إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2024.. تونس في المرتبة الخامسة إفريقيا.. ومكاسب واعدة

 

‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬تنمية‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬من 74.1 نقطة‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ ‬77.2 نقطة‭ ‬عام‭ ‬2024

تعد‭ ‬المعرفة‭ ‬اليوم‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لأي‭ ‬نهضة‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية،‭ ‬وأحد‭ ‬أهم‭ ‬محددات‭ ‬القدرة‭ ‬التنافسية‭ ‬للدول‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يبرز‭ ‬‮«‬مؤشر‭ ‬المعرفة‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬كأداة‭ ‬مرجعية‭ ‬لتقييم‭ ‬مدى‭ ‬تقدم‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬واقتصادات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬والابتكار‭. ‬في‭ ‬نسخته‭ ‬لسنة‭ ‬2024،‭ ‬يقدم‭ ‬المؤشر‭ ‬صورة‭ ‬شاملة‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬سبعة‭ ‬مجالات‭ ‬محورية،‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والابتكار‭. ‬ويكشف‭ ‬مكامن‭ ‬القوة‭ ‬والخلل‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الوطنية‭. ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬التحليلية‭ ‬تسعى‭ ‬لفهم‭ ‬موقع‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التصنيف،‭ ‬وتفكيك‭ ‬أبعاده،‭ ‬واستشراف‭ ‬آفاقه‭ ‬وذلك‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬أدوات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬استخراج‭ ‬المعطيات‭ ‬وإعادة‭ ‬تبويبها‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بمؤشرات‭ ‬سابقة‭ ‬وربط‭ ‬مؤشرات‭ ‬أخرى‭ ‬بقصص‭ ‬نجاح‭ ‬وأمثلة‭ ‬عن‭ ‬مخططات‭ ‬الحكومة‭ ‬واستراتيجياتها‭ ‬المستقبلية‭.‬

يكشف‭ ‬مؤشر‭ ‬المعرفة‭ ‬العالمي‭ ‬2024‭ ‬عن‭ ‬صورة‭ ‬مُركبة‭ ‬لأداء‭ ‬تونس‭: ‬نقاط‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬والبنية‭ ‬الرقمية،‭ ‬يقابلها‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والابتكار‭ ‬والتعليم‭ ‬المهني‭ ‬والاقتصاد‭. ‬ورغم‭ ‬التحديات،‭ ‬تظل‭ ‬تونس‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬موقعها‭ ‬الريادي‭ ‬إقليميا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬البشري،‭ ‬إصلاح‭ ‬منظومات‭ ‬التعليم‭ ‬والبحث،‭ ‬وتهيئة‭ ‬بيئة‭ ‬محفزة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬والمعرفي‭. ‬فالتحول‭ ‬نحو‭ ‬اقتصاد‭ ‬المعرفة‭ ‬وفق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬والمحللين‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬خيارا‭ ‬بل‭ ‬ضرورة‭ ‬لمواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬التنمية‭ ‬وتحقيق‭ ‬تطلعات‭ ‬التونسيين‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬نتائج‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬أعده‭ ‬المكتب‭ ‬الإقليمي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬لبرنامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الإنمائي‭ ‬ومؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬آل‭ ‬مكتوم‭ ‬للمعرفة‭ ‬بأنّ‭ ‬تونس‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬82‭ ‬عالميًا‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬141‭ ‬دولة‭ ‬شملها‭ ‬مؤشر‭ ‬المعرفة‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭. ‬هذا‭ ‬الترتيب‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬الشريحة‭ ‬المتوسطة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬ويمنحها‭ ‬المرتبة‭ ‬الخامسة‭ ‬إفريقيا‭ ‬والسابعة‭ ‬عربيا‭. ‬وقد‭ ‬حصلت‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬مجموع‭ ‬نقاط‭ ‬بلغ‭ ‬45‭.‬05‭ ‬من‭ ‬100،‭ ‬وهو‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي‭ ‬البالغ‭ ‬47‭.‬8‭ ‬نقطة‭. ‬هذا‭ ‬المؤشر‭ ‬العام‭ ‬يعكس‭ ‬توازنا‭ ‬هشا‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬التاريخية،‭ ‬مثل‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي،‭ ‬وبين‭ ‬تحديات‭ ‬متراكمة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والاقتصاد‭.‬

