إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين التقلبات وتحذيرات الدراسات العالمية.. تونس في قلب تداعيات التغيرات المناخية

الأمطار‭ ‬صيفا‭ ‬كالتي‭ ‬شهدتها‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الجاري،‭ ‬ومخاوف‭ ‬على‭ ‬صابة‭ ‬الحبوب‭ ..‬،‭ ‬حرائق‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بأسبوع‭ ‬ناجمة‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬موجة‭ ‬حر‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬هذه‭ ‬الصائفة‭ ‬وسط‭ ‬توقعات‭ ‬بموجات‭ ‬حر‭ ‬أخرى‭ ‬متتالية‭ ‬وأكثر‭ ‬حدة‭.. ‬جميعها‭ ‬مؤشرات‭ ‬تؤكد‭ ‬حقيقة‭ ‬أصبحت‭ ‬ثابتة‭ ‬بأننا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬تداعيات‭ ‬التغييرات‭ ‬المناخية‭ ‬وتونس‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬البلدان‭ ‬عرضة‭ ‬لها‭ ‬وسط‭ ‬دراسات‭ ‬حديثة‭ ‬تبعث‭ ‬عن‭ ‬مزيد‭ ‬القلق‭ ‬وتثبت‭ ‬الحاجة‭ ‬لحلول‭ ‬استشرافية‭. ‬

حذّر‭ ‬الخميس‭ ‬الفارط‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬عالما‭ ‬بارزا،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وتيرة‭ ‬ومستوى‭ ‬مؤشرات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬الرئيسية،‭ ‬من‭ ‬التلوث‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الكربون‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬البحار‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الاحترار‭ ‬المناخي،‭ ‬أصبحت‭ ‬كلّها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‮»‬‭.‬
وبلغت‭ ‬انبعاثات‭ ‬الغازات‭ ‬الدفيئة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬حرق‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬وإزالة‭ ‬الغابات‭ ‬مستوى‭ ‬قياسيا‭ ‬جديدا‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬وبلغ‭ ‬متوسطها،‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقد‭ ‬الفائت،‭ ‬رقما‭ ‬قياسيا‭ ‬هو‭ ‬53‭,‬6‭ ‬مليار‭ ‬طن‭ ‬سنويا‭ - ‬أي‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬الدقيقة‭ - ‬من‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعادله‭ ‬من‭ ‬غازات‭ ‬أخرى،‭ ‬بحسب‭ ‬الخبراء‭.‬
وبحسب‭ ‬الدراسة‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬ايرث‭ ‬سيستم‭ ‬ساينس‭ ‬داتا‮»‬،‭ ‬تثير‭ ‬الوتيرة‭ ‬المتسارعة‭ ‬التي‭ ‬تتغير‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬المناخية‭ ‬القلق‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يثيره‭ ‬الارتفاع‭ ‬القياسي‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬وانبعاثات‭ ‬الكربون‭.‬
كما‭ ‬‮«‬ازداد‭ ‬الاجترار‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬النشاط‭ ‬البشري‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الفائت‭ ‬بمعدل‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬السجلات‭ ‬الآلية‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬متوسط‭ ‬الفترة‭ ‬2010‭-‬2019‭ ‬المسجل‭ ‬في‭ ‬أحدث‭ ‬تقرير‭ ‬للهيئة‭ ‬الحكومية‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بالتغير‭ ‬المناخي‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬2021‭. ‬كذلك،‭ ‬أكد‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬البحار‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مثير‭ ‬للقلق‭ ‬أيضا‮»‬‭.‬
وبعد‭ ‬أن‭ ‬ارتفع‭ ‬مستوى‭ ‬المحيطات‭ ‬العالمية‭ ‬تدريجيا،‭ ‬بمعدل‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬مليمترين‭ ‬سنويا‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1901‭ ‬و2018،‭ ‬ارتفع‭ ‬مستوى‭ ‬البحار‭ ‬بمقدار‭ ‬4‭,‬3‭ ‬مليمتر‭ ‬سنويا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2019‭.‬
تونس‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬التداعيات‭ ‬
وخلصت‭ ‬الدراسة‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬العالم‭ ‬سيشهد‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬أو‭ ‬العقدين‭ ‬المقبلين‭ ‬تداعيات‭ ‬وخيمة‭ ‬لتغير‭ ‬المناخ،‭ ‬أسوأ‭ ‬مما‭ ‬شهده‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭.‬
وتعتبر‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬والتأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬التغييرات‭ ‬المناخية‭ ‬المتسارعة‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭.‬
ويبلغ‭ ‬عدد‭ ‬الجزر‭ ‬التونسية‭ ‬60‭ ‬جزيرة،‭ ‬ستفقد‭ ‬20‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مساحتها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬جرّاء‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬البحر،‭ ‬وجزر‭ ‬مثل‭ ‬قرقنة‭ ‬مهددة‭ ‬بالاختفاء‭. ‬
كما‭ ‬تحدثت‭ ‬دراسات‭ ‬سابقة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬ستعرف‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬سنة‭ ‬2050‭ ‬ارتفاعا‭ ‬لمستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬و50‭ ‬صم‭ ‬مما‭ ‬سيسهم‭ ‬في‭ ‬فقدان‭ ‬مساحات‭ ‬ساحلية‭ ‬بين‭ ‬20‭ ‬و135‭ ‬صم‭ ‬سنويا‭ .‬
وستنعكس‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬سنة‭ ‬2050‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬‮«‬معدل‭ ‬ملوحة‭ ‬المائدة‭ ‬المائية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬خسارة‭ ‬زهاء‭ ‬16‭ ‬ألف‭ ‬هكتار‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلاحية‭ ‬وتراجع‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬بحوالي‭ ‬55‭ ‬بالمائة‭ ‬والقطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬بحوالي‭ ‬45‭ ‬بالمائة‭ ‬وخسارة‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬36‭ ‬ألف‭ ‬موطن‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬الفلاحي‭ ‬والسياحي‮»‬‭.‬
ويقول‭ ‬زهير‭ ‬الحلاوي‭ ‬الخبير‭ ‬والأستاذ‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬المناخ،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تونس‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬هشاشة‭ ‬وعرضة‭ ‬للانعكاسات‭ ‬السلبية‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬نتيجة‭ ‬تموقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬وانتمائها‭ ‬لمجموعة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬إمكانيات‭ ‬كبرى‭ ‬للتصدي‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‮»‬‭.‬
وفي‭ ‬تصريح‭ ‬لوكالة‭ ‬تونس‭ ‬إفريقيا‭ ‬للأنباء‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬اغلب‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المعتمدة‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬الأنشطة‭ ‬الفلاحية‭ ‬والسياحية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المناطق‭ ‬السكنية‭ ‬المتمركزة‭ ‬بالمناطق‭ ‬الساحلية،‭ ‬ستتضرر‭ ‬نتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬و50‭ ‬صم‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬2050‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬سيساهم‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬هجرة‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬وتتأقلم‭ ‬مع‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬معينة،‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى،‭ ‬لتترك‭ ‬مكانها‭ ‬لـ»حيوانات‭ ‬دخيلة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬استنزاف‭ ‬الثروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬البحرية‭ ‬وتغيير‭ ‬النظام‭ ‬البيئي‮»‬‭.‬
تهديد‭ ‬النظم‭ ‬البيئية‭ ‬
إلى‭ ‬جانب‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬تواجه‭ ‬تونس‭ ‬أيضا‭ ‬تحدي‭ ‬الارتفاع‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬لدرجات‭ ‬الحرارة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬حرائق‭ ‬تهدد‭ ‬الثروة‭ ‬الغابية‭ ‬وأيضا‭ ‬تهديدا‭ ‬للنظم‭ ‬المناخية‭ ‬وبالتالي‭ ‬تداعيات‭ ‬وخيمة‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭.‬
وكان‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬الطقس‭ ‬والبيئة‭ ‬المستدامة،‭ ‬عادل‭ ‬الهنتاتي،‭ ‬قد‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬موجة‭ ‬حرّ‭ ‬مرتقبة‭ ‬خلال‭ ‬صيف‭ ‬2025،‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬توقعات‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬مراصد‭ ‬مناخية‭ ‬عالمية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬الأرصاد‭ ‬الجوية‭ ‬وعلوم‭ ‬المناخ‭.‬
و‭ ‬أشار‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬إذاعي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أن‭ ‬أشهر‭ ‬جوان‭ ‬وجويلية‭ ‬وأوت‭ ‬ستسجل‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬فوق‭ ‬المعدلات‭ ‬الطبيعية،‭ ‬مع‭ ‬تكرار‭ ‬أيام‭ ‬حارة‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬مقارنة‭ ‬بالسنوات‭ ‬السابقة‮»‬‭.‬
مضيفا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات‭ ‬‮«‬تأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تغيرات‭ ‬مناخية‭ ‬متسارعة،‭ ‬أبرزها‭ ‬ارتفاع‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬سطح‭ ‬مياه‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬التي‭ ‬زادت‭ ‬بنحو‭ ‬4‭ ‬درجات‭ ‬مائوية‭ ‬عن‭ ‬المعدل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ارتفاع‭ ‬مماثل‭ ‬بين‭ ‬4‭ ‬و5‭ ‬درجات‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭. ‬و‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬البحرية‭ ‬قد‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬تواتر‭ ‬وشدة‭ ‬موجات‭ ‬الحر،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬حوض‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‮»‬‭.‬
كما‭ ‬أكد‭ ‬الخبير‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬تبنّي‭ ‬سياسات‭ ‬بيئية‭ ‬مستدامة‭ ‬وضرورة‭ ‬التعامل‭ ‬الجدي‭ ‬مع‭ ‬ملف‭ ‬التغيّرات‭ ‬المناخية‭.‬
قطاعات‭ ‬متضررة‭ ‬
بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬صرحت‭ ‬مؤخرا‭ ‬كاهية‭ ‬مدير‭ ‬بالإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للتمويل‭ ‬والاستثمارات‭ ‬والهياكل‭ ‬المهنية‭ ‬بوزارة‭ ‬الفلاحة‭ ‬وفاق‭ ‬عميري،‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الجفاف‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الحبوب‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬70‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬2،3‭ ‬مليار‭ ‬دينار‮»‬‭.‬
‭ ‬مضيفة‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬إذاعي‭ ‬أن‭ ‬التأثيرات‭ ‬المناخية‭ ‬وحالة‭ ‬الجفاف‭ ‬والارتفاع‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬‮«‬أثّر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بالوزارة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬آليات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬الآليات‭ ‬الاستباقية‮»‬‭.‬
كما‭ ‬كشفت‭ ‬المسؤولة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الفلاحة‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الحلول‭ ‬والمقترحات‭ ‬الّتي‭ ‬توصلت‭ ‬إليها‭ ‬دراسة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬مشروع‭ ‬بارما‭ ‬حول‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬منظومتي‭ ‬الحبوب‭ ‬والزياتين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬أرضي‭ ‬تونس‮»‬‭ ‬لإدارة‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬منظومتي‭ ‬الحبوب‭ ‬والزياتين،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الحلول‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الابتكارات‭ ‬وتطويع‭ ‬البذور‭ ‬لتكون‭ ‬متأقلمة‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬المناخية‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للزراعات‭ ‬الكبرى‭ ‬واعتماد‭ ‬الري‭ ‬الذكي‭ ‬وتطوير‭ ‬الممارسات‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬والتربة‭.‬كما‭ ‬تم‭ ‬اقتراح‭ ‬بعث‭ ‬مجمع‭ ‬مهني‭ ‬مشترك‭ ‬يضم‭ ‬كل‭ ‬المتدخلين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬خلية‭ ‬تفكير‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استباق‭ ‬المخاطر‭ ‬ووضع‭ ‬الوسائل‭ ‬لمجابهتها‭.‬
الدبلوماسية‭ ‬البيئية‭ ‬
من‭ ‬جهته‭ ‬تحدث‭ ‬مؤخرا‭ ‬وزير‭ ‬البيئة‭ ‬حبيب‭ ‬عبيد،‭ ‬بمناسبة‭ ‬ندوة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬احتضنتها‭ ‬مدينة‭ ‬نيس‭ ‬الفرنسية،‭ ‬عن‭ ‬عقد‭ ‬تحالف‭ ‬جديد‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬للتصدي‭ ‬لارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬البحر،‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬أكثر‭ ‬بلد‭ ‬متوسطي‭ ‬مهدد‭ ‬بذلك‭ ‬وفق‭ ‬الدراسة‭ ‬الأخيرة‭ ‬المنجزة‭ ‬مع‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭. ‬والهدف‭ ‬من‭ ‬التحالف‭ ‬الجديد‭ ‬تبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬الفنية‭ ‬مع‭ ‬البلدان‭ ‬المتوسطية‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬وتشبيك‭ ‬الوزارات‭ ‬والهياكل‭ ‬المعنية‭ ‬لبحث‭ ‬الحلول‭ ‬الممكنة‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حشد‭ ‬التمويلات‭ ‬للقيام‭ ‬بالمشاريع‭ ‬الكفيلة‭ ‬بالتصدي‭ ‬للفيضانات‭ ‬والانجراف‭.‬
‭ ‬كما‭ ‬عرج‭ ‬الوزير‭ ‬بالمناسبة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تسارع‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التونسية‭ ‬‮«‬لدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬وحثّ‭ ‬بقية‭ ‬البلدان‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬والتصدي‭ ‬لتأثيرات‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬الهامة‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬البلاد‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬مسؤولة‭ ‬عنها‮»‬‭.‬
‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الدبلوماسية‭ ‬البيئية‭ ‬والمناخية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬خيارا‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحّة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحديات‭ ‬المتفاقمة‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬وضعف‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي،‭ ‬وتلوث‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬مما‭ ‬يستدعي‭ ‬تنسيقا‭ ‬دوليا‭ ‬وتضامنا‭ ‬عالميا‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬العدالة‭ ‬والإنصاف‭ ‬والمسؤولية‭ ‬المشتركة‭ ‬ولكن‭ ‬المتباينة‮»‬‭.‬
◗‭ ‬م‭.‬ي

بين التقلبات وتحذيرات الدراسات العالمية.. تونس في قلب تداعيات التغيرات المناخية

الأمطار‭ ‬صيفا‭ ‬كالتي‭ ‬شهدتها‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الجاري،‭ ‬ومخاوف‭ ‬على‭ ‬صابة‭ ‬الحبوب‭ ..‬،‭ ‬حرائق‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بأسبوع‭ ‬ناجمة‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬موجة‭ ‬حر‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬هذه‭ ‬الصائفة‭ ‬وسط‭ ‬توقعات‭ ‬بموجات‭ ‬حر‭ ‬أخرى‭ ‬متتالية‭ ‬وأكثر‭ ‬حدة‭.. ‬جميعها‭ ‬مؤشرات‭ ‬تؤكد‭ ‬حقيقة‭ ‬أصبحت‭ ‬ثابتة‭ ‬بأننا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬تداعيات‭ ‬التغييرات‭ ‬المناخية‭ ‬وتونس‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬البلدان‭ ‬عرضة‭ ‬لها‭ ‬وسط‭ ‬دراسات‭ ‬حديثة‭ ‬تبعث‭ ‬عن‭ ‬مزيد‭ ‬القلق‭ ‬وتثبت‭ ‬الحاجة‭ ‬لحلول‭ ‬استشرافية‭. ‬

حذّر‭ ‬الخميس‭ ‬الفارط‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬عالما‭ ‬بارزا،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وتيرة‭ ‬ومستوى‭ ‬مؤشرات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬الرئيسية،‭ ‬من‭ ‬التلوث‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الكربون‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬البحار‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الاحترار‭ ‬المناخي،‭ ‬أصبحت‭ ‬كلّها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‮»‬‭.‬
وبلغت‭ ‬انبعاثات‭ ‬الغازات‭ ‬الدفيئة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬حرق‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬وإزالة‭ ‬الغابات‭ ‬مستوى‭ ‬قياسيا‭ ‬جديدا‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬وبلغ‭ ‬متوسطها،‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقد‭ ‬الفائت،‭ ‬رقما‭ ‬قياسيا‭ ‬هو‭ ‬53‭,‬6‭ ‬مليار‭ ‬طن‭ ‬سنويا‭ - ‬أي‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬الدقيقة‭ - ‬من‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعادله‭ ‬من‭ ‬غازات‭ ‬أخرى،‭ ‬بحسب‭ ‬الخبراء‭.‬
وبحسب‭ ‬الدراسة‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬ايرث‭ ‬سيستم‭ ‬ساينس‭ ‬داتا‮»‬،‭ ‬تثير‭ ‬الوتيرة‭ ‬المتسارعة‭ ‬التي‭ ‬تتغير‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬المناخية‭ ‬القلق‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يثيره‭ ‬الارتفاع‭ ‬القياسي‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬وانبعاثات‭ ‬الكربون‭.‬
كما‭ ‬‮«‬ازداد‭ ‬الاجترار‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬النشاط‭ ‬البشري‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الفائت‭ ‬بمعدل‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬السجلات‭ ‬الآلية‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬متوسط‭ ‬الفترة‭ ‬2010‭-‬2019‭ ‬المسجل‭ ‬في‭ ‬أحدث‭ ‬تقرير‭ ‬للهيئة‭ ‬الحكومية‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بالتغير‭ ‬المناخي‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬2021‭. ‬كذلك،‭ ‬أكد‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬البحار‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مثير‭ ‬للقلق‭ ‬أيضا‮»‬‭.‬
وبعد‭ ‬أن‭ ‬ارتفع‭ ‬مستوى‭ ‬المحيطات‭ ‬العالمية‭ ‬تدريجيا،‭ ‬بمعدل‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬مليمترين‭ ‬سنويا‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1901‭ ‬و2018،‭ ‬ارتفع‭ ‬مستوى‭ ‬البحار‭ ‬بمقدار‭ ‬4‭,‬3‭ ‬مليمتر‭ ‬سنويا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2019‭.‬
تونس‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬التداعيات‭ ‬
وخلصت‭ ‬الدراسة‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬العالم‭ ‬سيشهد‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬أو‭ ‬العقدين‭ ‬المقبلين‭ ‬تداعيات‭ ‬وخيمة‭ ‬لتغير‭ ‬المناخ،‭ ‬أسوأ‭ ‬مما‭ ‬شهده‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭.‬
وتعتبر‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬والتأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬التغييرات‭ ‬المناخية‭ ‬المتسارعة‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭.‬
ويبلغ‭ ‬عدد‭ ‬الجزر‭ ‬التونسية‭ ‬60‭ ‬جزيرة،‭ ‬ستفقد‭ ‬20‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مساحتها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬جرّاء‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬البحر،‭ ‬وجزر‭ ‬مثل‭ ‬قرقنة‭ ‬مهددة‭ ‬بالاختفاء‭. ‬
كما‭ ‬تحدثت‭ ‬دراسات‭ ‬سابقة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬ستعرف‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬سنة‭ ‬2050‭ ‬ارتفاعا‭ ‬لمستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬و50‭ ‬صم‭ ‬مما‭ ‬سيسهم‭ ‬في‭ ‬فقدان‭ ‬مساحات‭ ‬ساحلية‭ ‬بين‭ ‬20‭ ‬و135‭ ‬صم‭ ‬سنويا‭ .‬
وستنعكس‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬سنة‭ ‬2050‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬‮«‬معدل‭ ‬ملوحة‭ ‬المائدة‭ ‬المائية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬خسارة‭ ‬زهاء‭ ‬16‭ ‬ألف‭ ‬هكتار‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلاحية‭ ‬وتراجع‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬بحوالي‭ ‬55‭ ‬بالمائة‭ ‬والقطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬بحوالي‭ ‬45‭ ‬بالمائة‭ ‬وخسارة‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬36‭ ‬ألف‭ ‬موطن‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬الفلاحي‭ ‬والسياحي‮»‬‭.‬
ويقول‭ ‬زهير‭ ‬الحلاوي‭ ‬الخبير‭ ‬والأستاذ‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬المناخ،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تونس‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬هشاشة‭ ‬وعرضة‭ ‬للانعكاسات‭ ‬السلبية‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬نتيجة‭ ‬تموقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬وانتمائها‭ ‬لمجموعة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬إمكانيات‭ ‬كبرى‭ ‬للتصدي‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‮»‬‭.‬
وفي‭ ‬تصريح‭ ‬لوكالة‭ ‬تونس‭ ‬إفريقيا‭ ‬للأنباء‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬اغلب‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المعتمدة‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬الأنشطة‭ ‬الفلاحية‭ ‬والسياحية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المناطق‭ ‬السكنية‭ ‬المتمركزة‭ ‬بالمناطق‭ ‬الساحلية،‭ ‬ستتضرر‭ ‬نتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬و50‭ ‬صم‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬2050‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬سيساهم‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬هجرة‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬وتتأقلم‭ ‬مع‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬معينة،‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى،‭ ‬لتترك‭ ‬مكانها‭ ‬لـ»حيوانات‭ ‬دخيلة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬استنزاف‭ ‬الثروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬البحرية‭ ‬وتغيير‭ ‬النظام‭ ‬البيئي‮»‬‭.‬
تهديد‭ ‬النظم‭ ‬البيئية‭ ‬
إلى‭ ‬جانب‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬تواجه‭ ‬تونس‭ ‬أيضا‭ ‬تحدي‭ ‬الارتفاع‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬لدرجات‭ ‬الحرارة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬حرائق‭ ‬تهدد‭ ‬الثروة‭ ‬الغابية‭ ‬وأيضا‭ ‬تهديدا‭ ‬للنظم‭ ‬المناخية‭ ‬وبالتالي‭ ‬تداعيات‭ ‬وخيمة‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭.‬
وكان‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬الطقس‭ ‬والبيئة‭ ‬المستدامة،‭ ‬عادل‭ ‬الهنتاتي،‭ ‬قد‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬موجة‭ ‬حرّ‭ ‬مرتقبة‭ ‬خلال‭ ‬صيف‭ ‬2025،‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬توقعات‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬مراصد‭ ‬مناخية‭ ‬عالمية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬الأرصاد‭ ‬الجوية‭ ‬وعلوم‭ ‬المناخ‭.‬
و‭ ‬أشار‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬إذاعي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أن‭ ‬أشهر‭ ‬جوان‭ ‬وجويلية‭ ‬وأوت‭ ‬ستسجل‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬فوق‭ ‬المعدلات‭ ‬الطبيعية،‭ ‬مع‭ ‬تكرار‭ ‬أيام‭ ‬حارة‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬مقارنة‭ ‬بالسنوات‭ ‬السابقة‮»‬‭.‬
مضيفا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات‭ ‬‮«‬تأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تغيرات‭ ‬مناخية‭ ‬متسارعة،‭ ‬أبرزها‭ ‬ارتفاع‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬سطح‭ ‬مياه‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬التي‭ ‬زادت‭ ‬بنحو‭ ‬4‭ ‬درجات‭ ‬مائوية‭ ‬عن‭ ‬المعدل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ارتفاع‭ ‬مماثل‭ ‬بين‭ ‬4‭ ‬و5‭ ‬درجات‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭. ‬و‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬البحرية‭ ‬قد‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬تواتر‭ ‬وشدة‭ ‬موجات‭ ‬الحر،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬حوض‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‮»‬‭.‬
كما‭ ‬أكد‭ ‬الخبير‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬تبنّي‭ ‬سياسات‭ ‬بيئية‭ ‬مستدامة‭ ‬وضرورة‭ ‬التعامل‭ ‬الجدي‭ ‬مع‭ ‬ملف‭ ‬التغيّرات‭ ‬المناخية‭.‬
قطاعات‭ ‬متضررة‭ ‬
بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬صرحت‭ ‬مؤخرا‭ ‬كاهية‭ ‬مدير‭ ‬بالإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للتمويل‭ ‬والاستثمارات‭ ‬والهياكل‭ ‬المهنية‭ ‬بوزارة‭ ‬الفلاحة‭ ‬وفاق‭ ‬عميري،‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الجفاف‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الحبوب‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬70‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬2،3‭ ‬مليار‭ ‬دينار‮»‬‭.‬
‭ ‬مضيفة‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬إذاعي‭ ‬أن‭ ‬التأثيرات‭ ‬المناخية‭ ‬وحالة‭ ‬الجفاف‭ ‬والارتفاع‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬‮«‬أثّر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بالوزارة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬آليات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬الآليات‭ ‬الاستباقية‮»‬‭.‬
كما‭ ‬كشفت‭ ‬المسؤولة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الفلاحة‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الحلول‭ ‬والمقترحات‭ ‬الّتي‭ ‬توصلت‭ ‬إليها‭ ‬دراسة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬مشروع‭ ‬بارما‭ ‬حول‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬منظومتي‭ ‬الحبوب‭ ‬والزياتين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬أرضي‭ ‬تونس‮»‬‭ ‬لإدارة‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬منظومتي‭ ‬الحبوب‭ ‬والزياتين،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الحلول‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الابتكارات‭ ‬وتطويع‭ ‬البذور‭ ‬لتكون‭ ‬متأقلمة‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬المناخية‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للزراعات‭ ‬الكبرى‭ ‬واعتماد‭ ‬الري‭ ‬الذكي‭ ‬وتطوير‭ ‬الممارسات‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬والتربة‭.‬كما‭ ‬تم‭ ‬اقتراح‭ ‬بعث‭ ‬مجمع‭ ‬مهني‭ ‬مشترك‭ ‬يضم‭ ‬كل‭ ‬المتدخلين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬خلية‭ ‬تفكير‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استباق‭ ‬المخاطر‭ ‬ووضع‭ ‬الوسائل‭ ‬لمجابهتها‭.‬
الدبلوماسية‭ ‬البيئية‭ ‬
من‭ ‬جهته‭ ‬تحدث‭ ‬مؤخرا‭ ‬وزير‭ ‬البيئة‭ ‬حبيب‭ ‬عبيد،‭ ‬بمناسبة‭ ‬ندوة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬احتضنتها‭ ‬مدينة‭ ‬نيس‭ ‬الفرنسية،‭ ‬عن‭ ‬عقد‭ ‬تحالف‭ ‬جديد‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬للتصدي‭ ‬لارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬البحر،‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬أكثر‭ ‬بلد‭ ‬متوسطي‭ ‬مهدد‭ ‬بذلك‭ ‬وفق‭ ‬الدراسة‭ ‬الأخيرة‭ ‬المنجزة‭ ‬مع‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭. ‬والهدف‭ ‬من‭ ‬التحالف‭ ‬الجديد‭ ‬تبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬الفنية‭ ‬مع‭ ‬البلدان‭ ‬المتوسطية‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬وتشبيك‭ ‬الوزارات‭ ‬والهياكل‭ ‬المعنية‭ ‬لبحث‭ ‬الحلول‭ ‬الممكنة‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حشد‭ ‬التمويلات‭ ‬للقيام‭ ‬بالمشاريع‭ ‬الكفيلة‭ ‬بالتصدي‭ ‬للفيضانات‭ ‬والانجراف‭.‬
‭ ‬كما‭ ‬عرج‭ ‬الوزير‭ ‬بالمناسبة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تسارع‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التونسية‭ ‬‮«‬لدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬وحثّ‭ ‬بقية‭ ‬البلدان‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬والتصدي‭ ‬لتأثيرات‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬الهامة‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬البلاد‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬مسؤولة‭ ‬عنها‮»‬‭.‬
‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الدبلوماسية‭ ‬البيئية‭ ‬والمناخية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬خيارا‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحّة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحديات‭ ‬المتفاقمة‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬وضعف‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي،‭ ‬وتلوث‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬مما‭ ‬يستدعي‭ ‬تنسيقا‭ ‬دوليا‭ ‬وتضامنا‭ ‬عالميا‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬العدالة‭ ‬والإنصاف‭ ‬والمسؤولية‭ ‬المشتركة‭ ‬ولكن‭ ‬المتباينة‮»‬‭.‬
◗‭ ‬م‭.‬ي