬التزامنا‭ ‬الوطني‭.‬‮»‬
وتضيف‭ ‬‮«‬استشهد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬موظفينا‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬خلال‭ ‬الحرب،‭ ‬لكننا‭ ‬باقون‭. ‬هذا‭ ‬الصمود‭ ‬ليس‭ ‬خيارا‭ ‬فرديا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‭.‬‮»‬
كلمة‭ ‬أخيرة
في‭ ‬نهاية‭ ‬اللقاء،‭ ‬دعت‭ ‬الوزيرة‭ ‬إلى‭ ‬تفعيل‭ ‬شبكة‭ ‬الأمان‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬أقرتها‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‭ ‬لم‭ ‬يرتقِ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الكارثة‭. ‬كما‭ ‬وجهت‭ ‬نداء‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بضرورة‭ ‬فك‭ ‬الحصار‭ ‬فورًا‭ ‬عن‭ ‬غزة،‭ ‬والسماح‭ ‬بإدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬دون‭ ‬شروط‭.‬
وقالت‭ ‬‮«‬شعبنا‭ ‬لا‭ ‬يطلب‭ ‬معجزة‭. ‬يطلب‭ ‬فقط‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬وقد‭ ‬أثبتنا‭ ‬أننا،‭ ‬رغم‭ ‬القصف‭ ‬والخذلان،‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬البقاء،‭ ‬وقادرون‭ ‬على‭ ‬البناء‭.‬‮»‬

 

أجرى‭ ‬الحوار‭: ‬نزار‭ ‬مقني

وزيرة‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سماح‭ ‬حمد‭ ‬لـ«الصباح‮»‬:      أطفال‭ ‬غزة‭ ‬مقبلون‭ ‬على‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد

 

في‭ ‬لحظة‭ ‬تختلط‭ ‬فيها‭ ‬رائحة‭ ‬الرماد‭ ‬بأنين‭ ‬الجوع،‭ ‬وحين‭ ‬تتحوّل‭ ‬الخريطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬فسيفساء‭ ‬من‭ ‬الخيام‭ ‬والحواجز‭ ‬والأسى،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬رسمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬يمسك‭ ‬بخيوط‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الميدان‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬المكاتب‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تفتح‭ ‬وزيرة‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سماح‭ ‬حمد‭ ‬قلبها‭ ‬وعقلها‭ ‬لجريدة‭ ‬‮«‬الصباح‮»‬،‭ ‬لتقدم‭ ‬شهادة‭ ‬بالغة‭ ‬الخطورة‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وعن‭ ‬التهديد‭ ‬الوجودي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وعن‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تُدير‭ ‬أزمة‭ ‬وطنية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حصار‭ ‬مالي‭ ‬خانق‭ ‬واحتلال‭ ‬متوحش‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬الشامل،‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬الوزيرة‭ ‬بوصف‭ ‬الألم،‭ ‬بل‭ ‬تقدم‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬خارطة‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الأزمة‭: ‬عن‭ ‬الإيواء‭ ‬والتغذية،‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬المحاصر،‭ ‬عن‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬ولدوا‭ ‬في‭ ‬المجاعة،‭ ‬وعن‭ ‬نساء‭ ‬يحملن‭ ‬أوجاع‭ ‬القضية‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬الابادة‭. ‬وكشفت‭ ‬الوزيرة‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الكارثي‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العدوان‭ ‬المستمر‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬والتصعيد‭ ‬الممنهج‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬والحصار‭ ‬المالي‭ ‬الخانق‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬حربا،‭ ‬بل‭ ‬عملية‭ ‬إبادة‭ ‬منسقة‭ ‬تستهدف‭ ‬الإنسان‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬وجوده،‭ ‬في‭ ‬ذاكرته،‭ ‬وفي‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياته‭ ‬اليومية‭.‬‮»‬
من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء،‭ ‬نستعرض‭ ‬أوجه‭ ‬المعاناة،‭ ‬وسبل‭ ‬الصمود،‭ ‬وتفاصيل‭ ‬الجهد‭ ‬الحكومي‭ ‬المتواصل‭ ‬رغم‭ ‬التحديات‭.‬

منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬ونصف،‭ ‬يخوض‭ ‬سكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬معركة‭ ‬حياة‭ ‬أو‭ ‬موت‭. ‬الوزيرة‭ ‬سماح‭ ‬حمد‭ ‬تبدأ‭ ‬حديثها‭ ‬بلهجة‭ ‬حزينة‭ ‬لكنها‭ ‬حازمة‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬هوادة‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬أمام‭ ‬نمط‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬الجماعي‭. ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الأمان،‭ ‬لا‭ ‬سقف‭ ‬يُطمئن،‭ ‬ولا‭ ‬خبز‭ ‬يسد‭ ‬رمق‭ ‬الأطفال‭. ‬الاحتلال‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بالقصف،‭ ‬بل‭ ‬يمنع‭ ‬إدخال‭ ‬الغذاء‭ ‬والماء،‭ ‬ويمنع‭ ‬ترميم‭ ‬المستشفيات،‭ ‬ويدمر‭ ‬المدارس‭ ‬فوق‭ ‬رؤوس‭ ‬طلابها‭.‬‮»‬
وتضيف‭ ‬‮«‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬مليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬خلق‭ ‬وضعا‭ ‬إنسانيا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭. ‬النزوح‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬دائم‭. ‬الناس‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬خيام‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬للبقاء،‭ ‬لا‭ ‬ماء،‭ ‬لا‭ ‬كهرباء،‭ ‬لا‭ ‬غذاء‭ ‬كافٍ‭. ‬الأطفال‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬تغذية،‭ ‬ونحن‭ ‬مقبلون‭ ‬على‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد،‭ ‬سنرى‭ ‬آثارها‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التقزم‭ ‬ونقص‭ ‬المناعة‭.‬‮»‬
وتشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬الأطنان‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والطبية‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬المعابر،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نطلب‭ ‬تمويلًا‭ ‬الآن،‭ ‬نطلب‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بإدخال‭ ‬ما‭ ‬لدينا‭. ‬المساعدات‭ ‬موجودة،‭ ‬لكنها‭ ‬محتجزة‭.‬‮»‬
غرفة‭ ‬عمليات‭ ‬طارئة‭: ‬العمل‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬الهدنة‭ ‬الأولى
الوزيرة‭ ‬أعادت‭ ‬التذكير‭ ‬بتجربة‭ ‬‮«‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬الحكومية‭ ‬الطارئة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أُنشئت‭ ‬خلال‭ ‬أول‭ ‬هدنة‭ ‬جزئية،‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬العدوان،‭ ‬وقالت‭ ‬‮«‬في‭ ‬العام‭ ‬2024،‭ ‬وخلال‭ ‬أول‭ ‬تهدئة‭ ‬مؤقتة،‭ ‬أطلقنا‭ ‬هذه‭ ‬الغرفة‭ ‬بمشاركة‭ ‬15‭ ‬مؤسسة‭ ‬ووزارة‭. ‬الهدف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فقط‭ ‬الإغاثة‭ ‬الطارئة،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭: ‬تعليم،‭ ‬صحة،‭ ‬مياه،‭ ‬إيواء‭.‬‮»‬
وتابعت‮»‬خلال‭ ‬شهرين‭ ‬فقط،‭ ‬أقمنا‭ ‬18‭ ‬مركزًا‭ ‬منظمًا‭ ‬للإيواء‭ ‬في‭ ‬أراضٍ‭ ‬مدمرة‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭. ‬استعدنا‭ ‬قطاعات‭ ‬حيوية‭ ‬كالزراعة‭ ‬والتشغيل،‭ ‬رغم‭ ‬نقص‭ ‬المعدات‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬يمنع‭ ‬الاحتلال‭ ‬دخولها‭. ‬وقد‭ ‬لاقت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬إشادة‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬‮»‬
وتضيف‭ ‬الوزيرة‭ ‬بثقة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ننتظر‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬‹اليوم‭ ‬التالي›‭. ‬بالنسبة‭ ‬لنا،‭ ‬‹اللحظة‭ ‬التالية›‭ ‬تبدأ‭ ‬الآن،‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬بصيص‭ ‬أمل‭ ‬بوقف‭ ‬العدوان‭. ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬دائم‭.‬‮»‬
تحالف‭ ‬مجتمعي‭ ‬شامل‭ ‬داخل‭ ‬الغرفة‭ ‬الوطنية
