إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بلغت‭ ‬حدّ "اقتلاع" أعين‭ ‬الزوجات‭..‬ تطبيع‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬الزوجي‭.. ‬تنكيل‭ ‬ووحشية‭ ‬في‭ ‬عش‭ ‬الزوجية‭ !

-مختص‭ ‬في‭ ‬القانون‭:‬القانون‭ ‬58‭ ‬ثورة‭ ‬تشريعية‭.. ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬المرأة‭ ‬بشكل‭ ‬كامل
-اقتلع‭ ‬عيني‭ ‬زوجته‭ ‬ليقدمهما‭ ‬قربانًا‭ ‬لـ«الجان‮»‬‭.. ‬وآخر‭ ‬انتقم‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة

 

حادثة‭ ‬مروعة‭ ‬عاشتها‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭ ‬منطقة‭ ‬السبيخة‭ ‬التابعة‭ ‬لولاية‭ ‬القيروان‭.. ‬الحادثة‭ ‬فضيعة‭ ‬في‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬فالزوج‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬29‭ ‬سنة،‭ ‬ولم‭ ‬يمضِ‭ ‬على‭ ‬زواجه‭ ‬سوى‭ ‬عامين،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬اقتلاع‭ ‬عيني‭ ‬زوجته‭ ‬وحملهما‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬وتقديمهما‭ ‬لمشعوذ‭ ‬طمعًا‭ ‬في‭ ‬استخراج‭ ‬كنز‭!‬

الحادثة‭ ‬الصادمة‭ ‬جدت‭ ‬بجهة‭ ‬السبيخة‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬القيروان،‭ ‬وقبل‭ ‬يوم‭ ‬الواقعة‭ ‬جدت‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬الزوج‭ ‬الشاب‭ ‬وزوجته،‭ ‬والسبب‭ ‬طلب‭ ‬غريب‭ ‬طلبه‭ ‬الزوج‭ ‬الشاب‭ ‬من‭ ‬زوجته،‭ ‬وهو‭ ‬اقتلاع‭ ‬عينيها‭ ‬وتقديمهما‭ ‬قربانًا‭ ‬للـ«الجان‮»‬‭ ‬لاستخراج‭ ‬كنز‭ ‬بمساعدة‭ ‬مشعوذ‭.. ‬الزوجة‭ ‬استغربت‭ ‬من‭ ‬طلبه‭ ‬ورفضت‭ ‬بشدة‭ ‬انتزاع‭ ‬عينيها‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬السبب،‭ ‬لكن‭ ‬الزوج‭ ‬لم‭ ‬يكترث‭ ‬لرفضها،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬عليه‭ ‬باللين‭ ‬حصل‭ ‬عليه‭ ‬بالقوة‭.. ‬وقبل‭ ‬يومين‭ ‬تجدد‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬حول‭ ‬عيني‭ ‬الزوجة،‭ ‬لكنها‭ ‬رفضت،‭ ‬فطرحها‭ ‬الزوج‭ ‬أرضًا‭ ‬وعنفها‭ ‬بشدة،‭ ‬وأصابها‭ ‬إصابة‭ ‬بليغة‭ ‬برقبتها،‭ ‬ثم‭ ‬جلب‭ ‬شوكة‭ ‬أكل‭ ‬من‭ ‬المطبخ‭ ‬وجثم‭ ‬فوق‭ ‬الزوجة‭ ‬مستغلًا‭ ‬ضعفها‭ ‬واقتلع‭ ‬عينيها‭ ‬بالشوكة،‭ ‬وحملهما‭ ‬بين‭ ‬يديه،‭ ‬ثم‭ ‬تركها‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬الدماء‭.‬
الزوجة‭ ‬نُقلت‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬الجامعي‭ ‬فرحات‭ ‬حشاد‭ ‬بسوسة،‭ ‬ولكنها‭ ‬فقدت‭ ‬البصر‭.‬
اقتلاع‭ ‬العيون‭..‬
العنف‭ ‬الزوجي‭ ‬الذي‭ ‬يتطور‭ ‬إلى‭ ‬اقتلاع‭ ‬العيون‭ ‬أخذ‭ ‬منحى‭ ‬خطيرًا‭ ‬ووحشيًا،‭ ‬ويكشف‭ ‬واقعًا‭ ‬صادمًا‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الأزواج‭ ‬لا‭ ‬يتوانون‭ ‬في‭ ‬التنكيل‭ ‬بزوجاتهم‭ ‬بلا‭ ‬رحمة‭..‬
وحادثة‭ ‬السبيخة‭ ‬ليست‭ ‬الأولى،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬شهدت‭ ‬بعض‭ ‬مناطق‭ ‬الجمهورية‭ ‬حوادث‭ ‬مشابهة،‭ ‬حيث‭ ‬شهد‭ ‬أحد‭ ‬أحياء‭ ‬معتمدية‭ ‬حمام‭ ‬الأنف‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬بن‭ ‬عروس‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬جريمة‭ ‬بشعة‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬إقدام‭ ‬زوج‭ ‬على‭ ‬تعنيف‭ ‬زوجته‭ ‬بطريقة‭ ‬فظيعة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عمد‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تشليط‮»‬‭ ‬جبينها‭ ‬وفروة‭ ‬رأسها‭ ‬واقتلع‭ ‬عينيها‭.‬
كما‭ ‬عمد‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬كهل‭ ‬قاطن‭ ‬بمنطقة‭ ‬صنهاجة‭ ‬بوادي‭ ‬الليل‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬منوبة‭ ‬إلى‭ ‬اقتلاع‭ ‬عيني‭ ‬زوجته‭ ‬لأنه‭ ‬شكّ‭ ‬في‭ ‬سيرتها‭. ‬والمتضررة‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الحال‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬30‭ ‬سنة،‭ ‬وأم‭ ‬لطفلتين،‭ ‬الكبرى‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬11‭ ‬سنة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬نصيب‭ ‬المتضرّرة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬زوجة‭ ‬لرجل‭ ‬عاطل‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬يعاملها‭ ‬بعنف‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭. ‬وبعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬المعاناة،‭ ‬جاءته‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬فقرر‭ ‬السفر،‭ ‬تاركًا‭ ‬زوجته‭ ‬وابنتيه‭. ‬أمضى‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬هناك،‭ ‬ثم‭ ‬قرر‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬وطنه‭ ‬لقضاء‭ ‬عطلة‭ ‬الصيف‭. ‬،‭ ‬في‭ ‬الأثناء‭ ‬وصلته‭ ‬بعض‭ ‬الأقاويل‭ ‬التي‭ ‬تمس‭ ‬شرف‭ ‬زوجته،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاضطراب‭. ‬تاه‭ ‬عقله‭ ‬بين‭ ‬شكوكه،‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬عليه‭ ‬الانتظار‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬ما‭ ‬سمع‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬يواجهها‭ ‬مباشرة‭ ‬بما‭ ‬نقلته‭ ‬إليه‭ ‬الألسن‭. ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬التردد،‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬زوجته‭ ‬بما‭ ‬احتفظ‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬شكوك،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬إلى‭ ‬يقين‭.‬
