إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ملفات‭ ‬وطنية‭ ‬ذات‭ ‬أولوية تـوجه‭ ‬نحو‭ ‬ثورة‭ ‬إداريـة‭.. ‬والشباب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المعادلة

 

‭    ‬في‭ ‬إطار‭ ‬متابعته‭ ‬لسير‭ ‬دواليب‭ ‬الدولة‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬مبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬استقبل‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد،‭ ‬الأربعاء‭ ‬الماضي،‭ ‬بقصر‭ ‬قرطاج‭ ‬رئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬سارة‭ ‬الزعفراني‭ ‬الزنزري،‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬تناول‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المحاور‭ ‬الوطنية‭ ‬ذات‭ ‬الأولوية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتها‭ ‬واقع‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬وسبل‭ ‬إصلاحها،‭ ‬وكيفية‭ ‬ترسيخ‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬تمكين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬لعب‭ ‬أدوار‭ ‬متقدّمة‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬نص‭ ‬قانوني‭ ‬لتوفير‭ ‬تغطية‭ ‬اجتماعية‭ ‬لفئات‭ ‬ظلت‭ ‬لعقود‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المنظومة‭. ‬ليعكس‭ ‬اللقاء‭ ‬ملامح‭ ‬فلسفة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬قوامها‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والإنصاف،‭ ‬كما‭ ‬أكّد‭ ‬كثيرون‭.‬



كما‭ ‬تناول‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬لقائه‭ ‬مع‭ ‬رئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬محاور‭ ‬هامة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬سير‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬والوضع‭ ‬الذي‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬والمنشآت‭ ‬العمومية‭.‬

وجدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الإدارة‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬منظوريها‭ ‬دون‭ ‬تمييز،‭ ‬وعلى‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مثالا‭ ‬في‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء‭ ‬وتذليل‭ ‬العقبات،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬الإدارية‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭ ‬ويجب‭ ‬ترتيب‭ ‬الجزاء‭ ‬القانوني‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تقصير‭ ‬مقصود‭ ‬أو‭ ‬إخلال‭ ‬متعمّد‭ ‬بالواجب‭.‬

كما‭ ‬أشار‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬الحكمة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬تعدّد‭ ‬المؤسسات‭ ‬وإهدار‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬نجاعتها‭ ‬وتحقيقها‭ ‬للأهداف‭ ‬التي‭ ‬أُحدثت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬مجددًا‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الشباب‭ ‬المتّقد‭ ‬حماسا‭ ‬ووطنية‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤولية،‭ ‬وآن‭ ‬الأوان‭ ‬لأن‭ ‬يتسلّم‭ ‬المشعل،‭ ‬فيكفي‭ ‬إيجاد‭ ‬تصوّرات‭ ‬جديدة‭ ‬بفكر‭ ‬جديد‭ ‬وتعديل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬حتى‭ ‬يتحقّق‭ ‬البناء‭ ‬والتشييد‭. ‬فتونس‭ ‬تعيش‭ ‬اليوم‭ ‬لحظة‭ ‬التحدّي‭ ‬والعبور،‭ ‬والشعب‭ ‬التونسي‭ ‬بإيمانه‭ ‬العميق‭ ‬بهذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬وبضرورة‭ ‬العبور‭ ‬النهائي‭ ‬سيعبر،‭ ‬ومن‭ ‬اختار‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬فلا‭ ‬مكان‭ ‬له‭ ‬داخل‭ ‬هياكل‭ ‬الدولة،‭ ‬فالثورة‭ ‬التشريعية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتبعها‭ ‬ثورة‭ ‬إدارية‭.‬

كما‭ ‬أكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للتفريط‭ ‬في‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬ومنشآتنا‭ ‬العمومية،‭ ‬وسيتمّ‭ ‬تحميل‭ ‬المسؤولية‭ ‬القانونية‭ ‬كاملة‭ ‬لمن‭ ‬خرّبها،‭ ‬وفي‭ ‬ظنه‭ ‬أنّ‭ ‬تخريبها‭ ‬سيكون‭ ‬تمهيدًا‭ ‬للتفويت‭ ‬فيها‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬يخوض‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬وطني‭ ‬وقام‭ ‬بعملية‭ ‬فرز‭ ‬تاريخي،‭ ‬وستستمرّ‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬مُوحّدةً‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬خطّها‭ ‬الشعب‭ ‬وعبّدها،‭ ‬كما‭ ‬سيستمرّ‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بصفة‭ ‬موازية‭ ‬للمجال‭ ‬الاقتصادي‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬مشاريع‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬تناولها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭: ‬التغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لمن‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬دون‭ ‬تغطية‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬كالعاملات‭ ‬الفلاحيات‭ ‬وعمال‭ ‬الحضائر‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬التفقير‭ ‬والإقصاء‭.‬

اللقاء‭ ‬وصفه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬بالهام‭ ‬نظرًا‭ ‬للمحاور‭ ‬التي‭ ‬تضمنها،‭ ‬والتي‭ ‬تعكس‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬مبادئ‭ ‬ترسيخ‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬تشخيصًا‭ ‬دقيقًا‭ ‬لوضع‭ ‬الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬وباقي‭ ‬المنشآت‭ ‬العمومية،‭ ‬حيث‭ ‬شدد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إصلاح‭ ‬الإدارة‭ ‬التي‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬أداء‭ ‬بعضها‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬تطلعات‭ ‬المواطنين،‭ ‬مشددًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المرفق‭ ‬العمومي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الشعب‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭.‬

تطهير‭ ‬الإدارة

وانتقد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬بالإخلالات‭ ‬المقصودة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬الإدارية،‭ ‬مطالبًا‭ ‬بترتيب‭ ‬الجزاء‭ ‬القانوني‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تقصير‭ ‬متعمّد‭. ‬وهو‭ ‬موقف‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬خطاباته‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬تكرس‭ ‬التزامه‭ ‬الراسخ‭ ‬بضرورة‭ ‬تطوير‭ ‬أداء‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬تيسير‭ ‬الخدمات‭ ‬للمواطنين،‭ ‬ويُجسّد‭ ‬مبدأ‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الشعب‭. ‬حيث‭ ‬شدد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬هذه‭ ‬المرافق‭ ‬قدوة‭ ‬في‭ ‬البذل‭ ‬والانضباط،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أنّ‭ ‬أيّ‭ ‬تقصير‭ ‬متعمّد‭ ‬أو‭ ‬إخلال‭ ‬بالواجب‭ ‬لن‭ ‬يمرّ‭ ‬دون‭ ‬تحميل‭ ‬المسؤوليات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭.‬

هذا‭ ‬التوجّه‭ ‬الإصلاحي‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬لتأهيل‭ ‬الإدارة‭ ‬وتطهيرها‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬أشكال‭ ‬التراخي‭ ‬والبيروقراطية،‭ ‬بما‭ ‬يُعيد‭ ‬ثقة‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬دولته‭ ‬ويضمن‭ ‬حسن‭ ‬تسيير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬يرى‭ ‬كثيرون‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬النقاط‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬فحوى‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬كون‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المعادلة‭ ‬الجديدة‭. ‬وهي‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬اللافتة‭ ‬في‭ ‬فحوى‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء،‭ ‬حيث‭ ‬جدد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بدور‭ ‬محوري‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬شؤون‭ ‬الدولة‭ ‬ودواليبها،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬اللحظة‭ ‬التاريخية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭ ‬تفرض‭ ‬تسليم‭ ‬المشعل‭ ‬لجيل‭ ‬جديد،‭ ‬مسلح‭ ‬بالحماس‭ ‬والفكر‭ ‬المتجدّد‭. ‬وهذا‭ ‬التمشي‭ ‬يُعبّر‭ ‬عن‭ ‬توجّه‭ ‬واضح‭ ‬نحو‭ ‬إحداث‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬النخب‭ ‬التقليدية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬يرى‭ ‬كثيرون‭ ‬أنّ‭ ‬الشباب‭ ‬وبما‭ ‬يملكونه‭ ‬من‭ ‬حماس‭ ‬ووطنية‭ ‬وصدق‭ ‬في‭ ‬الانتماء،‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬تسلّم‭ ‬المشعل‭ ‬متى‭ ‬توفّرت‭ ‬لهم‭ ‬الفرصة‭ ‬والإطار‭ ‬الملائم‭. ‬وهذه‭ ‬الرؤية‭ ‬تُترجم‭ ‬توجّهًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬يؤمن‭ ‬بضرورة‭ ‬تجديد‭ ‬النخب،‭ ‬وضخّ‭ ‬دماء‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة،‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الكفاءة‭ ‬ونظافة‭ ‬اليد،‭ ‬بما‭ ‬يُعزّز‭ ‬ديناميكية‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬ويواكب‭ ‬تطلعات‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬وفي‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬تعكس‭ ‬تمسك‭ ‬الدولة‭ ‬بخياراتها‭ ‬السيادية،‭ ‬أكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬أنّ‭ ‬المنشآت‭ ‬العمومية‭ ‬تمثل‭ ‬مكسبًا‭ ‬وطنيًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التفريط‭ ‬فيه،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬أية‭ ‬محاولة‭ ‬لتخريبها‭ ‬بدعوى‭ ‬التمهيد‭ ‬لخوصصتها،‭ ‬ستُقابل‭ ‬بالحزم‭ ‬وستُحمّل‭ ‬فيها‭ ‬المسؤوليات‭ ‬القانونية‭ ‬لكلّ‭ ‬من‭ ‬تثبت‭ ‬مسؤوليته‭.‬

وهذه‭ ‬المقاربة‭ ‬تُجسّد‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬مقدّرات‭ ‬الشعب،‭ ‬وتعكس‭ ‬حرص‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

وفي‭ ‬الاتجاه‭ ‬ذاته،‭ ‬ومن‭ ‬النقاط‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬اللقاء‭ ‬هو‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬نص‭ ‬قانوني‭ ‬لتوفير‭ ‬تغطية‭ ‬اجتماعية‭ ‬لفئات‭ ‬ظلت‭ ‬لعقود‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المنظومة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬العاملات‭ ‬الفلاحيات‭ ‬وعمال‭ ‬الحضائر‭. ‬وهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬تعكس‭ ‬فلسفة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬مبدئي‭ ‬العدالة‭ ‬والإنصاف،‭ ‬كما‭ ‬تمثل‭ ‬مكسبًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬يعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لشريحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬عانوا‭ ‬من‭ ‬التهميش‭ ‬واللاعدالة‭.‬

وهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬تمثل‭ ‬أيضًا،‭ ‬وفقًا‭ ‬للسواد‭ ‬الأعظم،‭ ‬خطوة‭ ‬نوعية‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتجسيدًا‭ ‬فعليًا‭ ‬للدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬أولوياتها‭ ‬وسياساتها‭ ‬وخياراتها‭.‬

ليختتم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬اللقاء‭ ‬بتأكيده‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬ستبقى‭ ‬موحّدة‭ ‬خلف‭ ‬إرادة‭ ‬شعبها،‭ ‬وستواصل‭ ‬التقدّم‭ ‬على‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬المواطنون،‭ ‬وهو‭ ‬مسار‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬الإرادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والموازنة‭ ‬بين‭ ‬المجالين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬بما‭ ‬يقطع‭ ‬مع‭ ‬السائد‭ ‬ويُمهّد‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬قوامها‭ ‬العمل‭ ‬والشفافية‭ ‬والكرامة‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

على‭ ‬درب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية

وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬لقاء‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬مع‭ ‬رئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬مثل‭ ‬محطة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬ترسيخ‭ ‬مبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬إذ‭ ‬يعكس‭ ‬اللقاء‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬الإنصات‭ ‬لمشاغل‭ ‬الفئات‭ ‬المهمّشة‭ ‬والانتصار‭ ‬لحقوقها‭ ‬المشروعة‭. ‬فبفتح‭ ‬ملفّ‭ ‬التغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لمن‭ ‬حُرموا‭ ‬منها‭ ‬لعقود،‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتهم‭ ‬العاملات‭ ‬الفلاحيات‭ ‬وعمّال‭ ‬الحضائر،‭ ‬يُثبت‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬مجددًا‭ ‬أنّ‭ ‬الدولة‭ ‬ليست‭ ‬قابعة‭ ‬في‭ ‬برجها‭ ‬العاجي‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬أبنائها،‭ ‬بل‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التفاوت‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بسياسات‭ ‬فعلية‭ ‬وإجراءات‭ ‬ملموسة،‭ ‬تضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الأولويات‭. ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬شعار،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مسار‭ ‬يستمد‭ ‬شرعيته‭ ‬من‭ ‬الحوار،‭ ‬والتشخيص‭ ‬الدقيق،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬القرارات‭ ‬المتخذة‭.‬

ليخلص‭ ‬متابعون‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬المسائل‭ ‬المطروحة‭ ‬ضمن‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬برئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬يُعدّ‭ ‬بمثابة‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬واضحة‭ ‬لإصلاح‭ ‬حقيقي،‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الحزم‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون،‭ ‬والرؤية‭ ‬المستقبلية‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬الشباب،‭ ‬والعدالة‭ ‬في‭ ‬الإنصاف‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬مما‭ ‬يعزّز‭ ‬ثقة‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬دولته‭ ‬ويُرسّخ‭ ‬أسس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭.‬




منال‭ ‬حرزي

ملفات‭ ‬وطنية‭ ‬ذات‭ ‬أولوية تـوجه‭ ‬نحو‭ ‬ثورة‭ ‬إداريـة‭.. ‬والشباب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المعادلة

 

‭    ‬في‭ ‬إطار‭ ‬متابعته‭ ‬لسير‭ ‬دواليب‭ ‬الدولة‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬مبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬استقبل‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد،‭ ‬الأربعاء‭ ‬الماضي،‭ ‬بقصر‭ ‬قرطاج‭ ‬رئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬سارة‭ ‬الزعفراني‭ ‬الزنزري،‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬تناول‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المحاور‭ ‬الوطنية‭ ‬ذات‭ ‬الأولوية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتها‭ ‬واقع‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬وسبل‭ ‬إصلاحها،‭ ‬وكيفية‭ ‬ترسيخ‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬تمكين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬لعب‭ ‬أدوار‭ ‬متقدّمة‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬نص‭ ‬قانوني‭ ‬لتوفير‭ ‬تغطية‭ ‬اجتماعية‭ ‬لفئات‭ ‬ظلت‭ ‬لعقود‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المنظومة‭. ‬ليعكس‭ ‬اللقاء‭ ‬ملامح‭ ‬فلسفة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬قوامها‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والإنصاف،‭ ‬كما‭ ‬أكّد‭ ‬كثيرون‭.‬



كما‭ ‬تناول‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬لقائه‭ ‬مع‭ ‬رئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬محاور‭ ‬هامة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬سير‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬والوضع‭ ‬الذي‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬والمنشآت‭ ‬العمومية‭.‬

وجدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الإدارة‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬منظوريها‭ ‬دون‭ ‬تمييز،‭ ‬وعلى‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مثالا‭ ‬في‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء‭ ‬وتذليل‭ ‬العقبات،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬الإدارية‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭ ‬ويجب‭ ‬ترتيب‭ ‬الجزاء‭ ‬القانوني‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تقصير‭ ‬مقصود‭ ‬أو‭ ‬إخلال‭ ‬متعمّد‭ ‬بالواجب‭.‬

كما‭ ‬أشار‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬الحكمة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬تعدّد‭ ‬المؤسسات‭ ‬وإهدار‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬نجاعتها‭ ‬وتحقيقها‭ ‬للأهداف‭ ‬التي‭ ‬أُحدثت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬مجددًا‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الشباب‭ ‬المتّقد‭ ‬حماسا‭ ‬ووطنية‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤولية،‭ ‬وآن‭ ‬الأوان‭ ‬لأن‭ ‬يتسلّم‭ ‬المشعل،‭ ‬فيكفي‭ ‬إيجاد‭ ‬تصوّرات‭ ‬جديدة‭ ‬بفكر‭ ‬جديد‭ ‬وتعديل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬حتى‭ ‬يتحقّق‭ ‬البناء‭ ‬والتشييد‭. ‬فتونس‭ ‬تعيش‭ ‬اليوم‭ ‬لحظة‭ ‬التحدّي‭ ‬والعبور،‭ ‬والشعب‭ ‬التونسي‭ ‬بإيمانه‭ ‬العميق‭ ‬بهذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬وبضرورة‭ ‬العبور‭ ‬النهائي‭ ‬سيعبر،‭ ‬ومن‭ ‬اختار‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬فلا‭ ‬مكان‭ ‬له‭ ‬داخل‭ ‬هياكل‭ ‬الدولة،‭ ‬فالثورة‭ ‬التشريعية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتبعها‭ ‬ثورة‭ ‬إدارية‭.‬

كما‭ ‬أكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للتفريط‭ ‬في‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬ومنشآتنا‭ ‬العمومية،‭ ‬وسيتمّ‭ ‬تحميل‭ ‬المسؤولية‭ ‬القانونية‭ ‬كاملة‭ ‬لمن‭ ‬خرّبها،‭ ‬وفي‭ ‬ظنه‭ ‬أنّ‭ ‬تخريبها‭ ‬سيكون‭ ‬تمهيدًا‭ ‬للتفويت‭ ‬فيها‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬يخوض‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬وطني‭ ‬وقام‭ ‬بعملية‭ ‬فرز‭ ‬تاريخي،‭ ‬وستستمرّ‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬مُوحّدةً‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬خطّها‭ ‬الشعب‭ ‬وعبّدها،‭ ‬كما‭ ‬سيستمرّ‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بصفة‭ ‬موازية‭ ‬للمجال‭ ‬الاقتصادي‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬مشاريع‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬تناولها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭: ‬التغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لمن‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬دون‭ ‬تغطية‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬كالعاملات‭ ‬الفلاحيات‭ ‬وعمال‭ ‬الحضائر‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬التفقير‭ ‬والإقصاء‭.‬

اللقاء‭ ‬وصفه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬بالهام‭ ‬نظرًا‭ ‬للمحاور‭ ‬التي‭ ‬تضمنها،‭ ‬والتي‭ ‬تعكس‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬مبادئ‭ ‬ترسيخ‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬تشخيصًا‭ ‬دقيقًا‭ ‬لوضع‭ ‬الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬وباقي‭ ‬المنشآت‭ ‬العمومية،‭ ‬حيث‭ ‬شدد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إصلاح‭ ‬الإدارة‭ ‬التي‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬أداء‭ ‬بعضها‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬تطلعات‭ ‬المواطنين،‭ ‬مشددًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المرفق‭ ‬العمومي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الشعب‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭.‬

تطهير‭ ‬الإدارة

وانتقد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬بالإخلالات‭ ‬المقصودة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬الإدارية،‭ ‬مطالبًا‭ ‬بترتيب‭ ‬الجزاء‭ ‬القانوني‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تقصير‭ ‬متعمّد‭. ‬وهو‭ ‬موقف‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬خطاباته‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬تكرس‭ ‬التزامه‭ ‬الراسخ‭ ‬بضرورة‭ ‬تطوير‭ ‬أداء‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬تيسير‭ ‬الخدمات‭ ‬للمواطنين،‭ ‬ويُجسّد‭ ‬مبدأ‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الشعب‭. ‬حيث‭ ‬شدد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬هذه‭ ‬المرافق‭ ‬قدوة‭ ‬في‭ ‬البذل‭ ‬والانضباط،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أنّ‭ ‬أيّ‭ ‬تقصير‭ ‬متعمّد‭ ‬أو‭ ‬إخلال‭ ‬بالواجب‭ ‬لن‭ ‬يمرّ‭ ‬دون‭ ‬تحميل‭ ‬المسؤوليات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭.‬

هذا‭ ‬التوجّه‭ ‬الإصلاحي‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬لتأهيل‭ ‬الإدارة‭ ‬وتطهيرها‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬أشكال‭ ‬التراخي‭ ‬والبيروقراطية،‭ ‬بما‭ ‬يُعيد‭ ‬ثقة‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬دولته‭ ‬ويضمن‭ ‬حسن‭ ‬تسيير‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬يرى‭ ‬كثيرون‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬النقاط‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬فحوى‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬كون‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المعادلة‭ ‬الجديدة‭. ‬وهي‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬اللافتة‭ ‬في‭ ‬فحوى‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء،‭ ‬حيث‭ ‬جدد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بدور‭ ‬محوري‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬شؤون‭ ‬الدولة‭ ‬ودواليبها،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬اللحظة‭ ‬التاريخية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭ ‬تفرض‭ ‬تسليم‭ ‬المشعل‭ ‬لجيل‭ ‬جديد،‭ ‬مسلح‭ ‬بالحماس‭ ‬والفكر‭ ‬المتجدّد‭. ‬وهذا‭ ‬التمشي‭ ‬يُعبّر‭ ‬عن‭ ‬توجّه‭ ‬واضح‭ ‬نحو‭ ‬إحداث‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬النخب‭ ‬التقليدية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬يرى‭ ‬كثيرون‭ ‬أنّ‭ ‬الشباب‭ ‬وبما‭ ‬يملكونه‭ ‬من‭ ‬حماس‭ ‬ووطنية‭ ‬وصدق‭ ‬في‭ ‬الانتماء،‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬تسلّم‭ ‬المشعل‭ ‬متى‭ ‬توفّرت‭ ‬لهم‭ ‬الفرصة‭ ‬والإطار‭ ‬الملائم‭. ‬وهذه‭ ‬الرؤية‭ ‬تُترجم‭ ‬توجّهًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬يؤمن‭ ‬بضرورة‭ ‬تجديد‭ ‬النخب،‭ ‬وضخّ‭ ‬دماء‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة،‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الكفاءة‭ ‬ونظافة‭ ‬اليد،‭ ‬بما‭ ‬يُعزّز‭ ‬ديناميكية‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬ويواكب‭ ‬تطلعات‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬وفي‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬تعكس‭ ‬تمسك‭ ‬الدولة‭ ‬بخياراتها‭ ‬السيادية،‭ ‬أكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬أنّ‭ ‬المنشآت‭ ‬العمومية‭ ‬تمثل‭ ‬مكسبًا‭ ‬وطنيًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التفريط‭ ‬فيه،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬أية‭ ‬محاولة‭ ‬لتخريبها‭ ‬بدعوى‭ ‬التمهيد‭ ‬لخوصصتها،‭ ‬ستُقابل‭ ‬بالحزم‭ ‬وستُحمّل‭ ‬فيها‭ ‬المسؤوليات‭ ‬القانونية‭ ‬لكلّ‭ ‬من‭ ‬تثبت‭ ‬مسؤوليته‭.‬

وهذه‭ ‬المقاربة‭ ‬تُجسّد‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬مقدّرات‭ ‬الشعب،‭ ‬وتعكس‭ ‬حرص‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

وفي‭ ‬الاتجاه‭ ‬ذاته،‭ ‬ومن‭ ‬النقاط‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬اللقاء‭ ‬هو‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬نص‭ ‬قانوني‭ ‬لتوفير‭ ‬تغطية‭ ‬اجتماعية‭ ‬لفئات‭ ‬ظلت‭ ‬لعقود‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المنظومة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬العاملات‭ ‬الفلاحيات‭ ‬وعمال‭ ‬الحضائر‭. ‬وهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬تعكس‭ ‬فلسفة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬مبدئي‭ ‬العدالة‭ ‬والإنصاف،‭ ‬كما‭ ‬تمثل‭ ‬مكسبًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬يعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لشريحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬عانوا‭ ‬من‭ ‬التهميش‭ ‬واللاعدالة‭.‬

وهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬تمثل‭ ‬أيضًا،‭ ‬وفقًا‭ ‬للسواد‭ ‬الأعظم،‭ ‬خطوة‭ ‬نوعية‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتجسيدًا‭ ‬فعليًا‭ ‬للدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬أولوياتها‭ ‬وسياساتها‭ ‬وخياراتها‭.‬

ليختتم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬اللقاء‭ ‬بتأكيده‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬ستبقى‭ ‬موحّدة‭ ‬خلف‭ ‬إرادة‭ ‬شعبها،‭ ‬وستواصل‭ ‬التقدّم‭ ‬على‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬المواطنون،‭ ‬وهو‭ ‬مسار‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬الإرادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والموازنة‭ ‬بين‭ ‬المجالين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬بما‭ ‬يقطع‭ ‬مع‭ ‬السائد‭ ‬ويُمهّد‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬قوامها‭ ‬العمل‭ ‬والشفافية‭ ‬والكرامة‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

على‭ ‬درب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية

وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬لقاء‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬مع‭ ‬رئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬مثل‭ ‬محطة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬ترسيخ‭ ‬مبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬إذ‭ ‬يعكس‭ ‬اللقاء‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬الإنصات‭ ‬لمشاغل‭ ‬الفئات‭ ‬المهمّشة‭ ‬والانتصار‭ ‬لحقوقها‭ ‬المشروعة‭. ‬فبفتح‭ ‬ملفّ‭ ‬التغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لمن‭ ‬حُرموا‭ ‬منها‭ ‬لعقود،‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتهم‭ ‬العاملات‭ ‬الفلاحيات‭ ‬وعمّال‭ ‬الحضائر،‭ ‬يُثبت‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬مجددًا‭ ‬أنّ‭ ‬الدولة‭ ‬ليست‭ ‬قابعة‭ ‬في‭ ‬برجها‭ ‬العاجي‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬أبنائها،‭ ‬بل‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التفاوت‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بسياسات‭ ‬فعلية‭ ‬وإجراءات‭ ‬ملموسة،‭ ‬تضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الأولويات‭. ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬شعار،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مسار‭ ‬يستمد‭ ‬شرعيته‭ ‬من‭ ‬الحوار،‭ ‬والتشخيص‭ ‬الدقيق،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬القرارات‭ ‬المتخذة‭.‬

ليخلص‭ ‬متابعون‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬المسائل‭ ‬المطروحة‭ ‬ضمن‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬برئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬يُعدّ‭ ‬بمثابة‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬واضحة‭ ‬لإصلاح‭ ‬حقيقي،‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الحزم‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون،‭ ‬والرؤية‭ ‬المستقبلية‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬الشباب،‭ ‬والعدالة‭ ‬في‭ ‬الإنصاف‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬مما‭ ‬يعزّز‭ ‬ثقة‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬دولته‭ ‬ويُرسّخ‭ ‬أسس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭.‬




منال‭ ‬حرزي