إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

آخرها كتاب سيناتور أمريكي.. المؤلفات حول "معاداة السامية".. هل مازالت تجارة مربحة؟

 

●‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬،‭ ‬ومراكز‭ ‬بحوث‭ ‬وجامعات‭ ‬تدفع‭ ‬المال‭ ‬الكثير
●‭ ‬تدفق‭ ‬كبير‭ ‬للمادة‭ ‬المنشورة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وهناك‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬حسب‭ ‬التقديرات‭ ‬من‭ ‬المنشورات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬متعددة
●‭ ‬المؤلفات‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬حققت‭ ‬أرباحًا‭ ‬لأصحابها‭ ‬ومكاسب‭ ‬للسردية‭ ‬اليهودية‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬التظلم،‭ ‬وكانت‭ ‬لعقود‭ ‬الغطاء‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الصهيونية
●‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يستمد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجرأة‭ ‬ليخرجوا‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بنصوص‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تقترف‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭ ‬بدل‭ ‬المحرقة‭ ‬محارق‭ ‬في‭ ‬فلسطين؟

 

نُقلت‭ ‬الأخبار‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬عن‭ ‬احتجاجات‭ ‬اندلعت‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬تولى‭ ‬فيها‭ ‬زعيم‭ ‬الأقلية‭ ‬بمجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬السيناتور‭ ‬تشاك‭ ‬شومر‭ ‬تقديم‭ ‬كتابه‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وقد‭ ‬ندد‭ ‬محتجون‭ ‬اقتحموا‭ ‬المكتبة‭ ‬العمومية‭ ‬بنيويورك،‭ ‬مكان‭ ‬انعقاد‭ ‬الجلسة‭ ‬لتقديم‭ ‬الكتاب‭ ‬الجديد،‭ ‬بحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضد‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬متسببة‭ ‬في‭ ‬سقوط‭ ‬آلاف‭ ‬الشهداء،‭ ‬وتسجيل‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الإصابات،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدمار‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬ومحاولات‭ ‬التهجير‭ ‬القسري‭ ‬للسكان‭ ‬وتجويعهم‭ ‬بفرض‭ ‬حصار‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ومنع‭ ‬دخول‭ ‬المساعدات‭ ‬الغذائية‭ ‬والأدوية‭.‬
وتمكن‭ ‬المحتجون‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬رسائلهم‭ ‬للعالم،‭ ‬وهتفوا‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬حرة‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتدخل‭ ‬الأمن‭ ‬ويخرجهم‭ ‬من‭ ‬القاعة‭. ‬ونشير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬ضد‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الداعم‭ ‬الأول‭ ‬للكيان،‭ ‬بل‭ ‬تتخذ‭ ‬شكلًا‭ ‬تصاعديًا،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬امعان‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬في‭ ‬التنكيل‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وبالمدنيين‭ ‬العزل‭ ‬أمام‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭.‬
نأتي‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬المؤلفات‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬،‭ ‬ونقول‭ ‬إن‭ ‬أول‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخامر‭ ‬ذهن‭ ‬الملاحظ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يستمد‭ ‬هؤلاء‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجرأة‭ ‬ليخرجوا‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بنصوص‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬بالذات؟
السؤال‭ ‬بطريقة‭ ‬أخرى‭: ‬أي‭ ‬أهمية‭ ‬لهذه‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستمد‭ ‬شرعيتها‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬اليهود‭ ‬مع‭ ‬النازية،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬اقترفته‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬زرعها‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين؟‭ ‬هل‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تتباكى‭ ‬على‭ ‬اليهود‭ ‬ضحايا‭ ‬المحرقة‭ ‬النازية‭ ‬لها‭ ‬قوة‭ ‬الإقناع‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬قبل؟‭ ‬وأي‭ ‬مصداقية‭ ‬لما‭ ‬يُكتب‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الموضوع،‭ ‬وفلسطين،‭ ‬وخاصة‭ ‬غزة،‭ ‬تواجه‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬بدل‭ ‬المحرقة،‭ ‬محارق؟
إن‭ ‬استمرار‭ ‬صدور‭ ‬مؤلفات‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬التي‭ ‬تحيل‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬معاداة‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنهم‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬الجنس‭ ‬السامي،‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فيها‭ ‬نظر‭ ‬وفق‭ ‬المؤرخين،‭ ‬وحتى‭ ‬وإن‭ ‬فرضنا‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬وسلمنا‭ ‬بوجود‭ ‬مسألة‭ ‬التفرقة‭ ‬هذه‭ ‬بين‭ ‬الأجناس،‭ ‬فإن‭ ‬اليهودي‭ ‬ليس‭ ‬وحده‭ ‬العنصر‭ ‬السامي‭ ‬وفق‭ ‬أهل‭ ‬العلم،‭ ‬وإنما‭ ‬ينحدر‭ ‬العرب‭ ‬أيضًا،‭ ‬والفرس،‭ ‬وآخرون‭ ‬من‭ ‬الجنس‭ ‬السامي‭. ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬تجارة‭ ‬مربحة‭. ‬نحن‭ ‬بالأحرى‭ ‬إزاء‭ ‬عملية‭ ‬استثمارية‭ ‬مربحة‭ ‬وعمل‭ ‬مؤسس‭ ‬ومنظم‭ ‬وله‭ ‬شروطه‭. ‬فمثلما‭ ‬أن‭ ‬اليهودية‭ ‬هي‭ ‬دين‭ ‬مغلق‭ ‬والعرق‭ ‬اليهودي‭ ‬منغلق‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يشدد‭ ‬عليه‭ ‬علماء‭ ‬التاريخ‭ ‬والأديان‭ ‬المقارنة،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يُكتب‭ ‬ولا‭ ‬يُسمح‭ ‬بالكتابة‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬كيفما‭ ‬اتفق،‭ ‬ولا‭ ‬يسمح‭ ‬للجميع‭ ‬بالخوض‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬بشكل‭ ‬اعتباطي‭.‬
المسألة‭ ‬برمتها‭ ‬ليست‭ ‬اعتباطية،‭ ‬وهي‭ ‬مدروسة،‭ ‬وتخضع‭ ‬العملية‭ ‬لتنظيم‭ ‬محكم‭ ‬أكدته‭ ‬لنا‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬وجدناها‭ ‬حول‭ ‬حركة‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭. ‬إذ‭ ‬تؤكد‭ ‬بنوك‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬حركة‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬ما‭ ‬يُبذل‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬وما‭ ‬يُسخر‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬السردية‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬باللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬بالهولوكوست‭ ‬أو‭ ‬محرقة‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬النازية‭.‬
ومن‭ ‬بين‭ ‬حراس‭ ‬الذاكرة‭ ‬نذكر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الذكر‭ ‬مشروع‭ ‬فيليكس‭ ‬بوزن‭ ‬الببليوغرافي،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬قواعد‭ ‬البيانات‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وهو‭ ‬يضم‭ ‬آلاف‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬مقالات‭ ‬أكاديمية،‭ ‬وأطروحات،‭ ‬وبحوث،‭ ‬ودراسات،‭ ‬وحتى‭ ‬أفلامًا‭ ‬ورسومًا‭ ‬كاريكاتورية،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬أيضًا‭ ‬قائمة‭ ‬سينجرمانو‭ ‬‮«‬هينظام‭ ‬ترقيم‭ ‬ببليوغرافي‭ ‬وضعه‭ ‬روبرت‭ ‬سينجرمان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1982‮»‬،‭ ‬ويضم‭ ‬معلومات‭ ‬ببليوغرافية‭ ‬حول‭ ‬آلاف‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭. ‬نجد‭ ‬أيضًا‭ ‬مكتبة‭ ‬‮«‬فينر‭ ‬للهولوكوست‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬بدورها‭ ‬على‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكتب،‭ ‬والوثائق،‭ ‬والصور‭ ‬الفوتوغرافية،‭ ‬وتسجيلات‭ ‬توثق‭ ‬لمرحلة‭ ‬الهولوكوست‭.‬
وتتنوع‭ ‬الكتابات‭ ‬حول‭ ‬الموضوع،‭ ‬لكن‭ ‬الموضوع‭ ‬الأبرز‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬تتم‭ ‬محاربة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬طبعًا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تستعرض‭ ‬تجليات‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬ومظاهرها،‭ ‬وطبعا‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬وثقت‭ ‬جرائم‭ ‬النازية‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬اليهود‭.‬
وقد‭ ‬حاولنا،‭ ‬وعبر‭ ‬محركات‭ ‬البحث‭ ‬وأيضًا‭ ‬باستخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬الكتب‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬انتهينا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يتطلب‭ ‬بحثًا‭ ‬معمقًا‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬استطلاع‭ ‬دقيقة‭ ‬لبنوك‭ ‬المعلومات‭ ‬والمنصات‭ ‬والمكتبات‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬تقديرات‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تدفقًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬للمادة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وهناك‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬حسب‭ ‬التقديرات‭ ‬من‭ ‬المنشورات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬متعددة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬التاريخ،‭ ‬والدين،‭ ‬والثقافة،‭ ‬والسياسة‭.‬
ولنا‭ ‬أن‭ ‬نوضح‭ ‬أننا‭ ‬عندما‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬تعتبر‭ ‬تجارة‭ ‬مربحة‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نعني‭ ‬المردود‭ ‬المالي‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضًا‭ ‬وربما‭ ‬بالخصوص‭ ‬خدمة‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬وليس‭ ‬فلسطين‭ ‬فحسب‭. ‬فالكل‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬العدوان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ضد‭ ‬غزة،‭ ‬الذي‭ ‬أكدت‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬أنها‭ ‬مستمرة‭ ‬فيه‭ ‬وبكامل‭ ‬الوحشية،‭ ‬رغم‭ ‬صدى‭ ‬الأصوات‭ ‬الغاضبة‭ ‬الذي‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬الأربع‭ ‬ضد‭ ‬عدوانها‭ ‬الظالم،‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬مع‭ ‬تحييد‭ ‬غزة‭ ‬–‭ ‬إن‭ ‬نجح‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬طبعًا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬–‭ ‬وإنما‭ ‬يستهدف‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬وحتى‭ ‬تحقيق‭ ‬مشروع‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭.‬
صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬بحوث‭ ‬يهودية‭ ‬تدفع‭ ‬المال‭ ‬لمن‭ ‬ينجز‭ ‬دراسات‭ ‬حول‭ ‬الموضوع،‭ ‬وهي‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬تتعقب‭ ‬كل‭ ‬المظاهر‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬معادية‭ ‬للسامية،‭ ‬وهي‭ ‬تتعقب‭ ‬بالخصوص‭ ‬ما‭ ‬يُنشر‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬تصفه‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭. ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬الإعلام،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية،‭ ‬إذ‭ ‬تعتبر‭ ‬الكتب‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وخاصة‭ ‬التي‭ ‬تسرد‭ ‬قصصًا‭ ‬مؤثرة‭ ‬–‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بعضها‭ ‬محض‭ ‬خيال‭ ‬لكن‭ ‬يُعرض‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬حقيقة‭ ‬–‭ ‬ذات‭ ‬رواج‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية،‭ ‬خاصة‭ ‬منها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يتوارث‭ ‬فيها‭ ‬المواطنون‭ ‬جيلًا‭ ‬بعد‭ ‬جيل‭ ‬الشعور‭ ‬بالآثم‭ ‬والذنب‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬النازية‭.‬
ثم‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬يحظى‭ ‬دائمًا‭ ‬بتغطية‭ ‬إعلامية‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬تمامًا‭ ‬مثلما‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬كتاب‭ ‬حول‭ ‬الإسلام‭ ‬يقوم‭ ‬فيه‭ ‬أصحابه‭ ‬بالتشكيك‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ ‬التقليدية‭ ‬حول‭ ‬تاريخه‭ ‬وحول‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الكتاب‭ ‬–‭ ‬وهم‭ ‬موجودون‭ ‬بكثرة‭ ‬–‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬أو‭ ‬يُحسبون‭ ‬عليها‭. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬استفراد‮»‬‭ ‬اليهود‭ ‬بالانتساب‭ ‬للجنس‭ ‬السامي‭ ‬مرفوضًا،‭ ‬فإن‭ ‬الخوض‭ ‬عموما‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬تهم‭ ‬اليهود‭ ‬أو‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬معهم‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭ ‬وخلال‭ ‬فترة‭ ‬نشأة‭ ‬الإسلام‭ ‬وتأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬موضوع‭ ‬يثير‭ ‬الحماسة،‭ ‬وكثيرون‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الغموض‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يلف‭ ‬العلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬بين‭ ‬اليهود‭ ‬والمسلمين‭.‬
ما‭ ‬أردنا‭ ‬قوله،‭ ‬إن‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موضوع‭ ‬يتعلق‭ ‬باليهود،‭ ‬والتي‭ ‬تصب‭ ‬آليًا‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬إنصافهم‭ ‬أو‭ ‬خانة‭ ‬إدانتهم،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬حل‭ ‬وسط‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬ورأينا‭ ‬كيف‭ ‬توجه‭ ‬تهمًا‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬وإعلاميين‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬يهودي‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬ينتقدوا‭ ‬سياسة‭ ‬حكومة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وعدوانها‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مربحًا‭ ‬ماليًا‭ ‬وقد‭ ‬يحقق‭ ‬أصحابها‭ ‬–‭ ‬روائيين‭ ‬أو‭ ‬باحثين‭ ‬أو‭ ‬دارسين‭ ‬–‭ ‬أرباحًا‭ ‬مباشرة،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬الأهم‭.‬
فالشيء‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬هو‭ ‬جعل‭ ‬أنفاس‭ ‬العالم‭ ‬معلقة‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يمنحوا‭ ‬فرصة‭ ‬لليهود‭ ‬الذين‭ ‬ظلوا‭ ‬تائهين‭ ‬عبر‭ ‬تاريخهم،‭ ‬ويضربون‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬توظيف‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬وأي‭ ‬كانت‭ ‬التكاليف‭.‬
