جديد رئيس الجمهورية قيس سعيّد دعوته لضرورة إيجاد حلول لوضعية الصناديق الاجتماعية عبر توفير صيغ تمويلات جديدة في ظل تفاقم عجز هذه الصناديق الذي تجاوز 7 مليارات دينار وفي ظل ما يتهددها من ضغوط مضاعفة بسبب التحولات الديمغرافية واتجاه المجتمع التونسي نحو التهرم السكاني.
في لقائه خلال الاسبوع الجاري بوزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر، قبل تحوّله إلى جنيف للمشاركة في اجتماعات منظمة العمل الدولية ،تعرّض رئيس الجمهورية إلى إيجاد حلول لتمويل الصناديق الاجتماعية في تونس، مشدّدا حرصه على أنّ تكون الثورة التشريعية في مجال الشغل ثورة تقوم على العدل والإنصاف وأن تكون في مستوى تطلعات الشّعب التونسي سواء في القطاعين العام أو الخاص.
وفي ماي الفارط وفي لقاء مماثل مع وزير الشؤون الاجتماعية أسدى رئيس الجمهورية» تعليماته بإيجاد صيغ جديدة تتعلق بتنويع مصادر تمويل الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتأمين على المرض» .
ضغوط متنامية
يؤكد المختصون أن منظومة الضمان الاجتماعي في تونس تتطابق مع المعايير الدولية لمنظمة العمل الدولية في جميع التدخلات الاجتماعية، باستثناء منحة البطالة ، وتتمثل حزمة التدخّلات التي تتيحها المنظومة الاجتماعية في تونس في توفير الرعاية الصحية وصرف منحة الشيخوخة وصرف المساعدات العائلية وتخصيص منحة العجز ومنحة المرض وكذلك منحة الورثة. علما أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية يُقدّمان جرايات تقاعد لأكثر من 1.3 مليون منتفع.
ويستند النظام الاجتماعي في تونس إلى» مبدأ توزيع المساهمات بين الأجيال، وبالتالي فإن تدهور المؤشر الديمغرافي المرتبط بتطور عدد المستفيدين من الجرايات بالمقارنة مع عدد النشطين أي المباشرين لعمل، وكذلك تحسّن مؤمل الحياة عند الولادة قد ساهما في تزايد الصعوبات المالية على الصناديق الاجتماعية».
وقد بلغ عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية نحو 700 مليون دينار سنة 2024، ومن المتوقع أن يتجاوز 1.1 مليار دينار خلال العام الجاري إذ يعاني الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عجزاً متنامياً وسط مخاوف ببلوغ عجزه 1.4 مليار دينار ..
وتتزايد المخاوف بشأن تعمق هذه الازمة بسبب تداعيات ارتفاع نسبة كبار السن مقارنة خاصة بفئة الشباب، التي ستكون مباشرة على منظومة الحماية الصحية والاجتماعية، في ظل الصعوبات المالية للصناديق الاجتماعية.
فمع تقلص الفئة المنتجة، وتحديدا من هم بين 20 و45 سنة،وبلوغ مؤشر الشيخوخة 73.9 %، ستواجه صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي صعوبات كبرى في التوازن المالي، لأنها ستدفع المزيد من منح التقاعد والاستحقاقات الاجتماعية الاخرى مقابل مساهمين أقل.
وسيكون هناك اختلال كبير بين عدد المتقاعدين والعمال النشطين. ففي الماضي، كان هناك 7 عمال نشطين يمولون تقاعد شخص واحد، أما اليوم فالرقم أصبح شخصين فقط لكل متقاعد، مما يعني عبئا مضاعفا على الصناديق.
ويشهد المجتمع التونسي ازديادا في عدد المسنين، إذ تشير الاحصائيات إلى أن نسبة المسنين يتوقع أن تبلغ 18 بالمائة سنة 2030 ونحو 20.9 بالمائة 2034.
حلول ومقترحات
رغم التوجه منذ فترة إلى برمجة جملة من الاجراءات لتخفيف الضغط على الصناديق الاجتماعية تجنب انهيارها وعجزها عن الإيفاء بتعهداتها على غرار العفو الاجتماعي الذي وفر بعض الأموال لكنها تظل حلولا ظرفية واستعادة توازن الصناديق يتطلب إعادة هيكلة وجملة من الإجراءات الأخرى.
في تصريح له أكد الخبير الاقتصادي معز حديدان، أن مشاكل الصناديق الاجتماعية في تونس ناتجة عن» أزمات هيكلية عميقة، أبرزها التهرم السكاني، ارتفاع نسب البطالة، وعدم كفاية فرص العمل في السوق المنظمة لأن السوق الموازية تلعب دورًا كبيرًا في تفاقم الوضع بسبب عدم تقديم مساهمات للصناديق الاجتماعية».
ووفق حديدان فإن الحلول تتمثل أساسا في «تخفيف الضغط الجبائي وعدم تحميل القطاع المنظم أعباء إضافية من المساهمات والضرائب، حيث أن هذا القطاع يعاني بالفعل من ضغوط كبيرة.
إلى جانب إصلاح النظام التقاعدي عبر التحول نحو نظام مختلط يجمع بين النظام التوزيعي الحالي ونظام الادخار والاستثمار (نظام «كابيتاليزاسيون») لضمان استدامة جرايات الأجيال القادمة مع الحرص على استغلال أصول الصناديق بالتفويت في العقارات غير المجدية التي تملكها الصناديق إما عبر بيعها أو توظيفها لتوفير السيولة اللازمة» .
الاقتصاد الموازي
تحدث أيضا حديدان عن ضرورة إدماج القطاع الموازي كحل أساسي في تجاوز ازمة الصناديق ومواجهة التحديات القادمة وذلك بتشجيع اليد العاملة في السوق الموازية على الانخراط في النظام الرسمي، بما يضمن مساهماتهم في تمويل الصناديق الاجتماعية.
بدوره صرّح مؤخرا الخبير والمختص في الضمان الاجتماعي، هادي دحمان، أنّه» تم اعتماد جملة من الإجراءات مثل الأداء على القيمة المضافة الاجتماعي (Social VAT)، والمساهمة الاجتماعية التضامنية، ورفع سن التقاعد، وغيرها، لكنّ هذه الحلول لم «تُؤتِ النتائج المرجوّة».
مضيفا في تصريح إذاعي أنّ الصناديق الاجتماعية «في حاجة إلى إعادة هيكلة، تُمكّنها من موارد جديدة وتعيد لها التوازن، و مكافحة الاقتصاد الموازي، الذي يمثل 48% من سوق الشغل، تعدّ من بين الحلول الأنسب لمعالجة الأزمة المالية التي تمرّ بها هذه الصناديق».
◗ م.ي
جديد رئيس الجمهورية قيس سعيّد دعوته لضرورة إيجاد حلول لوضعية الصناديق الاجتماعية عبر توفير صيغ تمويلات جديدة في ظل تفاقم عجز هذه الصناديق الذي تجاوز 7 مليارات دينار وفي ظل ما يتهددها من ضغوط مضاعفة بسبب التحولات الديمغرافية واتجاه المجتمع التونسي نحو التهرم السكاني.
في لقائه خلال الاسبوع الجاري بوزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر، قبل تحوّله إلى جنيف للمشاركة في اجتماعات منظمة العمل الدولية ،تعرّض رئيس الجمهورية إلى إيجاد حلول لتمويل الصناديق الاجتماعية في تونس، مشدّدا حرصه على أنّ تكون الثورة التشريعية في مجال الشغل ثورة تقوم على العدل والإنصاف وأن تكون في مستوى تطلعات الشّعب التونسي سواء في القطاعين العام أو الخاص.
وفي ماي الفارط وفي لقاء مماثل مع وزير الشؤون الاجتماعية أسدى رئيس الجمهورية» تعليماته بإيجاد صيغ جديدة تتعلق بتنويع مصادر تمويل الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتأمين على المرض» .
ضغوط متنامية
يؤكد المختصون أن منظومة الضمان الاجتماعي في تونس تتطابق مع المعايير الدولية لمنظمة العمل الدولية في جميع التدخلات الاجتماعية، باستثناء منحة البطالة ، وتتمثل حزمة التدخّلات التي تتيحها المنظومة الاجتماعية في تونس في توفير الرعاية الصحية وصرف منحة الشيخوخة وصرف المساعدات العائلية وتخصيص منحة العجز ومنحة المرض وكذلك منحة الورثة. علما أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية يُقدّمان جرايات تقاعد لأكثر من 1.3 مليون منتفع.
ويستند النظام الاجتماعي في تونس إلى» مبدأ توزيع المساهمات بين الأجيال، وبالتالي فإن تدهور المؤشر الديمغرافي المرتبط بتطور عدد المستفيدين من الجرايات بالمقارنة مع عدد النشطين أي المباشرين لعمل، وكذلك تحسّن مؤمل الحياة عند الولادة قد ساهما في تزايد الصعوبات المالية على الصناديق الاجتماعية».
وقد بلغ عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية نحو 700 مليون دينار سنة 2024، ومن المتوقع أن يتجاوز 1.1 مليار دينار خلال العام الجاري إذ يعاني الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عجزاً متنامياً وسط مخاوف ببلوغ عجزه 1.4 مليار دينار ..
وتتزايد المخاوف بشأن تعمق هذه الازمة بسبب تداعيات ارتفاع نسبة كبار السن مقارنة خاصة بفئة الشباب، التي ستكون مباشرة على منظومة الحماية الصحية والاجتماعية، في ظل الصعوبات المالية للصناديق الاجتماعية.
فمع تقلص الفئة المنتجة، وتحديدا من هم بين 20 و45 سنة،وبلوغ مؤشر الشيخوخة 73.9 %، ستواجه صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي صعوبات كبرى في التوازن المالي، لأنها ستدفع المزيد من منح التقاعد والاستحقاقات الاجتماعية الاخرى مقابل مساهمين أقل.
وسيكون هناك اختلال كبير بين عدد المتقاعدين والعمال النشطين. ففي الماضي، كان هناك 7 عمال نشطين يمولون تقاعد شخص واحد، أما اليوم فالرقم أصبح شخصين فقط لكل متقاعد، مما يعني عبئا مضاعفا على الصناديق.
ويشهد المجتمع التونسي ازديادا في عدد المسنين، إذ تشير الاحصائيات إلى أن نسبة المسنين يتوقع أن تبلغ 18 بالمائة سنة 2030 ونحو 20.9 بالمائة 2034.
حلول ومقترحات
رغم التوجه منذ فترة إلى برمجة جملة من الاجراءات لتخفيف الضغط على الصناديق الاجتماعية تجنب انهيارها وعجزها عن الإيفاء بتعهداتها على غرار العفو الاجتماعي الذي وفر بعض الأموال لكنها تظل حلولا ظرفية واستعادة توازن الصناديق يتطلب إعادة هيكلة وجملة من الإجراءات الأخرى.
في تصريح له أكد الخبير الاقتصادي معز حديدان، أن مشاكل الصناديق الاجتماعية في تونس ناتجة عن» أزمات هيكلية عميقة، أبرزها التهرم السكاني، ارتفاع نسب البطالة، وعدم كفاية فرص العمل في السوق المنظمة لأن السوق الموازية تلعب دورًا كبيرًا في تفاقم الوضع بسبب عدم تقديم مساهمات للصناديق الاجتماعية».
ووفق حديدان فإن الحلول تتمثل أساسا في «تخفيف الضغط الجبائي وعدم تحميل القطاع المنظم أعباء إضافية من المساهمات والضرائب، حيث أن هذا القطاع يعاني بالفعل من ضغوط كبيرة.
إلى جانب إصلاح النظام التقاعدي عبر التحول نحو نظام مختلط يجمع بين النظام التوزيعي الحالي ونظام الادخار والاستثمار (نظام «كابيتاليزاسيون») لضمان استدامة جرايات الأجيال القادمة مع الحرص على استغلال أصول الصناديق بالتفويت في العقارات غير المجدية التي تملكها الصناديق إما عبر بيعها أو توظيفها لتوفير السيولة اللازمة» .
الاقتصاد الموازي
تحدث أيضا حديدان عن ضرورة إدماج القطاع الموازي كحل أساسي في تجاوز ازمة الصناديق ومواجهة التحديات القادمة وذلك بتشجيع اليد العاملة في السوق الموازية على الانخراط في النظام الرسمي، بما يضمن مساهماتهم في تمويل الصناديق الاجتماعية.
بدوره صرّح مؤخرا الخبير والمختص في الضمان الاجتماعي، هادي دحمان، أنّه» تم اعتماد جملة من الإجراءات مثل الأداء على القيمة المضافة الاجتماعي (Social VAT)، والمساهمة الاجتماعية التضامنية، ورفع سن التقاعد، وغيرها، لكنّ هذه الحلول لم «تُؤتِ النتائج المرجوّة».
مضيفا في تصريح إذاعي أنّ الصناديق الاجتماعية «في حاجة إلى إعادة هيكلة، تُمكّنها من موارد جديدة وتعيد لها التوازن، و مكافحة الاقتصاد الموازي، الذي يمثل 48% من سوق الشغل، تعدّ من بين الحلول الأنسب لمعالجة الأزمة المالية التي تمرّ بها هذه الصناديق».