مسجلة على لائحة «اليونسكو» للتراث العالمي اللامادي.. ثلاثة إصدارات جديدة حول خزافات سجنان.. الصيد بالشرفية و«الهريسة» التونسية
مقالات الصباح
صدرت مؤخراً ثلاثة كتيبات في طبعة جميلة وأنيقة وفاخرة منشورات التراث المغاربي والمتوسطي – ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية. اهتم كل واحد منها بأحد المجالات الثلاثة التي تم إدراجها في الأعوام الأخيرة على لائحة التراث العالمي اللامادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو»، وهي على التوالي: خزف سجنان أو بالأحرى خزافات سجنان، والصيد بالشرفية، و»الهريسة» التونسية.
الكتاب الأول هو عملية توثيق مهمة لفن الخزف كما تمارسه نساء سجنان اللواتي حولن حرفتهن ومهاراتهن في هذا المجال إلى فن حقيقي نال اعتراف اليونسكو منذ 2018.
السحر كله في كيفية تشكيل طين الأرض
إنه دعوة من أصحاب المبادرة إلى الغوص في عالم خزافات سجنان اللواتي يمارسن فنهن بطريقة تقليدية تتوارثنها جيلاً بعد جيل. حيث يكمن كل السحر في تلك الأيادي التي تعرف كيف تتعامل مع الطين فتتشكل بين أصابعهن، فتتخذ عدة صور متقنة وأبرزها «عروسة سجنان» التي أوصلت فخار سجنان إلى العالمية، ولا ننسى طبعاً أواني الفخار الجميلة التي تشهد على تاريخ طويل من الحرفية والمهارات المكتسبة في التعامل مع طين الأرض، وهو تاريخ يعود إلى ما قبل التاريخ. وفي هذا الكتيب الذي يحمل عنوان «خزافات سجنان إبداعات اليد»، وغلافه مزخرف بمجموعة من الأواني الخزفية المصنوعة بكثير من المعرفة والمحبة والتعلق بطين هذه الأرض، يفتح نافذة على التاريخ، تاريخ الفخار والخزف في تونس وأبرز الخصوصيات والمواد وتطور هذا الفن عبر عدة مراحل تاريخية، وأيضاً عين على واقع خزافات سجنان ومن بينهن السيدة صبيحة التي فتحت ورشتها وقلبها للحديث عن تجربتها. والجميل في هذا الكتيب أنه لم يكتفِ بوصف مكامن الجمال في علاقة بحرفة الخزافات، وإنما طرح إشكاليات هامة من بينها مثلاً قلة المردود في تونس حيث تكتفي الخزافات بالقليل في وقت كان يمكن لحرفتهن أن تجعلهن كما قيل في الكتيب «يكسبن الذهب». الإشكالية الأخرى هي في علاقة بمستقبل الحرفة، ذلك أن قلة المداخيل وعدم حماية حقوق الملكية من شأنها أن تخلق حالة من العزوف لدى الشباب والشابات على خوض المغامرة.
في الكتاب أيضاً التفاتة إلى المبادرات التي قام بها المجتمع المدني للتعريف بعروسة سجنان وخزافات سجنان، وخاصة تظاهرة «دريم سيتي» للثنائي سلمى وسفيان ويسي اللذان قاما بمجهودات كبيرة للتعريف بعروسة سجنان في أوروبا.
ولنا أن نشير إلى أن سجنان من ولاية بنزرت لها جمال طبيعي مميز وهي تبعد حوالي 120 كم عن تونس العاصمة، وقد أصبحت معروفة بفخار سجنان الذي يعترضك وفق ما يذكرنا به الكتيب على جانبي الطريق قبل الدخول إلى القرية، فقد تحولت الحرفة إلى مصدر رزق للعديد من الحرفيات ومن بينهن من انتظمن في إطار تعاونيات. لكن تبقى الحرفة في حاجة إلى دعم أكبر، وخاصة إلى حماية حقوق الخزافات وضمان استمرارية الحرفة أو هذا الفن بما أن خزافات سجنان حولنها إلى فن حقيقي.
ارتباط مشهود لسكان قرقنة بالذاكرة
الكتيب الثاني وهو باللغة الفرنسية اهتم بالصيد بالشرفية التي تتميز بها جهة قرقنة من ولاية صفاقس بالجنوب التونسي، ويحمل عنوان: «قرقنة أرخبيل الشرفية». يضم مجموعة من النصوص بتوقيع كل من فيفيان بالطيب وعامر الوسلاتي، ويحتوي على مجموعة هامة من الصور ذات الجودة العالية التي تقدم فكرة حول جزر قرقنة وحول طبيعتها، وخاصة حول العلاقة القوية بين أهل قرقنة والبحر. الكتيب عاد بنا كذلك إلى التاريخ رابطاً حاضر الأرخبيل بكل ما تركه الأجداد من عادات وتقاليد وما علموه للأجيال تباعاً من مهارات، وهي تدور أغلبها حول البحر وتحديداً حول الصيد البحري.
عرفنا من خلال هذا الكتيب مثلاً أن سكان قرقنة مولعون جداً بصناعة السفن وأن لديهم مهارات مؤكدة حتى أنهم تمكنوا من ترميم السفن القديمة – الشهيرة باسم «اللّود» – التي تربط قرقنة باليابسة، ومن بينها السفينة التي كان قد استعملها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لدى هروبه عبر جزيرة قرقنة من ملاحقة الاستعمار الفرنسي في منتصف الأربعينات من القرن الماضي. في هذا الكتيب أيضاً تعداد لطرق الصيد التقليدية المستعملة في قرقنة، ومن بينها الصيد بالشرفية الذي تم تسجيله في 2020 على قائمة اليونسكو للتراث العالمي اللامادي.
والصيد بالشرفية هو أسلوب تقليدي فريد من نوعه ويعتبر من بين أقدم طرق الصيد في البلاد. تقوم الفكرة على بناء مصائد ثابتة في البحر باستخدام سعف النخيل، فتنصب حواجز توجه الأسماك نحو غرف صغيرة – ثلاث غرف – إلى أن تستقر الأسماك في النهاية في غرفة «الحجز».
ولنا أن نشير إلى أن أبرز أمرين يتكرران على امتداد هذا الكتيب هما: أولاً، استنباط أهل قرقنة لطرق الصيد، وأساليبهم في تنظيم الحياة، يؤكد مدى ارتباطهم بمحيطهم الجغرافي ومدى تعلقهم بأرخبيلهم الهادئ الذي يؤكد المؤرخون أنه كان مأهولاً بالسكان منذ التاريخ القديم. وثانياً، التمسك بالذاكرة من خلال الحفاظ على العديد من الطرق القديمة والأساليب التي كان يستعملها الأجداد من البحارة والصيادين، ومن بينها طرق الصيد الكثيرة التقليدية، ومنها الصيد بالشرفية – أهل قرقنة يتحدثون عن «الشرافي» – والتي يبلغ عددها وفق ما ذكر في الكتيب الذي نحن بصدده 400 طريقة، وقد سجلت كما ذكرنا على لائحة اليونسكو للتراث العالمي غير المادي.
طبعاً لا يمكن أن يكون الحديث عن مدينة قرقنة ولا نجد صورة لأشهر شخصية أصيلة للجزيرة، ونعني بذلك المناضل النقابي الكبير فرحات حشاد.
«الهريسة» واللون الأحمر يطغى
على صفحات الكتاب
«الهريسة» التونسية وما أدراك ما «الهريسة»، هي موضوع الإصدار الثالث، وكل ما فيها يدفع إلى تحسس طعم الفلفل وطعم الهريسة التي تجدها في كل دار في تونس. وطبيعي أن يطغى اللون الأحمر على صفحات الكتاب وهو الذي يهتم بمادة مصنوعة من الفلفل الأحمر مكنت مهارة التونسيين من جعلها تصل إلى لائحة اليونسكو للتراث العالمي اللامادي، وتم تسجيلها في ديسمبر 2022.
كل صفحة نجد بها قروناً من الفلفل الأحمر – كاملة أو مقطوعة أو مشرحة – وهناك صور جميلة لبيوت تتدلى منها جدائل الفلفل الأحمر، على غرار ما هو موجود بولاية نابل بالوطن القبلي مثلاً. بعض الدكاكين المختصة في بيع التوابل توشح واجهاتها بدورها جدائل الفلفل الأحمر، هذا المنتج السحري الذي يتحول إلى عجينة تزيدها التوابل وطريقة الطبخ وزيت الزيتون قيمة ولذة، طبعاً لمن يهوى لسعة الفلفل الأحمر، لأن الهريسة لا تكون طيبة إلا إذا كان مذاقها حاراً وتلسع أحياناً.
بلادنا تنتج أطناناً من الفلفل الأحمر، فمعدل الإنتاج وفق ما ذكر من أرقام في الكتاب هو 300,000 طن وفق إحصائيات للفترة التي تتراوح بين 2017 و2023، مما يجعله منتجاً فلاحياً هاماً ومورد رزق لكثيرين. وزراعة الفلفل أيضاً لها تاريخ طويل وبعيد وتتداخل الأسطورة والواقع حول الموضوع، لكن الأهم من ذلك هو أن «الهريسة» أصبحت مع مرور الوقت جزءاً من ثقافة الأكل في تونس، ويتفنن التونسيون في إعدادها، ومازال الكثيرون يحبذون الوصفات التقليدية المتوارثة عن الأجداد في إعداد الهريسة وطبخها ومنحها نكهة معينة باستعمال التوابل.
ولعلنا نشير إلى معطى هام أورده الكتيب وهو التأكيد على أن الفلفل الأحمر الذي نصنع منه الهريسة مفيد للصحة وأنه يحمي من العديد من الأمراض لما يحتويه من فيتامينات يحتاجها الجسم. وقد كانت الشعوب القديمة في عدة أصقاع من العالم تستعمله في العلاج وفي المساعدة على تحمل حرارة الطقس، طبعاً حسب اختلاف المناخات.
وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن هذه الكتيبات المليئة بالصور والرسوم البيانية تعتبر طريقة ذكية في التعريف بخصائص ثقافية تونسية سواء تعلق الأمر بالمهارات في مجال الحرف أو بالعادات الغذائية. فهي تحمل كمّاً مهماً من المعلومات المتنوعة التي تقدم الإفادة دون إثقال كاهل القارئ. ومهم جداً أن تتزين مكتبات التونسيين بمثل هذه الإصدارات التي تجمع بين قيمة المحتوى والشكل الأنيق الذي يليق بتراثنا المادي أو اللامادي.
حياة السايب
صدرت مؤخراً ثلاثة كتيبات في طبعة جميلة وأنيقة وفاخرة منشورات التراث المغاربي والمتوسطي – ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية. اهتم كل واحد منها بأحد المجالات الثلاثة التي تم إدراجها في الأعوام الأخيرة على لائحة التراث العالمي اللامادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو»، وهي على التوالي: خزف سجنان أو بالأحرى خزافات سجنان، والصيد بالشرفية، و»الهريسة» التونسية.
الكتاب الأول هو عملية توثيق مهمة لفن الخزف كما تمارسه نساء سجنان اللواتي حولن حرفتهن ومهاراتهن في هذا المجال إلى فن حقيقي نال اعتراف اليونسكو منذ 2018.
السحر كله في كيفية تشكيل طين الأرض
إنه دعوة من أصحاب المبادرة إلى الغوص في عالم خزافات سجنان اللواتي يمارسن فنهن بطريقة تقليدية تتوارثنها جيلاً بعد جيل. حيث يكمن كل السحر في تلك الأيادي التي تعرف كيف تتعامل مع الطين فتتشكل بين أصابعهن، فتتخذ عدة صور متقنة وأبرزها «عروسة سجنان» التي أوصلت فخار سجنان إلى العالمية، ولا ننسى طبعاً أواني الفخار الجميلة التي تشهد على تاريخ طويل من الحرفية والمهارات المكتسبة في التعامل مع طين الأرض، وهو تاريخ يعود إلى ما قبل التاريخ. وفي هذا الكتيب الذي يحمل عنوان «خزافات سجنان إبداعات اليد»، وغلافه مزخرف بمجموعة من الأواني الخزفية المصنوعة بكثير من المعرفة والمحبة والتعلق بطين هذه الأرض، يفتح نافذة على التاريخ، تاريخ الفخار والخزف في تونس وأبرز الخصوصيات والمواد وتطور هذا الفن عبر عدة مراحل تاريخية، وأيضاً عين على واقع خزافات سجنان ومن بينهن السيدة صبيحة التي فتحت ورشتها وقلبها للحديث عن تجربتها. والجميل في هذا الكتيب أنه لم يكتفِ بوصف مكامن الجمال في علاقة بحرفة الخزافات، وإنما طرح إشكاليات هامة من بينها مثلاً قلة المردود في تونس حيث تكتفي الخزافات بالقليل في وقت كان يمكن لحرفتهن أن تجعلهن كما قيل في الكتيب «يكسبن الذهب». الإشكالية الأخرى هي في علاقة بمستقبل الحرفة، ذلك أن قلة المداخيل وعدم حماية حقوق الملكية من شأنها أن تخلق حالة من العزوف لدى الشباب والشابات على خوض المغامرة.
