إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬ومعضلة‭ ‬‮«‬التسليم‮»‬ ..الجرائم‭ ‬العنصرية‭ ‬بفرنسا‭.. ‬قتل‭ ‬مجاني‭ ‬تؤجّجه‭ ‬الكراهية

أثارت‭ ‬الجريمة‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬المهاجر‭  ‬التونسي‭ ‬هشام‭ ‬الميراوي‭ ‬بالقتل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأنه‭ ‬سبقتها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬العنصرية‭ ‬وسجلت‭ ‬فرنسا‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬ارتفاعا‭ ‬بنسبة‭ ‬11‭ % ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬العنصرية‭ ‬أو‭ ‬المعادية‭ ‬للأجانب‭ ‬أو‭ ‬المناهضة‭ ‬للدين‭. ‬

وقتل‭ ‬هشام‭ ‬الميراوي‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬35‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬يدي‭ ‬مواطنا‭ ‬فرنسيا‭ ‬في‭ ‬الخمسينات‭ ‬من‭ ‬عمره‭  ‬ونشر‭ ‬القاتل‭  ‬قبل‭ ‬الجريمة‭ ‬محتوى‭ ‬كراهية‭ ‬وعنصرية‭ ‬على‭ ‬حساباته‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬




الجريمة‭ ‬هذه‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭  ‬شهر‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬مقتل‭ ‬أبوبكر‭ ‬سيسيه،‭ ‬وهو‭ ‬شاب‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬22‭ ‬عاما،‭ ‬طعنا‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬ببلدة‭ ‬لا‭ ‬جراند‭ ‬كومب‭ ‬جنوب‭ ‬فرنسا‭ ‬وسط‭ ‬تصاعد‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

وتضم‭ ‬فرنسا‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬إذ‭ ‬يبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭ ‬يشكلون‭ ‬نحو‭ ‬10‭ % ‬من‭ ‬سكان‭ ‬البلاد‭.‬

جريمة‭ ‬قتل‭ ‬هشام‭ ‬الميراوي‭ ‬أثارت‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬العنصرية‭ ‬والكراهية‭ ‬ضد‭ ‬الأجانب‭ ‬وتفاعل‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬خالد‭ ‬النوري‭ ‬مع‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬هشام‭ ‬الميراوي‭ ‬بدافع‭ ‬عنصري‭ ‬وطلب‭ ‬من‭  ‬نظيره‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬ضرُورة‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة‭ ‬للجالية‭ ‬التونسيّة‭ ‬المُتواجدة‭ ‬على‭ ‬التراب‭ ‬الفرنسي‭ ‬وتأمينها‮»‬‭ ‬و‮»‬‭ ‬اعتماد‭ ‬مُقاربة‭ ‬استباقيّة‭ ‬لتفادي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تُسيء‭ ‬إلى‭ ‬الإنسانيّة،‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬تكرارها‮»‬،‭ ‬مُضيفا‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهيّة‭ ‬والتعصّب‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يُؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬البشعة‭.‬

ومن‭ ‬جانبه‭ ‬أعرب‭ ‬وزير‭ ‬الدّاخليّة‭ ‬الفرنسي‭ ‬عن‭ ‬إدانته‭ ‬الشديدة‭ ‬لهذه‭ ‬‮«‬الجريمة‭ ‬العُنصريّة‮»‬‭ ‬ووصفها‭ ‬بـ«الإرهابيّة‮»‬،‭ ‬مُؤكّدا‭ ‬رفض‭ ‬سُلطات‭ ‬بلاده‭ ‬التام‭ ‬لكُلّ‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬إثارة‭ ‬الفتنة‭ ‬داخل‭ ‬المُجتمع‭ ‬الفرنسي‭.‬

كما‭ ‬أكدت‭ ‬عديد‭ ‬المنظمات‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تنقّل‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والهجرة‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬هي‭ ‬حق‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬المشروعة‭ ‬لأن‭ ‬الإنسان‭ ‬بالفطرة‭ ‬وُلد‭ ‬مهاجرا‭ ‬ويتنقل‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬التنقل‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ديانتهم‭ ‬أو‭ ‬لونهم‭ ‬أو‭ ‬جنسهم‭..‬

كيف‭ ‬تتم‭ ‬معاقبة‭ ‬الجاني؟

‭ ‬السجن‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭ ‬أو‭ ‬السجن‭ ‬المؤبد‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬هي‭ ‬عقوبة‭ ‬غير‭ ‬محددة‭ ‬المدة‭ ‬وقد‭ ‬تستمر‭ ‬لما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬المحكوم‭ ‬عليه‭. ‬العقوبة‭ ‬هي‭ ‬أشد‭ ‬عقوبة‭ ‬ينص‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬الفرنسي‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تفرضها‭ ‬المحاكم‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬القتل‭ ‬المشدد‭ ‬والخيانة‭ ‬والإرهاب‭ ‬وتجار‭ ‬المخدرات‭ ‬والجرائم‭ ‬الخطيرة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الوفاة‭ ‬أو‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬التعذيب‭.‬

التسليم‭..‬

يندرج‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬الجزائية‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬وفرنسا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفعنا‭ ‬الى‭ ‬التعرض‭ ‬للإطار‭ ‬القانوني‭ ‬المنظم‭ ‬للتسليم‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬وفرنسا‭. ‬

وللإشارة‭ ‬فإنه‭ ‬توجد‭ ‬اتفاقية‭ ‬تسليم‭ ‬مجرمين‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬وفرنسا،‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬هي‭ ‬اتفاقية‭ ‬ثنائية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتعاون‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬الجزائية‭ ‬وتسليم‭ ‬المجرمين‭ ‬

‭ ‬بين‭ ‬الجمهورية‭ ‬التونسية‭ ‬والجمهورية‭ ‬الفرنسية‭. ‬

والغرض‭ ‬منها‭ ‬تسهيل‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الدولتين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تسليم‭ ‬المجرمين‭ ‬للمحاكمة‭ ‬أو‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبة‭. ‬

وتم‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاقية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬ماي‭ ‬1998‭ ‬وصادقت‭ ‬عليها‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬رقم‭ ‬71‭ ‬لسنة‭ ‬1998‭. ‬

وتخضع‭ ‬الاتفاقية‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭ ‬التونسي‭ ‬والقانون‭ ‬الفرنسي‭. ‬

وتساعد‭ ‬الاتفاقية‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬عمليات‭ ‬تسليم‭ ‬المجرمين‭ ‬بين‭ ‬الدولتين‭ ‬كما‭ ‬تعزز‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬وفرنسا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الجريمة‭.‬

كما‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضمان‭ ‬محاكمة‭ ‬المجرمين‭ ‬أو‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبة‭ ‬عليهم‭.‬

وتختلف‭ ‬تفاصيل‭ ‬تطبيق‭ ‬الاتفاقية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حالة‭ ‬فردية‭ ‬وتتطلب‭ ‬إجراءات‭ ‬قانونية‭ ‬خاصة‭. ‬

ويعتبر‭ ‬تسليم‭ ‬المجرمين‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬المواضيع‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬ميدان‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬الدولي‭  ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الجريمة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬الجريمة‭ ‬عادية‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬جرائم‭ ‬الحق‭ ‬العام‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالفساد‭ ‬أو‭ ‬بالإرهاب‭ ‬أو‭ ‬جرائم‭ ‬تبييض‭ ‬الأموال‭. ‬

ويمكن‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬استرداد‭ ‬المجرمين‭  ‬أو‭ ‬تسليمهم‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬قانونية‭ ‬اتفاقية،‭ ‬تستوجب‭ ‬حصول‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬سواء‭ ‬استنادا‭ ‬الى‭ ‬معاهدات‭ ‬ثنائية‭ ‬او‭ ‬إقليمية‭ ‬او‭ ‬متعددة‭ ‬الأطراف‭. ‬

‭ ‬لذلك‭ ‬فان‭ ‬طلب‭ ‬التسليم‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يتضمن‭ ‬تصريحا‭ ‬قانونيا‭ ‬باسترداد‭ ‬شخص‭  ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬الطالبة‭ ‬يقيم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الدولة‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬التسليم‭ ‬وذلك‭ ‬لمحاكمته‭ ‬عن‭ ‬جريمة‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬محاكمها،‭ ‬ويعاقب‭ ‬عليها‭ ‬قانونها،‭ ‬أو‭ ‬لينفّذ‭ ‬عليه‭ ‬حكماً‭ ‬صادراً‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المحاكم‭.‬

و‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬تسليم‭  ‬المجرمين‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬لمكافحة‭ ‬الجريمة،‭ ‬بإلقاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المجرمين‭ ‬الفارين،‭ ‬ومحاكمتهم،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬العقوبة‭ ‬عليهم‭.‬

شروط‭ ‬تسليم‭ ‬المجرمين

‭ ‬تتفق‭ ‬أغلب‭ ‬التشريعات‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية،‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التسليم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬توفرت‭ ‬عدة‭ ‬شروط‭ ‬أولها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التجريم‭ ‬مزدوجا‭ ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬الشرط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الفعل‭ ‬موضوع‭ ‬التسليم‭ ‬مجرّما‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬الدولتين‭ ‬طالبة‭ ‬التسليم،‭ ‬والمطلوب‭ ‬منها‭ ‬التسليم‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬انتهاك‭ ‬حريات‭ ‬الأشخاص‭ ‬وإدانتهم‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬أفعال‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬جريمة‭. ‬

وأن‭ ‬تكون‭ ‬الجريمة‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬وهذا‭ ‬الشرط‭ ‬تفرضه‭ ‬اعتبارات‭ ‬عملية،‭ ‬تتعلق‭ ‬بإجراءات‭ ‬التسليم‭ ‬التي‭ ‬تستغرق‭ ‬مدة‭ ‬طويلة‭  ‬والمكلفة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المادية،‭ ‬لذلك‭ ‬فان‭ ‬اغلب‭ ‬التشاريع‭ ‬والمعاهدات‭ ‬تستثني‭ ‬من‭ ‬التسليم‭ ‬الجنج‭ ‬البسيطة‭.‬

‭ ‬كذلك‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬الجريمة‭ ‬مما‭ ‬يحظر‭ ‬التسليم‭ ‬فيها‭ ‬قانونا‭ ‬أو‭ ‬عرفا‭ ‬وتحظر‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬تسليم‭ ‬الجاني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بعض‭ ‬الجرائم،‭ ‬وهذه‭ ‬الجرائم‭ ‬هي‭ ‬الجرائم‭ ‬السياسية،‭ ‬والجرائم‭ ‬العسكرية‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال،‭ ‬يحق‭ ‬للدولة‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬التسليم،‭ ‬أن‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬التسليم،‭ ‬ويمكن‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬تشترط‭ ‬شرطا‭ ‬تتعلق‭ ‬بعدم‭ ‬تنفيذ‭ ‬بعض‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬مخالفة‭ ‬لنظامها‭ ‬القانوني‭ ‬والإنساني‭ ‬،‭ ‬كعقوبة‭ ‬الإعدام،‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬عقوبة‭ ‬أخرى‭ ‬تمس‭ ‬كرامة‭ ‬المحكوم‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬تحط‭ ‬من‭ ‬إنسانيته‭.‬

‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬الاختصاص‭ ‬القضائي‭ ‬راجعا‭ ‬للدولة‭ ‬طالبة‭ ‬التسليم‭ ‬وهذا‭ ‬الشرط‭ ‬نتيجة‭ ‬منطقية‭ ‬لطبيعة‭ ‬مؤسسة‭ ‬التسليم‭  ‬اذ‭ ‬لا‭ ‬يحق‭  ‬لقضاء‭ ‬الدولة‭ ‬الطالبة‭ ‬تقديم‭ ‬طلب‭ ‬التسليم‭ ‬والحال‭ ‬انه‭ ‬غير‭ ‬مختص‭ ‬قانونا‭. ‬

‭ ‬واذا‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭  ‬التسليم‭ ‬مختصة‭ ‬أيضا‭ ‬بمحاكمة‭ ‬الشخص‭ ‬المعني‭ ‬بالتسليم،‭ ‬فلا‭ ‬يجوز‭ ‬انتزاع‭ ‬الشخص‭ ‬منها‭ ‬لمحاكمته،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬قبلت‭ ‬بذلك‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬رفض‭ ‬التسليم‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬ترك‭ ‬الشخص‭ ‬المعني‭ ‬بالتسليم‭ ‬دون‭  ‬تتبع‭ ‬او‭ ‬محاكمة،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬الرافضة‭ ‬أن‭ ‬تحاكمه‭ ‬أمام‭ ‬محاكمها‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬اختصاصها‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الجريمة‭. ‬

‭ ‬وتتجه‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬تسليم‭ ‬رعاياها‭ ‬أو‭ ‬مواطنيها،‭ ‬وقيامها‭ ‬هي‭ ‬بمحاكمتهم‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبة‭ ‬المستحقة‭ ‬عليهم،‭ ‬وتنفيذها‭ ‬وذلك‭ ‬احتراما‭ ‬لسيادة‭ ‬الدولة‭. ‬

‭ ‬وألا‭ ‬تكون‭ ‬الدعوى‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬العقوبة‭ ‬قد‭ ‬سقطت‭ ‬بأحد‭ ‬أسباب‭ ‬السقوط‭ ‬كالتقادم‭ ‬أو‭ ‬العفو‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬العفو‭ ‬الخاص،‭ ‬وهذا‭ ‬الشرط‭ ‬تفرضه‭ ‬المبادئ‭ ‬العامة‭ ‬للقانون‭ ‬الجزائي‭. ‬

فسقوط‭ ‬الدعوى‭ ‬العامة‭ ‬بأحد‭ ‬أسباب‭ ‬السقوط،‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬محلا‭ ‬استنادا‭ ‬لهذه‭ ‬المبادئ،‭ ‬لإجراء‭ ‬عملية‭ ‬التسليم‭.‬

وألا‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬اتصال‭ ‬القضاء‭ ‬بالجريمة‭ ‬المرتكبة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المعني‭  ‬بالتسليم،‭ ‬وهذا‭ ‬الشرط‭ ‬تتمسك‭ ‬به‭ ‬الدول‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬مقاضاة‭ ‬الأشخاص‭ ‬مرتين‭.‬

شكاية‭ ‬من‭ ‬الورثة‭.. ‬

والفصل‭ ‬307‭ ‬مكرر‭ (‬أضيف‭ ‬بالقانون‭ ‬عدد‭ ‬113‭ ‬لسنة‭ ‬1993‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬نوفمبر‭ ‬1993‭)‬كل‭ ‬من‭ ‬ارتكب‭ ‬خارج‭ ‬التراب‭ ‬التونسي،‭ ‬سواء‭ ‬بوصفه‭ ‬فاعلا‭ ‬أصليا‭ ‬أو‭ ‬شريكا‭ ‬جناية‭ ‬أو‭ ‬جنحة،‭ ‬يمكن‭ ‬تتبعه‭ ‬ومحاكمته‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المحاكم‭ ‬التونسية‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المتضرر‭ ‬تونسي‭ ‬الجنسية‭.‬

ولا‭ ‬يجري‭ ‬التتبع‭ ‬إلا‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬النيابة‭ ‬العمومية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬شكاية‭ ‬من‭ ‬المتضرر‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ورثته‭.. ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬إجراء‭ ‬التتبع‭ ‬إذا‭ ‬أثبت‭ ‬المتهم‭ ‬أنه‭ ‬حكم‭ ‬عليه‭ ‬نهائيا‭ ‬بالخارج،‭ ‬وفي‭ ‬صورة‭ ‬الحكم‭ ‬عليه‭ ‬بالعقاب،‭ ‬أنه‭ ‬قضى‭ ‬العقاب‭ ‬المحكوم‭ ‬به‭ ‬عليه،‭ ‬أو‭ ‬سقط‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن،‭ ‬أو‭ ‬شمله‭ ‬العفو‭.‬

وأما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتسليم‭ ‬المجرمين‭  ‬الأجانب‭ ‬فإن‭ ‬الفصل‭ ‬310‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائية‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬للحكومة‭ ‬أن‭ ‬تسلم‭ ‬لحكومات‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلبها‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬غير‭ ‬تونسي‭ ‬وجد‭ ‬بتراب‭ ‬الجمهورية‭ ‬التونسية‭ ‬وكان‭ ‬موضوع‭ ‬تتبع‭ ‬جار‭ ‬باسم‭ ‬الدولة‭ ‬الطالبة‭ ‬أو‭ ‬موضوع‭ ‬حكم‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬محاكمها‭.‬

لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬منح‭ ‬التسليم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الجريمة‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬قد‭ ‬ارتكبت‭ ‬بتراب‭ ‬الدولة‭ ‬الطالبة‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬رعاياها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أجنبي‭ ‬أو‭ ‬خارج‭ ‬ترابها‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬رعاياها‭ ‬أو‭ ‬خارج‭ ‬ترابها‭ ‬من‭ ‬أجنبي‭ ‬عنها‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬يخول‭ ‬القانون‭ ‬التونسي‭ ‬تتبعها‭ ‬بالبلاد‭ ‬التونسية‭ ‬ولو‭ ‬اقترفها‭ ‬أجنبي‭ ‬بالخارج‭.‬

ولكن‭ ‬المعضلة‭ ‬التي‭ ‬تظل‭ ‬تواجه‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬ومثلها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬ضحاياها‭ ‬مهاجرون‭ ‬قتلوا‭ ‬او‭ ‬تعرضوا‭ ‬الى‭ ‬اي‭ ‬نوع‭ ‬اخر‭ ‬من‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬خلفها‭ ‬دوافع‭ ‬عنصرية‭.. ‬هل‭ ‬أن‭ ‬الضحايا‭ ‬سيتم‭ ‬إنصافهم‭ ‬أمام‭ ‬التعقيدات‭ ‬الإجرائية‭ ‬ومحاكمة‭ ‬الجناة‭ ‬على‭ ‬أراضيهم؟؟

 

مفيدة‭ ‬القيزاني

بين‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬ومعضلة‭ ‬‮«‬التسليم‮»‬ ..الجرائم‭ ‬العنصرية‭ ‬بفرنسا‭.. ‬قتل‭ ‬مجاني‭ ‬تؤجّجه‭ ‬الكراهية

أثارت‭ ‬الجريمة‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬المهاجر‭  ‬التونسي‭ ‬هشام‭ ‬الميراوي‭ ‬بالقتل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأنه‭ ‬سبقتها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬العنصرية‭ ‬وسجلت‭ ‬فرنسا‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬ارتفاعا‭ ‬بنسبة‭ ‬11‭ % ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬العنصرية‭ ‬أو‭ ‬المعادية‭ ‬للأجانب‭ ‬أو‭ ‬المناهضة‭ ‬للدين‭. ‬

وقتل‭ ‬هشام‭ ‬الميراوي‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬35‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬يدي‭ ‬مواطنا‭ ‬فرنسيا‭ ‬في‭ ‬الخمسينات‭ ‬من‭ ‬عمره‭  ‬ونشر‭ ‬القاتل‭  ‬قبل‭ ‬الجريمة‭ ‬محتوى‭ ‬كراهية‭ ‬وعنصرية‭ ‬على‭ ‬حساباته‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬




الجريمة‭ ‬هذه‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭  ‬شهر‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬مقتل‭ ‬أبوبكر‭ ‬سيسيه،‭ ‬وهو‭ ‬شاب‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬22‭ ‬عاما،‭ ‬طعنا‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬ببلدة‭ ‬لا‭ ‬جراند‭ ‬كومب‭ ‬جنوب‭ ‬فرنسا‭ ‬وسط‭ ‬تصاعد‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

وتضم‭ ‬فرنسا‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬إذ‭ ‬يبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭ ‬يشكلون‭ ‬نحو‭ ‬10‭ % ‬من‭ ‬سكان‭ ‬البلاد‭.‬

جريمة‭ ‬قتل‭ ‬هشام‭ ‬الميراوي‭ ‬أثارت‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬العنصرية‭ ‬والكراهية‭ ‬ضد‭ ‬الأجانب‭ ‬وتفاعل‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬خالد‭ ‬النوري‭ ‬مع‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬هشام‭ ‬الميراوي‭ ‬بدافع‭ ‬عنصري‭ ‬وطلب‭ ‬من‭  ‬نظيره‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬ضرُورة‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة‭ ‬للجالية‭ ‬التونسيّة‭ ‬المُتواجدة‭ ‬على‭ ‬التراب‭ ‬الفرنسي‭ ‬وتأمينها‮»‬‭ ‬و‮»‬‭ ‬اعتماد‭ ‬مُقاربة‭ ‬استباقيّة‭ ‬لتفادي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تُسيء‭ ‬إلى‭ ‬الإنسانيّة،‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬تكرارها‮»‬،‭ ‬مُضيفا‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهيّة‭ ‬والتعصّب‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يُؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬البشعة‭.‬

ومن‭ ‬جانبه‭ ‬أعرب‭ ‬وزير‭ ‬الدّاخليّة‭ ‬الفرنسي‭ ‬عن‭ ‬إدانته‭ ‬الشديدة‭ ‬لهذه‭ ‬‮«‬الجريمة‭ ‬العُنصريّة‮»‬‭ ‬ووصفها‭ ‬بـ«الإرهابيّة‮»‬،‭ ‬مُؤكّدا‭ ‬رفض‭ ‬سُلطات‭ ‬بلاده‭ ‬التام‭ ‬لكُلّ‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬إثارة‭ ‬الفتنة‭ ‬داخل‭ ‬المُجتمع‭ ‬الفرنسي‭.‬

كما‭ ‬أكدت‭ ‬عديد‭ ‬المنظمات‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تنقّل‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والهجرة‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬هي‭ ‬حق‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬المشروعة‭ ‬لأن‭ ‬الإنسان‭ ‬بالفطرة‭ ‬وُلد‭ ‬مهاجرا‭ ‬ويتنقل‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬التنقل‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ديانتهم‭ ‬أو‭ ‬لونهم‭ ‬أو‭ ‬جنسهم‭..‬

كيف‭ ‬تتم‭ ‬معاقبة‭ ‬الجاني؟

‭ ‬السجن‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭ ‬أو‭ ‬السجن‭ ‬المؤبد‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬هي‭ ‬عقوبة‭ ‬غير‭ ‬محددة‭ ‬المدة‭ ‬وقد‭ ‬تستمر‭ ‬لما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬المحكوم‭ ‬عليه‭. ‬العقوبة‭ ‬هي‭ ‬أشد‭ ‬عقوبة‭ ‬ينص‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬الفرنسي‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تفرضها‭ ‬المحاكم‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬القتل‭ ‬المشدد‭ ‬والخيانة‭ ‬والإرهاب‭ ‬وتجار‭ ‬المخدرات‭ ‬والجرائم‭ ‬الخطيرة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الوفاة‭ ‬أو‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬التعذيب‭.‬

التسليم‭..‬

يندرج‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬الجزائية‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬وفرنسا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفعنا‭ ‬الى‭ ‬التعرض‭ ‬للإطار‭ ‬القانوني‭ ‬المنظم‭ ‬للتسليم‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬وفرنسا‭. ‬

وللإشارة‭ ‬فإنه‭ ‬توجد‭ ‬اتفاقية‭ ‬تسليم‭ ‬مجرمين‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬وفرنسا،‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬هي‭ ‬اتفاقية‭ ‬ثنائية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتعاون‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬الجزائية‭ ‬وتسليم‭ ‬المجرمين‭ ‬

‭ ‬بين‭ ‬الجمهورية‭ ‬التونسية‭ ‬والجمهورية‭ ‬الفرنسية‭. ‬

والغرض‭ ‬منها‭ ‬تسهيل‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الدولتين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تسليم‭ ‬المجرمين‭ ‬للمحاكمة‭ ‬أو‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبة‭. ‬

وتم‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاقية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬ماي‭ ‬1998‭ ‬وصادقت‭ ‬عليها‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬رقم‭ ‬71‭ ‬لسنة‭ ‬1998‭. ‬

وتخضع‭ ‬الاتفاقية‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭ ‬التونسي‭ ‬والقانون‭ ‬الفرنسي‭. ‬

وتساعد‭ ‬الاتفاقية‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬عمليات‭ ‬تسليم‭ ‬المجرمين‭ ‬بين‭ ‬الدولتين‭ ‬كما‭ ‬تعزز‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬وفرنسا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الجريمة‭.‬

كما‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضمان‭ ‬محاكمة‭ ‬المجرمين‭ ‬أو‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبة‭ ‬عليهم‭.‬

وتختلف‭ ‬تفاصيل‭ ‬تطبيق‭ ‬الاتفاقية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حالة‭ ‬فردية‭ ‬وتتطلب‭ ‬إجراءات‭ ‬قانونية‭ ‬خاصة‭. ‬

ويعتبر‭ ‬تسليم‭ ‬المجرمين‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬المواضيع‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬ميدان‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬الدولي‭  ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الجريمة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬الجريمة‭ ‬عادية‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬جرائم‭ ‬الحق‭ ‬العام‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالفساد‭ ‬أو‭ ‬بالإرهاب‭ ‬أو‭ ‬جرائم‭ ‬تبييض‭ ‬الأموال‭. ‬

ويمكن‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬استرداد‭ ‬المجرمين‭  ‬أو‭ ‬تسليمهم‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬قانونية‭ ‬اتفاقية،‭ ‬تستوجب‭ ‬حصول‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬سواء‭ ‬استنادا‭ ‬الى‭ ‬معاهدات‭ ‬ثنائية‭ ‬او‭ ‬إقليمية‭ ‬او‭ ‬متعددة‭ ‬الأطراف‭. ‬

‭ ‬لذلك‭ ‬فان‭ ‬طلب‭ ‬التسليم‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يتضمن‭ ‬تصريحا‭ ‬قانونيا‭ ‬باسترداد‭ ‬شخص‭  ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬الطالبة‭ ‬يقيم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الدولة‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬التسليم‭ ‬وذلك‭ ‬لمحاكمته‭ ‬عن‭ ‬جريمة‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬محاكمها،‭ ‬ويعاقب‭ ‬عليها‭ ‬قانونها،‭ ‬أو‭ ‬لينفّذ‭ ‬عليه‭ ‬حكماً‭ ‬صادراً‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المحاكم‭.‬

و‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬تسليم‭  ‬المجرمين‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬لمكافحة‭ ‬الجريمة،‭ ‬بإلقاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المجرمين‭ ‬الفارين،‭ ‬ومحاكمتهم،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬العقوبة‭ ‬عليهم‭.‬

شروط‭ ‬تسليم‭ ‬المجرمين

‭ ‬تتفق‭ ‬أغلب‭ ‬التشريعات‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية،‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التسليم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬توفرت‭ ‬عدة‭ ‬شروط‭ ‬أولها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التجريم‭ ‬مزدوجا‭ ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬الشرط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الفعل‭ ‬موضوع‭ ‬التسليم‭ ‬مجرّما‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬الدولتين‭ ‬طالبة‭ ‬التسليم،‭ ‬والمطلوب‭ ‬منها‭ ‬التسليم‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬انتهاك‭ ‬حريات‭ ‬الأشخاص‭ ‬وإدانتهم‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬أفعال‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬جريمة‭. ‬

وأن‭ ‬تكون‭ ‬الجريمة‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬وهذا‭ ‬الشرط‭ ‬تفرضه‭ ‬اعتبارات‭ ‬عملية،‭ ‬تتعلق‭ ‬بإجراءات‭ ‬التسليم‭ ‬التي‭ ‬تستغرق‭ ‬مدة‭ ‬طويلة‭  ‬والمكلفة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المادية،‭ ‬لذلك‭ ‬فان‭ ‬اغلب‭ ‬التشاريع‭ ‬والمعاهدات‭ ‬تستثني‭ ‬من‭ ‬التسليم‭ ‬الجنج‭ ‬البسيطة‭.‬

‭ ‬كذلك‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬الجريمة‭ ‬مما‭ ‬يحظر‭ ‬التسليم‭ ‬فيها‭ ‬قانونا‭ ‬أو‭ ‬عرفا‭ ‬وتحظر‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬تسليم‭ ‬الجاني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بعض‭ ‬الجرائم،‭ ‬وهذه‭ ‬الجرائم‭ ‬هي‭ ‬الجرائم‭ ‬السياسية،‭ ‬والجرائم‭ ‬العسكرية‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال،‭ ‬يحق‭ ‬للدولة‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬التسليم،‭ ‬أن‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬التسليم،‭ ‬ويمكن‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬تشترط‭ ‬شرطا‭ ‬تتعلق‭ ‬بعدم‭ ‬تنفيذ‭ ‬بعض‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬مخالفة‭ ‬لنظامها‭ ‬القانوني‭ ‬والإنساني‭ ‬،‭ ‬كعقوبة‭ ‬الإعدام،‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬عقوبة‭ ‬أخرى‭ ‬تمس‭ ‬كرامة‭ ‬المحكوم‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬تحط‭ ‬من‭ ‬إنسانيته‭.‬

‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬الاختصاص‭ ‬القضائي‭ ‬راجعا‭ ‬للدولة‭ ‬طالبة‭ ‬التسليم‭ ‬وهذا‭ ‬الشرط‭ ‬نتيجة‭ ‬منطقية‭ ‬لطبيعة‭ ‬مؤسسة‭ ‬التسليم‭  ‬اذ‭ ‬لا‭ ‬يحق‭  ‬لقضاء‭ ‬الدولة‭ ‬الطالبة‭ ‬تقديم‭ ‬طلب‭ ‬التسليم‭ ‬والحال‭ ‬انه‭ ‬غير‭ ‬مختص‭ ‬قانونا‭. ‬

‭ ‬واذا‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭  ‬التسليم‭ ‬مختصة‭ ‬أيضا‭ ‬بمحاكمة‭ ‬الشخص‭ ‬المعني‭ ‬بالتسليم،‭ ‬فلا‭ ‬يجوز‭ ‬انتزاع‭ ‬الشخص‭ ‬منها‭ ‬لمحاكمته،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬قبلت‭ ‬بذلك‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬رفض‭ ‬التسليم‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬ترك‭ ‬الشخص‭ ‬المعني‭ ‬بالتسليم‭ ‬دون‭  ‬تتبع‭ ‬او‭ ‬محاكمة،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬الرافضة‭ ‬أن‭ ‬تحاكمه‭ ‬أمام‭ ‬محاكمها‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬اختصاصها‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬التعاون‭ ‬القضائي‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الجريمة‭. ‬

‭ ‬وتتجه‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬تسليم‭ ‬رعاياها‭ ‬أو‭ ‬مواطنيها،‭ ‬وقيامها‭ ‬هي‭ ‬بمحاكمتهم‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبة‭ ‬المستحقة‭ ‬عليهم،‭ ‬وتنفيذها‭ ‬وذلك‭ ‬احتراما‭ ‬لسيادة‭ ‬الدولة‭. ‬

‭ ‬وألا‭ ‬تكون‭ ‬الدعوى‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬العقوبة‭ ‬قد‭ ‬سقطت‭ ‬بأحد‭ ‬أسباب‭ ‬السقوط‭ ‬كالتقادم‭ ‬أو‭ ‬العفو‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬العفو‭ ‬الخاص،‭ ‬وهذا‭ ‬الشرط‭ ‬تفرضه‭ ‬المبادئ‭ ‬العامة‭ ‬للقانون‭ ‬الجزائي‭. ‬

فسقوط‭ ‬الدعوى‭ ‬العامة‭ ‬بأحد‭ ‬أسباب‭ ‬السقوط،‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬محلا‭ ‬استنادا‭ ‬لهذه‭ ‬المبادئ،‭ ‬لإجراء‭ ‬عملية‭ ‬التسليم‭.‬

وألا‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬اتصال‭ ‬القضاء‭ ‬بالجريمة‭ ‬المرتكبة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المعني‭  ‬بالتسليم،‭ ‬وهذا‭ ‬الشرط‭ ‬تتمسك‭ ‬به‭ ‬الدول‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬مقاضاة‭ ‬الأشخاص‭ ‬مرتين‭.‬

شكاية‭ ‬من‭ ‬الورثة‭.. ‬

والفصل‭ ‬307‭ ‬مكرر‭ (‬أضيف‭ ‬بالقانون‭ ‬عدد‭ ‬113‭ ‬لسنة‭ ‬1993‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬نوفمبر‭ ‬1993‭)‬كل‭ ‬من‭ ‬ارتكب‭ ‬خارج‭ ‬التراب‭ ‬التونسي،‭ ‬سواء‭ ‬بوصفه‭ ‬فاعلا‭ ‬أصليا‭ ‬أو‭ ‬شريكا‭ ‬جناية‭ ‬أو‭ ‬جنحة،‭ ‬يمكن‭ ‬تتبعه‭ ‬ومحاكمته‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المحاكم‭ ‬التونسية‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المتضرر‭ ‬تونسي‭ ‬الجنسية‭.‬

ولا‭ ‬يجري‭ ‬التتبع‭ ‬إلا‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬النيابة‭ ‬العمومية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬شكاية‭ ‬من‭ ‬المتضرر‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ورثته‭.. ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬إجراء‭ ‬التتبع‭ ‬إذا‭ ‬أثبت‭ ‬المتهم‭ ‬أنه‭ ‬حكم‭ ‬عليه‭ ‬نهائيا‭ ‬بالخارج،‭ ‬وفي‭ ‬صورة‭ ‬الحكم‭ ‬عليه‭ ‬بالعقاب،‭ ‬أنه‭ ‬قضى‭ ‬العقاب‭ ‬المحكوم‭ ‬به‭ ‬عليه،‭ ‬أو‭ ‬سقط‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن،‭ ‬أو‭ ‬شمله‭ ‬العفو‭.‬

وأما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتسليم‭ ‬المجرمين‭  ‬الأجانب‭ ‬فإن‭ ‬الفصل‭ ‬310‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائية‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬للحكومة‭ ‬أن‭ ‬تسلم‭ ‬لحكومات‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلبها‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬غير‭ ‬تونسي‭ ‬وجد‭ ‬بتراب‭ ‬الجمهورية‭ ‬التونسية‭ ‬وكان‭ ‬موضوع‭ ‬تتبع‭ ‬جار‭ ‬باسم‭ ‬الدولة‭ ‬الطالبة‭ ‬أو‭ ‬موضوع‭ ‬حكم‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬محاكمها‭.‬

لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬منح‭ ‬التسليم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الجريمة‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬قد‭ ‬ارتكبت‭ ‬بتراب‭ ‬الدولة‭ ‬الطالبة‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬رعاياها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أجنبي‭ ‬أو‭ ‬خارج‭ ‬ترابها‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬رعاياها‭ ‬أو‭ ‬خارج‭ ‬ترابها‭ ‬من‭ ‬أجنبي‭ ‬عنها‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬يخول‭ ‬القانون‭ ‬التونسي‭ ‬تتبعها‭ ‬بالبلاد‭ ‬التونسية‭ ‬ولو‭ ‬اقترفها‭ ‬أجنبي‭ ‬بالخارج‭.‬

ولكن‭ ‬المعضلة‭ ‬التي‭ ‬تظل‭ ‬تواجه‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬ومثلها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬ضحاياها‭ ‬مهاجرون‭ ‬قتلوا‭ ‬او‭ ‬تعرضوا‭ ‬الى‭ ‬اي‭ ‬نوع‭ ‬اخر‭ ‬من‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬خلفها‭ ‬دوافع‭ ‬عنصرية‭.. ‬هل‭ ‬أن‭ ‬الضحايا‭ ‬سيتم‭ ‬إنصافهم‭ ‬أمام‭ ‬التعقيدات‭ ‬الإجرائية‭ ‬ومحاكمة‭ ‬الجناة‭ ‬على‭ ‬أراضيهم؟؟

 

مفيدة‭ ‬القيزاني