أفلامه تكتب نبض المجتمع وتوثق نضاله.. "لخضر حمينة" رائد السينما الجزائرية في ذمة الله
مقالات الصباح
استيقظت الساحة السينمائية العربية والعالمية صباح أمس الأول على نبأ رحيل أحد رواد الفعل السينمائي النضالي في الجزائر والوطن العربي بدرجة أولى، المخرج الكبير محمد لخضر حمينة. الذي غادرنا أول أمس الجزائري الكبير محمد لخضر حامينا، تاركًا إرثًا إبداعيًا سينمائيًا رائدًا في رؤاه وأهدافه ومضامينه، إبداعات تُعتبر علامة فارقة في تاريخ السينما العربية: «رياح الأوراس» (1966)؛ «وقائع سنين الجمر» (1975)؛ «رياح الرمال» (1982)؛ «اللقطة الأخيرة» (1986).
محمد لخضر حمينة، المولود في إحدى قرى الشرق الجزائري، بدأ حياته بالفلاحة قبل أن يلجأ إلى تونس، ليكون أحد أعضاء وزارة الإعلام التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة في نهاية الخمسينيات. كان شغوفًا بشكل كبير بالفن السابع، متابعةً وحضورًا في حلقات النقاش، شغفٌ دفعه إلى الالتحاق، بدعم من الحكومة الجزائرية المؤقتة، بدراسة السينما في «المعهد الوطني للسينما» في براغ و»أستوديوهات باراندوف».
وما إن عاد إلى الجزائر حتى انطلق في تجسيد ما تعلّمه على أرض الواقع من خلال تصوير مجموعة من الأفلام الوثائقية التي تتناول معارك الجيش الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. كما ساهم في تأسيس «ديوان الأخبار الجزائرية» عام 1963، ليتولى إدارته حتى عام 1974. مثّل فيلمه «رياح الأوراس» (1966) المحطة الرئيسية الشاهدة على تأسيس مشروعه السينمائي الخاص، والذي أراده أن يكون من داخل رحم الأسرة الجزائرية بكل تفاصيلها اليومية، وأحلامها وطموحاتها، وهذا التشبّع والحب الكبير للأرض، من خلال الدفاع عن الأرض رغم ويلات الاستعمار. صراع يومي موزّع بين توفير القوت لمواصلة الحياة، ومقارعة الاستعمار بأساليبه المهينة للكرامة البشرية.
ثنائية ميّزت المجتمع الجزائري رغم قلة ذات اليد، ليكون الموعد سنة 1975 مع ثاني أفلامه النضالية «وقائع سنوات الجمر»، الذي كان وسيبقى واحدًا من أيقونات السينما العربية، عندما حصد للمرة الأولى والأخيرة إلى يومنا هذا جائزة السعفة الذهبية لمهرجان «كان» السينمائي الدولي.
وانتظر الجمهور العربي أكثر من 8 سنوات ليلتقي مرة ثالثة مع إبداعات الراحل محمد لخضر حمينة، فكان «رياح الرمال» (1982)، وهو فيلم غاص من خلاله صاحبه في عوالم القرية الجزائرية وأسرارها وتفاصيلها.
وفي 1986، كان رابع أفلامه «اللقطة الأخيرة» (1986)، الذي عاد فيه إلى أجواء قُبيل الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا سنة 1939، من خلال حكاية بسيطة تدور حول صبي صغير يكنّ مشاعر عاطفية تجاه مدرّسته التي تنتقل من العاصمة إلى إحدى القرى. لكننا نكتشف عبر الأحداث هذا الصدام بين تقاليد المدينة والقرية.
ابتعد الراحل محمد لخضر حامينا عن الكاميرا والسينما طيلة 28 سنة بحكم التزاماته الإدارية في قطاع السينما بالجزائر، ومع إطلالة سنة 2014 فقد هزّه الحنين لاحتضان الكاميرا بتجديد العهد معها، فكان فيلم «غروب الظلال» الذي تتماهى أحداثه مع النضال الجزائري ضد المستعمر الفرنسي.
وقد أجمع النقاد على أن ميزة محمد لخضر حمينة في كل أعماله السينمائية هي الوفاء والإخلاص والالتزام لرؤيته التي تضع الإنسان في قلب الصورة، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء، وساهم مع جيله من المخرجين على غرار مرزاق علواش وأحمد الراشدي، في تأسيس سينما جزائرية تعكس نبض المجتمع وتحمل صوته إلى المحافل الدولية.
وبرزت وتميّزت أعمال الراحل محمد لخضر حمينة ببصمة بصرية خاصة، تنهل من تقنيات السينما العالمية، لكنها تنطق بلسان عربي وجزائري صميم. ولم تكن أفلامه مجرد توثيق، بل كانت أعمالًا فنية تنبض بالحياة والوجع، وتلتقط التفاصيل الصغيرة من يوميات الناس في القرى والمناطق المهمشة، وتمنحها قيمة جمالية وإنسانية.
إنه محمد لخضر حمينة، رائد السينما الجزائرية والعربية... مبدع سيبقى خالدًا في الذاكرة... مبدع آمن بأن السينما هي عنوان النضال من أجل إرادة الإنسان العربي الحر... إرادة تدفع إلى التحليق بعيدًا في الأفق الرحب بكل شموخ واعتزاز وصلابة.
محمد لخضر حمينة رحل إلى دار الخُلد، وهو يحتفل بخمسينية تتويجه بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان» الدولي للسينما، من خلال حفل تكريم تم تنظيمه بهذه المناسبة...
إنه مشهد درامي لمبدع استثنائي غادر الحياة يوم تكريمه.
محسن بن أحمد
استيقظت الساحة السينمائية العربية والعالمية صباح أمس الأول على نبأ رحيل أحد رواد الفعل السينمائي النضالي في الجزائر والوطن العربي بدرجة أولى، المخرج الكبير محمد لخضر حمينة. الذي غادرنا أول أمس الجزائري الكبير محمد لخضر حامينا، تاركًا إرثًا إبداعيًا سينمائيًا رائدًا في رؤاه وأهدافه ومضامينه، إبداعات تُعتبر علامة فارقة في تاريخ السينما العربية: «رياح الأوراس» (1966)؛ «وقائع سنين الجمر» (1975)؛ «رياح الرمال» (1982)؛ «اللقطة الأخيرة» (1986).
محمد لخضر حمينة، المولود في إحدى قرى الشرق الجزائري، بدأ حياته بالفلاحة قبل أن يلجأ إلى تونس، ليكون أحد أعضاء وزارة الإعلام التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة في نهاية الخمسينيات. كان شغوفًا بشكل كبير بالفن السابع، متابعةً وحضورًا في حلقات النقاش، شغفٌ دفعه إلى الالتحاق، بدعم من الحكومة الجزائرية المؤقتة، بدراسة السينما في «المعهد الوطني للسينما» في براغ و»أستوديوهات باراندوف».
وما إن عاد إلى الجزائر حتى انطلق في تجسيد ما تعلّمه على أرض الواقع من خلال تصوير مجموعة من الأفلام الوثائقية التي تتناول معارك الجيش الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. كما ساهم في تأسيس «ديوان الأخبار الجزائرية» عام 1963، ليتولى إدارته حتى عام 1974. مثّل فيلمه «رياح الأوراس» (1966) المحطة الرئيسية الشاهدة على تأسيس مشروعه السينمائي الخاص، والذي أراده أن يكون من داخل رحم الأسرة الجزائرية بكل تفاصيلها اليومية، وأحلامها وطموحاتها، وهذا التشبّع والحب الكبير للأرض، من خلال الدفاع عن الأرض رغم ويلات الاستعمار. صراع يومي موزّع بين توفير القوت لمواصلة الحياة، ومقارعة الاستعمار بأساليبه المهينة للكرامة البشرية.
ثنائية ميّزت المجتمع الجزائري رغم قلة ذات اليد، ليكون الموعد سنة 1975 مع ثاني أفلامه النضالية «وقائع سنوات الجمر»، الذي كان وسيبقى واحدًا من أيقونات السينما العربية، عندما حصد للمرة الأولى والأخيرة إلى يومنا هذا جائزة السعفة الذهبية لمهرجان «كان» السينمائي الدولي.
وانتظر الجمهور العربي أكثر من 8 سنوات ليلتقي مرة ثالثة مع إبداعات الراحل محمد لخضر حمينة، فكان «رياح الرمال» (1982)، وهو فيلم غاص من خلاله صاحبه في عوالم القرية الجزائرية وأسرارها وتفاصيلها.
وفي 1986، كان رابع أفلامه «اللقطة الأخيرة» (1986)، الذي عاد فيه إلى أجواء قُبيل الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا سنة 1939، من خلال حكاية بسيطة تدور حول صبي صغير يكنّ مشاعر عاطفية تجاه مدرّسته التي تنتقل من العاصمة إلى إحدى القرى. لكننا نكتشف عبر الأحداث هذا الصدام بين تقاليد المدينة والقرية.
ابتعد الراحل محمد لخضر حامينا عن الكاميرا والسينما طيلة 28 سنة بحكم التزاماته الإدارية في قطاع السينما بالجزائر، ومع إطلالة سنة 2014 فقد هزّه الحنين لاحتضان الكاميرا بتجديد العهد معها، فكان فيلم «غروب الظلال» الذي تتماهى أحداثه مع النضال الجزائري ضد المستعمر الفرنسي.
وقد أجمع النقاد على أن ميزة محمد لخضر حمينة في كل أعماله السينمائية هي الوفاء والإخلاص والالتزام لرؤيته التي تضع الإنسان في قلب الصورة، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء، وساهم مع جيله من المخرجين على غرار مرزاق علواش وأحمد الراشدي، في تأسيس سينما جزائرية تعكس نبض المجتمع وتحمل صوته إلى المحافل الدولية.
وبرزت وتميّزت أعمال الراحل محمد لخضر حمينة ببصمة بصرية خاصة، تنهل من تقنيات السينما العالمية، لكنها تنطق بلسان عربي وجزائري صميم. ولم تكن أفلامه مجرد توثيق، بل كانت أعمالًا فنية تنبض بالحياة والوجع، وتلتقط التفاصيل الصغيرة من يوميات الناس في القرى والمناطق المهمشة، وتمنحها قيمة جمالية وإنسانية.
إنه محمد لخضر حمينة، رائد السينما الجزائرية والعربية... مبدع سيبقى خالدًا في الذاكرة... مبدع آمن بأن السينما هي عنوان النضال من أجل إرادة الإنسان العربي الحر... إرادة تدفع إلى التحليق بعيدًا في الأفق الرحب بكل شموخ واعتزاز وصلابة.
محمد لخضر حمينة رحل إلى دار الخُلد، وهو يحتفل بخمسينية تتويجه بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان» الدولي للسينما، من خلال حفل تكريم تم تنظيمه بهذه المناسبة...
إنه مشهد درامي لمبدع استثنائي غادر الحياة يوم تكريمه.
محسن بن أحمد