ويوم‭ ‬الواقعة،‭ ‬وبينما‭ ‬كانت‭ ‬الزوجة‭ ‬تقوم‭ ‬بالتحضير‭ ‬لحضور‭ ‬حفل‭ ‬زفاف‭ ‬إحدى‭ ‬قريباتها،‭ ‬طلبت‭ ‬منها‭ ‬ابنتها‭ ‬الصغرى‭ ‬أن‭ ‬تشتري‭ ‬لها‭ ‬مثلجات،‭ ‬فأخبرتها‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬النقود‭ ‬الكافية،‭ ‬فلجأت‭ ‬الطفلة‭ ‬لأبيها،‭ ‬ولكنه‭ ‬نهرها‭ ‬وامتنع‭ ‬عن‭ ‬إعطائها‭ ‬المال،‭ ‬وصادف‭ ‬أن‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬الزوجة‭ ‬صديقة‭ ‬لها،‭ ‬فأقرضتها‭ ‬20‭ ‬دينارًا‭ ‬وذهبت‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬سبيلها‭. ‬وعندما‭ ‬شاهد‭ ‬المتهم‭ ‬الورقة‭ ‬النقدية‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬ابنته،‭ ‬تعاظمت‭ ‬شكوكه‭ ‬وتهجم‭ ‬على‭ ‬زوجته،‭ ‬سائلاً‭ ‬إياها‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬النقود‭ ‬واتهمها‭ ‬بالخيانة،‭ ‬فأنكرت‭ ‬بشدة،‭ ‬ولكنه‭ ‬واصل‭ ‬في‭ ‬اتهامها‭ ‬ونعتها‭ ‬بأقبح‭ ‬الصفات،‭ ‬فلم‭ ‬تجد‭ ‬بدًّا‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬بردّ‭ ‬الشتيمة،‭ ‬فدفعها‭ ‬بقوة‭ ‬لتسقط‭ ‬أرضًا،‭ ‬وقام‭ ‬بضربها‭ ‬بواسطة‭ ‬‮«‬جبّاد‭ ‬الشيشة‮»‬،‭ ‬وهمّ‭ ‬بخنقها،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬استعصى‭ ‬عليه‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬غضب،‭ ‬قام‭ ‬باقتلاع‭ ‬عينيها‭ ‬الاثنتين‭ ‬أمام‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬ابنتيه‭ ‬اللتين‭ ‬بقيتا‭ ‬مذهولتين‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬المشهد‭ ‬أمام‭ ‬أمهما‭ ‬الغارقة‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬من‭ ‬الدماء‭. ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬مستشفى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬شهود‭ ‬العيان‭ ‬الذين‭ ‬شاهدوا‭ ‬بأم‭ ‬أعينهم‭ ‬عيني‭ ‬الزوجة‭ ‬ملقاة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭! ‬وتسبب‭ ‬الاعتداء‭ ‬في‭ ‬إصابة‭ ‬الزوجة‭ ‬بالعمى‭ ‬الكامل‭ ‬ونسبة‭ ‬سقوط‭ ‬100‭ ‬٪‭.‬
العنف‭ ‬ضد‭ ‬النساء‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭..‬
كشف‭ ‬مسح‭ ‬أجراه‭ ‬‮«‬الديوان‭ ‬الوطني‭ ‬للأسرة‭ ‬والعمران‭ ‬البشري‮»‬‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2010‭ (‬أي‭ ‬قبل‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورة‭ ‬التونسية‭)‬،‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬النساء‭ ‬التونسيات‭ ‬تعرضن‭ ‬لشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العنف‭.‬
واعتمد‭ ‬هذا‭ ‬المسح‭ ‬الميداني‭ ‬على‭ ‬عينة‭ ‬تمثيلية‭ ‬شملت‭ ‬3873‭ ‬امرأة‭ ‬ضمن‭ ‬الشريحة‭ ‬العمرية‭ ‬18‭ ‬ـ‭ ‬64‭ ‬سنة،‭ ‬وأثبت‭ ‬أن‭ ‬47‭,‬6‭ % ‬من‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تعرضن‭ ‬لأحد‭ ‬أنواع‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬طيلة‭ ‬حياتهن،‭ ‬وأن‭ ‬32‭,‬9‭ % ‬من‭ ‬النساء‭ ‬تعرضن‭ ‬لأحد‭ ‬أنواع‭ ‬العنف‭ ‬خلال‭ ‬الـ12‭ ‬شهرًا‭ ‬السابقة‭.‬
وفي‭ ‬إطار‭ ‬كشف‭ ‬طبيعة‭ ‬الاعتداءات‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬النساء،‭ ‬أظهر‭ ‬المسح‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬الجسدي‭ ‬يمثل‭ ‬31‭,‬7‭ %‬،‭ ‬يليه‭ ‬العنف‭ ‬النفسي‭ ‬بنسبة‭ ‬28‭,‬9‭ %‬،‭ ‬والعنف‭ ‬الجنسي‭ ‬بـ15‭,‬7‭ %‬،‭ ‬ثم‭ ‬العنف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بـ7‭,‬1‭ %.‬
وبعد‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬شرارتها‭ ‬الأولى‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬حلم‭ ‬التغيير‭ ‬والحرية،‭ ‬حققت‭ ‬تونس‭ ‬خطوات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬ضمان‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬ومكافحة‭ ‬التمييز‭ ‬ضدها‭.‬
ولكن‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬النساء‭ ‬تصاعدت‭ ‬وتيرته،‭ ‬فقد‭ ‬كشف‭ ‬التقرير‭ ‬السنوي‭ ‬لحصيلة‭ ‬ضحايا‭ ‬جرائم‭ ‬قتل‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬لسنة‭ ‬2024،‭ ‬حصول‭ ‬26‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬ومحاولة‭ ‬قتل‭ ‬واحدة،‭ ‬وهو‭ ‬عدد‭ ‬لم‭ ‬يرتفع‭ ‬مقارنة‭ ‬بالسنة‭ ‬الماضية،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬ينخفض،‭ ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬ضحايا‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬30‭ ‬ضحية،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الجريمة‭ ‬الواحدة‭ ‬استهدفت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شخص‭.‬