ما‭ ‬بدأ‭ ‬بـ15‭ ‬جهة،‭ ‬توسع‭ ‬ليشمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬مؤسسة‭ ‬وكيانا‭ ‬فلسطينيا‭: ‬وزارات،‭ ‬منظمات‭ ‬أهلية،‭ ‬دوائر‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير،‭ ‬الهلال‭ ‬الأحمر،‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وحتى‭ ‬ممثلين‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭.‬
وأكدت‭ ‬الوزيرة‭ ‬قائلة‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الفريد‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬والتنسيق‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬رغم‭ ‬الانقسام،‭ ‬ورغم‭ ‬الحرب،‭ ‬ورغم‭ ‬الشحّ‭.‬
لكن‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الوزيرة،‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬التمويل،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحصار‭ ‬المالي،‭ ‬واحتجاز‭ ‬الاحتلال‭ ‬لأموال‭ ‬المقاصة‭.‬
الضفة‭ ‬الغربية‭.. ‬اجتياح‭ ‬متواصل
في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬الصورة‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬فظاعة‭. ‬الوزيرة‭ ‬تصف‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬زحف‭ ‬بطيء‭ ‬نحو‭ ‬الاجتثاث‮»‬،‭ ‬مضيفة‭ ‬‮«‬الهجمات‭ ‬الاستيطانية‭ ‬اليومية‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والمزارع‭ ‬والبوادي‭. ‬اعتداءات‭ ‬ممنهجة‭ ‬على‭ ‬النساء،‭ ‬على‭ ‬الرعاة،‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭. ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬الدولي‭.‬‮»‬
وتتابع‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬لدينا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬نازح‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬مخيمات‭ ‬نور‭ ‬شمس‭ ‬وطولكرم‭ ‬وجنين‭. ‬هذه‭ ‬المخيمات‭ ‬لم‭ ‬تُقصف‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هدمت‭ ‬بناها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بالكامل‭.‬‮»‬
ورغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬تمكنت‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬إقامة‭ ‬مراكز‭ ‬للإيواء‭ ‬والتعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬لكن‭ ‬الوزيرة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬هشاشة‭ ‬الوضع‭ ‬‮«‬ارتفاع‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق‭ ‬والعنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬يعكس‭ ‬أزمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬حقيقية‭. ‬العائلات‭ ‬تعيش‭ ‬بلا‭ ‬استقرار،‭ ‬بلا‭ ‬دخل،‭ ‬بلا‭ ‬أفق‭.‬‮»‬
القدس‭ ‬ومعركة‭ ‬الوعي
تتوقف‭ ‬الوزيرة‭ ‬عند‭ ‬القدس،‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أشرس‭ ‬المعارك‭ ‬غير‭ ‬المعلنة،‭ ‬معركة‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والهوية‭ ‬وأكدت‭ ‬قائلة‭ ‬‮«‬منعونا‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬امتحانات‭ ‬التوجيهي‭. ‬أغلقوا‭ ‬مدارس‭ ‬بالكامل‭. ‬اضطررنا‭ ‬لتنظيم‭ ‬بدائل‭ ‬ميدانية‭ ‬رغم‭ ‬المخاطر‭. ‬التعليم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬ليس‭ ‬خدمة،‭ ‬بل‭ ‬صمودا‮»‬‭.‬
أما‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تفعيل‭ ‬التعليم‭ ‬الإلكتروني‭ ‬رغم‭ ‬الدمار،‭ ‬ويتم‭ ‬التحضير‭ ‬لامتحانات‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬وسط‭ ‬ظروف‭ ‬استثنائية‭.‬
أيتام‭ ‬الحصار‭ ‬والموت‭.. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬طفل‭ ‬دون‭ ‬معيل
الرقم‭ ‬الذي‭ ‬تُعلنه‭ ‬الوزيرة‭ ‬صادم‭: ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬يتيم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وحدها،‭ ‬الرقم‭ ‬لا‭ ‬يشمل‭ ‬من‭ ‬فقدوا‭ ‬أحد‭ ‬الوالدين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬أطفالا‭ ‬فقدوا‭ ‬عائلات‭ ‬بأكملها‭.‬
وأكدت‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إحصاء‭ ‬العدد‭ ‬بدقة‭ ‬بسبب‭ ‬تعذر‭ ‬العمل‭ ‬الميداني،‭ ‬لكن‭ ‬المؤشرات‭ ‬تنذر‭ ‬بكارثة‭ ‬اجتماعية‭. ‬الأسرة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬تنهار،‭ ‬وهذه‭ ‬آثار‭ ‬لا‭ ‬تزول‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب‭ ‬فقط‭.‬‮»‬
ديون‭ ‬متراكمة‭ ‬ورواتب‭ ‬منقوصة‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات
الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬هي‭ ‬الحلقة‭ ‬الأكثر‭ ‬خنقا‭. ‬الوزيرة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الرواتب‭ ‬قليلة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وأشارت‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬نعاني‭ ‬من‭ ‬احتجاز‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2‭.‬3‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬المقاصة‭. ‬ديوننا‭ ‬تجاوزت‭ ‬12‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭: ‬ديون‭ ‬للمستشفيات،‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬للموظفين،‭ ‬للبنوك‭.‬‮»‬
وتتابع‭ ‬‮«‬الوضع‭ ‬كارثي‭. ‬السوق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مغمور‭ ‬بالسيولة‭ ‬النقدية،‭ ‬دون‭ ‬غطاء‭ ‬اقتصادي،‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬عملة‭ ‬وطنية‭. ‬نتعامل‭ ‬بالشيكل،‭ ‬والأسواق‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬الكتلة‭ ‬النقدية‭ ‬المتداولة‭.‬‮»‬
ورغم‭ ‬تعقيدات‭ ‬الواقع،‭ ‬تؤكد‭ ‬الوزيرة‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬قائمة‭ ‬وتعمل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحافظات،‭ ‬وتقول‭ ‬‮«‬لدينا‭ ‬مكاتب‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬القرى‭. ‬نحاول‭ ‬توصيل‭ ‬المساعدات‭ ‬رغم‭ ‬الحواجز،‭ ‬رغم‭ ‬المضايقات،‭ ‬رغم‭ ‬العراقيل‭.‬‮»‬
وتضيف‭ ‬‮«‬حماية‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬هي‭ ‬أولوية‭. ‬لكن‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬الحواجز‭ ‬يعرقل‭ ‬حتى‭ ‬وصول‭ ‬فرق‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬نواصل‭ ‬عملنا‭.‬‮»‬
غزة‮…‬‭ ‬صمود‭ ‬رغم‭ ‬الرماد
الوزيرة‭ ‬تختتم‭ ‬الحوار‭ ‬بإصرار‭ ‬لا‭ ‬تخطئه‭ ‬العين‭ ‬‮«‬لدينا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬يتبعون‭ ‬للسلطة،‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬نوفر‭ ‬لهم‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭: ‬ماء،‭ ‬كهرباء،‭ ‬تعليم‭. ‬هذا‭ ‬التزامنا‭ ‬الوطني‭.‬‮»‬
وتضيف‭ ‬‮«‬استشهد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬موظفينا‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬خلال‭ ‬الحرب،‭ ‬لكننا‭ ‬باقون‭. ‬هذا‭ ‬الصمود‭ ‬ليس‭ ‬خيارا‭ ‬فرديا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‭.‬‮»‬
كلمة‭ ‬أخيرة
في‭ ‬نهاية‭ ‬اللقاء،‭ ‬دعت‭ ‬الوزيرة‭ ‬إلى‭ ‬تفعيل‭ ‬شبكة‭ ‬الأمان‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬أقرتها‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‭ ‬لم‭ ‬يرتقِ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الكارثة‭. ‬كما‭ ‬وجهت‭ ‬نداء‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بضرورة‭ ‬فك‭ ‬الحصار‭ ‬فورًا‭ ‬عن‭ ‬غزة،‭ ‬والسماح‭ ‬بإدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬دون‭ ‬شروط‭.‬
وقالت‭ ‬‮«‬شعبنا‭ ‬لا‭ ‬يطلب‭ ‬معجزة‭. ‬يطلب‭ ‬فقط‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬وقد‭ ‬أثبتنا‭ ‬أننا،‭ ‬رغم‭ ‬القصف‭ ‬والخذلان،‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬البقاء،‭ ‬وقادرون‭ ‬على‭ ‬البناء‭.‬‮»‬

 

أجرى‭ ‬الحوار‭: ‬نزار‭ ‬مقني