على‭ ‬المستوى‭ ‬الإفريقي،‭ ‬تتقدم‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬جيرانها،‭ ‬ولا‭ ‬تتفوق‭ ‬عليها‭ ‬سوى‭ ‬سيشيل،‭ ‬موريشيوس،‭ ‬الرأس‭ ‬الأخضر‭ ‬وبوتسوانا،‭ ‬وهي‭ ‬دول‭ ‬صغيرة‭ ‬نسبيا‭ ‬لكن‭ ‬لديها‭ ‬سياسات‭ ‬معرفية‭ ‬فعالة‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬العربي،‭ ‬فتونس‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ولبنان‭ ‬والأردن،‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬فجوة‭ ‬متزايدة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬استثمرت‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والرقمنة‭ ‬والابتكار‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭.‬

البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬والابتكار‭ ‬في‭ ‬تونس

لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬نقاط‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المحور‭ ‬28‭.‬9‭ ‬من‭ ‬100،‭ ‬أي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المتوسطين‭ ‬العربي‭ ‬والعالمي،‭ ‬ويعود‭ ‬ذلك‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ضعف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬البحثية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والمخابر‭ ‬وغياب‭ ‬الشراكة‭ ‬الفعلية‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬إذ‭ ‬أنّ‭ ‬75‭ % ‬من‭ ‬تمويل‭ ‬البحوث‭ ‬مصدره‭ ‬الدولة‭ ‬مقابل‭ ‬25‭ % ‬فقط‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬بينما‭ ‬النسبة‭ ‬معكوسة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ (‬وفق‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭ ‬بالصباح‭ ‬نيوز‭) ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هجرة‭ ‬الكفاءات‭ ‬العلمية‭ ‬ونقص‭ ‬الحوافز‭ ‬للباحثين‭ ‬وصعوبة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬المشاريع‭.‬

ولكن‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الصعوبات،‭ ‬حقق‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬التونسيين‭ ‬إنجازات‭ ‬عالمية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬فوز‭ ‬البروفيسور‭ ‬علي‭ ‬البقلوطي‭ ‬بجائزة‭ ‬فايزر‭ ‬البريطانية‭ ‬المرموقة‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬تتويج‭ ‬تونسي‭ ‬بهذه‭ ‬الجائزة،‭ ‬اعترافا‭ ‬بإسهاماته‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬التطبيقية‭ ‬والفيزياء‭ ‬النظرية‭. ‬كما‭ ‬تحتل‭ ‬تونس‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬عربياً‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬المنشورة‭ ‬لكل‭ ‬نسمة،‭ ‬والثالثة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬الأوراق‭ ‬البحثية‭ ‬بعد‭ ‬السعودية‭ ‬ومصر‭.‬

التعليم‭ ‬التقني‭ ‬والتدريب‭ ‬المهني

حصلت‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬41‭.‬2‭ ‬نقطة‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المحور،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬ضعف‭ ‬المنظومة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمعايير‭ ‬الدولية‭. ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬136‭ ‬مركز‭ ‬تكوين‭ ‬مهني‭ ‬و400‭ ‬اختصاص‭ ‬تغطي‭ ‬12‭ ‬قطاعا‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬جاذبيته‭ ‬لدى‭ ‬الشباب،‭ ‬وقلة‭ ‬ارتباطه‭ ‬بسوق‭ ‬العمل،‭ ‬وغياب‭ ‬الشراكات‭ ‬الفعالة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬النظرة‭ ‬المجتمعية‭ ‬السلبية‭ ‬للتكوين‭ ‬المهني‭ ‬وضعف‭ ‬التجهيزات‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المراكز‭.‬