وأوضح‭ ‬التقرير‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬جرائم‭ ‬القتل‭ ‬ارتُكبت‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬الزوجات‭. ‬كما‭ ‬شملت‭ ‬4‭ ‬جرائم‭ ‬والدة‭ ‬الزوجة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الضحية‭ ‬الرئيسية‭ ‬وهي‭ ‬الزوجة،‭ ‬وجريمة‭ ‬واحدة‭ ‬تمّ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬قتل‭ ‬الابنة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الزوجة‭.‬
النساء‭ ‬المعنفات‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬والمشرّع‭..‬
منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬سنة‭ ‬1956،‭ ‬حظيت‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬بجملة‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬والامتيازات‭ ‬المدنية‭ ‬اعتبرت‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬تحولات‭ ‬ثورية‮»‬‭ ‬مقارنة‭ ‬بوضع‭ ‬النساء‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬
وقد‭ ‬كفلت‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬تشريعات‭ ‬‮«‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات‭ ‬وتمنح‭ ‬حق‭ ‬الطلاق‭ ‬للمرأة،‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭.‬
لكن‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كافية‭ ‬لتحقق‭ ‬للمرأة‭ ‬المساواة‭ ‬الكاملة‭ ‬مع‭ ‬الرجل،‭ ‬ولحمايتها‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬محيط‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬النساء‭ ‬طيلة‭ ‬عقود‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬مفارقة‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والتمييز‭ ‬والعنف‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬
ووفق‭ ‬الدكتور‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬جابر‭ ‬غنيمي،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬رفعت‭ ‬تونس‭ ‬كل‭ ‬التحفظات‭ ‬الخاصة‭ ‬باتفاقية‭ ‬‮«‬سيداو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬عليها‭ ‬عام‭ ‬1985،‭ ‬وهي‭ ‬معاهدة‭ ‬دولية‭ ‬اعتمدتها‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬تهدف‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭.‬
وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬صدر‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬عدد‭ ‬58‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬مؤرخ‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬أوت‭ ‬2017،‭ ‬المتعلق‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬ما‭ ‬اعتُبر‭ ‬ثورة‭ ‬تشريعية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭.‬
ويتضمن‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬يشمل‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬والعنف‭ ‬المسلط‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مرتكبوه‭ ‬وأيًّا‭ ‬كان‭ ‬مجاله‮»‬‭.‬
ويشمل‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬عدد‭ ‬58‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬المتعلق‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬كافة‭ ‬أشكال‭ ‬العنف‭ ‬المرتكب‭ ‬ضد‭ ‬النساء،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬جسديًّا‭ ‬أو‭ ‬جنسيًّا‭ ‬أو‭ ‬معنويًّا‭ ‬أو‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سياسيًّا،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أن‭ ‬سببه‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬التمييز‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭.‬
ويتضمن‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬أربعة‭ ‬أجزاء‭ ‬وهي‭: ‬الوقاية،‭ ‬الحماية،‭ ‬الرعاية،‭ ‬والإجراءات‭.‬
ويحوي‭ ‬القسم‭ ‬المتعلق‭ ‬بالوقاية‭ ‬تدريب‭ ‬كافة‭ ‬الأطراف‭ ‬الفاعلة‭ ‬والتثقيف‭ ‬على‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬ونبذ‭ ‬العنف‭.‬
أما‭ ‬القسم‭ ‬المتعلق‭ ‬بالحماية‭ ‬والرعاية‭ ‬فيشتمل‭ ‬على‭ ‬أوامر‭ ‬الحماية‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بإبعاد‭ ‬مرتكب‭ ‬العنف‭ ‬عن‭ ‬منزل‭ ‬الضحية،‭ ‬وإمكانية‭ ‬حصول‭ ‬الضحية‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الخدمات‭ (‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المساعدة‭ ‬الطبية‭ ‬والقانونية‭ ‬والدعم‭ ‬النفسي‭)‬
وفيما‭ ‬خصّ‭ ‬الشق‭ ‬المتصل‭ ‬بالإجراءات،‭ ‬فقد‭ ‬جرى‭ ‬تجريم‭ ‬أفعال‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ ‬المضايقة‭ ‬المعنوية‭ ‬بين‭ ‬الزوجين،‭ ‬والتمييز‭ ‬في‭ ‬الأجور‭ ‬والرتبة،‭ ‬وأُتي‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬زنا‭ ‬المحارم‭. ‬وبموجب‭ ‬هذا‭ ‬القانون،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬كذلك‭ ‬بوسع‭ ‬مرتكبي‭ ‬الاغتصاب‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬الإدانة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزواج‭ ‬بضحيّتهم‭.‬
