بلغت حدّ "اقتلاع" أعين الزوجات.. تطبيع مع العنف الزوجي.. تنكيل ووحشية في عش الزوجية !
مقالات الصباح
-مختص في القانون:القانون 58 ثورة تشريعية.. ولكنه لم ينجح في حماية المرأة بشكل كامل
-اقتلع عيني زوجته ليقدمهما قربانًا لـ«الجان».. وآخر انتقم من زوجته بنفس الطريقة
حادثة مروعة عاشتها منذ يومين منطقة السبيخة التابعة لولاية القيروان.. الحادثة فضيعة في تفاصيلها، فالزوج البالغ من العمر 29 سنة، ولم يمضِ على زواجه سوى عامين، لم يتردد في اقتلاع عيني زوجته وحملهما بين يديه وتقديمهما لمشعوذ طمعًا في استخراج كنز!
الحادثة الصادمة جدت بجهة السبيخة من ولاية القيروان، وقبل يوم الواقعة جدت خلافات بين الزوج الشاب وزوجته، والسبب طلب غريب طلبه الزوج الشاب من زوجته، وهو اقتلاع عينيها وتقديمهما قربانًا للـ«الجان» لاستخراج كنز بمساعدة مشعوذ.. الزوجة استغربت من طلبه ورفضت بشدة انتزاع عينيها مهما كان السبب، لكن الزوج لم يكترث لرفضها، وما لم يحصل عليه باللين حصل عليه بالقوة.. وقبل يومين تجدد الخلاف بين الزوجين حول عيني الزوجة، لكنها رفضت، فطرحها الزوج أرضًا وعنفها بشدة، وأصابها إصابة بليغة برقبتها، ثم جلب شوكة أكل من المطبخ وجثم فوق الزوجة مستغلًا ضعفها واقتلع عينيها بالشوكة، وحملهما بين يديه، ثم تركها غارقة في الدماء.
الزوجة نُقلت إلى المستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة، ولكنها فقدت البصر.
اقتلاع العيون..
العنف الزوجي الذي يتطور إلى اقتلاع العيون أخذ منحى خطيرًا ووحشيًا، ويكشف واقعًا صادمًا حيث إن بعض الأزواج لا يتوانون في التنكيل بزوجاتهم بلا رحمة..
وحادثة السبيخة ليست الأولى، فقد سبق وأن شهدت بعض مناطق الجمهورية حوادث مشابهة، حيث شهد أحد أحياء معتمدية حمام الأنف من ولاية بن عروس في وقت سابق جريمة بشعة تمثلت في إقدام زوج على تعنيف زوجته بطريقة فظيعة بعد أن عمد إلى «تشليط» جبينها وفروة رأسها واقتلع عينيها.
كما عمد في وقت سابق كهل قاطن بمنطقة صنهاجة بوادي الليل من ولاية منوبة إلى اقتلاع عيني زوجته لأنه شكّ في سيرتها. والمتضررة في قضية الحال تبلغ من العمر 30 سنة، وأم لطفلتين، الكبرى تبلغ من العمر 11 سنة، وقد كان نصيب المتضرّرة أن تكون زوجة لرجل عاطل عن العمل، يعاملها بعنف بين الحين والآخر. وبعد فترة من المعاناة، جاءته فرصة عمل في إيطاليا فقرر السفر، تاركًا زوجته وابنتيه. أمضى ثلاث سنوات هناك، ثم قرر العودة إلى وطنه لقضاء عطلة الصيف. ، في الأثناء وصلته بعض الأقاويل التي تمس شرف زوجته، ما جعله في حالة من الاضطراب. تاه عقله بين شكوكه، ولم يعرف إن كان ينبغي عليه الانتظار للتأكد من صحة ما سمع أم أن يواجهها مباشرة بما نقلته إليه الألسن. وفي لحظة من التردد، اختار أن يواجه زوجته بما احتفظ به من شكوك، التي تحولت في ذهنه إلى يقين.
