إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

استعادت‭ ‬جاذبيتها‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي.. تونس‭ ‬تسجّل‭ ‬قفزة‭ ‬استثمارية‭ ‬بـ21% في 2024


-‭ ‬مؤشرات‭ ‬2025‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي

سجلت‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬تطورًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬تدفق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة،‭ ‬حيث‭ ‬أظهر‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتجارة‭ ‬والتنمية‭ (‬UNCTAD‭) ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬بلغ‭ ‬حوالي‭ ‬2910‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬مقابل‭ ‬2396‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2023،‭ ‬أي‭ ‬بنسبة‭ ‬زيادة‭ ‬تُقدّر‭ ‬بـ21‭.‬4‭ %. ‬ويعتبر‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬إشارة‭ ‬إيجابية‭ ‬إلى‭ ‬تعافي‭ ‬المناخ‭ ‬الاستثماري‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬واستعادته‭ ‬لجاذبيته‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬إقليمي‭ ‬متقلب‭.‬ 

ساهمت‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الإيجابي،‭ ‬حيث‭ ‬أطلقت‭ ‬الدولة‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬جديدة‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأخضر‭ ‬والتحول‭ ‬الرقمي‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬بيئة‭ ‬محفزة‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والطاقات‭ ‬النظيفة‭.‬
الصناعة‭ ‬والطاقة‭ ‬في‭ ‬الصدارة
ووفق‭ ‬التقرير‭ ‬الأممي،‭ ‬توزعت‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬بشكل‭ ‬متفاوت‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬إذ‭ ‬حافظت‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬على‭ ‬موقعها‭ ‬كقاطرة‭ ‬أولى‭ ‬لجذب‭ ‬المستثمرين‭ ‬الأجانب،‭ ‬حيث‭ ‬استقطبت‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬1780‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬بنسبة‭ ‬نمو‭ ‬تتجاوز‭ ‬20‭ % ‬مقارنة‭ ‬بالسنة‭ ‬السابقة‭. ‬وجاء‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بقيمة‭ ‬689‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬مسجلاً‭ ‬نموًا‭ ‬استثنائيًا‭ ‬بنسبة‭ ‬43‭ %‬،‭ ‬مدفوعًا‭ ‬بمشاريع‭ ‬متجددة‭ ‬واستثمارات‭ ‬في‭ ‬الطاقات‭ ‬البديلة‭. ‬أما‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات،‭ ‬فحافظ‭ ‬على‭ ‬استقراره‭ ‬عند‭ ‬مستوى‭ ‬417‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬بينما‭ ‬سجّل‭ ‬قطاع‭ ‬الزراعة‭ ‬تحسنًا‭ ‬لافتًا‭ ‬بنسبة‭ ‬35‭.‬5‭ %‬،‭ ‬رغم‭ ‬محدودية‭ ‬حجمه‭ ‬النسبي،‭ ‬ليبلغ‭ ‬24‭.‬3‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭. ‬ويُنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬إمكانيات‭ ‬كبرى‭ ‬لم‭ ‬تُستغل‭ ‬بعد،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والحاجة‭ ‬لتطوير‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭.‬
استثمارات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة
وتراجع‭ ‬تدفق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬وتردي‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬منحنى‭ ‬التعافي‭ ‬منذ‭ ‬2016‭ ‬بفضل‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التشريعية‭ ‬واعتماد‭ ‬قانون‭ ‬جديد‭ ‬للاستثمار‭ ‬سنة‭ ‬2017‭.‬
هذا‭ ‬القانون‭ ‬أسّس‭ ‬لجملة‭ ‬من‭ ‬الحوافز،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تقليص‭ ‬نسب‭ ‬الضرائب،‭ ‬وتسهيل‭ ‬الإجراءات‭ ‬الإدارية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬ضمانات‭ ‬المستثمرين‭. ‬ومع‭ ‬حلول‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬بدأت‭ ‬مؤشرات‭ ‬إيجابية‭ ‬تظهر،‭ ‬لكنها‭ ‬تراجعت‭ ‬مجددًا‭ ‬مع‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬سنة‭ ‬2020،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعاود‭ ‬نسقها‭ ‬التصاعدي‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2022،‭ ‬ليبلغ‭ ‬ذروته‭ ‬النسبي‭ ‬في‭ ‬2024‭.‬
أبرز‭ ‬الدول‭ ‬المستثمرة‭ ‬في‭ ‬تونس
أظهر‭ ‬التقرير‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬تتصدر‭ ‬قائمة‭ ‬المستثمرين‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬2024،‭ ‬بمبلغ‭ ‬644‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬تليها‭ ‬ألمانيا‭ ‬بـ340‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬ثم‭ ‬إيطاليا‭ ‬بـ306‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬فقطر‭ ‬بـ126‭.‬9‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بحوالي‭ ‬118‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭.‬
ويعكس‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬الاستثمار‭ ‬ثقة‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشركاء‭ ‬التقليديين‭ ‬والجدد‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬على‭ ‬التعافي‭ ‬والنمو،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التذبذب‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭.‬
تطور‭ ‬تدريجي‭ ‬ومستدام
حسب‭ ‬معطيات‭ ‬الوكالة‭ ‬التونسية‭ ‬للنهوض‭ ‬بالاستثمار‭ ‬الخارجي‭ (‬FIPA‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬قيمة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬التسعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬حوالي‭ ‬2910‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬أي‭ ‬بزيادة‭ ‬تُقدّر‭ ‬بـ21‭.‬5‭ % ‬مقارنة‭ ‬بنفس‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2023‭. ‬ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬تنامي‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬التونسية،‭ ‬وفعالية‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الإدارية‭ ‬والهيكلية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اعتمادها‭ ‬لتسهيل‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال‭.‬
ووفق‭ ‬نفس‭ ‬المصدر،‭ ‬تمثل‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬حوالي‭ ‬58‭.‬9‭ % ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬تليها‭ ‬الطاقة‭ ‬بـ25‭.‬5‭ %‬،‭ ‬ثم‭ ‬الخدمات‭ ‬بـ14‭.‬7‭ %‬،‭ ‬والزراعة‭ ‬بـ0‭.‬9‭ %. ‬وتشير‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬الاستثماري‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬موجها‭ ‬نحو‭ ‬القطاعات‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬تنويع‭ ‬تدريجي‭ ‬في‭ ‬التوجهات‭.‬
القطاعات‭ ‬المستهدفة‭ ‬وآفاقها
وتعد‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬إحدى‭ ‬الركائز‭ ‬الأساسية‭ ‬للنمو‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬إذ‭ ‬تسهم‭ ‬بنسبة‭ ‬هامة‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام،‭ ‬وتشغل‭ ‬آلاف‭ ‬التونسيين،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الداخلية‭. ‬وقد‭ ‬شهد‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬تطورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬اختصاصات‭ ‬مثل‭ ‬الصناعات‭ ‬الميكانيكية‭ ‬والكهربائية‭ ‬وصناعة‭ ‬مكونات‭ ‬السيارات‭ ‬والطائرات‭.‬
أما‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة،‭ ‬فبات‭ ‬يمثل‭ ‬محورا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الجديدة،‭ ‬مع‭ ‬تسارع‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬مثل‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬وطاقة‭ ‬الرياح،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬التزامات‭ ‬تونس‭ ‬البيئية‭ ‬وتوجهها‭ ‬نحو‭ ‬تقليص‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬المحروقات‭ ‬المستوردة‭.‬
ويحمل‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات،‭ ‬خصوصا‭ ‬التكنولوجية‭ ‬منها،‭ ‬آفاقا‭ ‬واعدة‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬مراكز‭ ‬الخدمات‭ ‬المشتركة‭ ‬والاستثمارات‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬الاتصال‭ ‬والبرمجيات‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تطوير‭ ‬الفلاحة‭ ‬المستدامة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُحدث‭ ‬تحولا‭ ‬نوعيا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريفي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬استغلال‭ ‬إمكاناته‭ ‬بالشكل‭ ‬الأمثل‭.‬
أثر‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني
ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬تدفق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬عنصرا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تنشيط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬تخلقه‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬عمل،‭ ‬وتحفيز‭ ‬لنقل‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتعزيز‭ ‬للتنافسية‭. ‬وتشير‭ ‬تقديرات‭ ‬اقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬يوفر‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬8000‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬مباشرة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬آلاف‭ ‬الفرص‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬والخدمات‭ ‬المرافقة‭.‬
ويساهم‭ ‬هذا‭ ‬الانتعاش‭ ‬الاستثماري‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬تقليص‭ ‬العجز‭ ‬التجاري‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬العملة‭ ‬الوطنية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحسين‭ ‬مداخيل‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬والرسوم،‭ ‬وزيادة‭ ‬حجم‭ ‬الصادرات‭.‬
نموذج‭ ‬اقتصادي‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا
ولم‭ ‬يخف‭ ‬التقرير‭ ‬الأممي،‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬توجيه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬نحو‭ ‬القطاعات‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬العالية،‭ ‬فإن‭ ‬تونس‭ ‬تملك‭ ‬كل‭ ‬المقومات‭ ‬التي‭ ‬تخوّل‭ ‬لها‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬اقتصادي‭ ‬متميز‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭. ‬فبفضل‭ ‬موقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬ووفرة‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬المؤهلة،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬المتطورة‭ ‬نسبيًا،‭ ‬يمكن‭ ‬لتونس‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬منصة‭ ‬إقليمية‭ ‬للإنتاج‭ ‬والخدمات‭.‬
ويتطلب‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬دعما‭ ‬تشريعيا‭ ‬مستمرا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تعزيز‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬والمعرفي،‭ ‬بما‭ ‬يواكب‭ ‬تطورات‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭.‬

آفاق‭ ‬استثمارية‭ ‬واعدة
وتستهدف‭ ‬تونس،‭ ‬اليوم،‭ ‬بلوغ‭ ‬حجم‭ ‬استثمارات‭ ‬أجنبية‭ ‬مباشرة‭ ‬يناهز‭ ‬3400‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬2025،‭ ‬مدفوعة‭ ‬بزخم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الصناعية‭ ‬الجديدة‭ ‬والتحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الطاقة‭. ‬وتشير‭ ‬مؤشرات‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2025‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬المنحى‭ ‬التصاعدي،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬الاستثمارات‭ ‬نحو‭ ‬730‭.‬8‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬بزيادة‭ ‬26‭.‬1‭ % ‬مقارنة‭ ‬بنفس‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬السابق‭. ‬ويعول‭ ‬المسؤولون‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والخليج‭ ‬العربي،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬النسبي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬لتوفير‭ ‬مناخ‭ ‬ملائم‭ ‬لتدفق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬عالية‭.‬
جدير‭ ‬بالذكر،‭ ‬أن‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬تشكل‭ ‬نقطة‭ ‬تحوّل‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬استرجاع‭ ‬تونس‭ ‬لجاذبيتها‭ ‬الاستثمارية،‭ ‬إذ‭ ‬عكست‭ ‬الزيادة‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمرين،‭ ‬بفضل‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التشريعية‭ ‬والإدارية،‭ ‬وديناميكية‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬تواصل‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬بنفس‭ ‬الوتيرة،‭ ‬فإن‭ ‬تونس‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحا‭ ‬واستدامة،‭ ‬يضمن‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬النمو‭ ‬والتشغيل‭ ‬والتنمية‭ ‬الجهوية‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬التشريعات،‭ ‬وتكثيف‭ ‬جهود‭ ‬الترويج‭ ‬الخارجي،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال،‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬تونس‭ ‬كوجهة‭ ‬استثمارية‭ ‬تنافسية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭.‬

سفيان‭ ‬المهداوي

استعادت‭ ‬جاذبيتها‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي.. تونس‭ ‬تسجّل‭ ‬قفزة‭ ‬استثمارية‭ ‬بـ21% في 2024


-‭ ‬مؤشرات‭ ‬2025‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي

سجلت‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬تطورًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬تدفق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة،‭ ‬حيث‭ ‬أظهر‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتجارة‭ ‬والتنمية‭ (‬UNCTAD‭) ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬بلغ‭ ‬حوالي‭ ‬2910‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬مقابل‭ ‬2396‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2023،‭ ‬أي‭ ‬بنسبة‭ ‬زيادة‭ ‬تُقدّر‭ ‬بـ21‭.‬4‭ %. ‬ويعتبر‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬إشارة‭ ‬إيجابية‭ ‬إلى‭ ‬تعافي‭ ‬المناخ‭ ‬الاستثماري‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬واستعادته‭ ‬لجاذبيته‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬إقليمي‭ ‬متقلب‭.‬ 

ساهمت‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الإيجابي،‭ ‬حيث‭ ‬أطلقت‭ ‬الدولة‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬جديدة‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأخضر‭ ‬والتحول‭ ‬الرقمي‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬بيئة‭ ‬محفزة‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والطاقات‭ ‬النظيفة‭.‬
الصناعة‭ ‬والطاقة‭ ‬في‭ ‬الصدارة
ووفق‭ ‬التقرير‭ ‬الأممي،‭ ‬توزعت‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬بشكل‭ ‬متفاوت‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬إذ‭ ‬حافظت‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬على‭ ‬موقعها‭ ‬كقاطرة‭ ‬أولى‭ ‬لجذب‭ ‬المستثمرين‭ ‬الأجانب،‭ ‬حيث‭ ‬استقطبت‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬1780‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬بنسبة‭ ‬نمو‭ ‬تتجاوز‭ ‬20‭ % ‬مقارنة‭ ‬بالسنة‭ ‬السابقة‭. ‬وجاء‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بقيمة‭ ‬689‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬مسجلاً‭ ‬نموًا‭ ‬استثنائيًا‭ ‬بنسبة‭ ‬43‭ %‬،‭ ‬مدفوعًا‭ ‬بمشاريع‭ ‬متجددة‭ ‬واستثمارات‭ ‬في‭ ‬الطاقات‭ ‬البديلة‭. ‬أما‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات،‭ ‬فحافظ‭ ‬على‭ ‬استقراره‭ ‬عند‭ ‬مستوى‭ ‬417‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬بينما‭ ‬سجّل‭ ‬قطاع‭ ‬الزراعة‭ ‬تحسنًا‭ ‬لافتًا‭ ‬بنسبة‭ ‬35‭.‬5‭ %‬،‭ ‬رغم‭ ‬محدودية‭ ‬حجمه‭ ‬النسبي،‭ ‬ليبلغ‭ ‬24‭.‬3‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭. ‬ويُنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬إمكانيات‭ ‬كبرى‭ ‬لم‭ ‬تُستغل‭ ‬بعد،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والحاجة‭ ‬لتطوير‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭.‬
استثمارات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة
وتراجع‭ ‬تدفق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬وتردي‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬منحنى‭ ‬التعافي‭ ‬منذ‭ ‬2016‭ ‬بفضل‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التشريعية‭ ‬واعتماد‭ ‬قانون‭ ‬جديد‭ ‬للاستثمار‭ ‬سنة‭ ‬2017‭.‬
هذا‭ ‬القانون‭ ‬أسّس‭ ‬لجملة‭ ‬من‭ ‬الحوافز،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تقليص‭ ‬نسب‭ ‬الضرائب،‭ ‬وتسهيل‭ ‬الإجراءات‭ ‬الإدارية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬ضمانات‭ ‬المستثمرين‭. ‬ومع‭ ‬حلول‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬بدأت‭ ‬مؤشرات‭ ‬إيجابية‭ ‬تظهر،‭ ‬لكنها‭ ‬تراجعت‭ ‬مجددًا‭ ‬مع‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬سنة‭ ‬2020،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعاود‭ ‬نسقها‭ ‬التصاعدي‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2022،‭ ‬ليبلغ‭ ‬ذروته‭ ‬النسبي‭ ‬في‭ ‬2024‭.‬
أبرز‭ ‬الدول‭ ‬المستثمرة‭ ‬في‭ ‬تونس
أظهر‭ ‬التقرير‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬تتصدر‭ ‬قائمة‭ ‬المستثمرين‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬2024،‭ ‬بمبلغ‭ ‬644‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬تليها‭ ‬ألمانيا‭ ‬بـ340‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬ثم‭ ‬إيطاليا‭ ‬بـ306‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬فقطر‭ ‬بـ126‭.‬9‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بحوالي‭ ‬118‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭.‬
ويعكس‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬الاستثمار‭ ‬ثقة‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشركاء‭ ‬التقليديين‭ ‬والجدد‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬على‭ ‬التعافي‭ ‬والنمو،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التذبذب‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭.‬
تطور‭ ‬تدريجي‭ ‬ومستدام
حسب‭ ‬معطيات‭ ‬الوكالة‭ ‬التونسية‭ ‬للنهوض‭ ‬بالاستثمار‭ ‬الخارجي‭ (‬FIPA‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬قيمة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬التسعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬حوالي‭ ‬2910‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬أي‭ ‬بزيادة‭ ‬تُقدّر‭ ‬بـ21‭.‬5‭ % ‬مقارنة‭ ‬بنفس‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2023‭. ‬ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬تنامي‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬التونسية،‭ ‬وفعالية‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الإدارية‭ ‬والهيكلية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اعتمادها‭ ‬لتسهيل‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال‭.‬
ووفق‭ ‬نفس‭ ‬المصدر،‭ ‬تمثل‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬حوالي‭ ‬58‭.‬9‭ % ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬تليها‭ ‬الطاقة‭ ‬بـ25‭.‬5‭ %‬،‭ ‬ثم‭ ‬الخدمات‭ ‬بـ14‭.‬7‭ %‬،‭ ‬والزراعة‭ ‬بـ0‭.‬9‭ %. ‬وتشير‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬الاستثماري‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬موجها‭ ‬نحو‭ ‬القطاعات‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬تنويع‭ ‬تدريجي‭ ‬في‭ ‬التوجهات‭.‬
القطاعات‭ ‬المستهدفة‭ ‬وآفاقها
وتعد‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬إحدى‭ ‬الركائز‭ ‬الأساسية‭ ‬للنمو‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬إذ‭ ‬تسهم‭ ‬بنسبة‭ ‬هامة‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام،‭ ‬وتشغل‭ ‬آلاف‭ ‬التونسيين،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الداخلية‭. ‬وقد‭ ‬شهد‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬تطورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬اختصاصات‭ ‬مثل‭ ‬الصناعات‭ ‬الميكانيكية‭ ‬والكهربائية‭ ‬وصناعة‭ ‬مكونات‭ ‬السيارات‭ ‬والطائرات‭.‬
أما‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة،‭ ‬فبات‭ ‬يمثل‭ ‬محورا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الجديدة،‭ ‬مع‭ ‬تسارع‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬مثل‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬وطاقة‭ ‬الرياح،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬التزامات‭ ‬تونس‭ ‬البيئية‭ ‬وتوجهها‭ ‬نحو‭ ‬تقليص‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬المحروقات‭ ‬المستوردة‭.‬
ويحمل‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات،‭ ‬خصوصا‭ ‬التكنولوجية‭ ‬منها،‭ ‬آفاقا‭ ‬واعدة‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬مراكز‭ ‬الخدمات‭ ‬المشتركة‭ ‬والاستثمارات‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬الاتصال‭ ‬والبرمجيات‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تطوير‭ ‬الفلاحة‭ ‬المستدامة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُحدث‭ ‬تحولا‭ ‬نوعيا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريفي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬استغلال‭ ‬إمكاناته‭ ‬بالشكل‭ ‬الأمثل‭.‬
أثر‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني
ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬تدفق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬عنصرا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تنشيط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬تخلقه‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬عمل،‭ ‬وتحفيز‭ ‬لنقل‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتعزيز‭ ‬للتنافسية‭. ‬وتشير‭ ‬تقديرات‭ ‬اقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬يوفر‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬8000‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬مباشرة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬آلاف‭ ‬الفرص‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬والخدمات‭ ‬المرافقة‭.‬
ويساهم‭ ‬هذا‭ ‬الانتعاش‭ ‬الاستثماري‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬تقليص‭ ‬العجز‭ ‬التجاري‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬العملة‭ ‬الوطنية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحسين‭ ‬مداخيل‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬والرسوم،‭ ‬وزيادة‭ ‬حجم‭ ‬الصادرات‭.‬
نموذج‭ ‬اقتصادي‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا
ولم‭ ‬يخف‭ ‬التقرير‭ ‬الأممي،‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬توجيه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬نحو‭ ‬القطاعات‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬العالية،‭ ‬فإن‭ ‬تونس‭ ‬تملك‭ ‬كل‭ ‬المقومات‭ ‬التي‭ ‬تخوّل‭ ‬لها‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬اقتصادي‭ ‬متميز‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭. ‬فبفضل‭ ‬موقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬ووفرة‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬المؤهلة،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬المتطورة‭ ‬نسبيًا،‭ ‬يمكن‭ ‬لتونس‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬منصة‭ ‬إقليمية‭ ‬للإنتاج‭ ‬والخدمات‭.‬
ويتطلب‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬دعما‭ ‬تشريعيا‭ ‬مستمرا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تعزيز‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬والمعرفي،‭ ‬بما‭ ‬يواكب‭ ‬تطورات‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭.‬

آفاق‭ ‬استثمارية‭ ‬واعدة
وتستهدف‭ ‬تونس،‭ ‬اليوم،‭ ‬بلوغ‭ ‬حجم‭ ‬استثمارات‭ ‬أجنبية‭ ‬مباشرة‭ ‬يناهز‭ ‬3400‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬2025،‭ ‬مدفوعة‭ ‬بزخم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الصناعية‭ ‬الجديدة‭ ‬والتحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الطاقة‭. ‬وتشير‭ ‬مؤشرات‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2025‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬المنحى‭ ‬التصاعدي،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬الاستثمارات‭ ‬نحو‭ ‬730‭.‬8‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬بزيادة‭ ‬26‭.‬1‭ % ‬مقارنة‭ ‬بنفس‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬السابق‭. ‬ويعول‭ ‬المسؤولون‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والخليج‭ ‬العربي،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬النسبي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬لتوفير‭ ‬مناخ‭ ‬ملائم‭ ‬لتدفق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬عالية‭.‬
جدير‭ ‬بالذكر،‭ ‬أن‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬تشكل‭ ‬نقطة‭ ‬تحوّل‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬استرجاع‭ ‬تونس‭ ‬لجاذبيتها‭ ‬الاستثمارية،‭ ‬إذ‭ ‬عكست‭ ‬الزيادة‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمرين،‭ ‬بفضل‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التشريعية‭ ‬والإدارية،‭ ‬وديناميكية‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬تواصل‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬بنفس‭ ‬الوتيرة،‭ ‬فإن‭ ‬تونس‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحا‭ ‬واستدامة،‭ ‬يضمن‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬النمو‭ ‬والتشغيل‭ ‬والتنمية‭ ‬الجهوية‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬التشريعات،‭ ‬وتكثيف‭ ‬جهود‭ ‬الترويج‭ ‬الخارجي،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال،‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬تونس‭ ‬كوجهة‭ ‬استثمارية‭ ‬تنافسية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭.‬

سفيان‭ ‬المهداوي