ثورة‭ ‬تشريعية‭..‬
كان‭ ‬التشريع‭ ‬الجزائي‭ ‬التونسي‭ ‬قبل‭ ‬اعتماد‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬الخاص‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬يكتفي،‭ ‬فيما‭ ‬تعلّق‭ ‬بالعنف‭ ‬الأسري،‭ ‬بتشديد‭ ‬العقوبة‭ ‬في‭ ‬صورتين‭: ‬أولهما‭ ‬العنف‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬على‭ ‬السلف،‭ ‬وثانيهما‭ ‬العنف‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬الزوج‭ ‬على‭ ‬زوجه‭. ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يعتد‭ ‬بالإسقاط‭ ‬الذي‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬المجني‭ ‬عليه‭ ‬كسبب‭ ‬لوقف‭ ‬التتبع‭ ‬أو‭ ‬المحاكمة‭ ‬أو‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقاب،‭ ‬وذلك‭ ‬بدعوى‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬استبعاد‭ ‬أسباب‭ ‬الشقاق‭ ‬وإفساح‭ ‬المجال‭ ‬للإصلاح‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬الأسرة‮»‬‭.‬
فشل‭ ‬المقاربة‭ ‬التشريعية‭..‬
ووفق‭ ‬الدكتور‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬جابر‭ ‬غنيمي،‭ ‬فقد‭ ‬كشفت‭ ‬تجربة‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬فشل‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬العنف‭ ‬المستند‭ ‬للنوع‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والتي‭ ‬باتت،‭ ‬حسب‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الرسمية‭ ‬التونسية،‭ ‬تشمل‭ ‬47‭,‬6‭% ‬من‭ ‬النساء‭.‬
فاعتمدت‭ ‬الحركة‭ ‬النسوية‭ ‬التونسية‭ ‬هذا‭ ‬المعطى‭ ‬لتدين‭ ‬السياسة‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬تكرّس‭ ‬ثقافة‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬ولتضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حمل‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬على‭ ‬ملاءمة‭ ‬التشريع‭ ‬الوطني‭ ‬مع‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬منها‭ ‬الإعلان‭ ‬الأممي‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬لسنة‭ ‬1993‭.‬
وتُعد‭ ‬بالتالي‭ ‬الأحكام‭ ‬الجزائية‭ ‬التي‭ ‬تضمنها‭ ‬قانون‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬طرحًا‭ ‬بديلًا‭ ‬لسياسة‭ ‬جزائية‭ ‬ثبت‭ ‬فشلها،‭ ‬بما‭ ‬يستدعي‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬خصوصيات‭ ‬هذا‭ ‬البديل‭.‬
التشديد‭ ‬في‭ ‬العقاب‭..‬
فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بصفة‭ ‬الجاني‭ ‬كظرف‭ ‬تشديد،‭ ‬فقد‭ ‬ميّز‭ ‬المشرّع‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬حالات‭:‬
أن‭ ‬يكون‭ ‬الجاني‭ ‬صاحب‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬الضحية،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أصلاً‭ ‬أو‭ ‬فرعًا‭ ‬للضحية،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قرينًا‭ ‬لها‭ (‬الزوج‭).‬
كان‭ ‬مفهوم‭ ‬القرين‭ ‬المعتدّ‭ ‬به‭ ‬كسبب‭ ‬لتشديد‭ ‬العقاب‭ ‬يختزل‭ ‬في‭ ‬الزوج‭. ‬وينهي‭ ‬القانون‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬الضيق‭ ‬للعلاقة‭ ‬الأسرية،‭ ‬ليشمل‭ ‬الزوج‭ ‬السابق،‭ ‬والخطبة،‭ ‬والخطبة‭ ‬السابقة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مقاربة‭ ‬تستلهم‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ضرورة‭ ‬زجر‭ ‬الاعتداءات‭ ‬المتنامية‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬بعد‭ ‬انفصام‭ ‬الرابطة‭ ‬الزوجية‭.‬
تجريم‭ ‬أفعال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرّمة‭..‬
جرّم‭ ‬القانون،‭ ‬بمقتضى‭ ‬الفصل‭ ‬224‭ ‬فقرة‭ ‬ثانية‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المجلة‭ ‬الجزائية،‭ ‬‮«‬اعتياد‭ ‬سوء‭ ‬معاملة‭ ‬قرين‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬استضعاف‭ ‬أو‭ ‬له‭ ‬سلطة‭ ‬عليه‮»‬،‭ ‬وينسجم‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬الجزائي‭ ‬الجديد‭ ‬مع‭ ‬أحكام‭ ‬الفصل‭ ‬23‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬الذي‭ ‬يُلزم‭ ‬القرين‭ ‬بحسن‭ ‬معاملة‭ ‬قرينه‭.‬
كما‭ ‬جرّم‭ ‬المشرّع،‭ ‬بإضافته‭ ‬فقرة‭ ‬ثالثة‭ ‬للفصل‭ ‬221‭ ‬من‭ ‬المجلة‭ ‬الجزائية،‭ ‬‮«‬الاعتداء‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬تشويه‭ ‬أو‭ ‬بتر‭ ‬جزئي‭ ‬أو‭ ‬كلي‭ ‬لأحد‭ ‬الأعضاء‮»‬‭.‬
وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬58‭ ‬خطوة‭ ‬إيجابية‭ ‬وثورة‭ ‬تشريعية‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬حماية‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬لكن‭ ‬التطبيق‭ ‬الفعلي‭ ‬للقانون‭ ‬يتطلب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التوعية،‭ ‬وتوفير‭ ‬الموارد‭ ‬اللازمة،‭ ‬وتغيير‭ ‬بعض‭ ‬المفاهيم‭ ‬المجتمعية‭.‬

مفيدة‭ ‬القيزاني

بلغت‭ ‬حدّ "اقتلاع" أعين‭ ‬الزوجات‭..‬ تطبيع‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬الزوجي‭.. ‬تنكيل‭ ‬ووحشية‭ ‬في‭ ‬عش‭ ‬الزوجية‭ !

-مختص‭ ‬في‭ ‬القانون‭:‬القانون‭ ‬58‭ ‬ثورة‭ ‬تشريعية‭.. ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬المرأة‭ ‬بشكل‭ ‬كامل
-اقتلع‭ ‬عيني‭ ‬زوجته‭ ‬ليقدمهما‭ ‬قربانًا‭ ‬لـ«الجان‮»‬‭.. ‬وآخر‭ ‬انتقم‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة

 

حادثة‭ ‬مروعة‭ ‬عاشتها‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭ ‬منطقة‭ ‬السبيخة‭ ‬التابعة‭ ‬لولاية‭ ‬القيروان‭.. ‬الحادثة‭ ‬فضيعة‭ ‬في‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬فالزوج‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬29‭ ‬سنة،‭ ‬ولم‭ ‬يمضِ‭ ‬على‭ ‬زواجه‭ ‬سوى‭ ‬عامين،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬اقتلاع‭ ‬عيني‭ ‬زوجته‭ ‬وحملهما‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬وتقديمهما‭ ‬لمشعوذ‭ ‬طمعًا‭ ‬في‭ ‬استخراج‭ ‬كنز‭!‬

الحادثة‭ ‬الصادمة‭ ‬جدت‭ ‬بجهة‭ ‬السبيخة‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬القيروان،‭ ‬وقبل‭ ‬يوم‭ ‬الواقعة‭ ‬جدت‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬الزوج‭ ‬الشاب‭ ‬وزوجته،‭ ‬والسبب‭ ‬طلب‭ ‬غريب‭ ‬طلبه‭ ‬الزوج‭ ‬الشاب‭ ‬من‭ ‬زوجته،‭ ‬وهو‭ ‬اقتلاع‭ ‬عينيها‭ ‬وتقديمهما‭ ‬قربانًا‭ ‬للـ«الجان‮»‬‭ ‬لاستخراج‭ ‬كنز‭ ‬بمساعدة‭ ‬مشعوذ‭.. ‬الزوجة‭ ‬استغربت‭ ‬من‭ ‬طلبه‭ ‬ورفضت‭ ‬بشدة‭ ‬انتزاع‭ ‬عينيها‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬السبب،‭ ‬لكن‭ ‬الزوج‭ ‬لم‭ ‬يكترث‭ ‬لرفضها،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬عليه‭ ‬باللين‭ ‬حصل‭ ‬عليه‭ ‬بالقوة‭.. ‬وقبل‭ ‬يومين‭ ‬تجدد‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬حول‭ ‬عيني‭ ‬الزوجة،‭ ‬لكنها‭ ‬رفضت،‭ ‬فطرحها‭ ‬الزوج‭ ‬أرضًا‭ ‬وعنفها‭ ‬بشدة،‭ ‬وأصابها‭ ‬إصابة‭ ‬بليغة‭ ‬برقبتها،‭ ‬ثم‭ ‬جلب‭ ‬شوكة‭ ‬أكل‭ ‬من‭ ‬المطبخ‭ ‬وجثم‭ ‬فوق‭ ‬الزوجة‭ ‬مستغلًا‭ ‬ضعفها‭ ‬واقتلع‭ ‬عينيها‭ ‬بالشوكة،‭ ‬وحملهما‭ ‬بين‭ ‬يديه،‭ ‬ثم‭ ‬تركها‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬الدماء‭.‬
الزوجة‭ ‬نُقلت‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬الجامعي‭ ‬فرحات‭ ‬حشاد‭ ‬بسوسة،‭ ‬ولكنها‭ ‬فقدت‭ ‬البصر‭.‬
اقتلاع‭ ‬العيون‭..‬
العنف‭ ‬الزوجي‭ ‬الذي‭ ‬يتطور‭ ‬إلى‭ ‬اقتلاع‭ ‬العيون‭ ‬أخذ‭ ‬منحى‭ ‬خطيرًا‭ ‬ووحشيًا،‭ ‬ويكشف‭ ‬واقعًا‭ ‬صادمًا‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الأزواج‭ ‬لا‭ ‬يتوانون‭ ‬في‭ ‬التنكيل‭ ‬بزوجاتهم‭ ‬بلا‭ ‬رحمة‭..‬
وحادثة‭ ‬السبيخة‭ ‬ليست‭ ‬الأولى،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬شهدت‭ ‬بعض‭ ‬مناطق‭ ‬الجمهورية‭ ‬حوادث‭ ‬مشابهة،‭ ‬حيث‭ ‬شهد‭ ‬أحد‭ ‬أحياء‭ ‬معتمدية‭ ‬حمام‭ ‬الأنف‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬بن‭ ‬عروس‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬جريمة‭ ‬بشعة‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬إقدام‭ ‬زوج‭ ‬على‭ ‬تعنيف‭ ‬زوجته‭ ‬بطريقة‭ ‬فظيعة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عمد‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تشليط‮»‬‭ ‬جبينها‭ ‬وفروة‭ ‬رأسها‭ ‬واقتلع‭ ‬عينيها‭.‬
كما‭ ‬عمد‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬كهل‭ ‬قاطن‭ ‬بمنطقة‭ ‬صنهاجة‭ ‬بوادي‭ ‬الليل‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬منوبة‭ ‬إلى‭ ‬اقتلاع‭ ‬عيني‭ ‬زوجته‭ ‬لأنه‭ ‬شكّ‭ ‬في‭ ‬سيرتها‭. ‬والمتضررة‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الحال‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬30‭ ‬سنة،‭ ‬وأم‭ ‬لطفلتين،‭ ‬الكبرى‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬11‭ ‬سنة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬نصيب‭ ‬المتضرّرة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬زوجة‭ ‬لرجل‭ ‬عاطل‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬يعاملها‭ ‬بعنف‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭. ‬وبعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬المعاناة،‭ ‬جاءته‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬فقرر‭ ‬السفر،‭ ‬تاركًا‭ ‬زوجته‭ ‬وابنتيه‭. ‬أمضى‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬هناك،‭ ‬ثم‭ ‬قرر‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬وطنه‭ ‬لقضاء‭ ‬عطلة‭ ‬الصيف‭. ‬،‭ ‬في‭ ‬الأثناء‭ ‬وصلته‭ ‬بعض‭ ‬الأقاويل‭ ‬التي‭ ‬تمس‭ ‬شرف‭ ‬زوجته،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاضطراب‭. ‬تاه‭ ‬عقله‭ ‬بين‭ ‬شكوكه،‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬عليه‭ ‬الانتظار‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬ما‭ ‬سمع‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬يواجهها‭ ‬مباشرة‭ ‬بما‭ ‬نقلته‭ ‬إليه‭ ‬الألسن‭. ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬التردد،‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬زوجته‭ ‬بما‭ ‬احتفظ‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬شكوك،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬إلى‭ ‬يقين‭.‬
ويوم‭ ‬الواقعة،‭ ‬وبينما‭ ‬كانت‭ ‬الزوجة‭ ‬تقوم‭ ‬بالتحضير‭ ‬لحضور‭ ‬حفل‭ ‬زفاف‭ ‬إحدى‭ ‬قريباتها،‭ ‬طلبت‭ ‬منها‭ ‬ابنتها‭ ‬الصغرى‭ ‬أن‭ ‬تشتري‭ ‬لها‭ ‬مثلجات،‭ ‬فأخبرتها‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬النقود‭ ‬الكافية،‭ ‬فلجأت‭ ‬الطفلة‭ ‬لأبيها،‭ ‬ولكنه‭ ‬نهرها‭ ‬وامتنع‭ ‬عن‭ ‬إعطائها‭ ‬المال،‭ ‬وصادف‭ ‬أن‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬الزوجة‭ ‬صديقة‭ ‬لها،‭ ‬فأقرضتها‭ ‬20‭ ‬دينارًا‭ ‬وذهبت‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬سبيلها‭. ‬وعندما‭ ‬شاهد‭ ‬المتهم‭ ‬الورقة‭ ‬النقدية‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬ابنته،‭ ‬تعاظمت‭ ‬شكوكه‭ ‬وتهجم‭ ‬على‭ ‬زوجته،‭ ‬سائلاً‭ ‬إياها‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬النقود‭ ‬واتهمها‭ ‬بالخيانة،‭ ‬فأنكرت‭ ‬بشدة،‭ ‬ولكنه‭ ‬واصل‭ ‬في‭ ‬اتهامها‭ ‬ونعتها‭ ‬بأقبح‭ ‬الصفات،‭ ‬فلم‭ ‬تجد‭ ‬بدًّا‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬بردّ‭ ‬الشتيمة،‭ ‬فدفعها‭ ‬بقوة‭ ‬لتسقط‭ ‬أرضًا،‭ ‬وقام‭ ‬بضربها‭ ‬بواسطة‭ ‬‮«‬جبّاد‭ ‬الشيشة‮»‬،‭ ‬وهمّ‭ ‬بخنقها،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬استعصى‭ ‬عليه‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬غضب،‭ ‬قام‭ ‬باقتلاع‭ ‬عينيها‭ ‬الاثنتين‭ ‬أمام‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬ابنتيه‭ ‬اللتين‭ ‬بقيتا‭ ‬مذهولتين‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬المشهد‭ ‬أمام‭ ‬أمهما‭ ‬الغارقة‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬من‭ ‬الدماء‭. ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬مستشفى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬شهود‭ ‬العيان‭ ‬الذين‭ ‬شاهدوا‭ ‬بأم‭ ‬أعينهم‭ ‬عيني‭ ‬الزوجة‭ ‬ملقاة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭! ‬وتسبب‭ ‬الاعتداء‭ ‬في‭ ‬إصابة‭ ‬الزوجة‭ ‬بالعمى‭ ‬الكامل‭ ‬ونسبة‭ ‬سقوط‭ ‬100‭ ‬٪‭.‬
العنف‭ ‬ضد‭ ‬النساء‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭..‬
كشف‭ ‬مسح‭ ‬أجراه‭ ‬‮«‬الديوان‭ ‬الوطني‭ ‬للأسرة‭ ‬والعمران‭ ‬البشري‮»‬‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2010‭ (‬أي‭ ‬قبل‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورة‭ ‬التونسية‭)‬،‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬النساء‭ ‬التونسيات‭ ‬تعرضن‭ ‬لشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العنف‭.‬
واعتمد‭ ‬هذا‭ ‬المسح‭ ‬الميداني‭ ‬على‭ ‬عينة‭ ‬تمثيلية‭ ‬شملت‭ ‬3873‭ ‬امرأة‭ ‬ضمن‭ ‬الشريحة‭ ‬العمرية‭ ‬18‭ ‬ـ‭ ‬64‭ ‬سنة،‭ ‬وأثبت‭ ‬أن‭ ‬47‭,‬6‭ % ‬من‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تعرضن‭ ‬لأحد‭ ‬أنواع‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬طيلة‭ ‬حياتهن،‭ ‬وأن‭ ‬32‭,‬9‭ % ‬من‭ ‬النساء‭ ‬تعرضن‭ ‬لأحد‭ ‬أنواع‭ ‬العنف‭ ‬خلال‭ ‬الـ12‭ ‬شهرًا‭ ‬السابقة‭.‬
وفي‭ ‬إطار‭ ‬كشف‭ ‬طبيعة‭ ‬الاعتداءات‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬النساء،‭ ‬أظهر‭ ‬المسح‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬الجسدي‭ ‬يمثل‭ ‬31‭,‬7‭ %‬،‭ ‬يليه‭ ‬العنف‭ ‬النفسي‭ ‬بنسبة‭ ‬28‭,‬9‭ %‬،‭ ‬والعنف‭ ‬الجنسي‭ ‬بـ15‭,‬7‭ %‬،‭ ‬ثم‭ ‬العنف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بـ7‭,‬1‭ %.‬
وبعد‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬شرارتها‭ ‬الأولى‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬حلم‭ ‬التغيير‭ ‬والحرية،‭ ‬حققت‭ ‬تونس‭ ‬خطوات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬ضمان‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬ومكافحة‭ ‬التمييز‭ ‬ضدها‭.‬
ولكن‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬النساء‭ ‬تصاعدت‭ ‬وتيرته،‭ ‬فقد‭ ‬كشف‭ ‬التقرير‭ ‬السنوي‭ ‬لحصيلة‭ ‬ضحايا‭ ‬جرائم‭ ‬قتل‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬لسنة‭ ‬2024،‭ ‬حصول‭ ‬26‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬ومحاولة‭ ‬قتل‭ ‬واحدة،‭ ‬وهو‭ ‬عدد‭ ‬لم‭ ‬يرتفع‭ ‬مقارنة‭ ‬بالسنة‭ ‬الماضية،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬ينخفض،‭ ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬ضحايا‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬30‭ ‬ضحية،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الجريمة‭ ‬الواحدة‭ ‬استهدفت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شخص‭.‬
وأوضح‭ ‬التقرير‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬جرائم‭ ‬القتل‭ ‬ارتُكبت‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬الزوجات‭. ‬كما‭ ‬شملت‭ ‬4‭ ‬جرائم‭ ‬والدة‭ ‬الزوجة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الضحية‭ ‬الرئيسية‭ ‬وهي‭ ‬الزوجة،‭ ‬وجريمة‭ ‬واحدة‭ ‬تمّ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬قتل‭ ‬الابنة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الزوجة‭.‬
النساء‭ ‬المعنفات‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬والمشرّع‭..‬
منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬سنة‭ ‬1956،‭ ‬حظيت‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬بجملة‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬والامتيازات‭ ‬المدنية‭ ‬اعتبرت‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬تحولات‭ ‬ثورية‮»‬‭ ‬مقارنة‭ ‬بوضع‭ ‬النساء‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬
وقد‭ ‬كفلت‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬تشريعات‭ ‬‮«‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات‭ ‬وتمنح‭ ‬حق‭ ‬الطلاق‭ ‬للمرأة،‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭.‬
لكن‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كافية‭ ‬لتحقق‭ ‬للمرأة‭ ‬المساواة‭ ‬الكاملة‭ ‬مع‭ ‬الرجل،‭ ‬ولحمايتها‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬محيط‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬النساء‭ ‬طيلة‭ ‬عقود‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬مفارقة‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والتمييز‭ ‬والعنف‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬
ووفق‭ ‬الدكتور‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬جابر‭ ‬غنيمي،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬رفعت‭ ‬تونس‭ ‬كل‭ ‬التحفظات‭ ‬الخاصة‭ ‬باتفاقية‭ ‬‮«‬سيداو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬عليها‭ ‬عام‭ ‬1985،‭ ‬وهي‭ ‬معاهدة‭ ‬دولية‭ ‬اعتمدتها‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬تهدف‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭.‬
وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬صدر‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬عدد‭ ‬58‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬مؤرخ‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬أوت‭ ‬2017،‭ ‬المتعلق‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬ما‭ ‬اعتُبر‭ ‬ثورة‭ ‬تشريعية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭.‬
ويتضمن‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬يشمل‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬والعنف‭ ‬المسلط‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مرتكبوه‭ ‬وأيًّا‭ ‬كان‭ ‬مجاله‮»‬‭.‬
ويشمل‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬عدد‭ ‬58‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬المتعلق‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬كافة‭ ‬أشكال‭ ‬العنف‭ ‬المرتكب‭ ‬ضد‭ ‬النساء،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬جسديًّا‭ ‬أو‭ ‬جنسيًّا‭ ‬أو‭ ‬معنويًّا‭ ‬أو‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سياسيًّا،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أن‭ ‬سببه‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬التمييز‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭.‬
ويتضمن‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬أربعة‭ ‬أجزاء‭ ‬وهي‭: ‬الوقاية،‭ ‬الحماية،‭ ‬الرعاية،‭ ‬والإجراءات‭.‬
ويحوي‭ ‬القسم‭ ‬المتعلق‭ ‬بالوقاية‭ ‬تدريب‭ ‬كافة‭ ‬الأطراف‭ ‬الفاعلة‭ ‬والتثقيف‭ ‬على‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬ونبذ‭ ‬العنف‭.‬
أما‭ ‬القسم‭ ‬المتعلق‭ ‬بالحماية‭ ‬والرعاية‭ ‬فيشتمل‭ ‬على‭ ‬أوامر‭ ‬الحماية‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بإبعاد‭ ‬مرتكب‭ ‬العنف‭ ‬عن‭ ‬منزل‭ ‬الضحية،‭ ‬وإمكانية‭ ‬حصول‭ ‬الضحية‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الخدمات‭ (‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المساعدة‭ ‬الطبية‭ ‬والقانونية‭ ‬والدعم‭ ‬النفسي‭)‬
وفيما‭ ‬خصّ‭ ‬الشق‭ ‬المتصل‭ ‬بالإجراءات،‭ ‬فقد‭ ‬جرى‭ ‬تجريم‭ ‬أفعال‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ ‬المضايقة‭ ‬المعنوية‭ ‬بين‭ ‬الزوجين،‭ ‬والتمييز‭ ‬في‭ ‬الأجور‭ ‬والرتبة،‭ ‬وأُتي‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬زنا‭ ‬المحارم‭. ‬وبموجب‭ ‬هذا‭ ‬القانون،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬كذلك‭ ‬بوسع‭ ‬مرتكبي‭ ‬الاغتصاب‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬الإدانة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزواج‭ ‬بضحيّتهم‭.‬
ثورة‭ ‬تشريعية‭..‬
كان‭ ‬التشريع‭ ‬الجزائي‭ ‬التونسي‭ ‬قبل‭ ‬اعتماد‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬الخاص‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬يكتفي،‭ ‬فيما‭ ‬تعلّق‭ ‬بالعنف‭ ‬الأسري،‭ ‬بتشديد‭ ‬العقوبة‭ ‬في‭ ‬صورتين‭: ‬أولهما‭ ‬العنف‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬على‭ ‬السلف،‭ ‬وثانيهما‭ ‬العنف‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬الزوج‭ ‬على‭ ‬زوجه‭. ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يعتد‭ ‬بالإسقاط‭ ‬الذي‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬المجني‭ ‬عليه‭ ‬كسبب‭ ‬لوقف‭ ‬التتبع‭ ‬أو‭ ‬المحاكمة‭ ‬أو‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقاب،‭ ‬وذلك‭ ‬بدعوى‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬استبعاد‭ ‬أسباب‭ ‬الشقاق‭ ‬وإفساح‭ ‬المجال‭ ‬للإصلاح‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬الأسرة‮»‬‭.‬
فشل‭ ‬المقاربة‭ ‬التشريعية‭..‬
ووفق‭ ‬الدكتور‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬جابر‭ ‬غنيمي،‭ ‬فقد‭ ‬كشفت‭ ‬تجربة‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬فشل‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬العنف‭ ‬المستند‭ ‬للنوع‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والتي‭ ‬باتت،‭ ‬حسب‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الرسمية‭ ‬التونسية،‭ ‬تشمل‭ ‬47‭,‬6‭% ‬من‭ ‬النساء‭.‬
فاعتمدت‭ ‬الحركة‭ ‬النسوية‭ ‬التونسية‭ ‬هذا‭ ‬المعطى‭ ‬لتدين‭ ‬السياسة‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬تكرّس‭ ‬ثقافة‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬ولتضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حمل‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬على‭ ‬ملاءمة‭ ‬التشريع‭ ‬الوطني‭ ‬مع‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬منها‭ ‬الإعلان‭ ‬الأممي‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬لسنة‭ ‬1993‭.‬
وتُعد‭ ‬بالتالي‭ ‬الأحكام‭ ‬الجزائية‭ ‬التي‭ ‬تضمنها‭ ‬قانون‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬طرحًا‭ ‬بديلًا‭ ‬لسياسة‭ ‬جزائية‭ ‬ثبت‭ ‬فشلها،‭ ‬بما‭ ‬يستدعي‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬خصوصيات‭ ‬هذا‭ ‬البديل‭.‬
التشديد‭ ‬في‭ ‬العقاب‭..‬
فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بصفة‭ ‬الجاني‭ ‬كظرف‭ ‬تشديد،‭ ‬فقد‭ ‬ميّز‭ ‬المشرّع‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬حالات‭:‬
أن‭ ‬يكون‭ ‬الجاني‭ ‬صاحب‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬الضحية،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أصلاً‭ ‬أو‭ ‬فرعًا‭ ‬للضحية،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قرينًا‭ ‬لها‭ (‬الزوج‭).‬
كان‭ ‬مفهوم‭ ‬القرين‭ ‬المعتدّ‭ ‬به‭ ‬كسبب‭ ‬لتشديد‭ ‬العقاب‭ ‬يختزل‭ ‬في‭ ‬الزوج‭. ‬وينهي‭ ‬القانون‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬الضيق‭ ‬للعلاقة‭ ‬الأسرية،‭ ‬ليشمل‭ ‬الزوج‭ ‬السابق،‭ ‬والخطبة،‭ ‬والخطبة‭ ‬السابقة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مقاربة‭ ‬تستلهم‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ضرورة‭ ‬زجر‭ ‬الاعتداءات‭ ‬المتنامية‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬بعد‭ ‬انفصام‭ ‬الرابطة‭ ‬الزوجية‭.‬
تجريم‭ ‬أفعال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرّمة‭..‬
جرّم‭ ‬القانون،‭ ‬بمقتضى‭ ‬الفصل‭ ‬224‭ ‬فقرة‭ ‬ثانية‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المجلة‭ ‬الجزائية،‭ ‬‮«‬اعتياد‭ ‬سوء‭ ‬معاملة‭ ‬قرين‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬استضعاف‭ ‬أو‭ ‬له‭ ‬سلطة‭ ‬عليه‮»‬،‭ ‬وينسجم‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬الجزائي‭ ‬الجديد‭ ‬مع‭ ‬أحكام‭ ‬الفصل‭ ‬23‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬الذي‭ ‬يُلزم‭ ‬القرين‭ ‬بحسن‭ ‬معاملة‭ ‬قرينه‭.‬
كما‭ ‬جرّم‭ ‬المشرّع،‭ ‬بإضافته‭ ‬فقرة‭ ‬ثالثة‭ ‬للفصل‭ ‬221‭ ‬من‭ ‬المجلة‭ ‬الجزائية،‭ ‬‮«‬الاعتداء‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬تشويه‭ ‬أو‭ ‬بتر‭ ‬جزئي‭ ‬أو‭ ‬كلي‭ ‬لأحد‭ ‬الأعضاء‮»‬‭.‬
وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬58‭ ‬خطوة‭ ‬إيجابية‭ ‬وثورة‭ ‬تشريعية‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬حماية‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬لكن‭ ‬التطبيق‭ ‬الفعلي‭ ‬للقانون‭ ‬يتطلب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التوعية،‭ ‬وتوفير‭ ‬الموارد‭ ‬اللازمة،‭ ‬وتغيير‭ ‬بعض‭ ‬المفاهيم‭ ‬المجتمعية‭.‬

مفيدة‭ ‬القيزاني