إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تواجهان حملات ممنهجة.. اتهامات وانتقادات.. تونس والجزائر تدفعان "ثمن" مواقفهما السيادية

 

- أستاذ قانون دستوري جزائري وبرلماني سابق لـ«الصباح»: تونس والجزائر مستهدفتان لمواقفهما التاريخية والمبدئية تجاه القضية الفلسطينية

- رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان لـ«الصباح»: منطق الإملاءات انتهى.. والعلاقات الدولية يجب أن تُبنى على قاعدة الاحترام المتبادل

هل تدفع تونس والجزائر اليوم ثمن وضوح مواقفهما وقراراتهما السيادية إلى جانب ثباتهما على المبدأ؟

سؤال يفرض نفسه بإلحاح في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة، حيث ترى بعض الأطراف أن تونس والجزائر اللتين حافظتا على موقفهما الثابت من القضية الفلسطينية والرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني سيكون لخيارهما ضريبته وكلفته.

تواجه تونس والجزائر حملة شرسة على خلفية مواقفهما الثابتة التي تنبني على نفس المبادىء، ونفس التوجهات في زمن التلون وبيع الذمم والمتاجرة بالمواقف.

وفي ظل هذا الوضع تتعرض تونس منذ فترة لحملات ممنهجة من اطراف داخلية وخارجية تعمل بشتى الاساليب والطرق  على التشكيك في التوجهات الوطنية والقرارات السيادية للدولة في محاولة للمس من سمعتها وضرب استقرارها عبر خلق أسباب ومسببات واهية.

ويجمع المتابعون على ان تونس تدفع اليوم ثمن وقوفها الثابت الى جانب الحق الفلسطيني لاسيما ان رئيس الجمهورية قيس سعيد ما فتىء يؤكد على دعم تونس الدائم للشعب الفلسطيني الباسل في صموده للدفاع عن حقوقه المشروعة والتي لن تسقط بالتقادم رغم محاولات إخراج القضية الفلسطينية من دائرة الاهتمام الدولي والسعي الى استبطان ثقافة الهزيمة.

وفي سياق متصل يبدو ان موقف رئيس الجمهورية من التطبيع مع الكيان الصهيوني أثار ضده أصحاب الأجندات الخبيثة والنوايا المبيتة التي تحركها حساباتها وفق مصالحها، خاصة ان تونس تعتبر من أبرز الدول الرافضة لمحاولات التصفية والتطبيع مع إسرائيل، بل تدعو إلى دعم المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها.

ولا يمكن الحديث عن الحملات الممنهجة دون التطرق الى الصفحات المأجورة و»أوكار» التحريض والشيطنة، التي يديرها أصحاب النفوس المريضة من الخارج حيث تعمد الى بث الفتنة والكراهية والتشكيك  في المواقف التونسية في محاولة للمس من صورة رئيس الجمهورية قيس سعيد على خلفية قراراته الجريئة ومواقفه التاريخية التي كثيرا ما صنعت الحدث عربيا ودوليا. 

وتعليقا على هذا الوضع قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي وشؤون التونسيين بالخارج والهجرة بالبرلمان أيمن البوغديري في  تصريح لـ «الصباح» أنه من المؤسف أن نعيش في عالم تُكون فيه الاستقلالية عقوبة، والسيادة الوطنية ثمنها العزلة أو الضغوط، فما نلاحظه اليوم هو أن بعض الدول، ومنها تونس والجزائر، التي اختارت أن تسلك طريقاً مستقلاً وتحافظ على قراراتها السيادية بعيداً عن الاستقطابات، تجد نفسها أحياناً عرضة للتشكيك أو محاولات الضغط، سواء من خلال حملات إعلامية أو مواقف سياسية غير بريئة.»

والواقع ان تونس والجزائر لا تدفعان ثمناً بالمعنى السلبي بقدر ما تتحملان مسؤولية خيار استراتيجي مبدئي، يتمثل في عدم الخضوع للإملاءات الخارجية، والحفاظ على القرار الوطني المستقل في إطار احترام القانون الدولي والعلاقات المتوازنة مع الجميع.

وأوضح البوغديري أننا «نؤمن أن لكل دولة سيادتها وحقها الكامل في تحديد سياساتها الداخلية والخارجية وفقاً لما تراه مناسباً لمصلحة شعبها، ولا يحق لأي طرف أجنبي، مهما كان وزنه، أن يتدخل أو يمارس الوصاية أو يفرض شروطاً على اختياراتنا»، مشددا على أن منطق الإملاءات انتهى، والعلاقات الدولية اليوم يجب أن تُبنى على قاعدة الاحترام المتبادل، لا على منطق التبعية أو الضغط.

وفي هذا السياق، يجب التأكيد على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد بند في السياسة الخارجية، بل هي قضية مبدئية وأخلاقية، نابعة من وجدان الشعوب الحرة، ومنها الشعبان التونسي والجزائري.

فدعمنا الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في استرداد أرضه المسلوبة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، هو موقف لا يمكن أن يخضع للمقايضة أو الابتزاز، ولن يكون عرضة للتغيير تحت أي ظرف من الظروف.

وتجمع كل الأطراف اليوم على ان تونس قد تواجه بعض الضغوط، وقد تكون في مواجهة محاولات للتشويش على نجاح مسارها ، لكن ذلك لن يغير من ثوابتها شيئاً. فالشعوب الحرة لا تقبل إلا بسياسات نابعة من إرادتها، خاصة ان رئيس الجمهورية قيس سعيد أكد في عديد المناسبات رفضه أي شكل من أشكال التدخل في الشأن الداخلي لتونس،وما فتئ يؤكد ان   «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، وأن سيادتها واستقلالها فوق كل اعتبار» .

كيانات تسعى للبلبلة

ومن البديهي أنه  ليس الجزائر وتونس وحدهما فقط من يتعرضان لضغوط ولمساومات ولمحاولات  التدخل في شؤونهما أو محاولات  المساس بأمنهما واستقرارهما على اعتبار أن كل الدول المحبة للأمن والسلم والاستقرار  وكل الدول المناضلة والمكافحة من أجل التحرر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي مستهدفة من الكيانات التي تسعى لخلق البلبلة والاضطرابات.

و هذا ما أكده أستاذ القانون الدستوري الجزائري والبرلماني السابق موسى بودان في  تصريح لـ «الصباح» بقوله إن « تونس والجزائر مستهدفتان لمواقفهما التاريخية والمبدئية التي تجاه القضية الفلسطينية،  لاسيما فيما يهم مناهضتهما للتطبيع.  وأشار إلى أن المرحلة تقتضي الصمود والوحدة وتحصين الجبهات الداخلية، مضيفا في الإطار نفسه أنه  يجمع بين تونس والجزائر العديد من القواسم المشتركة على غرار تصديهما  لمحاولات زعزعة أمن واستقرار البلدين،  مشددا على أنهما اليوم مستهدفتان، ، نظرا لمواقفهما الثابتة لاسيما في نصرة القضايا العادلة على غرار  القضية الفلسطينية، ورفض التدخل في شؤونهما الداخلية».

ويعتبر أستاذ القانون الدستوري الجزائري موسى بودان ان بعض الأطراف تسعى الى زعزعة أمن واستقرار المنطقة، مشيرا إلى أن هذه الجهات معروفة، وأن المواقف السيادية لكل من تونس والجزائر تجعلهما عرضة لكل تلك المحاولات  «البائسة»، على حد تعبيره.

ومما لاشك فيه ان استهداف الجزائر وتونس وكل الدول التي تقف ضد كل أشكال التطبيع يقتضي  بالنسبة لتونس والجزائر الاتحاد والتضامن والتنسيق بينهما من خلال تفعيل جميع الاتفاقيات التي تطال جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية والأمنية وغيرها، لتثبيت أكثر فأكثر هذا التنسيق الذي تحتاجه الدولتان أكثر من أي وقت مضى.

وسبق لرئيس الجمهورية قيس سعيد ان أكّد على إيمان تونس الراسخ بوحدة المصير مع الجزائر.

ومن جهته قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ان: «ما يمس تونس يمسنا.. ومن يهدد تونس أمنيا سيجدنا أمامه».

وهذا الوضع سيدعو الطرفين الى مزيد تكثيف سنّة التشاور والتنسيق وتوحيد الرؤى والمواقف بخصوص المسائل الإقليمية والدولية خاصة في ظلّ الظروف الراهنة التي تشهدها المنطقة والعالم.

من جانب آخر يرى أستاذ العلاقات الدولية عدنان الإمام في تصريح لـ «الصباح» أن ما يحدث يعتبر بديهيا في ظل وجود ضغوطات تمارس على البلدين وحتى إن لم تظهر هذه الضغوطات للعيان وبشكل مباشر اليوم فإن  مقتضيات  المرحلة الراهنة تؤشر إلى  بروزها لاحقا. وفسر  الإمام في هذا الاتجاه أن البلدين يرفضان قطعيا ركوب قطار التطبيع في إطار اتفاقيات أبراهام داعيا في هذا الخصوص كلا من الجزائر وتونس إلى تدعيم آليات التنسيق الوثيق فيما بينهما إلى جانب  تنويع شركاؤهما على المستوى الدولي دون التعويل على الغرب كقوة محورية خاصة في ظل ما نشهده اليوم من عالم متعدد الأقطاب.

شراكة اندماجية

وخلص أستاذ العلاقات الدولية عدنان الإمام إلى القول بأن المطلوب من الجزائر وتونس اليوم تنويع شركائهما، معتبرا وجود هامش من التحرك  الجيوسياسي والدبلوماسي أمام تونس والجزائر حول عديد الملفات، داعيا إلى الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاندماجية.

من جهة أخرى وفي نفس الاتجاه قال الأكاديمي الجزائري والمحلل السياسي عبد السلام الفيلالي في  تصريح لـ «الصباح» أن الصهيونية تعد- بطبيعة الحال - مكونا مهما في الإيديولوجية الغربية، وعدم الاعتراف بهذا الكيان يعني غياب ركن أساسي من أركان التعامل مع الغرب، ويصير شرطا لأي تطوير للعلاقات ولو بشكل غير معلن، وهو ما تأكد خلال السنوات الأخيرة عبر عنوان كبير هو «التطبيع».

ويبدو أن الجزائر وتونس، البلدان اللذان أبديا موقفا صريحا تجاه ملف القضية الفلسطينية عبر تبني حل الدولتين الذي هو شرط أولي لأي موقف تجاه أي تطبيع أو إقامة علاقات. وحيث أن الكيان الإسرائيلي، ومنذ قبر هذا الحل بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «إسحاق رابين» سنة 1995، ومضيه في مشروع الاستيطان إلى أبعد مدى، ظهر  بالنسبة لهذين البلدين، أن القضية وما فيها هو توجه نحو إنهاء مشروع الدولة الفلسطينية بتواطؤ غربي مفضوح خاصة بعد اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.

وتابع  الفيلالي قائلا:»إنه موقف لن يعجب حتما الدول الغربية، ولكني لا أرى أنه يؤدي إلى قطيعة، فطبيعة الغرب البراغماتية تجعله يقارب العلاقة مع الجزائر وتونس بمنظار المصالح أولا ثم مصالح الكيان الإسرائيلي، وهو يظل عند هذا الحد طالما أن بلدينا يمتلكان مناعة وحصانة ضد التدخلات الأجنبية . لكن الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لن تتوانى عن التدخل وتفكيك الدولة الوطنية القائمة في أول مشهد أزمة مثلما حصل مع عدة دول عربية (العراق، اليمن، سوريا، السودان، ليبيا، وقبلها الجزائر) كانت لها مواقف قومية مشرفة تجاه قضية الشعب الفلسطيني العادلة».

فما هو مطلوب من تونس والجزائر حسب هذه القوى  ليس التطبيع كأولوية إنما التراجع عن فكرة إقامة دولة فلسطينية وهو ما لن تقبل به تونس والجزائر.

منال حرزي

تواجهان حملات ممنهجة.. اتهامات وانتقادات..   تونس والجزائر تدفعان "ثمن" مواقفهما السيادية

 

- أستاذ قانون دستوري جزائري وبرلماني سابق لـ«الصباح»: تونس والجزائر مستهدفتان لمواقفهما التاريخية والمبدئية تجاه القضية الفلسطينية

- رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان لـ«الصباح»: منطق الإملاءات انتهى.. والعلاقات الدولية يجب أن تُبنى على قاعدة الاحترام المتبادل

هل تدفع تونس والجزائر اليوم ثمن وضوح مواقفهما وقراراتهما السيادية إلى جانب ثباتهما على المبدأ؟

سؤال يفرض نفسه بإلحاح في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة، حيث ترى بعض الأطراف أن تونس والجزائر اللتين حافظتا على موقفهما الثابت من القضية الفلسطينية والرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني سيكون لخيارهما ضريبته وكلفته.

تواجه تونس والجزائر حملة شرسة على خلفية مواقفهما الثابتة التي تنبني على نفس المبادىء، ونفس التوجهات في زمن التلون وبيع الذمم والمتاجرة بالمواقف.

وفي ظل هذا الوضع تتعرض تونس منذ فترة لحملات ممنهجة من اطراف داخلية وخارجية تعمل بشتى الاساليب والطرق  على التشكيك في التوجهات الوطنية والقرارات السيادية للدولة في محاولة للمس من سمعتها وضرب استقرارها عبر خلق أسباب ومسببات واهية.

ويجمع المتابعون على ان تونس تدفع اليوم ثمن وقوفها الثابت الى جانب الحق الفلسطيني لاسيما ان رئيس الجمهورية قيس سعيد ما فتىء يؤكد على دعم تونس الدائم للشعب الفلسطيني الباسل في صموده للدفاع عن حقوقه المشروعة والتي لن تسقط بالتقادم رغم محاولات إخراج القضية الفلسطينية من دائرة الاهتمام الدولي والسعي الى استبطان ثقافة الهزيمة.

وفي سياق متصل يبدو ان موقف رئيس الجمهورية من التطبيع مع الكيان الصهيوني أثار ضده أصحاب الأجندات الخبيثة والنوايا المبيتة التي تحركها حساباتها وفق مصالحها، خاصة ان تونس تعتبر من أبرز الدول الرافضة لمحاولات التصفية والتطبيع مع إسرائيل، بل تدعو إلى دعم المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها.

ولا يمكن الحديث عن الحملات الممنهجة دون التطرق الى الصفحات المأجورة و»أوكار» التحريض والشيطنة، التي يديرها أصحاب النفوس المريضة من الخارج حيث تعمد الى بث الفتنة والكراهية والتشكيك  في المواقف التونسية في محاولة للمس من صورة رئيس الجمهورية قيس سعيد على خلفية قراراته الجريئة ومواقفه التاريخية التي كثيرا ما صنعت الحدث عربيا ودوليا. 

وتعليقا على هذا الوضع قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي وشؤون التونسيين بالخارج والهجرة بالبرلمان أيمن البوغديري في  تصريح لـ «الصباح» أنه من المؤسف أن نعيش في عالم تُكون فيه الاستقلالية عقوبة، والسيادة الوطنية ثمنها العزلة أو الضغوط، فما نلاحظه اليوم هو أن بعض الدول، ومنها تونس والجزائر، التي اختارت أن تسلك طريقاً مستقلاً وتحافظ على قراراتها السيادية بعيداً عن الاستقطابات، تجد نفسها أحياناً عرضة للتشكيك أو محاولات الضغط، سواء من خلال حملات إعلامية أو مواقف سياسية غير بريئة.»

والواقع ان تونس والجزائر لا تدفعان ثمناً بالمعنى السلبي بقدر ما تتحملان مسؤولية خيار استراتيجي مبدئي، يتمثل في عدم الخضوع للإملاءات الخارجية، والحفاظ على القرار الوطني المستقل في إطار احترام القانون الدولي والعلاقات المتوازنة مع الجميع.

وأوضح البوغديري أننا «نؤمن أن لكل دولة سيادتها وحقها الكامل في تحديد سياساتها الداخلية والخارجية وفقاً لما تراه مناسباً لمصلحة شعبها، ولا يحق لأي طرف أجنبي، مهما كان وزنه، أن يتدخل أو يمارس الوصاية أو يفرض شروطاً على اختياراتنا»، مشددا على أن منطق الإملاءات انتهى، والعلاقات الدولية اليوم يجب أن تُبنى على قاعدة الاحترام المتبادل، لا على منطق التبعية أو الضغط.

وفي هذا السياق، يجب التأكيد على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد بند في السياسة الخارجية، بل هي قضية مبدئية وأخلاقية، نابعة من وجدان الشعوب الحرة، ومنها الشعبان التونسي والجزائري.

فدعمنا الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في استرداد أرضه المسلوبة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، هو موقف لا يمكن أن يخضع للمقايضة أو الابتزاز، ولن يكون عرضة للتغيير تحت أي ظرف من الظروف.

وتجمع كل الأطراف اليوم على ان تونس قد تواجه بعض الضغوط، وقد تكون في مواجهة محاولات للتشويش على نجاح مسارها ، لكن ذلك لن يغير من ثوابتها شيئاً. فالشعوب الحرة لا تقبل إلا بسياسات نابعة من إرادتها، خاصة ان رئيس الجمهورية قيس سعيد أكد في عديد المناسبات رفضه أي شكل من أشكال التدخل في الشأن الداخلي لتونس،وما فتئ يؤكد ان   «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، وأن سيادتها واستقلالها فوق كل اعتبار» .

كيانات تسعى للبلبلة

ومن البديهي أنه  ليس الجزائر وتونس وحدهما فقط من يتعرضان لضغوط ولمساومات ولمحاولات  التدخل في شؤونهما أو محاولات  المساس بأمنهما واستقرارهما على اعتبار أن كل الدول المحبة للأمن والسلم والاستقرار  وكل الدول المناضلة والمكافحة من أجل التحرر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي مستهدفة من الكيانات التي تسعى لخلق البلبلة والاضطرابات.

و هذا ما أكده أستاذ القانون الدستوري الجزائري والبرلماني السابق موسى بودان في  تصريح لـ «الصباح» بقوله إن « تونس والجزائر مستهدفتان لمواقفهما التاريخية والمبدئية التي تجاه القضية الفلسطينية،  لاسيما فيما يهم مناهضتهما للتطبيع.  وأشار إلى أن المرحلة تقتضي الصمود والوحدة وتحصين الجبهات الداخلية، مضيفا في الإطار نفسه أنه  يجمع بين تونس والجزائر العديد من القواسم المشتركة على غرار تصديهما  لمحاولات زعزعة أمن واستقرار البلدين،  مشددا على أنهما اليوم مستهدفتان، ، نظرا لمواقفهما الثابتة لاسيما في نصرة القضايا العادلة على غرار  القضية الفلسطينية، ورفض التدخل في شؤونهما الداخلية».

ويعتبر أستاذ القانون الدستوري الجزائري موسى بودان ان بعض الأطراف تسعى الى زعزعة أمن واستقرار المنطقة، مشيرا إلى أن هذه الجهات معروفة، وأن المواقف السيادية لكل من تونس والجزائر تجعلهما عرضة لكل تلك المحاولات  «البائسة»، على حد تعبيره.

ومما لاشك فيه ان استهداف الجزائر وتونس وكل الدول التي تقف ضد كل أشكال التطبيع يقتضي  بالنسبة لتونس والجزائر الاتحاد والتضامن والتنسيق بينهما من خلال تفعيل جميع الاتفاقيات التي تطال جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية والأمنية وغيرها، لتثبيت أكثر فأكثر هذا التنسيق الذي تحتاجه الدولتان أكثر من أي وقت مضى.

وسبق لرئيس الجمهورية قيس سعيد ان أكّد على إيمان تونس الراسخ بوحدة المصير مع الجزائر.

ومن جهته قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ان: «ما يمس تونس يمسنا.. ومن يهدد تونس أمنيا سيجدنا أمامه».

وهذا الوضع سيدعو الطرفين الى مزيد تكثيف سنّة التشاور والتنسيق وتوحيد الرؤى والمواقف بخصوص المسائل الإقليمية والدولية خاصة في ظلّ الظروف الراهنة التي تشهدها المنطقة والعالم.

من جانب آخر يرى أستاذ العلاقات الدولية عدنان الإمام في تصريح لـ «الصباح» أن ما يحدث يعتبر بديهيا في ظل وجود ضغوطات تمارس على البلدين وحتى إن لم تظهر هذه الضغوطات للعيان وبشكل مباشر اليوم فإن  مقتضيات  المرحلة الراهنة تؤشر إلى  بروزها لاحقا. وفسر  الإمام في هذا الاتجاه أن البلدين يرفضان قطعيا ركوب قطار التطبيع في إطار اتفاقيات أبراهام داعيا في هذا الخصوص كلا من الجزائر وتونس إلى تدعيم آليات التنسيق الوثيق فيما بينهما إلى جانب  تنويع شركاؤهما على المستوى الدولي دون التعويل على الغرب كقوة محورية خاصة في ظل ما نشهده اليوم من عالم متعدد الأقطاب.

شراكة اندماجية

وخلص أستاذ العلاقات الدولية عدنان الإمام إلى القول بأن المطلوب من الجزائر وتونس اليوم تنويع شركائهما، معتبرا وجود هامش من التحرك  الجيوسياسي والدبلوماسي أمام تونس والجزائر حول عديد الملفات، داعيا إلى الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاندماجية.

من جهة أخرى وفي نفس الاتجاه قال الأكاديمي الجزائري والمحلل السياسي عبد السلام الفيلالي في  تصريح لـ «الصباح» أن الصهيونية تعد- بطبيعة الحال - مكونا مهما في الإيديولوجية الغربية، وعدم الاعتراف بهذا الكيان يعني غياب ركن أساسي من أركان التعامل مع الغرب، ويصير شرطا لأي تطوير للعلاقات ولو بشكل غير معلن، وهو ما تأكد خلال السنوات الأخيرة عبر عنوان كبير هو «التطبيع».

ويبدو أن الجزائر وتونس، البلدان اللذان أبديا موقفا صريحا تجاه ملف القضية الفلسطينية عبر تبني حل الدولتين الذي هو شرط أولي لأي موقف تجاه أي تطبيع أو إقامة علاقات. وحيث أن الكيان الإسرائيلي، ومنذ قبر هذا الحل بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «إسحاق رابين» سنة 1995، ومضيه في مشروع الاستيطان إلى أبعد مدى، ظهر  بالنسبة لهذين البلدين، أن القضية وما فيها هو توجه نحو إنهاء مشروع الدولة الفلسطينية بتواطؤ غربي مفضوح خاصة بعد اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.

وتابع  الفيلالي قائلا:»إنه موقف لن يعجب حتما الدول الغربية، ولكني لا أرى أنه يؤدي إلى قطيعة، فطبيعة الغرب البراغماتية تجعله يقارب العلاقة مع الجزائر وتونس بمنظار المصالح أولا ثم مصالح الكيان الإسرائيلي، وهو يظل عند هذا الحد طالما أن بلدينا يمتلكان مناعة وحصانة ضد التدخلات الأجنبية . لكن الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لن تتوانى عن التدخل وتفكيك الدولة الوطنية القائمة في أول مشهد أزمة مثلما حصل مع عدة دول عربية (العراق، اليمن، سوريا، السودان، ليبيا، وقبلها الجزائر) كانت لها مواقف قومية مشرفة تجاه قضية الشعب الفلسطيني العادلة».

فما هو مطلوب من تونس والجزائر حسب هذه القوى  ليس التطبيع كأولوية إنما التراجع عن فكرة إقامة دولة فلسطينية وهو ما لن تقبل به تونس والجزائر.

منال حرزي