لكن‭ ‬جدير‭ ‬بالتذكير‭ ‬أنّ‭ ‬وزارة‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭ ‬قد‭ ‬أطلقت‭ ‬خطة‭ ‬إصلاح‭ ‬شاملة‭ ‬منذ‭ ‬2016،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬نسبة‭ ‬التوجيه‭ ‬نحو‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬‭% ‬إلى‭ ‬30‭ %‬،‭ ‬وزيادة‭ ‬نسبة‭ ‬إدماج‭ ‬الخريجين‭ ‬بسوق‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬60‭ % ‬إلى‭ ‬80‭ %. ‬كما‭ ‬تسعى‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬تحديث‭ ‬البرامج‭ ‬وربطها‭ ‬بحاجيات‭ ‬القطاعات‭ ‬الإنتاجية‭.‬

التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات

سجلت‭ ‬تونس‭ ‬48‭.‬2‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬المعرفة،‭ ‬لكنها‭ ‬حققت‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬تنمية‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬من‭ ‬74‭.‬1‭ ‬نقطة‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ ‬77‭.‬2‭ ‬نقطة‭ ‬عام‭ ‬2024‭. ‬وقد‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬مستخدمي‭ ‬الإنترنت‭ ‬92‭.‬8‭ %‬،‭ ‬متجاوزة‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي‭ (‬70.5‭ %). ‬وقد‭ ‬شرعت‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬سنة‭ ‬2025في‭ ‬استخدام‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬الاتصالات‭.‬

كما‭ ‬وضعت‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬مشاريع‭ ‬رقمنة‭ ‬الخدمات‭ ‬الحكومية،‭ ‬الحوسبة‭ ‬السحابية،‭ ‬والمكتبة‭ ‬الرقمية‭ ‬المدعومة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬كما‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬التشريعات‭ ‬الرقمية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني‭.‬

وشهدت‭ ‬تونس‭ ‬أيضا‭ ‬ديناميكية‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الناشئة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬مع‭ ‬برامج‭ ‬مثل‭ ‬AI Factory‭ ‬الذي‭ ‬يدعم‭ ‬12‭ ‬شركة‭ ‬ناشئة‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬قطاع‭ ‬الشركات‭ ‬الناشئة‭ ‬أصبح‭ ‬رافعة‭ ‬للابتكار‭ ‬الرقمي،‭ ‬بفضل‭ ‬كفاءة‭ ‬الشباب‭ ‬ودعم‭ ‬بعض‭ ‬المبادرات‭ ‬الدولية‭.‬

لكنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬واجهة‭ ‬عدة‭ ‬تحديات‭ ‬وصعوبات‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬البيروقراطية‭ ‬الإدارية‭ ‬وضعف‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الفجوة‭ ‬الرقمية‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬والأرياف‭ ‬ونقص‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الرقمي‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬تسريع‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬الرقمنة‭ ‬الحكومية‭ ‬ودعم‭ ‬الشركات‭ ‬الناشئة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الداخلية‭ ‬وتطوير‭ ‬برامج‭ ‬تعليمية‭ ‬رقمية‭ ‬لسد‭ ‬الفجوة‭ ‬المهارية‭.‬

البيئة‭ ‬التمكينية‭ ‬والاقتصاد

في‭ ‬هذا‭ ‬المحور‭ ‬سجلت‭ ‬تونس‭ ‬42‭.‬7‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬و45‭.‬4‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬التمكينية،‭ ‬وكلاهما‭ ‬دون‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي‭. ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬بديهية‭ ‬بما‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬قد‭ ‬شهد‭ ‬نموا‭ ‬ضعيفا‭(‬0.6‭ % ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬2024‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬تحديات‭ ‬الاستثمار،‭ ‬والبطالة،‭ ‬وضعف‭ ‬تنافسية‭ ‬المؤسسات‭.‬

لكن‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬أطلقت‭ ‬الحكومة‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬لتحسين‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال‭ (‬2023-2025‭)‬،‭ ‬تشمل‭ ‬229‭ ‬إجراء‭ ‬قصير‭ ‬المدى‭ ‬و94‭ ‬هدفا،‭ ‬بغاية‭ ‬تبسيط‭ ‬الإجراءات،‭ ‬وإصلاح‭ ‬النظام‭ ‬الجبائي،‭ ‬وتحفيز‭ ‬الاستثمار‭ ‬المحلي‭ ‬والأجنبي‭. ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬جهودا‭ ‬لتحسين‭ ‬التشريعات‭ ‬وتطوير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬لكن‭ ‬التطبيق‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يواجه‭ ‬عقبات‭ ‬البيروقراطية‭ ‬والفساد‭.‬

مقارنة‭ ‬معمقة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وإفريقية

على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‭ ‬تتقدم‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإنتاج،‭ ‬لكنها‭ ‬تتأخر‭ ‬في‭ ‬التمويل‭ ‬والاستثمار‭ ‬مقارنة‭ ‬بالإمارات‭ ‬والسعودية‭ ‬ودول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭. ‬وفي‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي،‭ ‬تقترب‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬ومصر،‭ ‬لكنها‭ ‬دون‭ ‬الإمارات‭ ‬وقطر‭ ‬اللتين‭ ‬استثمرتا‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والخدمات‭ ‬الذكية‭. ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يخصّ‭ ‬التعليم‭ ‬المهني،‭ ‬تواجه‭ ‬تونس‭ ‬تحديات‭ ‬مشابهة‭ ‬للجزائر‭ ‬والمغرب،‭ ‬بينما‭ ‬حققت‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬الإمارات‭ ‬والأردن‭ ‬تقدما‭ ‬بفضل‭ ‬شراكات‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وبرامج‭ ‬دولية‭ ‬متطورة‭.‬

أمّا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإفريقي،‭ ‬تحتل‭ ‬تونس‭ ‬المرتبة‭ ‬الخامسة‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬المعرفة،‭ ‬متقدمة‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬القارة،‭ ‬ولا‭ ‬تسبقها‭ ‬سوى‭ ‬سيشيل،‭ ‬موريشيوس،‭ ‬الرأس‭ ‬الأخضر‭ ‬وبوتسوانا‭. ‬وفي‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات،‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬الترتيب‭ ‬الإفريقي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الرقمية‭ ‬وانتشار‭ ‬الإنترنت‭.‬

وبالتالي‭ ‬تقف‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المعرفة‭ ‬إذ‭ ‬تمتلك‭ ‬قاعدة‭ ‬بشرية‭ ‬قوية،‭ ‬بنية‭ ‬رقمية‭ ‬متطورة‭ ‬نسبيا،‭ ‬وإرثا‭ ‬تعليميا‭ ‬مشرفا،‭ ‬لكنها‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬بنيوية‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬التعليم‭ ‬المهني،‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬والحوكمة‭. ‬ونجاحها‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬معرفي‭ ‬يتطلب‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬واضحة،‭ ‬استثمارا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والابتكار،‭ ‬إصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬المهني‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬ودعما‭ ‬حقيقيا‭ ‬لريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬الرقمية‭.‬

فقد‭ ‬مرت‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بتحولات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬عميقة،‭ ‬انعكست‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬منظومات‭ ‬التعليم،‭ ‬البحث،‭ ‬والاقتصاد‭. ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المتقطعة،‭ ‬ضعف‭ ‬التمويل‭ ‬العمومي،‭ ‬وتزايد‭ ‬هجرة‭ ‬الكفاءات،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬بعض‭ ‬المؤشرات‭. ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬أفرزت‭ ‬ثورة‭ ‬الاتصالات‭ ‬فرصا‭ ‬جديدة‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬لكن‭ ‬غياب‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬واضحة‭ ‬ودقيقة‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭.‬

إيمان‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف

 

مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2024.. تونس في المرتبة الخامسة إفريقيا.. ومكاسب واعدة

 

‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬تنمية‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬من 74.1 نقطة‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ ‬77.2 نقطة‭ ‬عام‭ ‬2024

تعد‭ ‬المعرفة‭ ‬اليوم‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لأي‭ ‬نهضة‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية،‭ ‬وأحد‭ ‬أهم‭ ‬محددات‭ ‬القدرة‭ ‬التنافسية‭ ‬للدول‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يبرز‭ ‬‮«‬مؤشر‭ ‬المعرفة‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬كأداة‭ ‬مرجعية‭ ‬لتقييم‭ ‬مدى‭ ‬تقدم‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬واقتصادات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬والابتكار‭. ‬في‭ ‬نسخته‭ ‬لسنة‭ ‬2024،‭ ‬يقدم‭ ‬المؤشر‭ ‬صورة‭ ‬شاملة‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬سبعة‭ ‬مجالات‭ ‬محورية،‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والابتكار‭. ‬ويكشف‭ ‬مكامن‭ ‬القوة‭ ‬والخلل‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الوطنية‭. ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬التحليلية‭ ‬تسعى‭ ‬لفهم‭ ‬موقع‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التصنيف،‭ ‬وتفكيك‭ ‬أبعاده،‭ ‬واستشراف‭ ‬آفاقه‭ ‬وذلك‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬أدوات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬استخراج‭ ‬المعطيات‭ ‬وإعادة‭ ‬تبويبها‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بمؤشرات‭ ‬سابقة‭ ‬وربط‭ ‬مؤشرات‭ ‬أخرى‭ ‬بقصص‭ ‬نجاح‭ ‬وأمثلة‭ ‬عن‭ ‬مخططات‭ ‬الحكومة‭ ‬واستراتيجياتها‭ ‬المستقبلية‭.‬

يكشف‭ ‬مؤشر‭ ‬المعرفة‭ ‬العالمي‭ ‬2024‭ ‬عن‭ ‬صورة‭ ‬مُركبة‭ ‬لأداء‭ ‬تونس‭: ‬نقاط‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬والبنية‭ ‬الرقمية،‭ ‬يقابلها‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والابتكار‭ ‬والتعليم‭ ‬المهني‭ ‬والاقتصاد‭. ‬ورغم‭ ‬التحديات،‭ ‬تظل‭ ‬تونس‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬موقعها‭ ‬الريادي‭ ‬إقليميا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬البشري،‭ ‬إصلاح‭ ‬منظومات‭ ‬التعليم‭ ‬والبحث،‭ ‬وتهيئة‭ ‬بيئة‭ ‬محفزة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬والمعرفي‭. ‬فالتحول‭ ‬نحو‭ ‬اقتصاد‭ ‬المعرفة‭ ‬وفق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬والمحللين‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬خيارا‭ ‬بل‭ ‬ضرورة‭ ‬لمواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬التنمية‭ ‬وتحقيق‭ ‬تطلعات‭ ‬التونسيين‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬نتائج‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬أعده‭ ‬المكتب‭ ‬الإقليمي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬لبرنامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الإنمائي‭ ‬ومؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬آل‭ ‬مكتوم‭ ‬للمعرفة‭ ‬بأنّ‭ ‬تونس‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬82‭ ‬عالميًا‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬141‭ ‬دولة‭ ‬شملها‭ ‬مؤشر‭ ‬المعرفة‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭. ‬هذا‭ ‬الترتيب‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬الشريحة‭ ‬المتوسطة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬ويمنحها‭ ‬المرتبة‭ ‬الخامسة‭ ‬إفريقيا‭ ‬والسابعة‭ ‬عربيا‭. ‬وقد‭ ‬حصلت‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬مجموع‭ ‬نقاط‭ ‬بلغ‭ ‬45‭.‬05‭ ‬من‭ ‬100،‭ ‬وهو‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي‭ ‬البالغ‭ ‬47‭.‬8‭ ‬نقطة‭. ‬هذا‭ ‬المؤشر‭ ‬العام‭ ‬يعكس‭ ‬توازنا‭ ‬هشا‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬التاريخية،‭ ‬مثل‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي،‭ ‬وبين‭ ‬تحديات‭ ‬متراكمة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والاقتصاد‭.‬

على‭ ‬المستوى‭ ‬الإفريقي،‭ ‬تتقدم‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬جيرانها،‭ ‬ولا‭ ‬تتفوق‭ ‬عليها‭ ‬سوى‭ ‬سيشيل،‭ ‬موريشيوس،‭ ‬الرأس‭ ‬الأخضر‭ ‬وبوتسوانا،‭ ‬وهي‭ ‬دول‭ ‬صغيرة‭ ‬نسبيا‭ ‬لكن‭ ‬لديها‭ ‬سياسات‭ ‬معرفية‭ ‬فعالة‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬العربي،‭ ‬فتونس‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ولبنان‭ ‬والأردن،‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬فجوة‭ ‬متزايدة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬استثمرت‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والرقمنة‭ ‬والابتكار‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭.‬

البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬والابتكار‭ ‬في‭ ‬تونس

لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬نقاط‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المحور‭ ‬28‭.‬9‭ ‬من‭ ‬100،‭ ‬أي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المتوسطين‭ ‬العربي‭ ‬والعالمي،‭ ‬ويعود‭ ‬ذلك‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ضعف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬البحثية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والمخابر‭ ‬وغياب‭ ‬الشراكة‭ ‬الفعلية‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬إذ‭ ‬أنّ‭ ‬75‭ % ‬من‭ ‬تمويل‭ ‬البحوث‭ ‬مصدره‭ ‬الدولة‭ ‬مقابل‭ ‬25‭ % ‬فقط‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬بينما‭ ‬النسبة‭ ‬معكوسة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ (‬وفق‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭ ‬بالصباح‭ ‬نيوز‭) ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هجرة‭ ‬الكفاءات‭ ‬العلمية‭ ‬ونقص‭ ‬الحوافز‭ ‬للباحثين‭ ‬وصعوبة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬المشاريع‭.‬

ولكن‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الصعوبات،‭ ‬حقق‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬التونسيين‭ ‬إنجازات‭ ‬عالمية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬فوز‭ ‬البروفيسور‭ ‬علي‭ ‬البقلوطي‭ ‬بجائزة‭ ‬فايزر‭ ‬البريطانية‭ ‬المرموقة‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬تتويج‭ ‬تونسي‭ ‬بهذه‭ ‬الجائزة،‭ ‬اعترافا‭ ‬بإسهاماته‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬التطبيقية‭ ‬والفيزياء‭ ‬النظرية‭. ‬كما‭ ‬تحتل‭ ‬تونس‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬عربياً‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬المنشورة‭ ‬لكل‭ ‬نسمة،‭ ‬والثالثة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬الأوراق‭ ‬البحثية‭ ‬بعد‭ ‬السعودية‭ ‬ومصر‭.‬

التعليم‭ ‬التقني‭ ‬والتدريب‭ ‬المهني

حصلت‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬41‭.‬2‭ ‬نقطة‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المحور،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬ضعف‭ ‬المنظومة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمعايير‭ ‬الدولية‭. ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬136‭ ‬مركز‭ ‬تكوين‭ ‬مهني‭ ‬و400‭ ‬اختصاص‭ ‬تغطي‭ ‬12‭ ‬قطاعا‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬جاذبيته‭ ‬لدى‭ ‬الشباب،‭ ‬وقلة‭ ‬ارتباطه‭ ‬بسوق‭ ‬العمل،‭ ‬وغياب‭ ‬الشراكات‭ ‬الفعالة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬النظرة‭ ‬المجتمعية‭ ‬السلبية‭ ‬للتكوين‭ ‬المهني‭ ‬وضعف‭ ‬التجهيزات‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المراكز‭.‬

لكن‭ ‬جدير‭ ‬بالتذكير‭ ‬أنّ‭ ‬وزارة‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭ ‬قد‭ ‬أطلقت‭ ‬خطة‭ ‬إصلاح‭ ‬شاملة‭ ‬منذ‭ ‬2016،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬نسبة‭ ‬التوجيه‭ ‬نحو‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬‭% ‬إلى‭ ‬30‭ %‬،‭ ‬وزيادة‭ ‬نسبة‭ ‬إدماج‭ ‬الخريجين‭ ‬بسوق‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬60‭ % ‬إلى‭ ‬80‭ %. ‬كما‭ ‬تسعى‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬تحديث‭ ‬البرامج‭ ‬وربطها‭ ‬بحاجيات‭ ‬القطاعات‭ ‬الإنتاجية‭.‬

التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات

سجلت‭ ‬تونس‭ ‬48‭.‬2‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬المعرفة،‭ ‬لكنها‭ ‬حققت‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬تنمية‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬من‭ ‬74‭.‬1‭ ‬نقطة‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ ‬77‭.‬2‭ ‬نقطة‭ ‬عام‭ ‬2024‭. ‬وقد‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬مستخدمي‭ ‬الإنترنت‭ ‬92‭.‬8‭ %‬،‭ ‬متجاوزة‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي‭ (‬70.5‭ %). ‬وقد‭ ‬شرعت‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬سنة‭ ‬2025في‭ ‬استخدام‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬الاتصالات‭.‬

كما‭ ‬وضعت‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬مشاريع‭ ‬رقمنة‭ ‬الخدمات‭ ‬الحكومية،‭ ‬الحوسبة‭ ‬السحابية،‭ ‬والمكتبة‭ ‬الرقمية‭ ‬المدعومة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬كما‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬التشريعات‭ ‬الرقمية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني‭.‬

وشهدت‭ ‬تونس‭ ‬أيضا‭ ‬ديناميكية‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الناشئة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬مع‭ ‬برامج‭ ‬مثل‭ ‬AI Factory‭ ‬الذي‭ ‬يدعم‭ ‬12‭ ‬شركة‭ ‬ناشئة‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬قطاع‭ ‬الشركات‭ ‬الناشئة‭ ‬أصبح‭ ‬رافعة‭ ‬للابتكار‭ ‬الرقمي،‭ ‬بفضل‭ ‬كفاءة‭ ‬الشباب‭ ‬ودعم‭ ‬بعض‭ ‬المبادرات‭ ‬الدولية‭.‬

لكنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬واجهة‭ ‬عدة‭ ‬تحديات‭ ‬وصعوبات‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬البيروقراطية‭ ‬الإدارية‭ ‬وضعف‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الفجوة‭ ‬الرقمية‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬والأرياف‭ ‬ونقص‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الرقمي‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬تسريع‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬الرقمنة‭ ‬الحكومية‭ ‬ودعم‭ ‬الشركات‭ ‬الناشئة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الداخلية‭ ‬وتطوير‭ ‬برامج‭ ‬تعليمية‭ ‬رقمية‭ ‬لسد‭ ‬الفجوة‭ ‬المهارية‭.‬

البيئة‭ ‬التمكينية‭ ‬والاقتصاد

في‭ ‬هذا‭ ‬المحور‭ ‬سجلت‭ ‬تونس‭ ‬42‭.‬7‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬و45‭.‬4‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬التمكينية،‭ ‬وكلاهما‭ ‬دون‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي‭. ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬بديهية‭ ‬بما‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬قد‭ ‬شهد‭ ‬نموا‭ ‬ضعيفا‭(‬0.6‭ % ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬2024‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬تحديات‭ ‬الاستثمار،‭ ‬والبطالة،‭ ‬وضعف‭ ‬تنافسية‭ ‬المؤسسات‭.‬

لكن‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬أطلقت‭ ‬الحكومة‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬لتحسين‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال‭ (‬2023-2025‭)‬،‭ ‬تشمل‭ ‬229‭ ‬إجراء‭ ‬قصير‭ ‬المدى‭ ‬و94‭ ‬هدفا،‭ ‬بغاية‭ ‬تبسيط‭ ‬الإجراءات،‭ ‬وإصلاح‭ ‬النظام‭ ‬الجبائي،‭ ‬وتحفيز‭ ‬الاستثمار‭ ‬المحلي‭ ‬والأجنبي‭. ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬جهودا‭ ‬لتحسين‭ ‬التشريعات‭ ‬وتطوير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬لكن‭ ‬التطبيق‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يواجه‭ ‬عقبات‭ ‬البيروقراطية‭ ‬والفساد‭.‬

مقارنة‭ ‬معمقة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وإفريقية

على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‭ ‬تتقدم‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإنتاج،‭ ‬لكنها‭ ‬تتأخر‭ ‬في‭ ‬التمويل‭ ‬والاستثمار‭ ‬مقارنة‭ ‬بالإمارات‭ ‬والسعودية‭ ‬ودول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭. ‬وفي‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي،‭ ‬تقترب‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬ومصر،‭ ‬لكنها‭ ‬دون‭ ‬الإمارات‭ ‬وقطر‭ ‬اللتين‭ ‬استثمرتا‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والخدمات‭ ‬الذكية‭. ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يخصّ‭ ‬التعليم‭ ‬المهني،‭ ‬تواجه‭ ‬تونس‭ ‬تحديات‭ ‬مشابهة‭ ‬للجزائر‭ ‬والمغرب،‭ ‬بينما‭ ‬حققت‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬الإمارات‭ ‬والأردن‭ ‬تقدما‭ ‬بفضل‭ ‬شراكات‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وبرامج‭ ‬دولية‭ ‬متطورة‭.‬

أمّا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإفريقي،‭ ‬تحتل‭ ‬تونس‭ ‬المرتبة‭ ‬الخامسة‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬المعرفة،‭ ‬متقدمة‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬القارة،‭ ‬ولا‭ ‬تسبقها‭ ‬سوى‭ ‬سيشيل،‭ ‬موريشيوس،‭ ‬الرأس‭ ‬الأخضر‭ ‬وبوتسوانا‭. ‬وفي‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات،‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬الترتيب‭ ‬الإفريقي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الرقمية‭ ‬وانتشار‭ ‬الإنترنت‭.‬

وبالتالي‭ ‬تقف‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المعرفة‭ ‬إذ‭ ‬تمتلك‭ ‬قاعدة‭ ‬بشرية‭ ‬قوية،‭ ‬بنية‭ ‬رقمية‭ ‬متطورة‭ ‬نسبيا،‭ ‬وإرثا‭ ‬تعليميا‭ ‬مشرفا،‭ ‬لكنها‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬بنيوية‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬التعليم‭ ‬المهني،‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬والحوكمة‭. ‬ونجاحها‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬معرفي‭ ‬يتطلب‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬واضحة،‭ ‬استثمارا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والابتكار،‭ ‬إصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬المهني‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬ودعما‭ ‬حقيقيا‭ ‬لريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬الرقمية‭.‬

فقد‭ ‬مرت‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بتحولات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬عميقة،‭ ‬انعكست‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬منظومات‭ ‬التعليم،‭ ‬البحث،‭ ‬والاقتصاد‭. ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المتقطعة،‭ ‬ضعف‭ ‬التمويل‭ ‬العمومي،‭ ‬وتزايد‭ ‬هجرة‭ ‬الكفاءات،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬بعض‭ ‬المؤشرات‭. ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬أفرزت‭ ‬ثورة‭ ‬الاتصالات‭ ‬فرصا‭ ‬جديدة‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬لكن‭ ‬غياب‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬واضحة‭ ‬ودقيقة‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭.‬

إيمان‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف