إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أفلامه تكتب نبض المجتمع وتوثق نضاله.. "لخضر حمينة" رائد السينما الجزائرية في ذمة الله

استيقظت‭ ‬الساحة‭ ‬السينمائية‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬صباح‭ ‬أمس‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬نبأ‭ ‬رحيل‭ ‬أحد‭ ‬رواد‭ ‬الفعل‭ ‬السينمائي‭ ‬النضالي‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭ ‬بدرجة‭ ‬أولى،‭ ‬المخرج‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة‭. ‬الذي‭ ‬غادرنا‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬الجزائري‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حامينا،‭ ‬تاركًا‭ ‬إرثًا‭ ‬إبداعيًا‭ ‬سينمائيًا‭ ‬رائدًا‭ ‬في‭ ‬رؤاه‭ ‬وأهدافه‭ ‬ومضامينه،‭ ‬إبداعات‭ ‬تُعتبر‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭: ‬‮«‬رياح‭ ‬الأوراس‮»‬‭ (‬1966‭)‬؛‭ ‬‮«‬وقائع‭ ‬سنين‭ ‬الجمر‮»‬‭ (‬1975‭)‬؛‭ ‬‮«‬رياح‭ ‬الرمال‮»‬‭ (‬1982‭)‬؛‭ ‬‮«‬اللقطة‭ ‬الأخيرة‮»‬‭ (‬1986‭).‬

محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة،‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قرى‭ ‬الشرق‭ ‬الجزائري،‭ ‬بدأ‭ ‬حياته‭ ‬بالفلاحة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬ليكون‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬التابعة‭ ‬للحكومة‭ ‬الجزائرية‭ ‬المؤقتة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الخمسينيات‭. ‬كان‭ ‬شغوفًا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بالفن‭ ‬السابع،‭ ‬متابعةً‭ ‬وحضورًا‭ ‬في‭ ‬حلقات‭ ‬النقاش،‭ ‬شغفٌ‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬الالتحاق،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الجزائرية‭ ‬المؤقتة،‭ ‬بدراسة‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للسينما‮»‬‭ ‬في‭ ‬براغ‭ ‬و»أستوديوهات‭ ‬باراندوف‮»‬‭.‬
وما‭ ‬إن‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬حتى‭ ‬انطلق‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬ما‭ ‬تعلّمه‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصوير‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الوثائقية‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬معارك‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭. ‬كما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬ديوان‭ ‬الأخبار‭ ‬الجزائرية‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1963،‭ ‬ليتولى‭ ‬إدارته‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1974‭. ‬مثّل‭ ‬فيلمه‭ ‬‮«‬رياح‭ ‬الأوراس‮»‬‭ (‬1966‭) ‬المحطة‭ ‬الرئيسية‭ ‬الشاهدة‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬مشروعه‭ ‬السينمائي‭ ‬الخاص،‭ ‬والذي‭ ‬أراده‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬رحم‭ ‬الأسرة‭ ‬الجزائرية‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬اليومية،‭ ‬وأحلامها‭ ‬وطموحاتها،‭ ‬وهذا‭ ‬التشبّع‭ ‬والحب‭ ‬الكبير‭ ‬للأرض،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬رغم‭ ‬ويلات‭ ‬الاستعمار‭. ‬صراع‭ ‬يومي‭ ‬موزّع‭ ‬بين‭ ‬توفير‭ ‬القوت‭ ‬لمواصلة‭ ‬الحياة،‭ ‬ومقارعة‭ ‬الاستعمار‭ ‬بأساليبه‭ ‬المهينة‭ ‬للكرامة‭ ‬البشرية‭.‬
ثنائية‭ ‬ميّزت‭ ‬المجتمع‭ ‬الجزائري‭ ‬رغم‭ ‬قلة‭ ‬ذات‭ ‬اليد،‭ ‬ليكون‭ ‬الموعد‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬مع‭ ‬ثاني‭ ‬أفلامه‭ ‬النضالية‭ ‬‮«‬وقائع‭ ‬سنوات‭ ‬الجمر‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وسيبقى‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أيقونات‭ ‬السينما‭ ‬العربية،‭ ‬عندما‭ ‬حصد‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬جائزة‭ ‬السعفة‭ ‬الذهبية‭ ‬لمهرجان‭ ‬‮«‬كان‮»‬‭ ‬السينمائي‭ ‬الدولي‭.‬
وانتظر‭ ‬الجمهور‭ ‬العربي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬ليلتقي‭ ‬مرة‭ ‬ثالثة‭ ‬مع‭ ‬إبداعات‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة،‭ ‬فكان‭ ‬‮«‬رياح‭ ‬الرمال‮»‬‭ (‬1982‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬غاص‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬صاحبه‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬القرية‭ ‬الجزائرية‭ ‬وأسرارها‭ ‬وتفاصيلها‭.‬
وفي‭ ‬1986،‭ ‬كان‭ ‬رابع‭ ‬أفلامه‭ ‬‮«‬اللقطة‭ ‬الأخيرة‮»‬‭ (‬1986‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أجواء‭ ‬قُبيل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬سنة‭ ‬1939،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حكاية‭ ‬بسيطة‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬صبي‭ ‬صغير‭ ‬يكنّ‭ ‬مشاعر‭ ‬عاطفية‭ ‬تجاه‭ ‬مدرّسته‭ ‬التي‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬القرى‭. ‬لكننا‭ ‬نكتشف‭ ‬عبر‭ ‬الأحداث‭ ‬هذا‭ ‬الصدام‭ ‬بين‭ ‬تقاليد‭ ‬المدينة‭ ‬والقرية‭.‬
ابتعد‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حامينا‭ ‬عن‭ ‬الكاميرا‭ ‬والسينما‭ ‬طيلة‭ ‬28‭ ‬سنة‭ ‬بحكم‭ ‬التزاماته‭ ‬الإدارية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬السينما‭ ‬بالجزائر،‭ ‬ومع‭ ‬إطلالة‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬فقد‭ ‬هزّه‭ ‬الحنين‭ ‬لاحتضان‭ ‬الكاميرا‭ ‬بتجديد‭ ‬العهد‭ ‬معها،‭ ‬فكان‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬غروب‭ ‬الظلال‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تتماهى‭ ‬أحداثه‭ ‬مع‭ ‬النضال‭ ‬الجزائري‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭.‬
وقد‭ ‬أجمع‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ميزة‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أعماله‭ ‬السينمائية‭ ‬هي‭ ‬الوفاء‭ ‬والإخلاص‭ ‬والالتزام‭ ‬لرؤيته‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الصورة،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الشعارات‭ ‬الجوفاء،‭ ‬وساهم‭ ‬مع‭ ‬جيله‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬مرزاق‭ ‬علواش‭ ‬وأحمد‭ ‬الراشدي،‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬سينما‭ ‬جزائرية‭ ‬تعكس‭ ‬نبض‭ ‬المجتمع‭ ‬وتحمل‭ ‬صوته‭ ‬إلى‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭.‬
وبرزت‭ ‬وتميّزت‭ ‬أعمال‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة‭ ‬ببصمة‭ ‬بصرية‭ ‬خاصة،‭ ‬تنهل‭ ‬من‭ ‬تقنيات‭ ‬السينما‭ ‬العالمية،‭ ‬لكنها‭ ‬تنطق‭ ‬بلسان‭ ‬عربي‭ ‬وجزائري‭ ‬صميم‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أفلامه‭ ‬مجرد‭ ‬توثيق،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أعمالًا‭ ‬فنية‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭ ‬والوجع،‭ ‬وتلتقط‭ ‬التفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬يوميات‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والمناطق‭ ‬المهمشة،‭ ‬وتمنحها‭ ‬قيمة‭ ‬جمالية‭ ‬وإنسانية‭.‬
إنه‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة،‭ ‬رائد‭ ‬السينما‭ ‬الجزائرية‭ ‬والعربية‭... ‬مبدع‭ ‬سيبقى‭ ‬خالدًا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭... ‬مبدع‭ ‬آمن‭ ‬بأن‭ ‬السينما‭ ‬هي‭ ‬عنوان‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرادة‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬الحر‭... ‬إرادة‭ ‬تدفع‭ ‬إلى‭ ‬التحليق‭ ‬بعيدًا‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬الرحب‭ ‬بكل‭ ‬شموخ‭ ‬واعتزاز‭ ‬وصلابة‭.‬
محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة‭ ‬رحل‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الخُلد،‭ ‬وهو‭ ‬يحتفل‭ ‬بخمسينية‭ ‬تتويجه‭ ‬بالسعفة‭ ‬الذهبية‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬‮«‬كان‮»‬‭ ‬الدولي‭ ‬للسينما،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حفل‭ ‬تكريم‭ ‬تم‭ ‬تنظيمه‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭...‬
إنه‭ ‬مشهد‭ ‬درامي‭ ‬لمبدع‭ ‬استثنائي‭ ‬غادر‭ ‬الحياة‭ ‬يوم‭ ‬تكريمه‭.
‭ ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬أحمد
أفلامه تكتب نبض المجتمع وتوثق نضاله.. "لخضر حمينة" رائد السينما الجزائرية في ذمة الله

استيقظت‭ ‬الساحة‭ ‬السينمائية‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬صباح‭ ‬أمس‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬نبأ‭ ‬رحيل‭ ‬أحد‭ ‬رواد‭ ‬الفعل‭ ‬السينمائي‭ ‬النضالي‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭ ‬بدرجة‭ ‬أولى،‭ ‬المخرج‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة‭. ‬الذي‭ ‬غادرنا‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬الجزائري‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حامينا،‭ ‬تاركًا‭ ‬إرثًا‭ ‬إبداعيًا‭ ‬سينمائيًا‭ ‬رائدًا‭ ‬في‭ ‬رؤاه‭ ‬وأهدافه‭ ‬ومضامينه،‭ ‬إبداعات‭ ‬تُعتبر‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭: ‬‮«‬رياح‭ ‬الأوراس‮»‬‭ (‬1966‭)‬؛‭ ‬‮«‬وقائع‭ ‬سنين‭ ‬الجمر‮»‬‭ (‬1975‭)‬؛‭ ‬‮«‬رياح‭ ‬الرمال‮»‬‭ (‬1982‭)‬؛‭ ‬‮«‬اللقطة‭ ‬الأخيرة‮»‬‭ (‬1986‭).‬

محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة،‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قرى‭ ‬الشرق‭ ‬الجزائري،‭ ‬بدأ‭ ‬حياته‭ ‬بالفلاحة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬ليكون‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬التابعة‭ ‬للحكومة‭ ‬الجزائرية‭ ‬المؤقتة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الخمسينيات‭. ‬كان‭ ‬شغوفًا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بالفن‭ ‬السابع،‭ ‬متابعةً‭ ‬وحضورًا‭ ‬في‭ ‬حلقات‭ ‬النقاش،‭ ‬شغفٌ‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬الالتحاق،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الجزائرية‭ ‬المؤقتة،‭ ‬بدراسة‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للسينما‮»‬‭ ‬في‭ ‬براغ‭ ‬و»أستوديوهات‭ ‬باراندوف‮»‬‭.‬
وما‭ ‬إن‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬حتى‭ ‬انطلق‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬ما‭ ‬تعلّمه‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصوير‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الوثائقية‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬معارك‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭. ‬كما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬ديوان‭ ‬الأخبار‭ ‬الجزائرية‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1963،‭ ‬ليتولى‭ ‬إدارته‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1974‭. ‬مثّل‭ ‬فيلمه‭ ‬‮«‬رياح‭ ‬الأوراس‮»‬‭ (‬1966‭) ‬المحطة‭ ‬الرئيسية‭ ‬الشاهدة‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬مشروعه‭ ‬السينمائي‭ ‬الخاص،‭ ‬والذي‭ ‬أراده‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬رحم‭ ‬الأسرة‭ ‬الجزائرية‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬اليومية،‭ ‬وأحلامها‭ ‬وطموحاتها،‭ ‬وهذا‭ ‬التشبّع‭ ‬والحب‭ ‬الكبير‭ ‬للأرض،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬رغم‭ ‬ويلات‭ ‬الاستعمار‭. ‬صراع‭ ‬يومي‭ ‬موزّع‭ ‬بين‭ ‬توفير‭ ‬القوت‭ ‬لمواصلة‭ ‬الحياة،‭ ‬ومقارعة‭ ‬الاستعمار‭ ‬بأساليبه‭ ‬المهينة‭ ‬للكرامة‭ ‬البشرية‭.‬
ثنائية‭ ‬ميّزت‭ ‬المجتمع‭ ‬الجزائري‭ ‬رغم‭ ‬قلة‭ ‬ذات‭ ‬اليد،‭ ‬ليكون‭ ‬الموعد‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬مع‭ ‬ثاني‭ ‬أفلامه‭ ‬النضالية‭ ‬‮«‬وقائع‭ ‬سنوات‭ ‬الجمر‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وسيبقى‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أيقونات‭ ‬السينما‭ ‬العربية،‭ ‬عندما‭ ‬حصد‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬جائزة‭ ‬السعفة‭ ‬الذهبية‭ ‬لمهرجان‭ ‬‮«‬كان‮»‬‭ ‬السينمائي‭ ‬الدولي‭.‬
وانتظر‭ ‬الجمهور‭ ‬العربي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬ليلتقي‭ ‬مرة‭ ‬ثالثة‭ ‬مع‭ ‬إبداعات‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة،‭ ‬فكان‭ ‬‮«‬رياح‭ ‬الرمال‮»‬‭ (‬1982‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬غاص‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬صاحبه‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬القرية‭ ‬الجزائرية‭ ‬وأسرارها‭ ‬وتفاصيلها‭.‬
وفي‭ ‬1986،‭ ‬كان‭ ‬رابع‭ ‬أفلامه‭ ‬‮«‬اللقطة‭ ‬الأخيرة‮»‬‭ (‬1986‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أجواء‭ ‬قُبيل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬سنة‭ ‬1939،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حكاية‭ ‬بسيطة‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬صبي‭ ‬صغير‭ ‬يكنّ‭ ‬مشاعر‭ ‬عاطفية‭ ‬تجاه‭ ‬مدرّسته‭ ‬التي‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬القرى‭. ‬لكننا‭ ‬نكتشف‭ ‬عبر‭ ‬الأحداث‭ ‬هذا‭ ‬الصدام‭ ‬بين‭ ‬تقاليد‭ ‬المدينة‭ ‬والقرية‭.‬
ابتعد‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حامينا‭ ‬عن‭ ‬الكاميرا‭ ‬والسينما‭ ‬طيلة‭ ‬28‭ ‬سنة‭ ‬بحكم‭ ‬التزاماته‭ ‬الإدارية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬السينما‭ ‬بالجزائر،‭ ‬ومع‭ ‬إطلالة‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬فقد‭ ‬هزّه‭ ‬الحنين‭ ‬لاحتضان‭ ‬الكاميرا‭ ‬بتجديد‭ ‬العهد‭ ‬معها،‭ ‬فكان‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬غروب‭ ‬الظلال‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تتماهى‭ ‬أحداثه‭ ‬مع‭ ‬النضال‭ ‬الجزائري‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭.‬
وقد‭ ‬أجمع‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ميزة‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أعماله‭ ‬السينمائية‭ ‬هي‭ ‬الوفاء‭ ‬والإخلاص‭ ‬والالتزام‭ ‬لرؤيته‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الصورة،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الشعارات‭ ‬الجوفاء،‭ ‬وساهم‭ ‬مع‭ ‬جيله‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬مرزاق‭ ‬علواش‭ ‬وأحمد‭ ‬الراشدي،‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬سينما‭ ‬جزائرية‭ ‬تعكس‭ ‬نبض‭ ‬المجتمع‭ ‬وتحمل‭ ‬صوته‭ ‬إلى‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭.‬
وبرزت‭ ‬وتميّزت‭ ‬أعمال‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة‭ ‬ببصمة‭ ‬بصرية‭ ‬خاصة،‭ ‬تنهل‭ ‬من‭ ‬تقنيات‭ ‬السينما‭ ‬العالمية،‭ ‬لكنها‭ ‬تنطق‭ ‬بلسان‭ ‬عربي‭ ‬وجزائري‭ ‬صميم‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أفلامه‭ ‬مجرد‭ ‬توثيق،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أعمالًا‭ ‬فنية‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭ ‬والوجع،‭ ‬وتلتقط‭ ‬التفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬يوميات‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والمناطق‭ ‬المهمشة،‭ ‬وتمنحها‭ ‬قيمة‭ ‬جمالية‭ ‬وإنسانية‭.‬
إنه‭ ‬محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة،‭ ‬رائد‭ ‬السينما‭ ‬الجزائرية‭ ‬والعربية‭... ‬مبدع‭ ‬سيبقى‭ ‬خالدًا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭... ‬مبدع‭ ‬آمن‭ ‬بأن‭ ‬السينما‭ ‬هي‭ ‬عنوان‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرادة‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬الحر‭... ‬إرادة‭ ‬تدفع‭ ‬إلى‭ ‬التحليق‭ ‬بعيدًا‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬الرحب‭ ‬بكل‭ ‬شموخ‭ ‬واعتزاز‭ ‬وصلابة‭.‬
محمد‭ ‬لخضر‭ ‬حمينة‭ ‬رحل‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الخُلد،‭ ‬وهو‭ ‬يحتفل‭ ‬بخمسينية‭ ‬تتويجه‭ ‬بالسعفة‭ ‬الذهبية‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬‮«‬كان‮»‬‭ ‬الدولي‭ ‬للسينما،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حفل‭ ‬تكريم‭ ‬تم‭ ‬تنظيمه‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭...‬
إنه‭ ‬مشهد‭ ‬درامي‭ ‬لمبدع‭ ‬استثنائي‭ ‬غادر‭ ‬الحياة‭ ‬يوم‭ ‬تكريمه‭.
‭ ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬أحمد