إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬4‭ ‬جوائز‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬العربي‭ ‬للإذاعة‭ ‬والتلفزيون.. هل‭ ‬تملك‭ ‬تونس‭ ‬مقوّمات‭ ‬الصمود‭ ‬والمنافسة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العربي‭ ‬المتحوّل؟

اختتمت،‭ ‬مساء‭ ‬الخميس‭ ‬26‭ ‬جوان‭ ‬الجاري،‭ ‬فعاليات‭ ‬المهرجان‭ ‬العربي‭ ‬للإذاعة‭ ‬والتلفزيون‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬الـ25‭ ‬بمدينة‭ ‬الثقافة‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي‭ ‬بالعاصمة‭. ‬وشهد‭ ‬حفل‭ ‬الاختتام‭ ‬عرضًا‭ ‬موسيقيًا‭ ‬عربيًا‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬الخيل‭ ‬والليل‮»‬،‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬الفنان‭ ‬التونسي‭ ‬كريم‭ ‬ثليبي،‭ ‬وبمشاركة‭ ‬فنانين‭ ‬من‭ ‬تونس،‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬ولبنان،‭ ‬والسعودية،‭ ‬واليمن،‭ ‬والمغرب،‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬راسم‭ ‬دمق‭. ‬وعقب‭ ‬العرض،‭ ‬وُزّعت‭ ‬جوائز‭ ‬المهرجان‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مسابقات‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون‭.‬

حصدت‭ ‬تونس‭ ‬أربع‭ ‬جوائز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدورة،‭ ‬منها‭ ‬جائزتان‭ ‬لفائدة‭ ‬مؤسسة‭ ‬التلفزة‭ ‬التونسية،‭ ‬هما‭ ‬الجائزة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬البرامج‭ ‬الحوارية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬إرادة‭ ‬الحياة‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬الجائزة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬‮«‬تونس‭ ‬ومالطا‭ ‬ذاكرة‭ ‬المتوسط‮»‬‭.‬
وتوّجت‭ ‬مؤسسة‭ ‬الإذاعة‭ ‬التونسية‭ ‬بالجائزة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭ ‬الإذاعية‭ ‬الرئيسية‭ ‬عن‭ ‬فئة‭ ‬مسابقات‭ ‬الدراما‭ (‬من‭ ‬الأدب‭ ‬العالمي‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬‮«‬قواعد‭ ‬العشق‭... ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الذات‮»‬‭. ‬وتحصلت‭ ‬إذاعة‭ ‬ديوان‭ ‬أف‭ ‬أم‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬الجائزة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬البرامج‭ ‬الرياضية‭ (‬الرياضة‭ ‬النسائية‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬بطلات‭ ‬من‭ ‬ذهب‮»‬‭.‬
وتصدّرت‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬تتويجًا‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭ ‬للمهرجان‭ ‬العربي‭ ‬للإذاعة‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬بحصولها‭ ‬على‭ ‬تسع‭ ‬جوائز‭ ‬موزّعة‭ ‬بين‭ ‬الوثائقيات،‭ ‬البرامج‭ ‬الإخبارية،‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد،‭ ‬برامج‭ ‬الأطفال‭ ‬و»التوك‭ ‬شو‮»‬‭.‬
أما‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية،‭ ‬فكانت‭ ‬لفلسطين‭ ‬بست‭ ‬جوائز،‭ ‬ركّزت‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬على‭ ‬الإنتاجات‭ ‬الوثائقية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تقارير‭ ‬إخبارية‭ ‬وبرامج‭ ‬حوارية،‭ ‬ما‭ ‬يبرز‭ ‬حضورًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬ومعبّرًا‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬الفلسطيني‭.‬
المرتبة‭ ‬الثالثة‭ ‬تقاسمتها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬بخمس‭ ‬جوائز‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭. ‬وقد‭ ‬تنوّعت‭ ‬جوائز‭ ‬السعودية‭ ‬بين‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬وشملت‭ ‬مجالات‭ ‬الحوار،‭ ‬المنوّعات،‭ ‬الدراما‭ ‬وبرامج‭ ‬الأطفال،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬جاءت‭ ‬جوائز‭ ‬الإمارات‭ ‬موزّعة‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬الأطفال،‭ ‬الثقافة،‭ ‬‮«‬التوك‭ ‬شو‮»‬،‭ ‬والبرامج‭ ‬التوعوية،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يعكس‭ ‬ديناميكية‭ ‬إنتاجية‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭.‬
والمرتبة‭ ‬الرابعة،‭ ‬كانت‭ ‬لتونس‭ ‬برصيد‭ ‬أربع‭ ‬جوائز،‭ ‬تنوّعت‭ ‬بين‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬والخاص،‭ ‬وشملت‭ ‬الحوار‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬الدراما،‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد‭ ‬والبرامج‭ ‬الرياضية‭ ‬النسائية‭. ‬ورغم‭ ‬هذا‭ ‬التنوع،‭ ‬فقد‭ ‬عبّر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬عن‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحصاد،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استضافة‭ ‬تونس‭ ‬للتظاهرة،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالدورات‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬حقّقت‭ ‬فيها‭ ‬نتائج‭ ‬أفضل‭. ‬وقد‭ ‬تقاسمت‭ ‬تونس‭ ‬هذه‭ ‬المرتبة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬الذي‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والوثائقية،‭ ‬وسلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬التي‭ ‬تميّزت‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬الشباب‭ ‬والعلوم،‭ ‬والجزائر‭ ‬عبر‭ ‬برامجها‭ ‬الثقافية‭ ‬والوثائقية‭.‬
أما‭ ‬المرتبة‭ ‬الخامسة،‭ ‬فكانت‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬السودان‭ ‬بثلاث‭ ‬جوائز،‭ ‬منها‭ ‬اثنتان‭ ‬عبر‭ ‬إذاعة‭ ‬‮«‬بلادي‮»‬‭ ‬وواحدة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الصحي،‭ ‬بالتساوي‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬التي‭ ‬سجّلت‭ ‬بدورها‭ ‬ثلاث‭ ‬جوائز،‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬لافت‭ ‬على‭ ‬انفتاح‭ ‬المهرجان‭ ‬على‭ ‬شركاء‭ ‬إعلاميين‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬
المرتبة‭ ‬السادسة‭ ‬تقاسمتها‭ ‬الكويت‭ ‬ومصر،‭ ‬بجائزتين‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭. ‬الكويت‭ ‬نالت‭ ‬جوائزها‭ ‬في‭ ‬مجالي‭ ‬المنوّعات‭ ‬والثقافة،‭ ‬بينما‭ ‬جاءت‭ ‬جوائز‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإذاعة‭ ‬والوثائقيات‭ ‬البيئية‭. ‬أما‭ ‬مجموعة‭ ‬MBC،‭ ‬فقد‭ ‬نالت‭ ‬جائزتين‭ ‬كذلك،‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬درامي‭ ‬والثانية‭ ‬عن‭ ‬برنامج‭ ‬إذاعي‭. ‬وفي‭ ‬ذيل‭ ‬الترتيب،‭ ‬حصلت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأردن،‭ ‬المغرب‭ ‬ولبنان‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬لكل‭ ‬منها،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تفاوتًا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬الحضور‭ ‬والإنتاج‭ ‬داخل‭ ‬المسابقات‭ ‬الرسمية‭ ‬والموازية‭.‬
بين‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬الترتيب‭ ‬وجودة‭ ‬الانتاجات
لقد‭ ‬تراجعت‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الجوائز‭ ‬مقارنة‭ ‬بالدورة‭ ‬السابقة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الرابعة،‭ ‬فإن‭ ‬النتائج‭ ‬أثارت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الثقافية‭ ‬التونسية،‭ ‬ومن‭ ‬أهمّ‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭: ‬هل‭ ‬يعكس‭ ‬هذا‭ ‬الترتيب‭ ‬فعليًا‭ ‬جودة‭ ‬الإنتاجات‭ ‬التونسية‭ ‬ومضامينها‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬يُقدّم‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العربية؟
في‭ ‬الدورة‭ ‬السابقة‭ ‬لسنة‭ ‬2024،‭ ‬حصد‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬6‭ ‬جوائز،‭ ‬منها‭ ‬3‭ ‬جوائز‭ ‬لمؤسسة‭ ‬الإذاعة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية،‭ ‬والبرامج‭ ‬العلمية،‭ ‬ومسابقة‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد،‭ ‬وجائزتان‭ ‬للإذاعة‭ ‬الخاصة‭ ‬‮«‬ديوان‭ ‬أف‭ ‬أم‮»‬‭ ‬في‭ ‬مسابقتي‭ ‬المنوّعات‭ ‬والبرامج‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬بينما‭ ‬فازت‭ ‬مؤسسة‭ ‬التلفزة‭ ‬التونسية‭ ‬بجائزة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬المنوّعات‭ ‬والسهرات‭ ‬الفنية‭.‬
هذا‭ ‬العدد‭ ‬كان‭ ‬أقل‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الـ23،‭ ‬فقد‭ ‬تُوّج‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬بثلاث‭ ‬جوائز‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬المسابقات‭ ‬الإذاعية‭ ‬والتلفزيونية‭ ‬الرسمية‭ ‬للمهرجان‭ ‬العربي‭ ‬للإذاعة‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬بقيت‭ ‬تتأرجح‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭.‬
وبالتالي،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬العاطفة،‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬طرحها‭ ‬ومناقشتها‭ ‬بخصوص‭ ‬موقع‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬المتسارعة،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬المضامين‭ ‬والمحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يقدّمه‭ ‬إعلام‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬فاق‭ ‬في‭ ‬تطوّره‭ ‬ومضامينه‭ ‬وبهرجه‭ ‬مستوى‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭.‬
ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬التونسي‭ ‬يضم‭ ‬طاقات‭ ‬إبداعية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬ذات‭ ‬باع‭ ‬طويل،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون‭ ‬العمومي،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬هذه‭ ‬الطاقات‭ ‬والكفاءات‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يمكّن‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬الإنتاج،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الكيف‭. ‬فمقارنة‭ ‬ببعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وأساسًا‭ ‬الخليجية،‭ ‬التي‭ ‬استثمرت‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬التلفزيوني‭ ‬عالي‭ ‬الجودة،‭ ‬تبدو‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬وكأنها‭ ‬مكتفية‭ ‬بإمكانات‭ ‬محدودة‭ ‬وموارد‭ ‬مشتتة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬غير‭ ‬معنيّة‭ ‬بالتحوّلات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الإنتاج‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وذلك‭ ‬سواء‭ ‬تعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بالمضامين‭ ‬أو‭ ‬بالشكل‭.‬
يكفي‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬نوعية‭ ‬الصورة‭ ‬مثلًا‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬ونوعية‭ ‬الإخراج،‭ ‬حتى‭ ‬نتأكّد‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬نتشبّث‭ ‬بالطرق‭ ‬التقليدية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج،‭ ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتطوّر‭ ‬كثيرًا‭.‬
وليَبقَ‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭: ‬هل‭ ‬تملك‭ ‬تونس‭ ‬اليوم،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬راهنت‭ ‬على‭ ‬إعلام‭ ‬جيّد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنجاح‭ ‬التحوّلات‭ ‬بالمجتمع‭ ‬منذ‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال،‭ ‬مقوّمات‭ ‬الصمود‭ ‬والمنافسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬العربي‭ ‬المتحوّل؟
الجواب‭ ‬يتوقّف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬بخطورة‭ ‬التراجع‭ ‬الحالي‭. ‬فالأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلّق‭ ‬فقط‭ ‬بعدد‭ ‬الجوائز،‭ ‬بل‭ ‬بمكانة‭ ‬تونس‭ ‬الرمزية‭ ‬والتاريخية‭ ‬كرافعة‭ ‬ثقافية‭ ‬عربية‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تجاوز‭ ‬الأطر‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬الإنتاج،‭ ‬فإن‭ ‬المشهد‭ ‬التونسي‭ ‬قد‭ ‬يتأثّر‭ ‬أكثر،‭ ‬وقد‭ ‬تصبح‭ ‬المنافسة‭ ‬أشدّ‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مناخ‭ ‬تنافسي‭ ‬شديد‭.‬
التحدّي‭ ‬الأكبر‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬تونس‭ ‬ريادتها،‭ ‬لا‭ ‬بتعداد‭ ‬الجوائز،‭ ‬بل‭ ‬بتقديم‭ ‬أعمال‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها؛‭ ‬أعمال‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬بقوّة‭ ‬المضامين،‭ ‬ونوعية‭ ‬الخطاب،‭ ‬وقوة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬المتلقّي‭ ‬التونسي‭ ‬والعربي‭.‬


إيمان‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف

رغم‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬4‭ ‬جوائز‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬العربي‭ ‬للإذاعة‭ ‬والتلفزيون..  هل‭ ‬تملك‭ ‬تونس‭ ‬مقوّمات‭ ‬الصمود‭ ‬والمنافسة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العربي‭ ‬المتحوّل؟

اختتمت،‭ ‬مساء‭ ‬الخميس‭ ‬26‭ ‬جوان‭ ‬الجاري،‭ ‬فعاليات‭ ‬المهرجان‭ ‬العربي‭ ‬للإذاعة‭ ‬والتلفزيون‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬الـ25‭ ‬بمدينة‭ ‬الثقافة‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي‭ ‬بالعاصمة‭. ‬وشهد‭ ‬حفل‭ ‬الاختتام‭ ‬عرضًا‭ ‬موسيقيًا‭ ‬عربيًا‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬الخيل‭ ‬والليل‮»‬،‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬الفنان‭ ‬التونسي‭ ‬كريم‭ ‬ثليبي،‭ ‬وبمشاركة‭ ‬فنانين‭ ‬من‭ ‬تونس،‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬ولبنان،‭ ‬والسعودية،‭ ‬واليمن،‭ ‬والمغرب،‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬راسم‭ ‬دمق‭. ‬وعقب‭ ‬العرض،‭ ‬وُزّعت‭ ‬جوائز‭ ‬المهرجان‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مسابقات‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون‭.‬

حصدت‭ ‬تونس‭ ‬أربع‭ ‬جوائز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدورة،‭ ‬منها‭ ‬جائزتان‭ ‬لفائدة‭ ‬مؤسسة‭ ‬التلفزة‭ ‬التونسية،‭ ‬هما‭ ‬الجائزة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬البرامج‭ ‬الحوارية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬إرادة‭ ‬الحياة‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬الجائزة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬‮«‬تونس‭ ‬ومالطا‭ ‬ذاكرة‭ ‬المتوسط‮»‬‭.‬
وتوّجت‭ ‬مؤسسة‭ ‬الإذاعة‭ ‬التونسية‭ ‬بالجائزة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭ ‬الإذاعية‭ ‬الرئيسية‭ ‬عن‭ ‬فئة‭ ‬مسابقات‭ ‬الدراما‭ (‬من‭ ‬الأدب‭ ‬العالمي‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬‮«‬قواعد‭ ‬العشق‭... ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الذات‮»‬‭. ‬وتحصلت‭ ‬إذاعة‭ ‬ديوان‭ ‬أف‭ ‬أم‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬الجائزة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬البرامج‭ ‬الرياضية‭ (‬الرياضة‭ ‬النسائية‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬بطلات‭ ‬من‭ ‬ذهب‮»‬‭.‬
وتصدّرت‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬تتويجًا‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭ ‬للمهرجان‭ ‬العربي‭ ‬للإذاعة‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬بحصولها‭ ‬على‭ ‬تسع‭ ‬جوائز‭ ‬موزّعة‭ ‬بين‭ ‬الوثائقيات،‭ ‬البرامج‭ ‬الإخبارية،‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد،‭ ‬برامج‭ ‬الأطفال‭ ‬و»التوك‭ ‬شو‮»‬‭.‬
أما‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية،‭ ‬فكانت‭ ‬لفلسطين‭ ‬بست‭ ‬جوائز،‭ ‬ركّزت‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬على‭ ‬الإنتاجات‭ ‬الوثائقية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تقارير‭ ‬إخبارية‭ ‬وبرامج‭ ‬حوارية،‭ ‬ما‭ ‬يبرز‭ ‬حضورًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬ومعبّرًا‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬الفلسطيني‭.‬
المرتبة‭ ‬الثالثة‭ ‬تقاسمتها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬بخمس‭ ‬جوائز‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭. ‬وقد‭ ‬تنوّعت‭ ‬جوائز‭ ‬السعودية‭ ‬بين‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬وشملت‭ ‬مجالات‭ ‬الحوار،‭ ‬المنوّعات،‭ ‬الدراما‭ ‬وبرامج‭ ‬الأطفال،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬جاءت‭ ‬جوائز‭ ‬الإمارات‭ ‬موزّعة‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬الأطفال،‭ ‬الثقافة،‭ ‬‮«‬التوك‭ ‬شو‮»‬،‭ ‬والبرامج‭ ‬التوعوية،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يعكس‭ ‬ديناميكية‭ ‬إنتاجية‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭.‬
والمرتبة‭ ‬الرابعة،‭ ‬كانت‭ ‬لتونس‭ ‬برصيد‭ ‬أربع‭ ‬جوائز،‭ ‬تنوّعت‭ ‬بين‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬والخاص،‭ ‬وشملت‭ ‬الحوار‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬الدراما،‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد‭ ‬والبرامج‭ ‬الرياضية‭ ‬النسائية‭. ‬ورغم‭ ‬هذا‭ ‬التنوع،‭ ‬فقد‭ ‬عبّر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬عن‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحصاد،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استضافة‭ ‬تونس‭ ‬للتظاهرة،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالدورات‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬حقّقت‭ ‬فيها‭ ‬نتائج‭ ‬أفضل‭. ‬وقد‭ ‬تقاسمت‭ ‬تونس‭ ‬هذه‭ ‬المرتبة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬الذي‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والوثائقية،‭ ‬وسلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬التي‭ ‬تميّزت‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬الشباب‭ ‬والعلوم،‭ ‬والجزائر‭ ‬عبر‭ ‬برامجها‭ ‬الثقافية‭ ‬والوثائقية‭.‬
أما‭ ‬المرتبة‭ ‬الخامسة،‭ ‬فكانت‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬السودان‭ ‬بثلاث‭ ‬جوائز،‭ ‬منها‭ ‬اثنتان‭ ‬عبر‭ ‬إذاعة‭ ‬‮«‬بلادي‮»‬‭ ‬وواحدة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الصحي،‭ ‬بالتساوي‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬التي‭ ‬سجّلت‭ ‬بدورها‭ ‬ثلاث‭ ‬جوائز،‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬لافت‭ ‬على‭ ‬انفتاح‭ ‬المهرجان‭ ‬على‭ ‬شركاء‭ ‬إعلاميين‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬
المرتبة‭ ‬السادسة‭ ‬تقاسمتها‭ ‬الكويت‭ ‬ومصر،‭ ‬بجائزتين‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭. ‬الكويت‭ ‬نالت‭ ‬جوائزها‭ ‬في‭ ‬مجالي‭ ‬المنوّعات‭ ‬والثقافة،‭ ‬بينما‭ ‬جاءت‭ ‬جوائز‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإذاعة‭ ‬والوثائقيات‭ ‬البيئية‭. ‬أما‭ ‬مجموعة‭ ‬MBC،‭ ‬فقد‭ ‬نالت‭ ‬جائزتين‭ ‬كذلك،‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬درامي‭ ‬والثانية‭ ‬عن‭ ‬برنامج‭ ‬إذاعي‭. ‬وفي‭ ‬ذيل‭ ‬الترتيب،‭ ‬حصلت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأردن،‭ ‬المغرب‭ ‬ولبنان‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬لكل‭ ‬منها،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تفاوتًا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬الحضور‭ ‬والإنتاج‭ ‬داخل‭ ‬المسابقات‭ ‬الرسمية‭ ‬والموازية‭.‬
بين‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬الترتيب‭ ‬وجودة‭ ‬الانتاجات
لقد‭ ‬تراجعت‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الجوائز‭ ‬مقارنة‭ ‬بالدورة‭ ‬السابقة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الرابعة،‭ ‬فإن‭ ‬النتائج‭ ‬أثارت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الثقافية‭ ‬التونسية،‭ ‬ومن‭ ‬أهمّ‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭: ‬هل‭ ‬يعكس‭ ‬هذا‭ ‬الترتيب‭ ‬فعليًا‭ ‬جودة‭ ‬الإنتاجات‭ ‬التونسية‭ ‬ومضامينها‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬يُقدّم‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العربية؟
في‭ ‬الدورة‭ ‬السابقة‭ ‬لسنة‭ ‬2024،‭ ‬حصد‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬6‭ ‬جوائز،‭ ‬منها‭ ‬3‭ ‬جوائز‭ ‬لمؤسسة‭ ‬الإذاعة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية،‭ ‬والبرامج‭ ‬العلمية،‭ ‬ومسابقة‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد،‭ ‬وجائزتان‭ ‬للإذاعة‭ ‬الخاصة‭ ‬‮«‬ديوان‭ ‬أف‭ ‬أم‮»‬‭ ‬في‭ ‬مسابقتي‭ ‬المنوّعات‭ ‬والبرامج‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬بينما‭ ‬فازت‭ ‬مؤسسة‭ ‬التلفزة‭ ‬التونسية‭ ‬بجائزة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬المنوّعات‭ ‬والسهرات‭ ‬الفنية‭.‬
هذا‭ ‬العدد‭ ‬كان‭ ‬أقل‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الـ23،‭ ‬فقد‭ ‬تُوّج‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬بثلاث‭ ‬جوائز‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬المسابقات‭ ‬الإذاعية‭ ‬والتلفزيونية‭ ‬الرسمية‭ ‬للمهرجان‭ ‬العربي‭ ‬للإذاعة‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬بقيت‭ ‬تتأرجح‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭.‬
وبالتالي،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬العاطفة،‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬طرحها‭ ‬ومناقشتها‭ ‬بخصوص‭ ‬موقع‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬المتسارعة،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬المضامين‭ ‬والمحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يقدّمه‭ ‬إعلام‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬فاق‭ ‬في‭ ‬تطوّره‭ ‬ومضامينه‭ ‬وبهرجه‭ ‬مستوى‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭.‬
ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬التونسي‭ ‬يضم‭ ‬طاقات‭ ‬إبداعية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬ذات‭ ‬باع‭ ‬طويل،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون‭ ‬العمومي،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬هذه‭ ‬الطاقات‭ ‬والكفاءات‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يمكّن‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬الإنتاج،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الكيف‭. ‬فمقارنة‭ ‬ببعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وأساسًا‭ ‬الخليجية،‭ ‬التي‭ ‬استثمرت‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬التلفزيوني‭ ‬عالي‭ ‬الجودة،‭ ‬تبدو‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬وكأنها‭ ‬مكتفية‭ ‬بإمكانات‭ ‬محدودة‭ ‬وموارد‭ ‬مشتتة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬غير‭ ‬معنيّة‭ ‬بالتحوّلات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الإنتاج‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وذلك‭ ‬سواء‭ ‬تعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بالمضامين‭ ‬أو‭ ‬بالشكل‭.‬
يكفي‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬نوعية‭ ‬الصورة‭ ‬مثلًا‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬ونوعية‭ ‬الإخراج،‭ ‬حتى‭ ‬نتأكّد‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬نتشبّث‭ ‬بالطرق‭ ‬التقليدية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج،‭ ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتطوّر‭ ‬كثيرًا‭.‬
وليَبقَ‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭: ‬هل‭ ‬تملك‭ ‬تونس‭ ‬اليوم،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬راهنت‭ ‬على‭ ‬إعلام‭ ‬جيّد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنجاح‭ ‬التحوّلات‭ ‬بالمجتمع‭ ‬منذ‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال،‭ ‬مقوّمات‭ ‬الصمود‭ ‬والمنافسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬العربي‭ ‬المتحوّل؟
الجواب‭ ‬يتوقّف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬بخطورة‭ ‬التراجع‭ ‬الحالي‭. ‬فالأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلّق‭ ‬فقط‭ ‬بعدد‭ ‬الجوائز،‭ ‬بل‭ ‬بمكانة‭ ‬تونس‭ ‬الرمزية‭ ‬والتاريخية‭ ‬كرافعة‭ ‬ثقافية‭ ‬عربية‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تجاوز‭ ‬الأطر‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬الإنتاج،‭ ‬فإن‭ ‬المشهد‭ ‬التونسي‭ ‬قد‭ ‬يتأثّر‭ ‬أكثر،‭ ‬وقد‭ ‬تصبح‭ ‬المنافسة‭ ‬أشدّ‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مناخ‭ ‬تنافسي‭ ‬شديد‭.‬
التحدّي‭ ‬الأكبر‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬تونس‭ ‬ريادتها،‭ ‬لا‭ ‬بتعداد‭ ‬الجوائز،‭ ‬بل‭ ‬بتقديم‭ ‬أعمال‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها؛‭ ‬أعمال‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬بقوّة‭ ‬المضامين،‭ ‬ونوعية‭ ‬الخطاب،‭ ‬وقوة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬المتلقّي‭ ‬التونسي‭ ‬والعربي‭.‬


إيمان‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف