مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2024.. تونس في المرتبة الخامسة إفريقيا.. ومكاسب واعدة
مقالات الصباح
قفزة نوعية في مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من 74.1 نقطة عام 2023 إلى 77.2 نقطة عام 2024
تعد المعرفة اليوم العمود الفقري لأي نهضة اقتصادية أو اجتماعية، وأحد أهم محددات القدرة التنافسية للدول. في هذا السياق، يبرز «مؤشر المعرفة العالمي» كأداة مرجعية لتقييم مدى تقدم الدول في بناء مجتمعات واقتصادات قائمة على المعرفة والابتكار. في نسخته لسنة 2024، يقدم المؤشر صورة شاملة عن واقع تونس في سبعة مجالات محورية، من التعليم إلى الاقتصاد والابتكار. ويكشف مكامن القوة والخلل في المنظومة الوطنية. هذه القراءة التحليلية تسعى لفهم موقع تونس في هذا التصنيف، وتفكيك أبعاده، واستشراف آفاقه وذلك بالاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي في استخراج المعطيات وإعادة تبويبها ومقارنتها بمؤشرات سابقة وربط مؤشرات أخرى بقصص نجاح وأمثلة عن مخططات الحكومة واستراتيجياتها المستقبلية.
يكشف مؤشر المعرفة العالمي 2024 عن صورة مُركبة لأداء تونس: نقاط قوة في التعليم الأساسي والبنية الرقمية، يقابلها ضعف في البحث والابتكار والتعليم المهني والاقتصاد. ورغم التحديات، تظل تونس قادرة على استعادة موقعها الريادي إقليميا إذا ما تم الاستثمار في رأس المال البشري، إصلاح منظومات التعليم والبحث، وتهيئة بيئة محفزة للاقتصاد الرقمي والمعرفي. فالتحول نحو اقتصاد المعرفة وفق العديد من الخبراء والمحللين لم يعد خيارا بل ضرورة لمواجهة تحديات التنمية وتحقيق تطلعات التونسيين.
وجاء في نتائج التقرير الذي أعده المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بأنّ تونس تحتل المرتبة 82 عالميًا من أصل 141 دولة شملها مؤشر المعرفة لسنة 2024. هذا الترتيب يضعها في الشريحة المتوسطة على المستوى الدولي، ويمنحها المرتبة الخامسة إفريقيا والسابعة عربيا. وقد حصلت تونس على مجموع نقاط بلغ 45.05 من 100، وهو أقل من المتوسط العالمي البالغ 47.8 نقطة. هذا المؤشر العام يعكس توازنا هشا بين بعض نقاط القوة التاريخية، مثل التعليم الأساسي، وبين تحديات متراكمة في البحث العلمي والاقتصاد.
على المستوى الإفريقي، تتقدم تونس على معظم جيرانها، ولا تتفوق عليها سوى سيشيل، موريشيوس، الرأس الأخضر وبوتسوانا، وهي دول صغيرة نسبيا لكن لديها سياسات معرفية فعالة. أما في السياق العربي، فتونس تأتي بعد دول الخليج ولبنان والأردن، ما يكشف عن فجوة متزايدة بينها وبين دول المنطقة التي استثمرت بكثافة في التعليم والرقمنة والابتكار خلال العقد الأخير.
البحث والتطوير والابتكار في تونس
لم تتجاوز نقاط تونس في هذا المحور 28.9 من 100، أي أقل من المتوسطين العربي والعالمي، ويعود ذلك لعدة أسباب من بينها ضعف البنية التحتية البحثية في الجامعات والمخابر وغياب الشراكة الفعلية مع القطاع الخاص إذ أنّ 75 % من تمويل البحوث مصدره الدولة مقابل 25 % فقط من القطاع الخاص، بينما النسبة معكوسة في الدول المتقدمة (وفق ما جاء في مقال سابق بالصباح نيوز) إلى جانب هجرة الكفاءات العلمية ونقص الحوافز للباحثين وصعوبة الحصول على تمويل المشاريع.