في‭ ‬فرنسا،‭ ‬مثلًا،‭ ‬شهد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬البلاد،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬فرانسوا‭ ‬ميتران،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬كانت‭ ‬تجمعه‭ ‬مع‭ ‬اليهود‭ ‬علاقات‭ ‬قوية،‭ ‬أنهم‭ ‬تعرضوا‭ ‬إلى‭ ‬محاولات‭ ‬ابتزاز‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خدمة‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭.‬
ولعل‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬قد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬نصب‭ ‬شراكها‭ ‬للجميع،‭ ‬ونجحت‭ ‬بالخصوص‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬‮«‬أحجية‮»‬‭ ‬تغطي‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬المظالم‭ ‬التي‭ ‬اقترفتها‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1948،‭ ‬تاريخ‭ ‬النكبة‭ ‬التي‭ ‬هُجر‭ ‬فيها‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬مدنهم‭ ‬وقراهم‭ ‬وأراضيهم‭ ‬لينتصب‭ ‬بها‭ ‬اليهود‭. ‬ثم‭ ‬تتالت‭ ‬النكبات،‭ ‬وحدثت‭ ‬النكسة‭ ‬في‭ ‬1967،‭ ‬حيث‭ ‬هزمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية،‭ ‬وبقية‭ ‬الفصول‭ ‬معروفة،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬ممارسات‭ ‬الصهاينة‭ ‬الظالمة‭.‬
شيء‭ ‬وحيد‭ ‬تغير‭ ‬منذ‭ ‬أشهر،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬والسردية‭ ‬اليهودية‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬التظلم‭ ‬والبكائيات‭ ‬قد‭ ‬انكشفت‭. ‬لقد‭ ‬انكشف‭ ‬وجه‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬الحقيقي،‭ ‬انكشف‭ ‬وجهها‭ ‬المروع،‭ ‬وانكشفت‭ ‬حقيقة‭ ‬ممارسات‭ ‬الصهاينة‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأعزل‭.‬
ويعود‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬القناع‭ ‬الذي‭ ‬ظلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ترتديه‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬مدعومة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بالسلاح‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والدعم‭ ‬الغربي،‭ ‬وبجيش‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الدعاية‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬الذراع‭ ‬الطولى‭ ‬للكيان‭ ‬في‭ ‬صراعه‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعرب،‭ ‬وإنما‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬السردية‭ ‬الصهيونية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مناقشة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬النازية،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬تاريخية‭.‬
ولم‭ ‬تكن‭ ‬المؤلفات‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحقيقة‭ ‬دائمًا،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬غالبًا‭ ‬سلاح‭ ‬يُشهر‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أي‭ ‬كان،‭ ‬وقد‭ ‬دفعت‭ ‬هذه‭ ‬الضغوطات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ ‬قوانين‭ ‬تجرم‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وتفرض‭ ‬أحكامًا‭ ‬بالسجن‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬الهولوكوست‭.‬
كل‭ ‬الظروف‭ ‬كانت‭ ‬تخدم‭ ‬السردية‭ ‬اليهودية‭ ‬والدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬تاريخ‭ ‬تنفيذ‭ ‬المقاومة‭ ‬بغزة‭ ‬لعملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬بداية‭ ‬سقوط‭ ‬منظومة‭ ‬دعائية‭ ‬ظلت‭ ‬لعقود‭ ‬تحكم‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬الرقاب،‭ ‬منظومة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الأكاذيب‭ ‬والمبالغات‭ ‬وتزييف‭ ‬الحقائق‭ ‬والأساطير،‭ ‬واستعمال‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الضغط‭ ‬والترهيب‭ ‬والترغيب،‭ ‬وتعتبر‭ ‬المؤلفات‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬إحدى‭ ‬وسائل‭ ‬الضغط‭ ‬هذه‭.‬
لقد‭ ‬مرت‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬المحظوظين‭ ‬بهدوء‭ ‬ليقدموا‭ ‬أحدث‭ ‬المؤلفات‭ ‬حول‭ ‬معاناة‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬للعرب‭ ‬أصلا‭ ‬بالموضوع،‭ ‬ويظلون‭ ‬يندبون‭ ‬الحظ‭ ‬ويتباكون‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬إخضاع‭ ‬الناس‭ ‬للمزايدة،‭ ‬وكسب‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬المزروعة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ومساندتها‭ ‬أي‭ ‬كانت‭ ‬جرائمها‭.‬
اليوم‭ ‬صارت‭ ‬هناك‭ ‬احتجاجات‭ ‬تربك‭ ‬الجلسات،‭ ‬وغدا‭ ‬ربما‭ ‬تحدث‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬انقشاع‭ ‬السحب‭ ‬وزوال‭ ‬الغشاوة‭ ‬حول‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭. ‬اليوم‭ ‬هناك‭ ‬معطيات‭ ‬جديدة‭ ‬فرضها‭ ‬الواقع،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬أصحاب‭ ‬هذه‭ ‬التجارة‭ ‬المربحة‭ ‬لا‭ ‬ينوون‭ ‬إلقاء‭ ‬المنديل‭.‬

 

حياة‭ ‬السايب

آخرها كتاب سيناتور أمريكي.. المؤلفات حول "معاداة السامية".. هل مازالت تجارة مربحة؟

 

●‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬،‭ ‬ومراكز‭ ‬بحوث‭ ‬وجامعات‭ ‬تدفع‭ ‬المال‭ ‬الكثير
●‭ ‬تدفق‭ ‬كبير‭ ‬للمادة‭ ‬المنشورة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وهناك‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬حسب‭ ‬التقديرات‭ ‬من‭ ‬المنشورات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬متعددة
●‭ ‬المؤلفات‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬حققت‭ ‬أرباحًا‭ ‬لأصحابها‭ ‬ومكاسب‭ ‬للسردية‭ ‬اليهودية‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬التظلم،‭ ‬وكانت‭ ‬لعقود‭ ‬الغطاء‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الصهيونية
●‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يستمد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجرأة‭ ‬ليخرجوا‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بنصوص‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تقترف‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭ ‬بدل‭ ‬المحرقة‭ ‬محارق‭ ‬في‭ ‬فلسطين؟

 

نُقلت‭ ‬الأخبار‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬عن‭ ‬احتجاجات‭ ‬اندلعت‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬تولى‭ ‬فيها‭ ‬زعيم‭ ‬الأقلية‭ ‬بمجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬السيناتور‭ ‬تشاك‭ ‬شومر‭ ‬تقديم‭ ‬كتابه‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وقد‭ ‬ندد‭ ‬محتجون‭ ‬اقتحموا‭ ‬المكتبة‭ ‬العمومية‭ ‬بنيويورك،‭ ‬مكان‭ ‬انعقاد‭ ‬الجلسة‭ ‬لتقديم‭ ‬الكتاب‭ ‬الجديد،‭ ‬بحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضد‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬متسببة‭ ‬في‭ ‬سقوط‭ ‬آلاف‭ ‬الشهداء،‭ ‬وتسجيل‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الإصابات،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدمار‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬ومحاولات‭ ‬التهجير‭ ‬القسري‭ ‬للسكان‭ ‬وتجويعهم‭ ‬بفرض‭ ‬حصار‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ومنع‭ ‬دخول‭ ‬المساعدات‭ ‬الغذائية‭ ‬والأدوية‭.‬
وتمكن‭ ‬المحتجون‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬رسائلهم‭ ‬للعالم،‭ ‬وهتفوا‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬حرة‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتدخل‭ ‬الأمن‭ ‬ويخرجهم‭ ‬من‭ ‬القاعة‭. ‬ونشير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬ضد‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الداعم‭ ‬الأول‭ ‬للكيان،‭ ‬بل‭ ‬تتخذ‭ ‬شكلًا‭ ‬تصاعديًا،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬امعان‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬في‭ ‬التنكيل‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وبالمدنيين‭ ‬العزل‭ ‬أمام‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭.‬
نأتي‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬المؤلفات‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬،‭ ‬ونقول‭ ‬إن‭ ‬أول‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخامر‭ ‬ذهن‭ ‬الملاحظ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يستمد‭ ‬هؤلاء‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجرأة‭ ‬ليخرجوا‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بنصوص‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬بالذات؟
السؤال‭ ‬بطريقة‭ ‬أخرى‭: ‬أي‭ ‬أهمية‭ ‬لهذه‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستمد‭ ‬شرعيتها‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬اليهود‭ ‬مع‭ ‬النازية،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬اقترفته‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬زرعها‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين؟‭ ‬هل‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تتباكى‭ ‬على‭ ‬اليهود‭ ‬ضحايا‭ ‬المحرقة‭ ‬النازية‭ ‬لها‭ ‬قوة‭ ‬الإقناع‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬قبل؟‭ ‬وأي‭ ‬مصداقية‭ ‬لما‭ ‬يُكتب‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الموضوع،‭ ‬وفلسطين،‭ ‬وخاصة‭ ‬غزة،‭ ‬تواجه‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬بدل‭ ‬المحرقة،‭ ‬محارق؟
إن‭ ‬استمرار‭ ‬صدور‭ ‬مؤلفات‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬التي‭ ‬تحيل‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬معاداة‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنهم‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬الجنس‭ ‬السامي،‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فيها‭ ‬نظر‭ ‬وفق‭ ‬المؤرخين،‭ ‬وحتى‭ ‬وإن‭ ‬فرضنا‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬وسلمنا‭ ‬بوجود‭ ‬مسألة‭ ‬التفرقة‭ ‬هذه‭ ‬بين‭ ‬الأجناس،‭ ‬فإن‭ ‬اليهودي‭ ‬ليس‭ ‬وحده‭ ‬العنصر‭ ‬السامي‭ ‬وفق‭ ‬أهل‭ ‬العلم،‭ ‬وإنما‭ ‬ينحدر‭ ‬العرب‭ ‬أيضًا،‭ ‬والفرس،‭ ‬وآخرون‭ ‬من‭ ‬الجنس‭ ‬السامي‭. ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬تجارة‭ ‬مربحة‭. ‬نحن‭ ‬بالأحرى‭ ‬إزاء‭ ‬عملية‭ ‬استثمارية‭ ‬مربحة‭ ‬وعمل‭ ‬مؤسس‭ ‬ومنظم‭ ‬وله‭ ‬شروطه‭. ‬فمثلما‭ ‬أن‭ ‬اليهودية‭ ‬هي‭ ‬دين‭ ‬مغلق‭ ‬والعرق‭ ‬اليهودي‭ ‬منغلق‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يشدد‭ ‬عليه‭ ‬علماء‭ ‬التاريخ‭ ‬والأديان‭ ‬المقارنة،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يُكتب‭ ‬ولا‭ ‬يُسمح‭ ‬بالكتابة‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬كيفما‭ ‬اتفق،‭ ‬ولا‭ ‬يسمح‭ ‬للجميع‭ ‬بالخوض‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬بشكل‭ ‬اعتباطي‭.‬
المسألة‭ ‬برمتها‭ ‬ليست‭ ‬اعتباطية،‭ ‬وهي‭ ‬مدروسة،‭ ‬وتخضع‭ ‬العملية‭ ‬لتنظيم‭ ‬محكم‭ ‬أكدته‭ ‬لنا‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬وجدناها‭ ‬حول‭ ‬حركة‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭. ‬إذ‭ ‬تؤكد‭ ‬بنوك‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬حركة‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬ما‭ ‬يُبذل‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬وما‭ ‬يُسخر‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬السردية‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬باللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬بالهولوكوست‭ ‬أو‭ ‬محرقة‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬النازية‭.‬
ومن‭ ‬بين‭ ‬حراس‭ ‬الذاكرة‭ ‬نذكر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الذكر‭ ‬مشروع‭ ‬فيليكس‭ ‬بوزن‭ ‬الببليوغرافي،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬قواعد‭ ‬البيانات‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وهو‭ ‬يضم‭ ‬آلاف‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬مقالات‭ ‬أكاديمية،‭ ‬وأطروحات،‭ ‬وبحوث،‭ ‬ودراسات،‭ ‬وحتى‭ ‬أفلامًا‭ ‬ورسومًا‭ ‬كاريكاتورية،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬أيضًا‭ ‬قائمة‭ ‬سينجرمانو‭ ‬‮«‬هينظام‭ ‬ترقيم‭ ‬ببليوغرافي‭ ‬وضعه‭ ‬روبرت‭ ‬سينجرمان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1982‮»‬،‭ ‬ويضم‭ ‬معلومات‭ ‬ببليوغرافية‭ ‬حول‭ ‬آلاف‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭. ‬نجد‭ ‬أيضًا‭ ‬مكتبة‭ ‬‮«‬فينر‭ ‬للهولوكوست‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬بدورها‭ ‬على‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكتب،‭ ‬والوثائق،‭ ‬والصور‭ ‬الفوتوغرافية،‭ ‬وتسجيلات‭ ‬توثق‭ ‬لمرحلة‭ ‬الهولوكوست‭.‬
وتتنوع‭ ‬الكتابات‭ ‬حول‭ ‬الموضوع،‭ ‬لكن‭ ‬الموضوع‭ ‬الأبرز‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬تتم‭ ‬محاربة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬طبعًا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تستعرض‭ ‬تجليات‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬ومظاهرها،‭ ‬وطبعا‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬وثقت‭ ‬جرائم‭ ‬النازية‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬اليهود‭.‬
وقد‭ ‬حاولنا،‭ ‬وعبر‭ ‬محركات‭ ‬البحث‭ ‬وأيضًا‭ ‬باستخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬الكتب‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬انتهينا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يتطلب‭ ‬بحثًا‭ ‬معمقًا‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬استطلاع‭ ‬دقيقة‭ ‬لبنوك‭ ‬المعلومات‭ ‬والمنصات‭ ‬والمكتبات‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬تقديرات‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تدفقًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬للمادة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وهناك‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬حسب‭ ‬التقديرات‭ ‬من‭ ‬المنشورات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬متعددة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬التاريخ،‭ ‬والدين،‭ ‬والثقافة،‭ ‬والسياسة‭.‬
ولنا‭ ‬أن‭ ‬نوضح‭ ‬أننا‭ ‬عندما‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬تعتبر‭ ‬تجارة‭ ‬مربحة‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نعني‭ ‬المردود‭ ‬المالي‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضًا‭ ‬وربما‭ ‬بالخصوص‭ ‬خدمة‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬وليس‭ ‬فلسطين‭ ‬فحسب‭. ‬فالكل‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬العدوان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ضد‭ ‬غزة،‭ ‬الذي‭ ‬أكدت‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬أنها‭ ‬مستمرة‭ ‬فيه‭ ‬وبكامل‭ ‬الوحشية،‭ ‬رغم‭ ‬صدى‭ ‬الأصوات‭ ‬الغاضبة‭ ‬الذي‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬الأربع‭ ‬ضد‭ ‬عدوانها‭ ‬الظالم،‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬مع‭ ‬تحييد‭ ‬غزة‭ ‬–‭ ‬إن‭ ‬نجح‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬طبعًا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬–‭ ‬وإنما‭ ‬يستهدف‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬وحتى‭ ‬تحقيق‭ ‬مشروع‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭.‬
صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬بحوث‭ ‬يهودية‭ ‬تدفع‭ ‬المال‭ ‬لمن‭ ‬ينجز‭ ‬دراسات‭ ‬حول‭ ‬الموضوع،‭ ‬وهي‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬تتعقب‭ ‬كل‭ ‬المظاهر‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬معادية‭ ‬للسامية،‭ ‬وهي‭ ‬تتعقب‭ ‬بالخصوص‭ ‬ما‭ ‬يُنشر‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬تصفه‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭. ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬الإعلام،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية،‭ ‬إذ‭ ‬تعتبر‭ ‬الكتب‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وخاصة‭ ‬التي‭ ‬تسرد‭ ‬قصصًا‭ ‬مؤثرة‭ ‬–‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بعضها‭ ‬محض‭ ‬خيال‭ ‬لكن‭ ‬يُعرض‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬حقيقة‭ ‬–‭ ‬ذات‭ ‬رواج‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية،‭ ‬خاصة‭ ‬منها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يتوارث‭ ‬فيها‭ ‬المواطنون‭ ‬جيلًا‭ ‬بعد‭ ‬جيل‭ ‬الشعور‭ ‬بالآثم‭ ‬والذنب‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬النازية‭.‬
ثم‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬يحظى‭ ‬دائمًا‭ ‬بتغطية‭ ‬إعلامية‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬تمامًا‭ ‬مثلما‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬كتاب‭ ‬حول‭ ‬الإسلام‭ ‬يقوم‭ ‬فيه‭ ‬أصحابه‭ ‬بالتشكيك‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ ‬التقليدية‭ ‬حول‭ ‬تاريخه‭ ‬وحول‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الكتاب‭ ‬–‭ ‬وهم‭ ‬موجودون‭ ‬بكثرة‭ ‬–‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬أو‭ ‬يُحسبون‭ ‬عليها‭. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬استفراد‮»‬‭ ‬اليهود‭ ‬بالانتساب‭ ‬للجنس‭ ‬السامي‭ ‬مرفوضًا،‭ ‬فإن‭ ‬الخوض‭ ‬عموما‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬تهم‭ ‬اليهود‭ ‬أو‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬معهم‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭ ‬وخلال‭ ‬فترة‭ ‬نشأة‭ ‬الإسلام‭ ‬وتأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬موضوع‭ ‬يثير‭ ‬الحماسة،‭ ‬وكثيرون‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الغموض‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يلف‭ ‬العلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬بين‭ ‬اليهود‭ ‬والمسلمين‭.‬
ما‭ ‬أردنا‭ ‬قوله،‭ ‬إن‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موضوع‭ ‬يتعلق‭ ‬باليهود،‭ ‬والتي‭ ‬تصب‭ ‬آليًا‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬إنصافهم‭ ‬أو‭ ‬خانة‭ ‬إدانتهم،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬حل‭ ‬وسط‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬ورأينا‭ ‬كيف‭ ‬توجه‭ ‬تهمًا‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬وإعلاميين‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬يهودي‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬ينتقدوا‭ ‬سياسة‭ ‬حكومة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وعدوانها‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مربحًا‭ ‬ماليًا‭ ‬وقد‭ ‬يحقق‭ ‬أصحابها‭ ‬–‭ ‬روائيين‭ ‬أو‭ ‬باحثين‭ ‬أو‭ ‬دارسين‭ ‬–‭ ‬أرباحًا‭ ‬مباشرة،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬الأهم‭.‬
فالشيء‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬هو‭ ‬جعل‭ ‬أنفاس‭ ‬العالم‭ ‬معلقة‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يمنحوا‭ ‬فرصة‭ ‬لليهود‭ ‬الذين‭ ‬ظلوا‭ ‬تائهين‭ ‬عبر‭ ‬تاريخهم،‭ ‬ويضربون‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬توظيف‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬وأي‭ ‬كانت‭ ‬التكاليف‭.‬
في‭ ‬فرنسا،‭ ‬مثلًا،‭ ‬شهد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬البلاد،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬فرانسوا‭ ‬ميتران،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬كانت‭ ‬تجمعه‭ ‬مع‭ ‬اليهود‭ ‬علاقات‭ ‬قوية،‭ ‬أنهم‭ ‬تعرضوا‭ ‬إلى‭ ‬محاولات‭ ‬ابتزاز‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خدمة‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭.‬
ولعل‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬قد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬نصب‭ ‬شراكها‭ ‬للجميع،‭ ‬ونجحت‭ ‬بالخصوص‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬‮«‬أحجية‮»‬‭ ‬تغطي‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬المظالم‭ ‬التي‭ ‬اقترفتها‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1948،‭ ‬تاريخ‭ ‬النكبة‭ ‬التي‭ ‬هُجر‭ ‬فيها‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬مدنهم‭ ‬وقراهم‭ ‬وأراضيهم‭ ‬لينتصب‭ ‬بها‭ ‬اليهود‭. ‬ثم‭ ‬تتالت‭ ‬النكبات،‭ ‬وحدثت‭ ‬النكسة‭ ‬في‭ ‬1967،‭ ‬حيث‭ ‬هزمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية،‭ ‬وبقية‭ ‬الفصول‭ ‬معروفة،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬ممارسات‭ ‬الصهاينة‭ ‬الظالمة‭.‬
شيء‭ ‬وحيد‭ ‬تغير‭ ‬منذ‭ ‬أشهر،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬والسردية‭ ‬اليهودية‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬التظلم‭ ‬والبكائيات‭ ‬قد‭ ‬انكشفت‭. ‬لقد‭ ‬انكشف‭ ‬وجه‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬الحقيقي،‭ ‬انكشف‭ ‬وجهها‭ ‬المروع،‭ ‬وانكشفت‭ ‬حقيقة‭ ‬ممارسات‭ ‬الصهاينة‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأعزل‭.‬
ويعود‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬القناع‭ ‬الذي‭ ‬ظلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ترتديه‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬مدعومة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بالسلاح‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والدعم‭ ‬الغربي،‭ ‬وبجيش‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الدعاية‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬الذراع‭ ‬الطولى‭ ‬للكيان‭ ‬في‭ ‬صراعه‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعرب،‭ ‬وإنما‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬السردية‭ ‬الصهيونية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مناقشة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬النازية،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬تاريخية‭.‬
ولم‭ ‬تكن‭ ‬المؤلفات‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحقيقة‭ ‬دائمًا،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬غالبًا‭ ‬سلاح‭ ‬يُشهر‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أي‭ ‬كان،‭ ‬وقد‭ ‬دفعت‭ ‬هذه‭ ‬الضغوطات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ ‬قوانين‭ ‬تجرم‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وتفرض‭ ‬أحكامًا‭ ‬بالسجن‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬الهولوكوست‭.‬
كل‭ ‬الظروف‭ ‬كانت‭ ‬تخدم‭ ‬السردية‭ ‬اليهودية‭ ‬والدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬تاريخ‭ ‬تنفيذ‭ ‬المقاومة‭ ‬بغزة‭ ‬لعملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬بداية‭ ‬سقوط‭ ‬منظومة‭ ‬دعائية‭ ‬ظلت‭ ‬لعقود‭ ‬تحكم‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬الرقاب،‭ ‬منظومة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الأكاذيب‭ ‬والمبالغات‭ ‬وتزييف‭ ‬الحقائق‭ ‬والأساطير،‭ ‬واستعمال‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الضغط‭ ‬والترهيب‭ ‬والترغيب،‭ ‬وتعتبر‭ ‬المؤلفات‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬إحدى‭ ‬وسائل‭ ‬الضغط‭ ‬هذه‭.‬
لقد‭ ‬مرت‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬المحظوظين‭ ‬بهدوء‭ ‬ليقدموا‭ ‬أحدث‭ ‬المؤلفات‭ ‬حول‭ ‬معاناة‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬للعرب‭ ‬أصلا‭ ‬بالموضوع،‭ ‬ويظلون‭ ‬يندبون‭ ‬الحظ‭ ‬ويتباكون‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬إخضاع‭ ‬الناس‭ ‬للمزايدة،‭ ‬وكسب‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬المزروعة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ومساندتها‭ ‬أي‭ ‬كانت‭ ‬جرائمها‭.‬
اليوم‭ ‬صارت‭ ‬هناك‭ ‬احتجاجات‭ ‬تربك‭ ‬الجلسات،‭ ‬وغدا‭ ‬ربما‭ ‬تحدث‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬انقشاع‭ ‬السحب‭ ‬وزوال‭ ‬الغشاوة‭ ‬حول‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭. ‬اليوم‭ ‬هناك‭ ‬معطيات‭ ‬جديدة‭ ‬فرضها‭ ‬الواقع،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬أصحاب‭ ‬هذه‭ ‬التجارة‭ ‬المربحة‭ ‬لا‭ ‬ينوون‭ ‬إلقاء‭ ‬المنديل‭.‬

 

حياة‭ ‬السايب