في الكتاب أيضاً التفاتة إلى المبادرات التي قام بها المجتمع المدني للتعريف بعروسة سجنان وخزافات سجنان، وخاصة تظاهرة «دريم سيتي» للثنائي سلمى وسفيان ويسي اللذان قاما بمجهودات كبيرة للتعريف بعروسة سجنان في أوروبا.
ولنا أن نشير إلى أن سجنان من ولاية بنزرت لها جمال طبيعي مميز وهي تبعد حوالي 120 كم عن تونس العاصمة، وقد أصبحت معروفة بفخار سجنان الذي يعترضك وفق ما يذكرنا به الكتيب على جانبي الطريق قبل الدخول إلى القرية، فقد تحولت الحرفة إلى مصدر رزق للعديد من الحرفيات ومن بينهن من انتظمن في إطار تعاونيات. لكن تبقى الحرفة في حاجة إلى دعم أكبر، وخاصة إلى حماية حقوق الخزافات وضمان استمرارية الحرفة أو هذا الفن بما أن خزافات سجنان حولنها إلى فن حقيقي.
ارتباط مشهود لسكان قرقنة بالذاكرة
الكتيب الثاني وهو باللغة الفرنسية اهتم بالصيد بالشرفية التي تتميز بها جهة قرقنة من ولاية صفاقس بالجنوب التونسي، ويحمل عنوان: «قرقنة أرخبيل الشرفية». يضم مجموعة من النصوص بتوقيع كل من فيفيان بالطيب وعامر الوسلاتي، ويحتوي على مجموعة هامة من الصور ذات الجودة العالية التي تقدم فكرة حول جزر قرقنة وحول طبيعتها، وخاصة حول العلاقة القوية بين أهل قرقنة والبحر. الكتيب عاد بنا كذلك إلى التاريخ رابطاً حاضر الأرخبيل بكل ما تركه الأجداد من عادات وتقاليد وما علموه للأجيال تباعاً من مهارات، وهي تدور أغلبها حول البحر وتحديداً حول الصيد البحري.
عرفنا من خلال هذا الكتيب مثلاً أن سكان قرقنة مولعون جداً بصناعة السفن وأن لديهم مهارات مؤكدة حتى أنهم تمكنوا من ترميم السفن القديمة – الشهيرة باسم «اللّود» – التي تربط قرقنة باليابسة، ومن بينها السفينة التي كان قد استعملها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لدى هروبه عبر جزيرة قرقنة من ملاحقة الاستعمار الفرنسي في منتصف الأربعينات من القرن الماضي. في هذا الكتيب أيضاً تعداد لطرق الصيد التقليدية المستعملة في قرقنة، ومن بينها الصيد بالشرفية الذي تم تسجيله في 2020 على قائمة اليونسكو للتراث العالمي اللامادي.
والصيد بالشرفية هو أسلوب تقليدي فريد من نوعه ويعتبر من بين أقدم طرق الصيد في البلاد. تقوم الفكرة على بناء مصائد ثابتة في البحر باستخدام سعف النخيل، فتنصب حواجز توجه الأسماك نحو غرف صغيرة – ثلاث غرف – إلى أن تستقر الأسماك في النهاية في غرفة «الحجز».