ولكن رغم كل الصعوبات، حقق بعض الباحثين التونسيين إنجازات عالمية على غرار فوز البروفيسور علي البقلوطي بجائزة فايزر البريطانية المرموقة للبحث العلمي سنة 2024، وهو أول تتويج تونسي بهذه الجائزة، اعترافا بإسهاماته في الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية. كما تحتل تونس المرتبة الأولى عربياً في عدد الأبحاث العلمية المنشورة لكل نسمة، والثالثة من حيث عدد الأوراق البحثية بعد السعودية ومصر.
التعليم التقني والتدريب المهني
حصلت تونس على 41.2 نقطة فقط في هذا المحور، ما يعكس ضعف المنظومة مقارنة بالمعايير الدولية. رغم وجود 136 مركز تكوين مهني و400 اختصاص تغطي 12 قطاعا اقتصاديا، إلا أن القطاع يعاني من ضعف جاذبيته لدى الشباب، وقلة ارتباطه بسوق العمل، وغياب الشراكات الفعالة مع القطاع الخاص إلى جانب النظرة المجتمعية السلبية للتكوين المهني وضعف التجهيزات والبنية التحتية في بعض المراكز.
لكن جدير بالتذكير أنّ وزارة التكوين المهني قد أطلقت خطة إصلاح شاملة منذ 2016، تهدف إلى رفع نسبة التوجيه نحو التكوين المهني من 4 % إلى 30 %، وزيادة نسبة إدماج الخريجين بسوق العمل من 60 % إلى 80 %. كما تسعى الاستراتيجية الجديدة إلى تحديث البرامج وربطها بحاجيات القطاعات الإنتاجية.
التحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات
سجلت تونس 48.2 نقطة في مؤشر المعرفة، لكنها حققت قفزة نوعية في مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من 74.1 نقطة عام 2023 إلى 77.2 نقطة عام 2024. وقد بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت 92.8 %، متجاوزة المتوسط العالمي (70.5 %). وقد شرعت تونس منذ بداية سنة 2025في استخدام الجيل الخامس من الاتصالات.
كما وضعت التحول الرقمي في صميم استراتيجيتها الوطنية، مع إطلاق مشاريع رقمنة الخدمات الحكومية، الحوسبة السحابية، والمكتبة الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. كما تعمل على تطوير التشريعات الرقمية وتعزيز الأمن السيبراني.
وشهدت تونس أيضا ديناميكية قوية في الشركات الناشئة، خاصة في الذكاء الاصطناعي، مع برامج مثل AI Factory الذي يدعم 12 شركة ناشئة في الذكاء الاصطناعي. قطاع الشركات الناشئة أصبح رافعة للابتكار الرقمي، بفضل كفاءة الشباب ودعم بعض المبادرات الدولية.
لكنها لا تزال في واجهة عدة تحديات وصعوبات من ذلك البيروقراطية الإدارية وضعف التنسيق بين المؤسسات، بالإضافة إلى الفجوة الرقمية بين المدن والأرياف ونقص الاستثمار في التعليم الرقمي ما يستوجب تسريع تنفيذ مشاريع الرقمنة الحكومية ودعم الشركات الناشئة في المناطق الداخلية وتطوير برامج تعليمية رقمية لسد الفجوة المهارية.
البيئة التمكينية والاقتصاد
في هذا المحور سجلت تونس 42.7 نقطة في الاقتصاد و45.4 نقطة في البيئة التمكينية، وكلاهما دون المتوسط العالمي. وهي مسألة بديهية بما أن الاقتصاد قد شهد نموا ضعيفا(0.6 % في النصف الأول من 2024)، مع استمرار تحديات الاستثمار، والبطالة، وضعف تنافسية المؤسسات.
لكن مقابل ذلك أطلقت الحكومة استراتيجية وطنية لتحسين مناخ الأعمال (2023-2025)، تشمل 229 إجراء قصير المدى و94 هدفا، بغاية تبسيط الإجراءات، وإصلاح النظام الجبائي، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي. ما يعني أنّ هناك جهودا لتحسين التشريعات وتطوير البنية التحتية، لكن التطبيق ما يزال يواجه عقبات البيروقراطية والفساد.
مقارنة معمقة مع دول عربية وإفريقية
على المستوى العربي، تتقدم تونس في البحث العلمي من حيث الإنتاج، لكنها تتأخر في التمويل والاستثمار مقارنة بالإمارات والسعودية ودول عربية أخرى. وفي التحول الرقمي، تقترب تونس من المغرب ومصر، لكنها دون الإمارات وقطر اللتين استثمرتا بكثافة في الذكاء الاصطناعي والخدمات الذكية. وفي ما يخصّ التعليم المهني، تواجه تونس تحديات مشابهة للجزائر والمغرب، بينما حققت دول مثل الإمارات والأردن تقدما بفضل شراكات مع القطاع الخاص وبرامج دولية متطورة.
أمّا على المستوى الإفريقي، تحتل تونس المرتبة الخامسة إفريقيا في مؤشر المعرفة، متقدمة على معظم دول القارة، ولا تسبقها سوى سيشيل، موريشيوس، الرأس الأخضر وبوتسوانا. وفي تكنولوجيا المعلومات، تونس في صدارة الترتيب الإفريقي من حيث البنية التحتية الرقمية وانتشار الإنترنت.
وبالتالي تقف تونس اليوم في مفترق طرق في مجال المعرفة إذ تمتلك قاعدة بشرية قوية، بنية رقمية متطورة نسبيا، وإرثا تعليميا مشرفا، لكنها تواجه تحديات بنيوية في البحث العلمي، التعليم المهني، الاقتصاد، والحوكمة. ونجاحها في التحول إلى اقتصاد معرفي يتطلب إرادة سياسية واضحة، استثمارا أكبر في البحث والابتكار، إصلاحات جذرية في التعليم المهني والاقتصاد، ودعما حقيقيا لريادة الأعمال الرقمية.
فقد مرت البلاد منذ سنوات بتحولات سياسية واقتصادية عميقة، انعكست بشكل مباشر على أداء منظومات التعليم، البحث، والاقتصاد. كما أنّ الإصلاحات المتقطعة، ضعف التمويل العمومي، وتزايد هجرة الكفاءات، كلها عوامل ساهمت في تراجع بعض المؤشرات. من جهة أخرى، أفرزت ثورة الاتصالات فرصا جديدة للاستثمار في الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال، لكن غياب استراتيجية وطنية واضحة ودقيقة في السابق حال دون تحقيق قفزة نوعية.
إيمان عبد اللطيف
قفزة نوعية في مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من 74.1 نقطة عام 2023 إلى 77.2 نقطة عام 2024
تعد المعرفة اليوم العمود الفقري لأي نهضة اقتصادية أو اجتماعية، وأحد أهم محددات القدرة التنافسية للدول. في هذا السياق، يبرز «مؤشر المعرفة العالمي» كأداة مرجعية لتقييم مدى تقدم الدول في بناء مجتمعات واقتصادات قائمة على المعرفة والابتكار. في نسخته لسنة 2024، يقدم المؤشر صورة شاملة عن واقع تونس في سبعة مجالات محورية، من التعليم إلى الاقتصاد والابتكار. ويكشف مكامن القوة والخلل في المنظومة الوطنية. هذه القراءة التحليلية تسعى لفهم موقع تونس في هذا التصنيف، وتفكيك أبعاده، واستشراف آفاقه وذلك بالاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي في استخراج المعطيات وإعادة تبويبها ومقارنتها بمؤشرات سابقة وربط مؤشرات أخرى بقصص نجاح وأمثلة عن مخططات الحكومة واستراتيجياتها المستقبلية.
يكشف مؤشر المعرفة العالمي 2024 عن صورة مُركبة لأداء تونس: نقاط قوة في التعليم الأساسي والبنية الرقمية، يقابلها ضعف في البحث والابتكار والتعليم المهني والاقتصاد. ورغم التحديات، تظل تونس قادرة على استعادة موقعها الريادي إقليميا إذا ما تم الاستثمار في رأس المال البشري، إصلاح منظومات التعليم والبحث، وتهيئة بيئة محفزة للاقتصاد الرقمي والمعرفي. فالتحول نحو اقتصاد المعرفة وفق العديد من الخبراء والمحللين لم يعد خيارا بل ضرورة لمواجهة تحديات التنمية وتحقيق تطلعات التونسيين.
وجاء في نتائج التقرير الذي أعده المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بأنّ تونس تحتل المرتبة 82 عالميًا من أصل 141 دولة شملها مؤشر المعرفة لسنة 2024. هذا الترتيب يضعها في الشريحة المتوسطة على المستوى الدولي، ويمنحها المرتبة الخامسة إفريقيا والسابعة عربيا. وقد حصلت تونس على مجموع نقاط بلغ 45.05 من 100، وهو أقل من المتوسط العالمي البالغ 47.8 نقطة. هذا المؤشر العام يعكس توازنا هشا بين بعض نقاط القوة التاريخية، مثل التعليم الأساسي، وبين تحديات متراكمة في البحث العلمي والاقتصاد.
على المستوى الإفريقي، تتقدم تونس على معظم جيرانها، ولا تتفوق عليها سوى سيشيل، موريشيوس، الرأس الأخضر وبوتسوانا، وهي دول صغيرة نسبيا لكن لديها سياسات معرفية فعالة. أما في السياق العربي، فتونس تأتي بعد دول الخليج ولبنان والأردن، ما يكشف عن فجوة متزايدة بينها وبين دول المنطقة التي استثمرت بكثافة في التعليم والرقمنة والابتكار خلال العقد الأخير.
البحث والتطوير والابتكار في تونس
لم تتجاوز نقاط تونس في هذا المحور 28.9 من 100، أي أقل من المتوسطين العربي والعالمي، ويعود ذلك لعدة أسباب من بينها ضعف البنية التحتية البحثية في الجامعات والمخابر وغياب الشراكة الفعلية مع القطاع الخاص إذ أنّ 75 % من تمويل البحوث مصدره الدولة مقابل 25 % فقط من القطاع الخاص، بينما النسبة معكوسة في الدول المتقدمة (وفق ما جاء في مقال سابق بالصباح نيوز) إلى جانب هجرة الكفاءات العلمية ونقص الحوافز للباحثين وصعوبة الحصول على تمويل المشاريع.
ولكن رغم كل الصعوبات، حقق بعض الباحثين التونسيين إنجازات عالمية على غرار فوز البروفيسور علي البقلوطي بجائزة فايزر البريطانية المرموقة للبحث العلمي سنة 2024، وهو أول تتويج تونسي بهذه الجائزة، اعترافا بإسهاماته في الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية. كما تحتل تونس المرتبة الأولى عربياً في عدد الأبحاث العلمية المنشورة لكل نسمة، والثالثة من حيث عدد الأوراق البحثية بعد السعودية ومصر.
التعليم التقني والتدريب المهني
حصلت تونس على 41.2 نقطة فقط في هذا المحور، ما يعكس ضعف المنظومة مقارنة بالمعايير الدولية. رغم وجود 136 مركز تكوين مهني و400 اختصاص تغطي 12 قطاعا اقتصاديا، إلا أن القطاع يعاني من ضعف جاذبيته لدى الشباب، وقلة ارتباطه بسوق العمل، وغياب الشراكات الفعالة مع القطاع الخاص إلى جانب النظرة المجتمعية السلبية للتكوين المهني وضعف التجهيزات والبنية التحتية في بعض المراكز.
لكن جدير بالتذكير أنّ وزارة التكوين المهني قد أطلقت خطة إصلاح شاملة منذ 2016، تهدف إلى رفع نسبة التوجيه نحو التكوين المهني من 4 % إلى 30 %، وزيادة نسبة إدماج الخريجين بسوق العمل من 60 % إلى 80 %. كما تسعى الاستراتيجية الجديدة إلى تحديث البرامج وربطها بحاجيات القطاعات الإنتاجية.
التحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات
سجلت تونس 48.2 نقطة في مؤشر المعرفة، لكنها حققت قفزة نوعية في مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من 74.1 نقطة عام 2023 إلى 77.2 نقطة عام 2024. وقد بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت 92.8 %، متجاوزة المتوسط العالمي (70.5 %). وقد شرعت تونس منذ بداية سنة 2025في استخدام الجيل الخامس من الاتصالات.
كما وضعت التحول الرقمي في صميم استراتيجيتها الوطنية، مع إطلاق مشاريع رقمنة الخدمات الحكومية، الحوسبة السحابية، والمكتبة الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. كما تعمل على تطوير التشريعات الرقمية وتعزيز الأمن السيبراني.
وشهدت تونس أيضا ديناميكية قوية في الشركات الناشئة، خاصة في الذكاء الاصطناعي، مع برامج مثل AI Factory الذي يدعم 12 شركة ناشئة في الذكاء الاصطناعي. قطاع الشركات الناشئة أصبح رافعة للابتكار الرقمي، بفضل كفاءة الشباب ودعم بعض المبادرات الدولية.
لكنها لا تزال في واجهة عدة تحديات وصعوبات من ذلك البيروقراطية الإدارية وضعف التنسيق بين المؤسسات، بالإضافة إلى الفجوة الرقمية بين المدن والأرياف ونقص الاستثمار في التعليم الرقمي ما يستوجب تسريع تنفيذ مشاريع الرقمنة الحكومية ودعم الشركات الناشئة في المناطق الداخلية وتطوير برامج تعليمية رقمية لسد الفجوة المهارية.
البيئة التمكينية والاقتصاد
في هذا المحور سجلت تونس 42.7 نقطة في الاقتصاد و45.4 نقطة في البيئة التمكينية، وكلاهما دون المتوسط العالمي. وهي مسألة بديهية بما أن الاقتصاد قد شهد نموا ضعيفا(0.6 % في النصف الأول من 2024)، مع استمرار تحديات الاستثمار، والبطالة، وضعف تنافسية المؤسسات.
لكن مقابل ذلك أطلقت الحكومة استراتيجية وطنية لتحسين مناخ الأعمال (2023-2025)، تشمل 229 إجراء قصير المدى و94 هدفا، بغاية تبسيط الإجراءات، وإصلاح النظام الجبائي، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي. ما يعني أنّ هناك جهودا لتحسين التشريعات وتطوير البنية التحتية، لكن التطبيق ما يزال يواجه عقبات البيروقراطية والفساد.
مقارنة معمقة مع دول عربية وإفريقية
على المستوى العربي، تتقدم تونس في البحث العلمي من حيث الإنتاج، لكنها تتأخر في التمويل والاستثمار مقارنة بالإمارات والسعودية ودول عربية أخرى. وفي التحول الرقمي، تقترب تونس من المغرب ومصر، لكنها دون الإمارات وقطر اللتين استثمرتا بكثافة في الذكاء الاصطناعي والخدمات الذكية. وفي ما يخصّ التعليم المهني، تواجه تونس تحديات مشابهة للجزائر والمغرب، بينما حققت دول مثل الإمارات والأردن تقدما بفضل شراكات مع القطاع الخاص وبرامج دولية متطورة.
أمّا على المستوى الإفريقي، تحتل تونس المرتبة الخامسة إفريقيا في مؤشر المعرفة، متقدمة على معظم دول القارة، ولا تسبقها سوى سيشيل، موريشيوس، الرأس الأخضر وبوتسوانا. وفي تكنولوجيا المعلومات، تونس في صدارة الترتيب الإفريقي من حيث البنية التحتية الرقمية وانتشار الإنترنت.
وبالتالي تقف تونس اليوم في مفترق طرق في مجال المعرفة إذ تمتلك قاعدة بشرية قوية، بنية رقمية متطورة نسبيا، وإرثا تعليميا مشرفا، لكنها تواجه تحديات بنيوية في البحث العلمي، التعليم المهني، الاقتصاد، والحوكمة. ونجاحها في التحول إلى اقتصاد معرفي يتطلب إرادة سياسية واضحة، استثمارا أكبر في البحث والابتكار، إصلاحات جذرية في التعليم المهني والاقتصاد، ودعما حقيقيا لريادة الأعمال الرقمية.
فقد مرت البلاد منذ سنوات بتحولات سياسية واقتصادية عميقة، انعكست بشكل مباشر على أداء منظومات التعليم، البحث، والاقتصاد. كما أنّ الإصلاحات المتقطعة، ضعف التمويل العمومي، وتزايد هجرة الكفاءات، كلها عوامل ساهمت في تراجع بعض المؤشرات. من جهة أخرى، أفرزت ثورة الاتصالات فرصا جديدة للاستثمار في الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال، لكن غياب استراتيجية وطنية واضحة ودقيقة في السابق حال دون تحقيق قفزة نوعية.
إيمان عبد اللطيف