إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تحويلات التونسيين بالخارج تقفز إلى 2.8 مليار دينار.. التونسيون بالخارج يعززون مخزون العملة الصعبة بنسبة 30%

 

تشهد تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج نموًا مطردًا يعكس ارتباط الجالية التونسية بوطنها الأم، وفي الوقت ذاته يبرز أهميتها كرافد أساسي لدعم الاقتصاد الوطني. فقد أوضحت أحدث الإحصائيات الصادرة عن البنك المركزي التونسي أن عائدات العمل (تحويلات التونسيين بالخارج) ارتفعت بنسبة تفوق 8 %، حيث قفزت من 2.4 مليار دينار في أواخر شهر أفريل 2024 إلى 2.8 مليار دينار بحلول 10 ماي 2025، متفوقة على إيرادات السياحة البالغة 2.1 مليار دينار خلال نفس الفترة.

التطور الإيجابي لم يأتِ بمحض الصدفة، بل يعكس الجهود المشتركة بين الحكومة والجالية التونسية بالخارج، وهو ما يدفع للتساؤل عن دور هذه التحويلات في دعم الاقتصاد الوطني، والإجراءات الحكومية المتخذة لتشجيع التونسيين المغتربين على زيادة تحويلاتهم، بالإضافة إلى الامتيازات المقدمة لهم.

شريان حياة للاقتصاد التونسي

وتمثل تحويلات التونسيين بالخارج موردًا هامًا لتدفق العملة الصعبة إلى البلاد، حيث أشارت الإحصائيات إلى أن هذه التحويلات ساهمت في تغطية نسبة تتراوح بين 1.3 % و1.4 % من الديون بالعملة الصعبة. ويعد هذا الرقم مؤشرًا لمدى أهمية هذه الأموال في التخفيف من عبء الدين الخارجي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس.

كما أن هذه التحويلات تمثل حوالي 30 % من مخزون العملة الصعبة في البلاد بحسب تصريحات محافظ البنك المركزي، فتحي زهير النوري. هذه النسبة تعكس دور الجالية التونسية في دعم الاستقرار المالي للدولة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية المتقلبة.

تحديات إدماج التحويلات في الاقتصاد الوطني

على الرغم من النمو المطرد لتحويلات التونسيين بالخارج، أشار محافظ البنك المركزي، مؤخرا، إلى أن نسبة كبيرة من هذه الأموال تذهب إلى الاستهلاك المباشر، مثل تغطية النفقات اليومية للأسر أو شراء العقارات. ورغم أهمية هذه النفقات في تحسين مستوى معيشة المواطنين، إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في إدماج هذه التحويلات بشكل فعّال في الاقتصاد الوطني من خلال تحويلها إلى استثمارات إنتاجية.

وأشار النوري إلى أن المتوسط الشهري لتحويلات المغتربين التونسيين يبلغ حوالي 120 دولارًا للفرد، وهو أقل من المستوى العالمي الذي يصل إلى 200 دولار. هذا الفارق يُبرز الحاجة إلى مزيد من العمل لتحفيز الجالية التونسية بالخارج على زيادة تحويلاتها، مع توجيه جزء منها نحو المشاريع التنموية والاستثمارية التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وتخلق فرص عمل جديدة.

إجراءات حكومية لدفع نسق التحويلات

وفي إطار السعي لتشجيع التونسيين بالخارج على زيادة تحويلاتهم، اتخذت الحكومة، مؤخرا، جملة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز الثقة بين الجالية ومؤسسات الدولة. ومن بين هذه الإجراءات، تسهيل الخدمات البنكية وتحويل الأموال، حيث عملت الحكومة بالتعاون مع البنك المركزي على تطوير أنظمة تحويل الأموال لتصبح أكثر سرعة وأمانًا، مع تقليل التكاليف المرتبطة بها. كما تم تعزيز الشراكات بين البنوك المحلية والمؤسسات المالية الدولية لتسهيل عمليات التحويل.

كما قدمت الحكومة حزمة من الحوافز للمغتربين تشمل مزايا ضريبية وتسهيلات إدارية للمشاريع الاستثمارية. وتم توجيه جهود كبيرة نحو تسهيل الإجراءات المتعلقة بإنشاء الشركات أو الاستثمار في القطاعات الواعدة مثل الصناعة والتكنولوجيا والسياحة.

وفي خطوة تهدف إلى استغلال مدخرات التونسيين بالخارج، أطلقت الحكومة سندات مالية مخصصة لهم بأسعار فائدة تنافسية، مما يتيح لهم المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني مع تحقيق عوائد مالية. كما كثفت الحكومة من برامجها الرامية لتعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية مع الجالية التونسية بالخارج، من خلال البعثات الدبلوماسية والأنشطة الثقافية، إلى جانب تقديم خدمات قانونية وإدارية تسهل تعاملاتهم مع مؤسسات الدولة.

الامتيازات المقدمة للتونسيين بالخارج

إلى جانب الإجراءات الحكومية، تم إقرار مجموعة من الامتيازات التي تهدف إلى تحسين وضعية المغتربين وتشجيعهم على زيادة تحويلاتهم، ومن أبرز هذه الامتيازات إعفاءات جمركية، حيث يتمتع المغتربون بإعفاءات جمركية على استيراد السيارات والمعدات، خاصة عند عودتهم النهائية إلى تونس. كما توفر الدولة قروضًا ميسرة للمغتربين الذين يرغبون في الاستثمار في تونس، مع تقديم استشارات مجانية ودراسات جدوى لمشاريعهم، فضلا عن تحسين تغطية المغتربين بالخدمات الصحية والاجتماعية، سواء من خلال الاتفاقيات الثنائية مع الدول المضيفة أو عبر برامج خاصة.

دعامة أساسية للاقتصاد الوطني

وتشكل تحويلات التونسيين بالخارج دعامة أساسية للاقتصاد التونسي، ليس فقط من حيث توفير العملة الصعبة، بل أيضًا من حيث تعزيز الاستهلاك والاستثمار. فهذه التحويلات تسهم بشكل مباشر في تحسين مستوى معيشة الأسر، مما ينعكس إيجابيًا على الطلب المحلي. علاوة على ذلك، يمكن أن تكون هذه الأموال محركًا رئيسيًا للاستثمار إذا تم توجيهها نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. ويعد قطاع التكنولوجيا، على سبيل المثال، من المجالات الواعدة التي يمكن أن تستقطب استثمارات المغتربين.

ومع استمرار ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج، يبدو أن الاقتصاد التونسي أمام فرصة ذهبية لتعزيز استقراره المالي وتحقيق نمو مستدام. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب رؤية استراتيجية واضحة تقوم على تحفيز الاستثمار، وتعزيز الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص لاستقطاب تحويلات المغتربين نحو المشاريع الاستثمارية الكبرى، وتطوير البنية التحتية المالية، من خلال تحسين أنظمة تحويل الأموال لتصبح أكثر شفافية وسرعة، وتعزيز الثقة، عبر توفير بيئة استثمارية آمنة وشفافة تشجع المغتربين على توجيه أموالهم إلى تونس، فضلا عن تصميم منتجات مالية مبتكرة تلبي احتياجات الجالية التونسية وتدفعها لزيادة تحويلاتها.

تحويلات قياسية خلال 2024

وكشفت المؤشرات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي أن إجمالي تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج بلغ خلال عام 2024 حوالي 8.5 مليار دينار تونسي، وهو ما يمثل رقماً قياسياً جديداً. وتبرز هذه التحويلات كأحد أهم مصادر العملة الصعبة في البلاد، متجاوزة عائدات السياحة، وأحياناً الصادرات الفلاحية والصناعية. كما أظهرت البيانات أن نسبة مساهمة هذه التحويلات في الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت العام الماضي لتصل إلى 7.7 %، مما يعكس الدور المتزايد الذي تلعبه في دعم الاقتصاد التونسي.

ويمثل ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج، اليوم، إلى 2.8 مليار دينار بارقة أمل للاقتصاد التونسي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة. وبينما تعكس هذه التحويلات ارتباط التونسيين بوطنهم، فإن التحدي الأكبر يتمثل في استثمار هذه الأموال بفعالية لتحقيق التنمية المستدامة. ولتحقيق ذلك، لا بد من تضافر الجهود بين الحكومة والجالية التونسية بالخارج لضمان استمرار هذا الدعم وتحويله إلى قوة دافعة للنمو الاقتصادي.

سفيان المهداوي

 

تحويلات التونسيين بالخارج تقفز إلى 2.8 مليار دينار..   التونسيون بالخارج يعززون مخزون العملة الصعبة بنسبة 30%

 

تشهد تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج نموًا مطردًا يعكس ارتباط الجالية التونسية بوطنها الأم، وفي الوقت ذاته يبرز أهميتها كرافد أساسي لدعم الاقتصاد الوطني. فقد أوضحت أحدث الإحصائيات الصادرة عن البنك المركزي التونسي أن عائدات العمل (تحويلات التونسيين بالخارج) ارتفعت بنسبة تفوق 8 %، حيث قفزت من 2.4 مليار دينار في أواخر شهر أفريل 2024 إلى 2.8 مليار دينار بحلول 10 ماي 2025، متفوقة على إيرادات السياحة البالغة 2.1 مليار دينار خلال نفس الفترة.

التطور الإيجابي لم يأتِ بمحض الصدفة، بل يعكس الجهود المشتركة بين الحكومة والجالية التونسية بالخارج، وهو ما يدفع للتساؤل عن دور هذه التحويلات في دعم الاقتصاد الوطني، والإجراءات الحكومية المتخذة لتشجيع التونسيين المغتربين على زيادة تحويلاتهم، بالإضافة إلى الامتيازات المقدمة لهم.

شريان حياة للاقتصاد التونسي

وتمثل تحويلات التونسيين بالخارج موردًا هامًا لتدفق العملة الصعبة إلى البلاد، حيث أشارت الإحصائيات إلى أن هذه التحويلات ساهمت في تغطية نسبة تتراوح بين 1.3 % و1.4 % من الديون بالعملة الصعبة. ويعد هذا الرقم مؤشرًا لمدى أهمية هذه الأموال في التخفيف من عبء الدين الخارجي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس.

كما أن هذه التحويلات تمثل حوالي 30 % من مخزون العملة الصعبة في البلاد بحسب تصريحات محافظ البنك المركزي، فتحي زهير النوري. هذه النسبة تعكس دور الجالية التونسية في دعم الاستقرار المالي للدولة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية المتقلبة.

تحديات إدماج التحويلات في الاقتصاد الوطني

على الرغم من النمو المطرد لتحويلات التونسيين بالخارج، أشار محافظ البنك المركزي، مؤخرا، إلى أن نسبة كبيرة من هذه الأموال تذهب إلى الاستهلاك المباشر، مثل تغطية النفقات اليومية للأسر أو شراء العقارات. ورغم أهمية هذه النفقات في تحسين مستوى معيشة المواطنين، إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في إدماج هذه التحويلات بشكل فعّال في الاقتصاد الوطني من خلال تحويلها إلى استثمارات إنتاجية.

وأشار النوري إلى أن المتوسط الشهري لتحويلات المغتربين التونسيين يبلغ حوالي 120 دولارًا للفرد، وهو أقل من المستوى العالمي الذي يصل إلى 200 دولار. هذا الفارق يُبرز الحاجة إلى مزيد من العمل لتحفيز الجالية التونسية بالخارج على زيادة تحويلاتها، مع توجيه جزء منها نحو المشاريع التنموية والاستثمارية التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وتخلق فرص عمل جديدة.

إجراءات حكومية لدفع نسق التحويلات

وفي إطار السعي لتشجيع التونسيين بالخارج على زيادة تحويلاتهم، اتخذت الحكومة، مؤخرا، جملة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز الثقة بين الجالية ومؤسسات الدولة. ومن بين هذه الإجراءات، تسهيل الخدمات البنكية وتحويل الأموال، حيث عملت الحكومة بالتعاون مع البنك المركزي على تطوير أنظمة تحويل الأموال لتصبح أكثر سرعة وأمانًا، مع تقليل التكاليف المرتبطة بها. كما تم تعزيز الشراكات بين البنوك المحلية والمؤسسات المالية الدولية لتسهيل عمليات التحويل.

كما قدمت الحكومة حزمة من الحوافز للمغتربين تشمل مزايا ضريبية وتسهيلات إدارية للمشاريع الاستثمارية. وتم توجيه جهود كبيرة نحو تسهيل الإجراءات المتعلقة بإنشاء الشركات أو الاستثمار في القطاعات الواعدة مثل الصناعة والتكنولوجيا والسياحة.

وفي خطوة تهدف إلى استغلال مدخرات التونسيين بالخارج، أطلقت الحكومة سندات مالية مخصصة لهم بأسعار فائدة تنافسية، مما يتيح لهم المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني مع تحقيق عوائد مالية. كما كثفت الحكومة من برامجها الرامية لتعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية مع الجالية التونسية بالخارج، من خلال البعثات الدبلوماسية والأنشطة الثقافية، إلى جانب تقديم خدمات قانونية وإدارية تسهل تعاملاتهم مع مؤسسات الدولة.

الامتيازات المقدمة للتونسيين بالخارج

إلى جانب الإجراءات الحكومية، تم إقرار مجموعة من الامتيازات التي تهدف إلى تحسين وضعية المغتربين وتشجيعهم على زيادة تحويلاتهم، ومن أبرز هذه الامتيازات إعفاءات جمركية، حيث يتمتع المغتربون بإعفاءات جمركية على استيراد السيارات والمعدات، خاصة عند عودتهم النهائية إلى تونس. كما توفر الدولة قروضًا ميسرة للمغتربين الذين يرغبون في الاستثمار في تونس، مع تقديم استشارات مجانية ودراسات جدوى لمشاريعهم، فضلا عن تحسين تغطية المغتربين بالخدمات الصحية والاجتماعية، سواء من خلال الاتفاقيات الثنائية مع الدول المضيفة أو عبر برامج خاصة.

دعامة أساسية للاقتصاد الوطني

وتشكل تحويلات التونسيين بالخارج دعامة أساسية للاقتصاد التونسي، ليس فقط من حيث توفير العملة الصعبة، بل أيضًا من حيث تعزيز الاستهلاك والاستثمار. فهذه التحويلات تسهم بشكل مباشر في تحسين مستوى معيشة الأسر، مما ينعكس إيجابيًا على الطلب المحلي. علاوة على ذلك، يمكن أن تكون هذه الأموال محركًا رئيسيًا للاستثمار إذا تم توجيهها نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. ويعد قطاع التكنولوجيا، على سبيل المثال، من المجالات الواعدة التي يمكن أن تستقطب استثمارات المغتربين.

ومع استمرار ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج، يبدو أن الاقتصاد التونسي أمام فرصة ذهبية لتعزيز استقراره المالي وتحقيق نمو مستدام. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب رؤية استراتيجية واضحة تقوم على تحفيز الاستثمار، وتعزيز الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص لاستقطاب تحويلات المغتربين نحو المشاريع الاستثمارية الكبرى، وتطوير البنية التحتية المالية، من خلال تحسين أنظمة تحويل الأموال لتصبح أكثر شفافية وسرعة، وتعزيز الثقة، عبر توفير بيئة استثمارية آمنة وشفافة تشجع المغتربين على توجيه أموالهم إلى تونس، فضلا عن تصميم منتجات مالية مبتكرة تلبي احتياجات الجالية التونسية وتدفعها لزيادة تحويلاتها.

تحويلات قياسية خلال 2024

وكشفت المؤشرات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي أن إجمالي تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج بلغ خلال عام 2024 حوالي 8.5 مليار دينار تونسي، وهو ما يمثل رقماً قياسياً جديداً. وتبرز هذه التحويلات كأحد أهم مصادر العملة الصعبة في البلاد، متجاوزة عائدات السياحة، وأحياناً الصادرات الفلاحية والصناعية. كما أظهرت البيانات أن نسبة مساهمة هذه التحويلات في الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت العام الماضي لتصل إلى 7.7 %، مما يعكس الدور المتزايد الذي تلعبه في دعم الاقتصاد التونسي.

ويمثل ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج، اليوم، إلى 2.8 مليار دينار بارقة أمل للاقتصاد التونسي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة. وبينما تعكس هذه التحويلات ارتباط التونسيين بوطنهم، فإن التحدي الأكبر يتمثل في استثمار هذه الأموال بفعالية لتحقيق التنمية المستدامة. ولتحقيق ذلك، لا بد من تضافر الجهود بين الحكومة والجالية التونسية بالخارج لضمان استمرار هذا الدعم وتحويله إلى قوة دافعة للنمو الاقتصادي.

سفيان المهداوي