ولنا أن نشير إلى أن أبرز أمرين يتكرران على امتداد هذا الكتيب هما: أولاً، استنباط أهل قرقنة لطرق الصيد، وأساليبهم في تنظيم الحياة، يؤكد مدى ارتباطهم بمحيطهم الجغرافي ومدى تعلقهم بأرخبيلهم الهادئ الذي يؤكد المؤرخون أنه كان مأهولاً بالسكان منذ التاريخ القديم. وثانياً، التمسك بالذاكرة من خلال الحفاظ على العديد من الطرق القديمة والأساليب التي كان يستعملها الأجداد من البحارة والصيادين، ومن بينها طرق الصيد الكثيرة التقليدية، ومنها الصيد بالشرفية – أهل قرقنة يتحدثون عن «الشرافي» – والتي يبلغ عددها وفق ما ذكر في الكتيب الذي نحن بصدده 400 طريقة، وقد سجلت كما ذكرنا على لائحة اليونسكو للتراث العالمي غير المادي.
طبعاً لا يمكن أن يكون الحديث عن مدينة قرقنة ولا نجد صورة لأشهر شخصية أصيلة للجزيرة، ونعني بذلك المناضل النقابي الكبير فرحات حشاد.
«الهريسة» واللون الأحمر يطغى
على صفحات الكتاب
«الهريسة» التونسية وما أدراك ما «الهريسة»، هي موضوع الإصدار الثالث، وكل ما فيها يدفع إلى تحسس طعم الفلفل وطعم الهريسة التي تجدها في كل دار في تونس. وطبيعي أن يطغى اللون الأحمر على صفحات الكتاب وهو الذي يهتم بمادة مصنوعة من الفلفل الأحمر مكنت مهارة التونسيين من جعلها تصل إلى لائحة اليونسكو للتراث العالمي اللامادي، وتم تسجيلها في ديسمبر 2022.
كل صفحة نجد بها قروناً من الفلفل الأحمر – كاملة أو مقطوعة أو مشرحة – وهناك صور جميلة لبيوت تتدلى منها جدائل الفلفل الأحمر، على غرار ما هو موجود بولاية نابل بالوطن القبلي مثلاً. بعض الدكاكين المختصة في بيع التوابل توشح واجهاتها بدورها جدائل الفلفل الأحمر، هذا المنتج السحري الذي يتحول إلى عجينة تزيدها التوابل وطريقة الطبخ وزيت الزيتون قيمة ولذة، طبعاً لمن يهوى لسعة الفلفل الأحمر، لأن الهريسة لا تكون طيبة إلا إذا كان مذاقها حاراً وتلسع أحياناً.
بلادنا تنتج أطناناً من الفلفل الأحمر، فمعدل الإنتاج وفق ما ذكر من أرقام في الكتاب هو 300,000 طن وفق إحصائيات للفترة التي تتراوح بين 2017 و2023، مما يجعله منتجاً فلاحياً هاماً ومورد رزق لكثيرين. وزراعة الفلفل أيضاً لها تاريخ طويل وبعيد وتتداخل الأسطورة والواقع حول الموضوع، لكن الأهم من ذلك هو أن «الهريسة» أصبحت مع مرور الوقت جزءاً من ثقافة الأكل في تونس، ويتفنن التونسيون في إعدادها، ومازال الكثيرون يحبذون الوصفات التقليدية المتوارثة عن الأجداد في إعداد الهريسة وطبخها ومنحها نكهة معينة باستعمال التوابل.
ولعلنا نشير إلى معطى هام أورده الكتيب وهو التأكيد على أن الفلفل الأحمر الذي نصنع منه الهريسة مفيد للصحة وأنه يحمي من العديد من الأمراض لما يحتويه من فيتامينات يحتاجها الجسم. وقد كانت الشعوب القديمة في عدة أصقاع من العالم تستعمله في العلاج وفي المساعدة على تحمل حرارة الطقس، طبعاً حسب اختلاف المناخات.
وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن هذه الكتيبات المليئة بالصور والرسوم البيانية تعتبر طريقة ذكية في التعريف بخصائص ثقافية تونسية سواء تعلق الأمر بالمهارات في مجال الحرف أو بالعادات الغذائية. فهي تحمل كمّاً مهماً من المعلومات المتنوعة التي تقدم الإفادة دون إثقال كاهل القارئ. ومهم جداً أن تتزين مكتبات التونسيين بمثل هذه الإصدارات التي تجمع بين قيمة المحتوى والشكل الأنيق الذي يليق بتراثنا المادي أو اللامادي.
حياة السايب