يعكس ارتفاع نفقات الدعم في تونس التزام الدولة بدورها الاجتماعي ويتواصل العمل على تحسين نجاعة منظومة الدعم باعتبارها ركيزة أساسية في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وضمان توفر المواد الأساسية والطاقة بأسعار معقولة، إلا أن التحديات المرتبطة بفعالية المنظومة وكفاءتها تفرض ضرورة العمل على إصلاحات شاملة تضمن استفادة الفئات المستحقة منه دون استنزاف إضافي لموارد الدولة. ويبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة هو تحقيق التوازن بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، بما يضمن استدامة المالية العمومية وتحقيق العدالة الاجتماعية في الآن ذاته.
وشهدت نفقات الدعم في تونس ارتفاعًا ملحوظًا وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة المالية التي توقعت أن تصل قيمتها إلى 11.593 مليار دينار بحلول نهاية سنة 2025. هذه الزيادة الكبيرة تمثل 19.4 بالمائة من إجمالي نفقات ميزانية الدولة، وهو ما يجعلها عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الوطني، لكنها في المقابل تعكس التزام الدولة بمواصلة دورها الاجتماعي في حماية الفئات الأكثر هشاشة وضمان استمرارية دعم المواد الأساسية والمحروقات والنقل. ورغم ما يشكله هذا الدعم من ضغط كبير على ميزانية الدولة، فإن الحكومة تبدو متمسكة بالحفاظ على هذه السياسة.
وتُبرز وثيقة «ميزانية المواطن لسنة 2025»، التي أصدرتها وزارة المالية مؤخرًا، تفاصيل دقيقة حول توزيع نفقات الدعم وأهميتها. هذه الوثيقة التي تهدف إلى تبسيط مفاهيم المالية العمومية للمواطنين، أظهرت أن نفقات الدعم تمثل حوالي 6.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتُخصص النسبة الأكبر من هذه النفقات إلى قطاع المحروقات بحصة تبلغ 61.3 بالمائة، تليها المواد الأساسية بنسبة 32.8 بالمائة، ثم النقل بنسبة 5.9 بالمائة. هذه الأرقام تعكس الأولويات التي تضعها الدولة في سياساتها الاجتماعية، مع التركيز على المحروقات باعتبارها قطاعًا حيويًا يمس كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
المحروقات في الصدارة
ويعد الدعم المخصص للمحروقات، الأهم من بين جميع مكونات الدعم، حيث بلغت قيمته 7.112 مليار دينار، منها 3.912 مليار دينار موجهة لدعم الكهرباء والغاز. كما تم تخصيص 1.778 مليار دينار لدعم المحروقات الأخرى، في حين بلغت قيمة الدعم المخصصة لقوارير الغاز 1.067 مليار دينار، ما يعادل دعمًا بقيمة 28 دينارًا للقارورة الواحدة. هذا التركيز الكبير على دعم المحروقات يعكس مدى حساسية هذا القطاع بالنسبة للاقتصاد الوطني، لكنه يُبرز في الوقت ذاته التحديات التي تواجهها الدولة في ظل ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، وتأثيرها على التوازنات المالية للدولة. ومع ذلك فإن الحكومة تؤكد على أهمية هذا الدعم في الحفاظ على استقرار أسعار الطاقة وضمان استمرارية توفيرها للمواطنين بأسعار معقولة.
أما بالنسبة لدعم المواد الأساسية فقد تم تخصيص ميزانية قدرها 3.801 مليار دينار، حيث يذهب الجزء الأكبر منها إلى دعم الخبز بنسبة 35 بالمائة . هذا الدعم الموجه للمواد الغذائية الأساسية يهدف إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها تونس، والتي أثرت بشكل مباشر على مستوى معيشة العديد من الأسر التونسية. ورغم أهمية هذا الدعم إلا أنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بفعالية آليات التوزيع وضمان وصوله إلى مستحقيه، خاصة في ظل تسجيل تجاوزات واستغلال المواد المدعمة في أغراض غير مشروعة.
وفيما يتعلق بالنقل، تمثل نفقات الدعم المخصصة لهذا القطاع 5.9 بالمائة فقط من إجمالي نفقات الدعم. ورغم محدودية المبلغ المرصود مقارنة بالمحروقات والمواد الأساسية، فإن دعم النقل يظل حيويًا لتسهيل تنقل المواطنين، خاصة في المناطق الريفية والنائية، حيث يعتبر النقل العمومي وسيلة التنقل الرئيسية لفئات واسعة من المجتمع التونسي. وبالتالي فإن استمرار دعم النقل يُسهم في تخفيف العبء المالي على الأسر وضمان توفر خدمات النقل بأسعار معقولة.
ارتفاع المساعدات الاجتماعية
رغم أهمية الدعم الاجتماعي إلا أن تقرير الهيئة العامة لمراقبة المصاريف العمومية لسنة 2023 كشف عن تحديات كبيرة تواجه منظومة الدعم في تونس. فقد أشار التقرير إلى وجود إشكاليات هيكلية في إدارة هذا الملف، من أبرزها ضعف التنسيق بين الهياكل المتدخلة في ضبط الحاجات السنوية للتعويض واحتساب مبالغ الدعم. كما أشار التقرير إلى غياب الرقمنة والتطبيقات الإعلامية التي تُسهم في تحسين نجاعة المنظومة، حيث يتم معالجة أكثر من 35 ألف ملف شهريًا بطريقة تقليدية تعتمد على موارد بشرية محدودة وغير كافية، مما يؤدي إلى هامش خطأ كبير يُضعف من كفاءة إدارة الدعم.
التقرير ذاته أشار إلى غموض طرق إسناد الدعم وضعف الرقابة على مسالك التوزيع، وهو ما أدى إلى تسجيل مخالفات عديدة تتعلق باستعمال المواد المدعمة في أغراض غير مشروعة. ورغم الإجراءات التي تم اتخاذها لتنظيم مسالك التوزيع، إلا أن الرقابة على هذه المسالك تظل محدودة، ما يفتح المجال أمام التجاوزات وسوء التصرف. كما كشف التقرير عن تفاوت في طريقة استفادة المؤسسات العامة والخاصة من الدعم، حيث تحصل المؤسسات العامة على الفارق بين سعر الكلفة وسعر البيع، في حين تتمتع المؤسسات الخاصة بدعم جزافي على الكميات المروجة من المواد المدعمة. هذا التفاوت أثار تساؤلات حول مدى عدالة توزيع الدعم وفعالية النظام الحالي في تحقيق أهدافه الاجتماعية.
وتؤكد الحكومة التزامها بمواصلة سياسات الدعم كركيزة أساسية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. فقد أظهرت بيانات وزارة المالية أن قيمة التدخلات الاجتماعية المخصصة للعام الحالي بلغت 3.799 مليار دينار، وهو ما يعكس حرص الدولة على تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية وضمان استفادة الفئات الأكثر هشاشة من الدعم. كما تؤكد وزارة المالية أن تحسين نجاعة منظومة الدعم يمثل أولوية قصوى، حيث يتم العمل على تطوير آليات جديدة لاستهداف الفئات المستحقة بشكل أفضل والحد من التجاوزات التي تُضعف من فعالية النظام الحالي.
إصلاح الدعم الموجه
وفي ظل التحديات الاقتصادية الراهنة والضغوط الكبيرة على ميزانية الدولة، يبرز السؤال حول كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على الدور الاجتماعي للدولة وضمان استدامة المالية العمومية. فمع بلوغ نفقات الدعم نسبة 19.4 بالمائة من إجمالي الميزانية، طالب العديد من خبراء الاقتصاد في تصريحات سابقة لـ«الصباح»، بإرساء إصلاحات جذرية لمنظومة الدعم. هذه الإصلاحات يجب أن تهدف إلى تحويل الدعم من دعم شامل إلى دعم موجه يستهدف الفئات المستحقة بشكل مباشر، مما يُقلل من الهدر ويُحسن من كفاءة الإنفاق العام. كما يجب تعزيز الرقابة على مسالك التوزيع من خلال تطوير تطبيقات رقمية تُسهم في تحسين إدارة الدعم وضمان وصوله إلى مستحقيه.
علاوة على ذلك، يرى العديد من خبراء الاقتصاد، أن الاستثمار في الطاقات المتجددة يُعد خيارًا استراتيجيًا للحد من الاعتماد على المحروقات المستوردة، وتقليص تأثير تقلبات أسعار الطاقة على الاقتصاد الوطني. كما يجب تعزيز التنسيق بين مختلف الهياكل الحكومية المتدخلة في منظومة الدعم لضمان نجاعة أكبر في تنفيذ السياسات الاجتماعية وتجنب التداخل في الأدوار والمسؤوليات.
سفيان المهداوي
يعكس ارتفاع نفقات الدعم في تونس التزام الدولة بدورها الاجتماعي ويتواصل العمل على تحسين نجاعة منظومة الدعم باعتبارها ركيزة أساسية في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وضمان توفر المواد الأساسية والطاقة بأسعار معقولة، إلا أن التحديات المرتبطة بفعالية المنظومة وكفاءتها تفرض ضرورة العمل على إصلاحات شاملة تضمن استفادة الفئات المستحقة منه دون استنزاف إضافي لموارد الدولة. ويبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة هو تحقيق التوازن بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، بما يضمن استدامة المالية العمومية وتحقيق العدالة الاجتماعية في الآن ذاته.
وشهدت نفقات الدعم في تونس ارتفاعًا ملحوظًا وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة المالية التي توقعت أن تصل قيمتها إلى 11.593 مليار دينار بحلول نهاية سنة 2025. هذه الزيادة الكبيرة تمثل 19.4 بالمائة من إجمالي نفقات ميزانية الدولة، وهو ما يجعلها عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الوطني، لكنها في المقابل تعكس التزام الدولة بمواصلة دورها الاجتماعي في حماية الفئات الأكثر هشاشة وضمان استمرارية دعم المواد الأساسية والمحروقات والنقل. ورغم ما يشكله هذا الدعم من ضغط كبير على ميزانية الدولة، فإن الحكومة تبدو متمسكة بالحفاظ على هذه السياسة.
وتُبرز وثيقة «ميزانية المواطن لسنة 2025»، التي أصدرتها وزارة المالية مؤخرًا، تفاصيل دقيقة حول توزيع نفقات الدعم وأهميتها. هذه الوثيقة التي تهدف إلى تبسيط مفاهيم المالية العمومية للمواطنين، أظهرت أن نفقات الدعم تمثل حوالي 6.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتُخصص النسبة الأكبر من هذه النفقات إلى قطاع المحروقات بحصة تبلغ 61.3 بالمائة، تليها المواد الأساسية بنسبة 32.8 بالمائة، ثم النقل بنسبة 5.9 بالمائة. هذه الأرقام تعكس الأولويات التي تضعها الدولة في سياساتها الاجتماعية، مع التركيز على المحروقات باعتبارها قطاعًا حيويًا يمس كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
المحروقات في الصدارة
ويعد الدعم المخصص للمحروقات، الأهم من بين جميع مكونات الدعم، حيث بلغت قيمته 7.112 مليار دينار، منها 3.912 مليار دينار موجهة لدعم الكهرباء والغاز. كما تم تخصيص 1.778 مليار دينار لدعم المحروقات الأخرى، في حين بلغت قيمة الدعم المخصصة لقوارير الغاز 1.067 مليار دينار، ما يعادل دعمًا بقيمة 28 دينارًا للقارورة الواحدة. هذا التركيز الكبير على دعم المحروقات يعكس مدى حساسية هذا القطاع بالنسبة للاقتصاد الوطني، لكنه يُبرز في الوقت ذاته التحديات التي تواجهها الدولة في ظل ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، وتأثيرها على التوازنات المالية للدولة. ومع ذلك فإن الحكومة تؤكد على أهمية هذا الدعم في الحفاظ على استقرار أسعار الطاقة وضمان استمرارية توفيرها للمواطنين بأسعار معقولة.
أما بالنسبة لدعم المواد الأساسية فقد تم تخصيص ميزانية قدرها 3.801 مليار دينار، حيث يذهب الجزء الأكبر منها إلى دعم الخبز بنسبة 35 بالمائة . هذا الدعم الموجه للمواد الغذائية الأساسية يهدف إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها تونس، والتي أثرت بشكل مباشر على مستوى معيشة العديد من الأسر التونسية. ورغم أهمية هذا الدعم إلا أنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بفعالية آليات التوزيع وضمان وصوله إلى مستحقيه، خاصة في ظل تسجيل تجاوزات واستغلال المواد المدعمة في أغراض غير مشروعة.
وفيما يتعلق بالنقل، تمثل نفقات الدعم المخصصة لهذا القطاع 5.9 بالمائة فقط من إجمالي نفقات الدعم. ورغم محدودية المبلغ المرصود مقارنة بالمحروقات والمواد الأساسية، فإن دعم النقل يظل حيويًا لتسهيل تنقل المواطنين، خاصة في المناطق الريفية والنائية، حيث يعتبر النقل العمومي وسيلة التنقل الرئيسية لفئات واسعة من المجتمع التونسي. وبالتالي فإن استمرار دعم النقل يُسهم في تخفيف العبء المالي على الأسر وضمان توفر خدمات النقل بأسعار معقولة.
ارتفاع المساعدات الاجتماعية
رغم أهمية الدعم الاجتماعي إلا أن تقرير الهيئة العامة لمراقبة المصاريف العمومية لسنة 2023 كشف عن تحديات كبيرة تواجه منظومة الدعم في تونس. فقد أشار التقرير إلى وجود إشكاليات هيكلية في إدارة هذا الملف، من أبرزها ضعف التنسيق بين الهياكل المتدخلة في ضبط الحاجات السنوية للتعويض واحتساب مبالغ الدعم. كما أشار التقرير إلى غياب الرقمنة والتطبيقات الإعلامية التي تُسهم في تحسين نجاعة المنظومة، حيث يتم معالجة أكثر من 35 ألف ملف شهريًا بطريقة تقليدية تعتمد على موارد بشرية محدودة وغير كافية، مما يؤدي إلى هامش خطأ كبير يُضعف من كفاءة إدارة الدعم.
التقرير ذاته أشار إلى غموض طرق إسناد الدعم وضعف الرقابة على مسالك التوزيع، وهو ما أدى إلى تسجيل مخالفات عديدة تتعلق باستعمال المواد المدعمة في أغراض غير مشروعة. ورغم الإجراءات التي تم اتخاذها لتنظيم مسالك التوزيع، إلا أن الرقابة على هذه المسالك تظل محدودة، ما يفتح المجال أمام التجاوزات وسوء التصرف. كما كشف التقرير عن تفاوت في طريقة استفادة المؤسسات العامة والخاصة من الدعم، حيث تحصل المؤسسات العامة على الفارق بين سعر الكلفة وسعر البيع، في حين تتمتع المؤسسات الخاصة بدعم جزافي على الكميات المروجة من المواد المدعمة. هذا التفاوت أثار تساؤلات حول مدى عدالة توزيع الدعم وفعالية النظام الحالي في تحقيق أهدافه الاجتماعية.
وتؤكد الحكومة التزامها بمواصلة سياسات الدعم كركيزة أساسية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. فقد أظهرت بيانات وزارة المالية أن قيمة التدخلات الاجتماعية المخصصة للعام الحالي بلغت 3.799 مليار دينار، وهو ما يعكس حرص الدولة على تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية وضمان استفادة الفئات الأكثر هشاشة من الدعم. كما تؤكد وزارة المالية أن تحسين نجاعة منظومة الدعم يمثل أولوية قصوى، حيث يتم العمل على تطوير آليات جديدة لاستهداف الفئات المستحقة بشكل أفضل والحد من التجاوزات التي تُضعف من فعالية النظام الحالي.
إصلاح الدعم الموجه
وفي ظل التحديات الاقتصادية الراهنة والضغوط الكبيرة على ميزانية الدولة، يبرز السؤال حول كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على الدور الاجتماعي للدولة وضمان استدامة المالية العمومية. فمع بلوغ نفقات الدعم نسبة 19.4 بالمائة من إجمالي الميزانية، طالب العديد من خبراء الاقتصاد في تصريحات سابقة لـ«الصباح»، بإرساء إصلاحات جذرية لمنظومة الدعم. هذه الإصلاحات يجب أن تهدف إلى تحويل الدعم من دعم شامل إلى دعم موجه يستهدف الفئات المستحقة بشكل مباشر، مما يُقلل من الهدر ويُحسن من كفاءة الإنفاق العام. كما يجب تعزيز الرقابة على مسالك التوزيع من خلال تطوير تطبيقات رقمية تُسهم في تحسين إدارة الدعم وضمان وصوله إلى مستحقيه.
علاوة على ذلك، يرى العديد من خبراء الاقتصاد، أن الاستثمار في الطاقات المتجددة يُعد خيارًا استراتيجيًا للحد من الاعتماد على المحروقات المستوردة، وتقليص تأثير تقلبات أسعار الطاقة على الاقتصاد الوطني. كما يجب تعزيز التنسيق بين مختلف الهياكل الحكومية المتدخلة في منظومة الدعم لضمان نجاعة أكبر في تنفيذ السياسات الاجتماعية وتجنب التداخل في الأدوار والمسؤوليات.