في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي وتحديات ما بعد جائحة كورونا، تستعد تونس لطرح مشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي يحمل بين طياته آمالا كبيرة وطموحات جريئة لدفع مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. هذا المشروع لا يقتصر على كونه مجرد وثيقة مالية تقليدية هذه المرة، بل تحول إلى رؤية إستراتيجية شاملة تسعى لإرساء دعائم اقتصاد متين ومتوازن، قادر على الصمود في وجه التحديات الخارجية، وتعزيز العدالة الاجتماعية داخليا. ويأتي ذلك في وقت يتطلب فيه الواقع الاقتصادي التونسي مقاربة دقيقة تجمع بين الحكمة والابتكار، لترسيخ مبدأ تقشف ذكي يوازن بين الضرورات المالية والاستثمارات الحيوية.
وقد تبنّت الحكومة التونسية منهجية «الحذر النشط» التي تحرص على عدم الانجراف نحو إجراءات تقشفية مفرطة قد تؤدي إلى تراجع النمو أو تفاقم الأوضاع الاجتماعية، وإنما تتجه إلى إدارة مالية مرنة تستثمر في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مع الحفاظ على استقرار المالية العمومية. هذه الإستراتيجية تستند إلى تحليل معمق للبيانات الاقتصادية وتقييم دقيق للمخاطر الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل مشروع قانون المالية لسنة 2026 أكثر توافقًا مع المتغيرات العالمية وأكثر استجابة للاحتياجات الوطنية.
5 محاور إستراتيجية لدفع التنمية
وفقا لما أفادت به بعض المصادر لـ«الصباح»، فإن مشروع قانون المالية 2026 سيرتكز على خمسة محاور إستراتيجية متكاملة تشكل حجر الزاوية في مسعى تونس نحو إصلاح اقتصادي واجتماعي شامل.
أول هذه المحاور هو التحول الاقتصادي الذكي، الذي يركز على تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال إدخال التقنيات الحديثة والابتكار، مع الالتزام بمبادئ الاستدامة البيئية من خلال دعم الاقتصاد الأخضر والأزرق والاقتصاد الدائري. هذا المحور يهدف إلى خلق اقتصاد قادر على المنافسة عالميًا ومستديما بيئيًا، وهو مطلب حيوي في ظل التحديات المناخية المتصاعدة.
أما المحور الثاني يتعلق بـالشفافية في المالية العمومية، حيث تتحول الشفافية من مجرد شعار إلى ممارسة فعلية على جميع مستويات الإنفاق والتحكم المالي. تعتمد هذه الإستراتيجية على رقمنة الإجراءات المالية، وتعزيز آليات المراقبة وتحليل البيانات، ما يضمن نزاهة الإنفاق ويحد من الهدر.
ثالث المحاور يتمثل في تعزيز الموارد الذاتية للدولة، وهو هدف لا يقتصر على رفع معدلات الضرائب، بل يشمل إصلاح النظام الجبائي بشكل شامل، وتقوية قدرات الإدارة الضريبية، وتكثيف الرقابة على السوق الموازية للحد من التهرب الضريبي وتحقيق عدالة أكبر في جباية الموارد.
أما المحور الرابع، فهو الدفع نحو النمو المستدام، الذي يركز على بناء اقتصاد قوي قادر على الصمود أمام الصدمات الخارجية من خلال تحسين إنتاجية القطاعات الإستراتيجية، وتسريع وتيرة الاستثمارات، وتعزيز المبادرات المحلية، ما يضمن استمرارية النمو وعدم الانزلاق في دورات اقتصادية ظرفية فقط.
المحور الخامس والأخير يسلط الضوء على الإدماج الاجتماعي المستديم، وهو محور إنساني بامتياز يهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية، وتحسين الظروف المعيشة للفئات الهشة، ودعم التكوين المهني، وتعزيز الاقتصاد التضامني والاجتماعي، مع تركيز خاص على المناطق الداخلية التي تعاني من تهميش بنيوي.
