إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الباحث أنس الشابي لـ"الصباح": السرقات الأدبية مدمّرة للذاكرة البشرية حيث تختلط الموازين وتشتبه الأفعال

لا يتوانى الباحث أنس الشابي عن فضح الممارسات التي لا تمتّ للإبداع بصلة، ومن بينها السرقات الأدبية. وهو يعتمد في ذلك على ما يجمعه من وثائق وحقائق، إيمانًا منه بأنّ العمل الجاد والجدي يتطلّب النزاهة ولا يستبله المتلقي. والباحث أنس الشابي مارس الرقابة على الكتب والمصنفات الأدبية والسياسية على امتداد سنوات، وله في هذا المجال كتاب هو الأول من نوعه في تونس، وقد ضمّنه مذكراته كرقيب للكتب. هذا الموقع أهّله ليكون في قلب المشهد الثقافي والفكري، عارفًا بكواليسه وتفاصيله وأسراره، وما يعيشه من معارك يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، والفكري بالسياسي. فكان كتابه «السرقات الأدبية في تونس بعد الاستقلال»، الصادر عن دار خريف للنشر، والذي لا يزال يثير نقاشات وتحاليل ومواقف. الكتاب يُعدّ وثيقة هي الأولى من نوعها في تونس، تفضح ممارسات وتكشف سلوكيات مشينة في التعاطي مع الإبداع الفكري. في هذا اللقاء، توقف الباحث أنس الشابي عند ظاهرة «السرقات الأدبية»، ومدى تأثيرها على المشهد الثقافي والفكري التونسي ابتكارًا وتجديدًا وترويجًا وتعريفًا.

* أثار كتابك «السرقات الأدبيّة في تونس بعد الاستقلال» جدلاً كبيرًا حول ما تضمنه من حقائق مثيرة... أي دوافع وراء الاهتمام بهذه الظاهرة؟

- أيام كنت بصدد جمع مقالات محمد الصالح المهيدي، كان من الضروري العودة إلى الجرائد والمجلات لجمع ما تناثر من كتاباته. وقد اتسع بحثي إلى مختلف الدوريات، وكانت النتيجة ممثّلة في جمع عدد كبير من المقالات، صنّفتها فيما بعد إلى محاور، أوّلها يتعلق بالسرقات العلمية، ونشرت الحصيلة في الكتاب الذي نحن بصدده.

* ظاهرة السرقات طالت كل فنون الكتابة من صحافة وأدب وشعر وعلوم اجتماعية ومسرح... هل هناك معايير تحدّد ما يمكن اعتباره سرقة أدبية؟

- سرقة الأموال والعقارات وغيرهما من السهل العثور عليها وإثباتها، أما بالنسبة للسرقات الأدبية والعلمية، فمن الصعب العثور عليها، لأنّ ذلك يتطلب اطلاعًا واسعًا للقارئ، فالمكتوب لا يُعدّ ولا يُحصى في اللغة الواحدة، فما بالك بمن يسرق من لغة وينقل إلى أخرى! كلّ ذلك لا يساعد على تحديد معايير مضبوطة. من ذلك أن أحمد صالح العلي قدّم أطروحته سنة 1949، ونُشرت في ستينات القرن الماضي، وعنوانها: «التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري». إلا أننا نجد فيما بعد أطروحة أخرى عن الكوفة في نفس الفترة، علمًا أن الحديث عن البصرة يجرّ حتمًا إلى الحديث عن الكوفة، بحيث وجد صاحب الأطروحة الثانية الطريق مفتوحًا أمامه؛ فالمصادر هي نفسها، ومخطط البحث هو ذاته، وهو ما يمكن عده نوعًا من أنواع السرقة الخفية.

كما نجد أسلوبًا آخر، وهو النقل من لغة إلى أخرى، من ذلك أن أطروحة محمد أركون عن مسكويه، المنشورة سنة 1970 باللغة الفرنسية، منتحلة من أطروحة لعالم الاجتماع المصري الدكتور عبد العزيز عزت، المنشورة في جزأين عن مطبعة الباب الحلبي في مصر سنة 1946، وعنوانها: «(ابن) مسكويه، فلسفته الأخلاقية ومصادرها». وبالنظر في الأطروحتين، يتبيّن أن أركون نقل حرفيًا، بعد الترجمة من العربية إلى الفرنسية، ما جاء في أطروحة عزت، وتعمّد إغفالها في قائمة مصادره، ولم يذكرها إلا في هامش صغير لن يتفطن له إلا متابع يقظ، بجانب استعماله لمخطوطات نقلها عن عزت دون أن يصرّح بذلك.

والمستفاد مما ذكر أن أساليب السرقة كثيرة، ومن الصعوبة تحديد معايير لذلك، لأنّ لكل حالة لبوسها، ولكلّ سرقة معاييرها وأساليبها وأدواتها.

* لكن هناك من يرى أن ما يُعتبر سرقة أدبية هو اقتباس يجيزه القانون؟

- السرقة ليست اقتباسًا، لأن هذا الأخير يقوم فيه المقتبس بذكر صاحب النص أو الفكرة، أما السرقة، فهي أخذ النص أو الفكرة وتعمد إغفال ذكر صاحبها، فتنسب عندها للسارق.

* كيف يمكن الفصل بين الاقتباس والانتحال والسرقة؟

- الفصل بيّن، وهو ذكر صاحب الفكرة أو النص، وكل إغفال هو انتحال وسرقة.

* إلى أي حدّ يمكن اعتبار التأثيرات الأدبية والاقتباسات المتكرّرة جزءًا من الإبداع الأدبي، أم أنها تساهم في خلق حالة من «الاستنساخ الأدبي»؟

- يجب الفصل هنا بين الإبداع والدراسة. فالإبداع في القصة أو الشعر أو الرسم أو التلحين وغيرها من الفنون يعتمد الموهبة من ناحية، والخلفية الثقافية والفكرية التي يصدر عنها المبدع من ناحية ثانية. وفي هذه الحالة، لا تُثبت السرقة إلا بالنقل الحرفي للأحداث أو المشاعر وبتواترها في النص أو الأثر. أما بالنسبة للدراسة، فالأمر مختلف.

* ما مدى تأثير السرقات الأدبية على علاقة الكاتب بالقراء من وجهة نظرك؟

- علاقة الكاتب بالقارئ هي علاقة ثقة، وانعدامها يؤدي حتمًا إلى مقاطعة الكاتب، وفي أفضل الأحوال الاستهانة بما يصدر عنه. من ناحيتي، لم أعد أقرأ إلا لمن ثبتت لديّ قدرتهم على الكتابة ودقتهم فيما ينقلون عن غيرهم، رغم الكثرة المتكاثرة من المنشورات، لأنّ النشر اليوم متيسّر لمن لديه القدرة المالية، بحيث امتلأ السوق بالغث والزبد، ومن لا يساوي فلسًا في سوق المعرفة، لتتضخم العناوين دون فائدة تُذكر سوى استهلاك الكاغذ.

* هناك من يرى في بعض السرقات الأدبية «ابتكارًا» أو «تطويرًا» لأفكار سابقة لا تُشكّل تجاوزًا للأمانة العلمية؟

- الأمانة العلمية أساسية لتطوير المعرفة، وكل قول غير ذلك هو تبرير للسرقة وتشريع للانتحال. صحيح أننا نبني على ما ترك السابقون، ولذلك يجب أن نذكر الفضل لأصحابه، إذ ليس هناك أثر، حتى فيما يُسمى إبداعًا، إلا وله أصول.

* ما هي الأسباب التي تدفع إلى «السرقات الأدبية» من وجهة نظرك؟

- أسباب ذلك كثيرة ومتعدّدة، أجملها في حالتنا التونسية في السببين التاليين:

بهدف الحصول على الترقية أو الشهادة، يعمد البعض إلى سرقة جهد الغير ونسبته إلى نفسه، وكثيرًا ما يقع التفطن إلى ذلك، خصوصًا في الجامعات. غير أنه من النادر أن يقع الإعلام بذلك، فرغم أن الجامعات مليئة باللصوص، إلا أن عدد الذين افتضح أمرهم قليل. ومن بين من شاعت فضيحتهم أستاذ تقدم للترقية في جامعته، إلا أن لجنة الترقية تفطنت إلى أنه قدّم لهم كتابًا وضع عليه اسمه، والحال أنه لأستاذ له من مصر، وقد نشرت وثائق هذه الفضيحة في كتابي. والأمثلة على ذلك كثيرة، خصوصًا في الجامعة، حيث تتستر الإدارات على فضائح يشيب لها الأقرع.

يتوق البعض إلى رؤية اسمه يعلو صفحة كتاب، حتى يُعدّ من ذوي الحيثية ومن أهل الثقافة، فيلجأ إلى سرقة جهد غيره. والأمثلة على ذلك في تونس قليلة، من بينها أن أحدهم نشر مئات العناوين في مختلف الميادين، غير أنها كلّها منتحلة، وقد تفطّن له أصحابها، وعقد معهم صلحًا حصلوا بموجبه على الأموال.

* أي تأثير للسرقات الأدبية على مجالات النشر، اليوم في تونس والوطن العربي؟

- السرقات مدمّرة للذاكرة البشرية، حيث يُنسب الفعل لغير أصحابه، فتختلط الموازين وتشتبه الأفعال. ولا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن بعض الناشرين يسرقون، هم كذلك، جهود الآخرين، ويتم نشرها بعد إغفال ذكر أصحابها. فرحلة ابن خلدون، التي حققها محمد ابن تاويت الطنجي تحقيقًا علميًا ممتازًا، تمت إعادة نشرها في تونس في طبعة مزوّرة لدار نشر، بعد حذف اسم المحقق والفهارس، مع الإبقاء على الهوامش. وقد نشرت دار النشر العشرات من الكتب المزوّرة، خصوصًا في ميادين التراث والآداب.

* نحن نعيش اليوم عصر الذكاء الاصطناعي، هل ترى فيه القدرة على الحدّ من ظاهرة السرقات الأدبية؟

- المخترعات الجديدة بإمكانها أن تُسرّع أي عملية، وأن تجمع المتشابهات وتُبوّبها، وهي لذلك قد تساعد في الحدّ من هذه الظاهرة. لكنها، في كل ما تقوم به، هي أسيرة الذكاء البشري، الذي لا يتوقّف عن الإبداع، حتى في السرقة وأساليبها.

حوار: محسن بن أحمد

الباحث أنس الشابي لـ"الصباح":   السرقات الأدبية مدمّرة للذاكرة البشرية حيث تختلط الموازين وتشتبه الأفعال

لا يتوانى الباحث أنس الشابي عن فضح الممارسات التي لا تمتّ للإبداع بصلة، ومن بينها السرقات الأدبية. وهو يعتمد في ذلك على ما يجمعه من وثائق وحقائق، إيمانًا منه بأنّ العمل الجاد والجدي يتطلّب النزاهة ولا يستبله المتلقي. والباحث أنس الشابي مارس الرقابة على الكتب والمصنفات الأدبية والسياسية على امتداد سنوات، وله في هذا المجال كتاب هو الأول من نوعه في تونس، وقد ضمّنه مذكراته كرقيب للكتب. هذا الموقع أهّله ليكون في قلب المشهد الثقافي والفكري، عارفًا بكواليسه وتفاصيله وأسراره، وما يعيشه من معارك يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، والفكري بالسياسي. فكان كتابه «السرقات الأدبية في تونس بعد الاستقلال»، الصادر عن دار خريف للنشر، والذي لا يزال يثير نقاشات وتحاليل ومواقف. الكتاب يُعدّ وثيقة هي الأولى من نوعها في تونس، تفضح ممارسات وتكشف سلوكيات مشينة في التعاطي مع الإبداع الفكري. في هذا اللقاء، توقف الباحث أنس الشابي عند ظاهرة «السرقات الأدبية»، ومدى تأثيرها على المشهد الثقافي والفكري التونسي ابتكارًا وتجديدًا وترويجًا وتعريفًا.

* أثار كتابك «السرقات الأدبيّة في تونس بعد الاستقلال» جدلاً كبيرًا حول ما تضمنه من حقائق مثيرة... أي دوافع وراء الاهتمام بهذه الظاهرة؟

- أيام كنت بصدد جمع مقالات محمد الصالح المهيدي، كان من الضروري العودة إلى الجرائد والمجلات لجمع ما تناثر من كتاباته. وقد اتسع بحثي إلى مختلف الدوريات، وكانت النتيجة ممثّلة في جمع عدد كبير من المقالات، صنّفتها فيما بعد إلى محاور، أوّلها يتعلق بالسرقات العلمية، ونشرت الحصيلة في الكتاب الذي نحن بصدده.

* ظاهرة السرقات طالت كل فنون الكتابة من صحافة وأدب وشعر وعلوم اجتماعية ومسرح... هل هناك معايير تحدّد ما يمكن اعتباره سرقة أدبية؟

- سرقة الأموال والعقارات وغيرهما من السهل العثور عليها وإثباتها، أما بالنسبة للسرقات الأدبية والعلمية، فمن الصعب العثور عليها، لأنّ ذلك يتطلب اطلاعًا واسعًا للقارئ، فالمكتوب لا يُعدّ ولا يُحصى في اللغة الواحدة، فما بالك بمن يسرق من لغة وينقل إلى أخرى! كلّ ذلك لا يساعد على تحديد معايير مضبوطة. من ذلك أن أحمد صالح العلي قدّم أطروحته سنة 1949، ونُشرت في ستينات القرن الماضي، وعنوانها: «التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري». إلا أننا نجد فيما بعد أطروحة أخرى عن الكوفة في نفس الفترة، علمًا أن الحديث عن البصرة يجرّ حتمًا إلى الحديث عن الكوفة، بحيث وجد صاحب الأطروحة الثانية الطريق مفتوحًا أمامه؛ فالمصادر هي نفسها، ومخطط البحث هو ذاته، وهو ما يمكن عده نوعًا من أنواع السرقة الخفية.

كما نجد أسلوبًا آخر، وهو النقل من لغة إلى أخرى، من ذلك أن أطروحة محمد أركون عن مسكويه، المنشورة سنة 1970 باللغة الفرنسية، منتحلة من أطروحة لعالم الاجتماع المصري الدكتور عبد العزيز عزت، المنشورة في جزأين عن مطبعة الباب الحلبي في مصر سنة 1946، وعنوانها: «(ابن) مسكويه، فلسفته الأخلاقية ومصادرها». وبالنظر في الأطروحتين، يتبيّن أن أركون نقل حرفيًا، بعد الترجمة من العربية إلى الفرنسية، ما جاء في أطروحة عزت، وتعمّد إغفالها في قائمة مصادره، ولم يذكرها إلا في هامش صغير لن يتفطن له إلا متابع يقظ، بجانب استعماله لمخطوطات نقلها عن عزت دون أن يصرّح بذلك.

والمستفاد مما ذكر أن أساليب السرقة كثيرة، ومن الصعوبة تحديد معايير لذلك، لأنّ لكل حالة لبوسها، ولكلّ سرقة معاييرها وأساليبها وأدواتها.

* لكن هناك من يرى أن ما يُعتبر سرقة أدبية هو اقتباس يجيزه القانون؟

- السرقة ليست اقتباسًا، لأن هذا الأخير يقوم فيه المقتبس بذكر صاحب النص أو الفكرة، أما السرقة، فهي أخذ النص أو الفكرة وتعمد إغفال ذكر صاحبها، فتنسب عندها للسارق.

* كيف يمكن الفصل بين الاقتباس والانتحال والسرقة؟

- الفصل بيّن، وهو ذكر صاحب الفكرة أو النص، وكل إغفال هو انتحال وسرقة.

* إلى أي حدّ يمكن اعتبار التأثيرات الأدبية والاقتباسات المتكرّرة جزءًا من الإبداع الأدبي، أم أنها تساهم في خلق حالة من «الاستنساخ الأدبي»؟

- يجب الفصل هنا بين الإبداع والدراسة. فالإبداع في القصة أو الشعر أو الرسم أو التلحين وغيرها من الفنون يعتمد الموهبة من ناحية، والخلفية الثقافية والفكرية التي يصدر عنها المبدع من ناحية ثانية. وفي هذه الحالة، لا تُثبت السرقة إلا بالنقل الحرفي للأحداث أو المشاعر وبتواترها في النص أو الأثر. أما بالنسبة للدراسة، فالأمر مختلف.

* ما مدى تأثير السرقات الأدبية على علاقة الكاتب بالقراء من وجهة نظرك؟

- علاقة الكاتب بالقارئ هي علاقة ثقة، وانعدامها يؤدي حتمًا إلى مقاطعة الكاتب، وفي أفضل الأحوال الاستهانة بما يصدر عنه. من ناحيتي، لم أعد أقرأ إلا لمن ثبتت لديّ قدرتهم على الكتابة ودقتهم فيما ينقلون عن غيرهم، رغم الكثرة المتكاثرة من المنشورات، لأنّ النشر اليوم متيسّر لمن لديه القدرة المالية، بحيث امتلأ السوق بالغث والزبد، ومن لا يساوي فلسًا في سوق المعرفة، لتتضخم العناوين دون فائدة تُذكر سوى استهلاك الكاغذ.

* هناك من يرى في بعض السرقات الأدبية «ابتكارًا» أو «تطويرًا» لأفكار سابقة لا تُشكّل تجاوزًا للأمانة العلمية؟

- الأمانة العلمية أساسية لتطوير المعرفة، وكل قول غير ذلك هو تبرير للسرقة وتشريع للانتحال. صحيح أننا نبني على ما ترك السابقون، ولذلك يجب أن نذكر الفضل لأصحابه، إذ ليس هناك أثر، حتى فيما يُسمى إبداعًا، إلا وله أصول.

* ما هي الأسباب التي تدفع إلى «السرقات الأدبية» من وجهة نظرك؟

- أسباب ذلك كثيرة ومتعدّدة، أجملها في حالتنا التونسية في السببين التاليين:

بهدف الحصول على الترقية أو الشهادة، يعمد البعض إلى سرقة جهد الغير ونسبته إلى نفسه، وكثيرًا ما يقع التفطن إلى ذلك، خصوصًا في الجامعات. غير أنه من النادر أن يقع الإعلام بذلك، فرغم أن الجامعات مليئة باللصوص، إلا أن عدد الذين افتضح أمرهم قليل. ومن بين من شاعت فضيحتهم أستاذ تقدم للترقية في جامعته، إلا أن لجنة الترقية تفطنت إلى أنه قدّم لهم كتابًا وضع عليه اسمه، والحال أنه لأستاذ له من مصر، وقد نشرت وثائق هذه الفضيحة في كتابي. والأمثلة على ذلك كثيرة، خصوصًا في الجامعة، حيث تتستر الإدارات على فضائح يشيب لها الأقرع.

يتوق البعض إلى رؤية اسمه يعلو صفحة كتاب، حتى يُعدّ من ذوي الحيثية ومن أهل الثقافة، فيلجأ إلى سرقة جهد غيره. والأمثلة على ذلك في تونس قليلة، من بينها أن أحدهم نشر مئات العناوين في مختلف الميادين، غير أنها كلّها منتحلة، وقد تفطّن له أصحابها، وعقد معهم صلحًا حصلوا بموجبه على الأموال.

* أي تأثير للسرقات الأدبية على مجالات النشر، اليوم في تونس والوطن العربي؟

- السرقات مدمّرة للذاكرة البشرية، حيث يُنسب الفعل لغير أصحابه، فتختلط الموازين وتشتبه الأفعال. ولا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن بعض الناشرين يسرقون، هم كذلك، جهود الآخرين، ويتم نشرها بعد إغفال ذكر أصحابها. فرحلة ابن خلدون، التي حققها محمد ابن تاويت الطنجي تحقيقًا علميًا ممتازًا، تمت إعادة نشرها في تونس في طبعة مزوّرة لدار نشر، بعد حذف اسم المحقق والفهارس، مع الإبقاء على الهوامش. وقد نشرت دار النشر العشرات من الكتب المزوّرة، خصوصًا في ميادين التراث والآداب.

* نحن نعيش اليوم عصر الذكاء الاصطناعي، هل ترى فيه القدرة على الحدّ من ظاهرة السرقات الأدبية؟

- المخترعات الجديدة بإمكانها أن تُسرّع أي عملية، وأن تجمع المتشابهات وتُبوّبها، وهي لذلك قد تساعد في الحدّ من هذه الظاهرة. لكنها، في كل ما تقوم به، هي أسيرة الذكاء البشري، الذي لا يتوقّف عن الإبداع، حتى في السرقة وأساليبها.

حوار: محسن بن أحمد