ويوم الواقعة، وبينما كانت الزوجة تقوم بالتحضير لحضور حفل زفاف إحدى قريباتها، طلبت منها ابنتها الصغرى أن تشتري لها مثلجات، فأخبرتها أنها لا تملك النقود الكافية، فلجأت الطفلة لأبيها، ولكنه نهرها وامتنع عن إعطائها المال، وصادف أن مرت على الزوجة صديقة لها، فأقرضتها 20 دينارًا وذهبت في حال سبيلها. وعندما شاهد المتهم الورقة النقدية في يد ابنته، تعاظمت شكوكه وتهجم على زوجته، سائلاً إياها عن مصدر النقود واتهمها بالخيانة، فأنكرت بشدة، ولكنه واصل في اتهامها ونعتها بأقبح الصفات، فلم تجد بدًّا من الدفاع عن نفسها بردّ الشتيمة، فدفعها بقوة لتسقط أرضًا، وقام بضربها بواسطة «جبّاد الشيشة»، وهمّ بخنقها، إلاّ أنه استعصى عليه ذلك، وفي لحظة غضب، قام باقتلاع عينيها الاثنتين أمام مرأى ومسمع من ابنتيه اللتين بقيتا مذهولتين من هول المشهد أمام أمهما الغارقة في بركة من الدماء. وقد تم نقلها إلى أقرب مستشفى من قبل بعض شهود العيان الذين شاهدوا بأم أعينهم عيني الزوجة ملقاة على الأرض! وتسبب الاعتداء في إصابة الزوجة بالعمى الكامل ونسبة سقوط 100 ٪.
العنف ضد النساء بين الأمس واليوم..
كشف مسح أجراه «الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري» في العام 2010 (أي قبل اندلاع الثورة التونسية)، أن نصف النساء التونسيات تعرضن لشكل من أشكال العنف.
واعتمد هذا المسح الميداني على عينة تمثيلية شملت 3873 امرأة ضمن الشريحة العمرية 18 ـ 64 سنة، وأثبت أن 47,6 % من النساء في تونس تعرضن لأحد أنواع العنف على الأقل مرة واحدة طيلة حياتهن، وأن 32,9 % من النساء تعرضن لأحد أنواع العنف خلال الـ12 شهرًا السابقة.
وفي إطار كشف طبيعة الاعتداءات التي تتعرض لها النساء، أظهر المسح أن العنف الجسدي يمثل 31,7 %، يليه العنف النفسي بنسبة 28,9 %، والعنف الجنسي بـ15,7 %، ثم العنف الاقتصادي بـ7,1 %.
وبعد الثورة التي اندلعت شرارتها الأولى قبل عشر سنوات من أجل تحقيق حلم التغيير والحرية، حققت تونس خطوات جديدة في مسار ضمان حقوق المرأة ومكافحة التمييز ضدها.
ولكن العنف ضد النساء تصاعدت وتيرته، فقد كشف التقرير السنوي لحصيلة ضحايا جرائم قتل النساء في تونس لسنة 2024، حصول 26 جريمة قتل ومحاولة قتل واحدة، وهو عدد لم يرتفع مقارنة بالسنة الماضية، غير أنه لم ينخفض، وبلغ عدد ضحايا هذه الجرائم 30 ضحية، على اعتبار أن الجريمة الواحدة استهدفت في بعض الحالات أكثر من شخص.
وأوضح التقرير أن أغلب جرائم القتل ارتُكبت بالأساس على الزوجات. كما شملت 4 جرائم والدة الزوجة إلى جانب الضحية الرئيسية وهي الزوجة، وجريمة واحدة تمّ من خلالها قتل الابنة إلى جانب الزوجة.
النساء المعنفات بين الواقع والمشرّع..
منذ الاستقلال سنة 1956، حظيت المرأة التونسية بجملة من الحقوق والامتيازات المدنية اعتبرت بمثابة «تحولات ثورية» مقارنة بوضع النساء آنذاك في العالم العربي.
وقد كفلت هذه الحقوق تشريعات «مجلة الأحوال الشخصية» التي تمنع تعدد الزوجات وتمنح حق الطلاق للمرأة، والحق في التعليم والعمل.
لكن هذه الحقوق لم تكن كافية لتحقق للمرأة المساواة الكاملة مع الرجل، ولحمايتها من العنف سواء داخل محيط الأسرة أو خارجها، فقد ظلت النساء طيلة عقود تحت تأثير مفارقة جمعت بين التحرر من جهة، والتمييز والعنف من جهة أخرى.
ووفق الدكتور في القانون جابر غنيمي، فإنه في سنة 2014 رفعت تونس كل التحفظات الخاصة باتفاقية «سيداو» التي صادقت عليها عام 1985، وهي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، تهدف للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وفي هذا الإطار، صدر القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017، المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، ما اعتُبر ثورة تشريعية في هذا السياق.
ويتضمن الفصل الثاني منه أن «هذا القانون يشمل كل أشكال التمييز والعنف المسلط على المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين مهما كان مرتكبوه وأيًّا كان مجاله».
ويشمل القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة كافة أشكال العنف المرتكب ضد النساء، سواء أكان جسديًّا أو جنسيًّا أو معنويًّا أو اقتصاديًّا أو حتى سياسيًّا، ويعتبر أن سببه يكمن في التمييز ما بين النساء والرجال.
ويتضمن هذا القانون أربعة أجزاء وهي: الوقاية، الحماية، الرعاية، والإجراءات.
ويحوي القسم المتعلق بالوقاية تدريب كافة الأطراف الفاعلة والتثقيف على المساواة بين الجنسين ونبذ العنف.
أما القسم المتعلق بالحماية والرعاية فيشتمل على أوامر الحماية التي تسمح بإبعاد مرتكب العنف عن منزل الضحية، وإمكانية حصول الضحية على مختلف الخدمات (من قبيل المساعدة الطبية والقانونية والدعم النفسي)
وفيما خصّ الشق المتصل بالإجراءات، فقد جرى تجريم أفعال جديدة مثل المضايقة المعنوية بين الزوجين، والتمييز في الأجور والرتبة، وأُتي على ذكر زنا المحارم. وبموجب هذا القانون، لم يعد كذلك بوسع مرتكبي الاغتصاب الإفلات من الإدانة من خلال الزواج بضحيّتهم.
ثورة تشريعية..
كان التشريع الجزائي التونسي قبل اعتماد القانون الأساسي الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة يكتفي، فيما تعلّق بالعنف الأسري، بتشديد العقوبة في صورتين: أولهما العنف الصادر من الخلف على السلف، وثانيهما العنف الصادر من الزوج على زوجه. لكنه كان يعتد بالإسقاط الذي يصدر عن المجني عليه كسبب لوقف التتبع أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب، وذلك بدعوى السعي إلى «استبعاد أسباب الشقاق وإفساح المجال للإصلاح حفاظًا على الأسرة».
فشل المقاربة التشريعية..
ووفق الدكتور في القانون جابر غنيمي، فقد كشفت تجربة ربع قرن فشل هذه المقاربة التشريعية في الحد من ظاهرة العنف المستند للنوع الاجتماعي، والتي باتت، حسب الإحصائيات الرسمية التونسية، تشمل 47,6% من النساء.
فاعتمدت الحركة النسوية التونسية هذا المعطى لتدين السياسة التشريعية التي تكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، ولتضغط من أجل حمل الدولة التونسية على ملاءمة التشريع الوطني مع المواثيق الدولية، خصوصًا منها الإعلان الأممي للقضاء على العنف ضد المرأة لسنة 1993.
وتُعد بالتالي الأحكام الجزائية التي تضمنها قانون القضاء على العنف ضد المرأة طرحًا بديلًا لسياسة جزائية ثبت فشلها، بما يستدعي البحث عن خصوصيات هذا البديل.
التشديد في العقاب..
فيما يتعلق بصفة الجاني كظرف تشديد، فقد ميّز المشرّع بين ثلاث حالات:
أن يكون الجاني صاحب سلطة على الضحية، أن يكون أصلاً أو فرعًا للضحية، أن يكون قرينًا لها (الزوج).
كان مفهوم القرين المعتدّ به كسبب لتشديد العقاب يختزل في الزوج. وينهي القانون هذا التصور الضيق للعلاقة الأسرية، ليشمل الزوج السابق، والخطبة، والخطبة السابقة، في إطار مقاربة تستلهم من الواقع الاجتماعي ضرورة زجر الاعتداءات المتنامية التي تتم بعد انفصام الرابطة الزوجية.
تجريم أفعال لم تكن مجرّمة..
جرّم القانون، بمقتضى الفصل 224 فقرة ثانية جديد من المجلة الجزائية، «اعتياد سوء معاملة قرين أو شخص في حالة استضعاف أو له سلطة عليه»، وينسجم هذا النص الجزائي الجديد مع أحكام الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية الذي يُلزم القرين بحسن معاملة قرينه.
كما جرّم المشرّع، بإضافته فقرة ثالثة للفصل 221 من المجلة الجزائية، «الاعتداء الذي ينتج عنه تشويه أو بتر جزئي أو كلي لأحد الأعضاء».
وعلى الرغم من أن القانون 58 خطوة إيجابية وثورة تشريعية في طريق حماية المرأة من العنف في بلادنا، لكن التطبيق الفعلي للقانون يتطلب المزيد من العمل على مستوى التوعية، وتوفير الموارد اللازمة، وتغيير بعض المفاهيم المجتمعية.
مفيدة القيزاني
-مختص في القانون:القانون 58 ثورة تشريعية.. ولكنه لم ينجح في حماية المرأة بشكل كامل
-اقتلع عيني زوجته ليقدمهما قربانًا لـ«الجان».. وآخر انتقم من زوجته بنفس الطريقة
حادثة مروعة عاشتها منذ يومين منطقة السبيخة التابعة لولاية القيروان.. الحادثة فضيعة في تفاصيلها، فالزوج البالغ من العمر 29 سنة، ولم يمضِ على زواجه سوى عامين، لم يتردد في اقتلاع عيني زوجته وحملهما بين يديه وتقديمهما لمشعوذ طمعًا في استخراج كنز!
الحادثة الصادمة جدت بجهة السبيخة من ولاية القيروان، وقبل يوم الواقعة جدت خلافات بين الزوج الشاب وزوجته، والسبب طلب غريب طلبه الزوج الشاب من زوجته، وهو اقتلاع عينيها وتقديمهما قربانًا للـ«الجان» لاستخراج كنز بمساعدة مشعوذ.. الزوجة استغربت من طلبه ورفضت بشدة انتزاع عينيها مهما كان السبب، لكن الزوج لم يكترث لرفضها، وما لم يحصل عليه باللين حصل عليه بالقوة.. وقبل يومين تجدد الخلاف بين الزوجين حول عيني الزوجة، لكنها رفضت، فطرحها الزوج أرضًا وعنفها بشدة، وأصابها إصابة بليغة برقبتها، ثم جلب شوكة أكل من المطبخ وجثم فوق الزوجة مستغلًا ضعفها واقتلع عينيها بالشوكة، وحملهما بين يديه، ثم تركها غارقة في الدماء.
الزوجة نُقلت إلى المستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة، ولكنها فقدت البصر.
اقتلاع العيون..
العنف الزوجي الذي يتطور إلى اقتلاع العيون أخذ منحى خطيرًا ووحشيًا، ويكشف واقعًا صادمًا حيث إن بعض الأزواج لا يتوانون في التنكيل بزوجاتهم بلا رحمة..
وحادثة السبيخة ليست الأولى، فقد سبق وأن شهدت بعض مناطق الجمهورية حوادث مشابهة، حيث شهد أحد أحياء معتمدية حمام الأنف من ولاية بن عروس في وقت سابق جريمة بشعة تمثلت في إقدام زوج على تعنيف زوجته بطريقة فظيعة بعد أن عمد إلى «تشليط» جبينها وفروة رأسها واقتلع عينيها.
كما عمد في وقت سابق كهل قاطن بمنطقة صنهاجة بوادي الليل من ولاية منوبة إلى اقتلاع عيني زوجته لأنه شكّ في سيرتها. والمتضررة في قضية الحال تبلغ من العمر 30 سنة، وأم لطفلتين، الكبرى تبلغ من العمر 11 سنة، وقد كان نصيب المتضرّرة أن تكون زوجة لرجل عاطل عن العمل، يعاملها بعنف بين الحين والآخر. وبعد فترة من المعاناة، جاءته فرصة عمل في إيطاليا فقرر السفر، تاركًا زوجته وابنتيه. أمضى ثلاث سنوات هناك، ثم قرر العودة إلى وطنه لقضاء عطلة الصيف. ، في الأثناء وصلته بعض الأقاويل التي تمس شرف زوجته، ما جعله في حالة من الاضطراب. تاه عقله بين شكوكه، ولم يعرف إن كان ينبغي عليه الانتظار للتأكد من صحة ما سمع أم أن يواجهها مباشرة بما نقلته إليه الألسن. وفي لحظة من التردد، اختار أن يواجه زوجته بما احتفظ به من شكوك، التي تحولت في ذهنه إلى يقين.
ويوم الواقعة، وبينما كانت الزوجة تقوم بالتحضير لحضور حفل زفاف إحدى قريباتها، طلبت منها ابنتها الصغرى أن تشتري لها مثلجات، فأخبرتها أنها لا تملك النقود الكافية، فلجأت الطفلة لأبيها، ولكنه نهرها وامتنع عن إعطائها المال، وصادف أن مرت على الزوجة صديقة لها، فأقرضتها 20 دينارًا وذهبت في حال سبيلها. وعندما شاهد المتهم الورقة النقدية في يد ابنته، تعاظمت شكوكه وتهجم على زوجته، سائلاً إياها عن مصدر النقود واتهمها بالخيانة، فأنكرت بشدة، ولكنه واصل في اتهامها ونعتها بأقبح الصفات، فلم تجد بدًّا من الدفاع عن نفسها بردّ الشتيمة، فدفعها بقوة لتسقط أرضًا، وقام بضربها بواسطة «جبّاد الشيشة»، وهمّ بخنقها، إلاّ أنه استعصى عليه ذلك، وفي لحظة غضب، قام باقتلاع عينيها الاثنتين أمام مرأى ومسمع من ابنتيه اللتين بقيتا مذهولتين من هول المشهد أمام أمهما الغارقة في بركة من الدماء. وقد تم نقلها إلى أقرب مستشفى من قبل بعض شهود العيان الذين شاهدوا بأم أعينهم عيني الزوجة ملقاة على الأرض! وتسبب الاعتداء في إصابة الزوجة بالعمى الكامل ونسبة سقوط 100 ٪.
العنف ضد النساء بين الأمس واليوم..
كشف مسح أجراه «الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري» في العام 2010 (أي قبل اندلاع الثورة التونسية)، أن نصف النساء التونسيات تعرضن لشكل من أشكال العنف.
واعتمد هذا المسح الميداني على عينة تمثيلية شملت 3873 امرأة ضمن الشريحة العمرية 18 ـ 64 سنة، وأثبت أن 47,6 % من النساء في تونس تعرضن لأحد أنواع العنف على الأقل مرة واحدة طيلة حياتهن، وأن 32,9 % من النساء تعرضن لأحد أنواع العنف خلال الـ12 شهرًا السابقة.
وفي إطار كشف طبيعة الاعتداءات التي تتعرض لها النساء، أظهر المسح أن العنف الجسدي يمثل 31,7 %، يليه العنف النفسي بنسبة 28,9 %، والعنف الجنسي بـ15,7 %، ثم العنف الاقتصادي بـ7,1 %.
وبعد الثورة التي اندلعت شرارتها الأولى قبل عشر سنوات من أجل تحقيق حلم التغيير والحرية، حققت تونس خطوات جديدة في مسار ضمان حقوق المرأة ومكافحة التمييز ضدها.
ولكن العنف ضد النساء تصاعدت وتيرته، فقد كشف التقرير السنوي لحصيلة ضحايا جرائم قتل النساء في تونس لسنة 2024، حصول 26 جريمة قتل ومحاولة قتل واحدة، وهو عدد لم يرتفع مقارنة بالسنة الماضية، غير أنه لم ينخفض، وبلغ عدد ضحايا هذه الجرائم 30 ضحية، على اعتبار أن الجريمة الواحدة استهدفت في بعض الحالات أكثر من شخص.
وأوضح التقرير أن أغلب جرائم القتل ارتُكبت بالأساس على الزوجات. كما شملت 4 جرائم والدة الزوجة إلى جانب الضحية الرئيسية وهي الزوجة، وجريمة واحدة تمّ من خلالها قتل الابنة إلى جانب الزوجة.
النساء المعنفات بين الواقع والمشرّع..
منذ الاستقلال سنة 1956، حظيت المرأة التونسية بجملة من الحقوق والامتيازات المدنية اعتبرت بمثابة «تحولات ثورية» مقارنة بوضع النساء آنذاك في العالم العربي.
وقد كفلت هذه الحقوق تشريعات «مجلة الأحوال الشخصية» التي تمنع تعدد الزوجات وتمنح حق الطلاق للمرأة، والحق في التعليم والعمل.
لكن هذه الحقوق لم تكن كافية لتحقق للمرأة المساواة الكاملة مع الرجل، ولحمايتها من العنف سواء داخل محيط الأسرة أو خارجها، فقد ظلت النساء طيلة عقود تحت تأثير مفارقة جمعت بين التحرر من جهة، والتمييز والعنف من جهة أخرى.
ووفق الدكتور في القانون جابر غنيمي، فإنه في سنة 2014 رفعت تونس كل التحفظات الخاصة باتفاقية «سيداو» التي صادقت عليها عام 1985، وهي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، تهدف للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وفي هذا الإطار، صدر القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017، المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، ما اعتُبر ثورة تشريعية في هذا السياق.
ويتضمن الفصل الثاني منه أن «هذا القانون يشمل كل أشكال التمييز والعنف المسلط على المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين مهما كان مرتكبوه وأيًّا كان مجاله».
ويشمل القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة كافة أشكال العنف المرتكب ضد النساء، سواء أكان جسديًّا أو جنسيًّا أو معنويًّا أو اقتصاديًّا أو حتى سياسيًّا، ويعتبر أن سببه يكمن في التمييز ما بين النساء والرجال.
ويتضمن هذا القانون أربعة أجزاء وهي: الوقاية، الحماية، الرعاية، والإجراءات.
ويحوي القسم المتعلق بالوقاية تدريب كافة الأطراف الفاعلة والتثقيف على المساواة بين الجنسين ونبذ العنف.
أما القسم المتعلق بالحماية والرعاية فيشتمل على أوامر الحماية التي تسمح بإبعاد مرتكب العنف عن منزل الضحية، وإمكانية حصول الضحية على مختلف الخدمات (من قبيل المساعدة الطبية والقانونية والدعم النفسي)
وفيما خصّ الشق المتصل بالإجراءات، فقد جرى تجريم أفعال جديدة مثل المضايقة المعنوية بين الزوجين، والتمييز في الأجور والرتبة، وأُتي على ذكر زنا المحارم. وبموجب هذا القانون، لم يعد كذلك بوسع مرتكبي الاغتصاب الإفلات من الإدانة من خلال الزواج بضحيّتهم.
ثورة تشريعية..
كان التشريع الجزائي التونسي قبل اعتماد القانون الأساسي الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة يكتفي، فيما تعلّق بالعنف الأسري، بتشديد العقوبة في صورتين: أولهما العنف الصادر من الخلف على السلف، وثانيهما العنف الصادر من الزوج على زوجه. لكنه كان يعتد بالإسقاط الذي يصدر عن المجني عليه كسبب لوقف التتبع أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب، وذلك بدعوى السعي إلى «استبعاد أسباب الشقاق وإفساح المجال للإصلاح حفاظًا على الأسرة».
فشل المقاربة التشريعية..
ووفق الدكتور في القانون جابر غنيمي، فقد كشفت تجربة ربع قرن فشل هذه المقاربة التشريعية في الحد من ظاهرة العنف المستند للنوع الاجتماعي، والتي باتت، حسب الإحصائيات الرسمية التونسية، تشمل 47,6% من النساء.
فاعتمدت الحركة النسوية التونسية هذا المعطى لتدين السياسة التشريعية التي تكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، ولتضغط من أجل حمل الدولة التونسية على ملاءمة التشريع الوطني مع المواثيق الدولية، خصوصًا منها الإعلان الأممي للقضاء على العنف ضد المرأة لسنة 1993.
وتُعد بالتالي الأحكام الجزائية التي تضمنها قانون القضاء على العنف ضد المرأة طرحًا بديلًا لسياسة جزائية ثبت فشلها، بما يستدعي البحث عن خصوصيات هذا البديل.
التشديد في العقاب..
فيما يتعلق بصفة الجاني كظرف تشديد، فقد ميّز المشرّع بين ثلاث حالات:
أن يكون الجاني صاحب سلطة على الضحية، أن يكون أصلاً أو فرعًا للضحية، أن يكون قرينًا لها (الزوج).
كان مفهوم القرين المعتدّ به كسبب لتشديد العقاب يختزل في الزوج. وينهي القانون هذا التصور الضيق للعلاقة الأسرية، ليشمل الزوج السابق، والخطبة، والخطبة السابقة، في إطار مقاربة تستلهم من الواقع الاجتماعي ضرورة زجر الاعتداءات المتنامية التي تتم بعد انفصام الرابطة الزوجية.
تجريم أفعال لم تكن مجرّمة..
جرّم القانون، بمقتضى الفصل 224 فقرة ثانية جديد من المجلة الجزائية، «اعتياد سوء معاملة قرين أو شخص في حالة استضعاف أو له سلطة عليه»، وينسجم هذا النص الجزائي الجديد مع أحكام الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية الذي يُلزم القرين بحسن معاملة قرينه.
كما جرّم المشرّع، بإضافته فقرة ثالثة للفصل 221 من المجلة الجزائية، «الاعتداء الذي ينتج عنه تشويه أو بتر جزئي أو كلي لأحد الأعضاء».
وعلى الرغم من أن القانون 58 خطوة إيجابية وثورة تشريعية في طريق حماية المرأة من العنف في بلادنا، لكن التطبيق الفعلي للقانون يتطلب المزيد من العمل على مستوى التوعية، وتوفير الموارد اللازمة، وتغيير بعض المفاهيم المجتمعية.
مفيدة القيزاني