إجراءات ملموسة لدعم الفئات الهشة
ويولي مشروع قانون المالية 2026 في نسخته الأولى، أهمية بالغة لتعزيز إدماج الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، من خلال مجموعة من التدابير التي تستهدف توفير الدعم المالي والمهني لهذه الفئات، ومنحها فرصًا حقيقية للاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
ويأتي ذلك عبر تمكين الفئات الهشة من النفاذ إلى الخدمات المالية، من خلال تسهيل حصولها على القروض الصغيرة التي تتيح لها إقامة مشاريع صغيرة أو تعزيز صناديق الدخل، ما يفتح أمامها أبواب الاستقلالية المالية. كما يركز المشروع على التكوين المهني المستهدف، الذي يتم تصميمه بناء على متطلبات سوق العمل، خصوصا في القطاعات المتجددة مثل الاقتصاد الأخضر والتكنولوجيات الحديثة، لتمكين الشباب من اكتساب مهارات جديدة تؤهلهم للاندماج في سوق الشغل.
وفي إطار دعم الاقتصاد الاجتماعي، يشجع المشروع المبادرات التي تلبي الحاجات المجتمعية المحيطة، خاصة في المناطق الداخلية، مع اعتماد سياسة لامركزية فعالة تضمن توجيه التمويلات والتدريبات استنادا إلى الاحتياجات المحلية، مما يعزز من قدرات الجهات ويحفز التنمية المتوازنة.
مشروع يتجاوز الشعار إلى واقع
الحديث عن «دولة اجتماعية» لم يعد مجرد تعبير رمزي، بل تحول إلى ضرورة إستراتيجية في مشروع قانون المالية 2026، حيث تسعى تونس إلى تحويل هذا المفهوم إلى واقع ملموس من خلال تبني سياسات تدعم توسيع فرص العمل، وتحقيق تنوع حقيقي في مصادر الدخل، مع مكافحة الهشاشة والفقر بكفاءة.
يأتي ذلك ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تعميم التغطية الاجتماعية لتشمل الصحة والضمان الاجتماعي والتقاعد، وتوفير شبكة أمان قوية للمواطنين تضمن لهم القدرة على مواجهة الأزمات المختلفة. كما يركز المشروع على حماية القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة عبر تدخلات ذكية في الأسواق الأساسية.
من خلال تشجيع الاقتصاد الاجتماعي والمبادرات الخاصة، ويطمح مشروع قانون المالية إلى خلق بيئة اقتصادية واجتماعية متماسكة، تدعم الشباب والنساء، وتعزز دور القطاع الخاص في تحفيز النمو المستدام.
ولا تكتمل الرؤية دون وجود أدوات تطبيقية تضمن ترجمة الأهداف إلى واقع. ولذلك، خصص مشروع قانون المالية 2026 مجموعة من الآليات التنفيذية لضمان فعالية التطبيق وشفافيته.
وتتمثل أهم هذه الأدوات في رقمنة المالية العامة، التي تتيح متابعة الإنفاق بشكل لحظي وتقليل الهدر، مع ضمان شفافية أكبر في العمليات المالية الحكومية. كما يتضمن المشروع ترشيد الإنفاق عبر مراجعة شاملة لجميع بنود الميزانية، مع التركيز على ضبط التكاليف وتحديد الأولويات بشكل دقيق.
ويشكل مراقبة وتقييم الأداء، ركيزة أساسية أخرى، حيث سيتم إنشاء وحدات متخصصة لمتابعة تنفيذ البرامج الحكومية، مع اعتماد مؤشرات رقمية واضحة لتقييم النتائج وضبط الأداء بشكل مستمر.
أخيرًا، يبرز دور المشاركة المحلية في إنجاح المشروع، حيث ستتاح للولايات والجهات حصة من الموارد تمكنها من اتخاذ قرارات تنموية متناسبة مع خصوصيات كل منطقة، ما يعزز من فرص التنمية المحلية ويخلق حيوية اقتصادية في مختلف أنحاء البلاد.
تعزيز المسؤولية الجماعية
ويشدد مشروع قانون المالية 2026 على أن نجاحه لا يتحقق فقط من خلال القرارات الحكومية، بل هو مسؤولية جماعية تشمل كل الأطراف الفاعلة في المجتمع. فالحكومات المحلية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية، كلها شركاء ضروريون في ترجمة هذه الرؤية إلى واقع.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الجمهورية خلال لقائه برئيسة الحكومة في 18 جوان 2025 على أن تونس تمر بلحظة تاريخية تتطلب تعبئة شاملة لكل الطاقات الوطنية، والعمل الجماعي لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعل من المشاركة الشعبية والإصلاح المؤسساتي عنصرين لا غنى عنهما.
تحديات قائمة تستدعي حلولا مبتكرة
ورغم الطموحات الكبيرة، يواجه مشروع قانون المالية لسنة 2026 عدة تحديات جوهرية، ومن أبرز هذه التحديات مقاومة التغيير داخل البيروقراطية، حيث قد تبرز صعوبات في تطبيق الشفافية وعلى مستوى الرقابة المؤسسية. أما اللامركزية الحقيقية فتحتاج إلى تعزيز القدرات الإدارية على مستوى الجهات المحلية، لضمان توظيف الموارد بشكل فعال وتحقيق نتائج تنموية ملموسة. هذه التحديات ليست عوائق نهائية، بل حقل خصب للابتكار والعمل المؤسسي المتكامل.
لحظة تاريخية واستحقاق جماعي
تُعد اللحظة الراهنة فرصة حاسمة لتونس لتعيد ترتيب أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية، وتضع حداً لاختلالات الماضي. مشروع قانون المالية 2026 يقدم خارطة طريق نحو اقتصاد أكثر مرونة وعدالة، ويتطلب ذلك استمرارا في التقييم والمراجعة لضمان توافق السياسات مع الواقع المستجد. ويعد تجاوب كل المواطنين والمؤسسات مع هذا المشروع، مفتاحا لفتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة. فالتركيز على التحول الاقتصادي المرن ، ودعم الاقتصاد الأخضر، وتنويع مصادر الدخل، كلها عوامل تضع تونس على طريق النمو الحقيقي والمستدام.
مشروع قانون المالية لسنة 2026 ليس مجرد وثيقة مالية، بل هو رؤية وطنية شاملة تعكس رغبة تونس في التحول الذكي نحو اقتصاد متوازن، أكثر انفتاحا وعدالة اجتماعية، والعمل متواصل على ربط الاستقرار المالي بالعدالة الاجتماعية، بما يشكل جوهر القانون، والذي يتطلب في أغلب فصوله، تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنين أنفسهم.
وإذا ما توفرت الإرادة الجماعية والسياسية في تنفيذ هذه الخطة، فسيكون عام 2026 علامة فارقة في تاريخ تونس الاقتصادي والاجتماعي، ونقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا، بما يعزز مكانة تونس في خريطة التطور العالمي،ويضمن تحسين الحياة المعيشية لكل التونسيين بشكل مستدام وعادل.
سفيان المهداوي
في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي وتحديات ما بعد جائحة كورونا، تستعد تونس لطرح مشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي يحمل بين طياته آمالا كبيرة وطموحات جريئة لدفع مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. هذا المشروع لا يقتصر على كونه مجرد وثيقة مالية تقليدية هذه المرة، بل تحول إلى رؤية إستراتيجية شاملة تسعى لإرساء دعائم اقتصاد متين ومتوازن، قادر على الصمود في وجه التحديات الخارجية، وتعزيز العدالة الاجتماعية داخليا. ويأتي ذلك في وقت يتطلب فيه الواقع الاقتصادي التونسي مقاربة دقيقة تجمع بين الحكمة والابتكار، لترسيخ مبدأ تقشف ذكي يوازن بين الضرورات المالية والاستثمارات الحيوية.
وقد تبنّت الحكومة التونسية منهجية «الحذر النشط» التي تحرص على عدم الانجراف نحو إجراءات تقشفية مفرطة قد تؤدي إلى تراجع النمو أو تفاقم الأوضاع الاجتماعية، وإنما تتجه إلى إدارة مالية مرنة تستثمر في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مع الحفاظ على استقرار المالية العمومية. هذه الإستراتيجية تستند إلى تحليل معمق للبيانات الاقتصادية وتقييم دقيق للمخاطر الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل مشروع قانون المالية لسنة 2026 أكثر توافقًا مع المتغيرات العالمية وأكثر استجابة للاحتياجات الوطنية.
5 محاور إستراتيجية لدفع التنمية
وفقا لما أفادت به بعض المصادر لـ«الصباح»، فإن مشروع قانون المالية 2026 سيرتكز على خمسة محاور إستراتيجية متكاملة تشكل حجر الزاوية في مسعى تونس نحو إصلاح اقتصادي واجتماعي شامل.
أول هذه المحاور هو التحول الاقتصادي الذكي، الذي يركز على تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال إدخال التقنيات الحديثة والابتكار، مع الالتزام بمبادئ الاستدامة البيئية من خلال دعم الاقتصاد الأخضر والأزرق والاقتصاد الدائري. هذا المحور يهدف إلى خلق اقتصاد قادر على المنافسة عالميًا ومستديما بيئيًا، وهو مطلب حيوي في ظل التحديات المناخية المتصاعدة.
أما المحور الثاني يتعلق بـالشفافية في المالية العمومية، حيث تتحول الشفافية من مجرد شعار إلى ممارسة فعلية على جميع مستويات الإنفاق والتحكم المالي. تعتمد هذه الإستراتيجية على رقمنة الإجراءات المالية، وتعزيز آليات المراقبة وتحليل البيانات، ما يضمن نزاهة الإنفاق ويحد من الهدر.
ثالث المحاور يتمثل في تعزيز الموارد الذاتية للدولة، وهو هدف لا يقتصر على رفع معدلات الضرائب، بل يشمل إصلاح النظام الجبائي بشكل شامل، وتقوية قدرات الإدارة الضريبية، وتكثيف الرقابة على السوق الموازية للحد من التهرب الضريبي وتحقيق عدالة أكبر في جباية الموارد.
أما المحور الرابع، فهو الدفع نحو النمو المستدام، الذي يركز على بناء اقتصاد قوي قادر على الصمود أمام الصدمات الخارجية من خلال تحسين إنتاجية القطاعات الإستراتيجية، وتسريع وتيرة الاستثمارات، وتعزيز المبادرات المحلية، ما يضمن استمرارية النمو وعدم الانزلاق في دورات اقتصادية ظرفية فقط.
المحور الخامس والأخير يسلط الضوء على الإدماج الاجتماعي المستديم، وهو محور إنساني بامتياز يهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية، وتحسين الظروف المعيشة للفئات الهشة، ودعم التكوين المهني، وتعزيز الاقتصاد التضامني والاجتماعي، مع تركيز خاص على المناطق الداخلية التي تعاني من تهميش بنيوي.
إجراءات ملموسة لدعم الفئات الهشة
ويولي مشروع قانون المالية 2026 في نسخته الأولى، أهمية بالغة لتعزيز إدماج الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، من خلال مجموعة من التدابير التي تستهدف توفير الدعم المالي والمهني لهذه الفئات، ومنحها فرصًا حقيقية للاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
ويأتي ذلك عبر تمكين الفئات الهشة من النفاذ إلى الخدمات المالية، من خلال تسهيل حصولها على القروض الصغيرة التي تتيح لها إقامة مشاريع صغيرة أو تعزيز صناديق الدخل، ما يفتح أمامها أبواب الاستقلالية المالية. كما يركز المشروع على التكوين المهني المستهدف، الذي يتم تصميمه بناء على متطلبات سوق العمل، خصوصا في القطاعات المتجددة مثل الاقتصاد الأخضر والتكنولوجيات الحديثة، لتمكين الشباب من اكتساب مهارات جديدة تؤهلهم للاندماج في سوق الشغل.
وفي إطار دعم الاقتصاد الاجتماعي، يشجع المشروع المبادرات التي تلبي الحاجات المجتمعية المحيطة، خاصة في المناطق الداخلية، مع اعتماد سياسة لامركزية فعالة تضمن توجيه التمويلات والتدريبات استنادا إلى الاحتياجات المحلية، مما يعزز من قدرات الجهات ويحفز التنمية المتوازنة.
مشروع يتجاوز الشعار إلى واقع
الحديث عن «دولة اجتماعية» لم يعد مجرد تعبير رمزي، بل تحول إلى ضرورة إستراتيجية في مشروع قانون المالية 2026، حيث تسعى تونس إلى تحويل هذا المفهوم إلى واقع ملموس من خلال تبني سياسات تدعم توسيع فرص العمل، وتحقيق تنوع حقيقي في مصادر الدخل، مع مكافحة الهشاشة والفقر بكفاءة.
يأتي ذلك ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تعميم التغطية الاجتماعية لتشمل الصحة والضمان الاجتماعي والتقاعد، وتوفير شبكة أمان قوية للمواطنين تضمن لهم القدرة على مواجهة الأزمات المختلفة. كما يركز المشروع على حماية القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة عبر تدخلات ذكية في الأسواق الأساسية.
من خلال تشجيع الاقتصاد الاجتماعي والمبادرات الخاصة، ويطمح مشروع قانون المالية إلى خلق بيئة اقتصادية واجتماعية متماسكة، تدعم الشباب والنساء، وتعزز دور القطاع الخاص في تحفيز النمو المستدام.
ولا تكتمل الرؤية دون وجود أدوات تطبيقية تضمن ترجمة الأهداف إلى واقع. ولذلك، خصص مشروع قانون المالية 2026 مجموعة من الآليات التنفيذية لضمان فعالية التطبيق وشفافيته.
وتتمثل أهم هذه الأدوات في رقمنة المالية العامة، التي تتيح متابعة الإنفاق بشكل لحظي وتقليل الهدر، مع ضمان شفافية أكبر في العمليات المالية الحكومية. كما يتضمن المشروع ترشيد الإنفاق عبر مراجعة شاملة لجميع بنود الميزانية، مع التركيز على ضبط التكاليف وتحديد الأولويات بشكل دقيق.
ويشكل مراقبة وتقييم الأداء، ركيزة أساسية أخرى، حيث سيتم إنشاء وحدات متخصصة لمتابعة تنفيذ البرامج الحكومية، مع اعتماد مؤشرات رقمية واضحة لتقييم النتائج وضبط الأداء بشكل مستمر.
أخيرًا، يبرز دور المشاركة المحلية في إنجاح المشروع، حيث ستتاح للولايات والجهات حصة من الموارد تمكنها من اتخاذ قرارات تنموية متناسبة مع خصوصيات كل منطقة، ما يعزز من فرص التنمية المحلية ويخلق حيوية اقتصادية في مختلف أنحاء البلاد.
تعزيز المسؤولية الجماعية
ويشدد مشروع قانون المالية 2026 على أن نجاحه لا يتحقق فقط من خلال القرارات الحكومية، بل هو مسؤولية جماعية تشمل كل الأطراف الفاعلة في المجتمع. فالحكومات المحلية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية، كلها شركاء ضروريون في ترجمة هذه الرؤية إلى واقع.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الجمهورية خلال لقائه برئيسة الحكومة في 18 جوان 2025 على أن تونس تمر بلحظة تاريخية تتطلب تعبئة شاملة لكل الطاقات الوطنية، والعمل الجماعي لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعل من المشاركة الشعبية والإصلاح المؤسساتي عنصرين لا غنى عنهما.
تحديات قائمة تستدعي حلولا مبتكرة
ورغم الطموحات الكبيرة، يواجه مشروع قانون المالية لسنة 2026 عدة تحديات جوهرية، ومن أبرز هذه التحديات مقاومة التغيير داخل البيروقراطية، حيث قد تبرز صعوبات في تطبيق الشفافية وعلى مستوى الرقابة المؤسسية. أما اللامركزية الحقيقية فتحتاج إلى تعزيز القدرات الإدارية على مستوى الجهات المحلية، لضمان توظيف الموارد بشكل فعال وتحقيق نتائج تنموية ملموسة. هذه التحديات ليست عوائق نهائية، بل حقل خصب للابتكار والعمل المؤسسي المتكامل.
لحظة تاريخية واستحقاق جماعي
تُعد اللحظة الراهنة فرصة حاسمة لتونس لتعيد ترتيب أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية، وتضع حداً لاختلالات الماضي. مشروع قانون المالية 2026 يقدم خارطة طريق نحو اقتصاد أكثر مرونة وعدالة، ويتطلب ذلك استمرارا في التقييم والمراجعة لضمان توافق السياسات مع الواقع المستجد. ويعد تجاوب كل المواطنين والمؤسسات مع هذا المشروع، مفتاحا لفتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة. فالتركيز على التحول الاقتصادي المرن ، ودعم الاقتصاد الأخضر، وتنويع مصادر الدخل، كلها عوامل تضع تونس على طريق النمو الحقيقي والمستدام.
مشروع قانون المالية لسنة 2026 ليس مجرد وثيقة مالية، بل هو رؤية وطنية شاملة تعكس رغبة تونس في التحول الذكي نحو اقتصاد متوازن، أكثر انفتاحا وعدالة اجتماعية، والعمل متواصل على ربط الاستقرار المالي بالعدالة الاجتماعية، بما يشكل جوهر القانون، والذي يتطلب في أغلب فصوله، تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنين أنفسهم.
وإذا ما توفرت الإرادة الجماعية والسياسية في تنفيذ هذه الخطة، فسيكون عام 2026 علامة فارقة في تاريخ تونس الاقتصادي والاجتماعي، ونقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا، بما يعزز مكانة تونس في خريطة التطور العالمي،ويضمن تحسين الحياة المعيشية لكل التونسيين بشكل مستدام وعادل.