تناغما مع أحكام دستور 2022 الذي أرسى وظيفة تشريعية بغرفتين نيابيتين ولملاءمة القانون الأساسي للميزانية مع المرسوم المنظم للعلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، تقدم 37 نائبا بمبادرة تشريعية جديدة اقترحوا من خلالها سن قانون أساسي جديد للميزانية يلغي القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المؤرخ في 13 فيفري 2019 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية وجميع الأحكام والنصوص القانونية الأخرى المخالفة.
وبين أصحاب المبادرة في وثيقة شرح الأسباب أن القانون الأساسي للميزانية يعد من أبرز الأدوات القانونية التي بمقتضاها يتم ضبط قواعد وصيغ إعداد مشروع قانون المالية وتقديمه والمصادقة عليه وتنفيذه، مثلما يحدد هذا القانون طرق مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة وتقييم نتائجها وتعديلها وغلقها. وأشاروا إلى أنه تم التأكيد في توطئة دستور 25 جويلية 2022 على التمسك بإقامة نظام سياسي يقوم على الفصل بين الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلى إرساء توازن حقيقي بينها. وأرسى الدستور الجديد وظيفة تشريعية بغرفتين نيابيتين لذلك بات من الضروري ملاءمة التشريعات الموجودة مع مقتضيات الدستور وفلسفته ومع مقومات النظام السياسي الذي أسس له.
كما أوضح أصحاب مقترح القانون الجديد أنه إضافة إلى الدستور فقد صدر المرسوم عدد 1 لسنة 2024 المؤرخ في 13 سبتمبر 2024 المتعلق بتنظيم العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، وبينوا أن مقترحهم يرمي أساسا إلى سد الفراغ التشريعي الناجم عن تركيز وظيفة تشريعية بغرفتين كما يهدف إلى تجويد أحكام القانون الأساسي الحالي ومزيد تنظيمها صلب نص جامع يلغي ما سبقه من أحكام مخالفة ويتطابق مع مقتضيات الدستور والمرسوم عدد 1 لسنة 2024.
ويحمل مقترح القانون الأساسي المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية الذي أحاله مكتب مجلس نواب الشعب أول أمس إلى لجنة المالية والميزانية إمضاءات النواب الآتي ذكرهم: فخري عبد الخالق وحسام محجوب وعزيز بن الأخضر وصالح الصيادي وأحمد سعيداني وبسمة الهمامي وسفيان بن حليمة ومحمد ماجدي وريم المعشاوي وياسر قوراري ومنير الكموني ووليد حاجي وإلياس بوكوشة ورؤوف الفقيري ومحمد اليحياوي وعواطف الشنيتي وحاتم الهواوي وحسن بن علي والناصر الشنوفي ويوسف طرشون ومحمد علي فنيرة وعصام البحري جابري ورمزي الشتوي وعبد الستار الزارعي ولطفي الهمامي وسنياء بن مبروك والمنصف المعلول ومراد الخزامي وعبد القادر عمار وسامي طوجاني وعز الدين التايب وأسماء الدرويش وزينة جيب الله وصابر الجلاصي وآمال المؤدب وخالد حكيم مبروكي وفتحي المشرقي.
سبعة عناوين
تضمنت المبادرة التشريعية الجديدة المتعلقة بالقانون الأساسي للميزانية 72 فصلا تم توزيعها على سبعة عناوين وهي على التوالي: أحكام عامة، موارد الدولة وتكاليفها وحساباتها، مشروع قانون المالية للسنة ومشروع قانون المالية التعديلي الإعداد والتقديم والمصادقة، التصرف في ميزانية الدولة، المراقبة والتقييم، غلق ميزانية الدولة، أحكام انتقالية وختامية.
ونص العنوان الأول من المبادرة التشريعية على أحكام عامة وتم من خلال الفصل الأول التعريف بالمصطلحات وهي نفس التعريفات المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية الحالي. وحسب الفصل الثاني يضبط هذا القانون الأساسي قواعد وصيغ إعداد قانون المالية وتقديمه والمصادقة عليه وتنفيذه، كما يحدد طرق مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة وتقييم نتائجها وتعديلها وغلقها. وبمقتضى الفصل الثالث يعتبر قانونا للمالية قانون المالية للسنة. ويعتبر قانونا للميزانية قانون المالية التعديلي وقانون غلق الميزانية.
وحافظت جهة المبادرة على نفس الأحكام المعمول بها حاليا في علاقة بتقديرات قانون المالية وتنقيح قانون المالية التعديلي، وفي المقابل، وانسجاما مع النظام السياسي الذي أقره دستور 2022 تم بموجب المبادرة التشريعية تعديل الفصل السادس فعوضا عن رئيس الحكومة تم التنصيص فيه على أن يرسم رئيس الجمهورية التوجهات العامة لميزانية الدولة في إطار السياسة العامة للدولة التي يضبطها ووفقا للاختيارات الأساسية التي يحددها وتعتمد التوجهات المضبوطة ضمن مخططات التنمية في إعداد قانون المالية للسنة. أما الفصل السابع فقد قيد نسبيا وزير المالية إذ نص على أن يعهد للوزير المكلف بالمالية تحت إشراف رئيس الحكومة، إعداد ومتابعة تنفيذ الميزانية قصد الإيفاء بتعهدات الدولة والتزاماتها والمحافظة على توازناتها المالية في إطار ديمومة الميزانية، وبالتالي تمت إضافة عبارة تحت إشراف رئيس الحكومة للفصل المذكور.
وحسب الفصل الثامن من المبادرة تخضع التقديرات والبيانات المتعلقة بقانون المالية لمبادئ المصداقية والشفافية. ويقتضي مبدأ المصداقية عدم التقليل أو التضخيم من تقديرات التكاليف والموارد المضمنة بقانون المالية وإبراز مكوّنات الأصول المالية وممتلكات الدولة. ويقتضي مبدأ الشفافية توضيح دور مختلف هياكل الدولة وتوفير المعلومات حول ميزانية الدولة حسب الأساليب والطرق المتداولة وتوفير التقارير حول تنفيذ ميزانية الدولة والأداء ونشرها للعموم في الآجال. أما الفصل التاسع فنص على تبدأ السنة المالية في غرة جانفي وتنتهي في تاريخ 31 ديسمبر من نفس السنة. وبمقتضى الفصل الموالي يتضمن مشروع قانون المالية وجوبا الأحكام المتعلقة بموارد الدولة وتكاليفها. وأضافت جهة المبادرة إمكانية تضمينه أحكاما تتعلق بالتوجهات المضبوطة ضمن مخططات التنمية شريطة اقتراح مورد إضافي أو اقتصاد في النفقات لتغطية النفقات الجديدة، بينما نص الفصل 11 على أن تدرج موارد الدولة وتكاليفها في الميزانية بمبالغها الجملية والخام دون مقاصة بينها وتستعمل جملة موارد الدولة لتسديد جملة تكاليفها.غير أنه يمكن: توظيف مداخيل لتغطية نفقات معينة بواسطة الحسابات الخاصة والصناديق الخاصة والمؤسسات العمومية الملحقة ميزانياتها ترتيبيا بميزانية الدولة، توظيف موارد صكوك وقروض خارجية لتمويل نفقات الاستثمار وبصفة استثنائية نسبة محدودة من نفقات التدخلات ونفقات العمليات المالية، تخصيص مداخيل متأتية من استغلال الثروات الطبيعية للنهوض بالتنمية الجهوية على المستوى الوطني مع احترام مبدأ التمييز الإيجابي في توزيعها.
الموارد.. التكاليف والحسابات
تعلقت أحكام العنوان الثاني من مقترح القانون الأساسي المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية، بموارد الدولة وتكالفيها وحساباتها، وتم تقسيمها إلى خمسة أبواب، وهي موارد الدولة وتكاليفها، حسابات الدولة، الحسابات الخاصة وصناديق الخزينة، المؤسسات العمومية الملحقة ميزانياتها ترتيبيا بميزانية الدولة، الجماعات المحلية.
فالنسبة إلى الباب الأول وهو حول موارد الدولة وتكاليفها، ومقارنة بالقانون الأساسي للميزانية لسنة 2019 الجاري به العمل في الوقت الراهن، يذكر أنه تمت المحافظة على نفس تبويب مداخيل ميزانية الدولة حسب الأقسام ونفس تبويب نفقات البرامج حسب الأقسام، على أن يضبط تبويب مداخيل ميزانية الدولة ونفقاتها بمقتضى قرار من الوزير المكلف بالمالية، مثلما تمت المحافظة على نفس الأحكام المتعلقة بتحديد موارد الخزينة وتكاليفها واعتماد نفس التوزيع المعمول بها حاليا لقانون المالية حيث يوزع قانون المالية على الاعتمادات المرصودة لنفقات ميزانية الدولة حسب مهمات وبرامج. وتحتوي المهمة على مجموعة برامج تساهم في تحقيق سياسات عمومية محدّدة، وتشمل جملة الاعتمادات الموضوعة على ذمة كل رئيس مهمة. ويمثل البرنامج سياسة عمومية محددة راجعة بالنظر إلى نفس المهمة، ويشمل مجموعة متجانسة من البرامج الفرعية و الأنشطة التي تساهم بصفة مباشرة في تحقيق أهداف السياسة العمومية للبرنامج. ويعمل رئيس البرنامج على إعداد الميزانية على أساس أهداف ومؤشرات تضمن المساواة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال وبصفة عامة بين كافة فئات المجتمع دون تمييز وتخضع للتقييم على ذلك الأساس. وفي علاقة بتكافؤ الفرص بين النساء والرجال، يذكر أنه لم يكن من السهل تمريرها في قانون 2019 فقد كانت محور معركة ساخنة تحت قبة البرلمان بمناسبة نقاش مقترح القانون الأساسي للميزانية. وتعلقت أهم التعديلات التي اقترحها أصحاب المبادرة بالفصل 19 المتعلق بالمهمات الخاصة فبعد تركيز المجلس الوطني للجهات والأقاليم كان يجب تنقيح هذا الفصل في اتجاه التنصيص فيه على إضافة الغرفة النيابية الثانية لهذا الفصل.
أما بالنسبة إلى الباب الثاني المتعلق بحسابات الدولة، فقد تمت المحافظة على الصيغة الحالية المنصوص عليها بقانون 2019، ونفس الشيء بالنسبة إلى الباب الثالث المتعلق بالحسابات الخاصة والصناديق الخاصة والباب الرابع المتعلق بالمؤسسات العمومية الملحقة ميزانياتها ترتيبيا بميزانية الدولة. وفي المقابل تم تنقيح أحكام الباب الخامس الوارد تحت عنوان الجماعات المحلية، حيث نص الفصل 38 من المبادر على أن يتم تخصيص اعتمادات من ميزانية الدولة لفائدة الجماعات المحلية على أساس حاجياتها من التمويل في إطار توازن ميزانية الدولة وطبقا للتشريع المعمول به عوضا عن طبقا لمجلة الجماعات المحلية. وتشتمل موارد الجماعات المحلية علاوة على مواردها الذاتية على: موارد محالة إليها من ميزانية الدولة في شكل منح، موارد محالة إليها من ميزانية الدولة عوضا عن السلطة المركزية، لإنجاز مشاريع الدولة على المستوى المحلي في إطار البرامج والأهداف المحددة. وتصرف الموارد المذكورة حسب قواعد الحوكمة الرشيدة ووفقا لبرامج وأهداف وتخضع إجراءات التصرف في ميزانية الجماعات المحلية إلى القانون.
الإعداد والتقديم والمصادقة
وبخصوص العنوان الثالث من المبادرة التشريعية الجديدة والمتعلق بمشروع قانون المالية للسنة ومشروع قانون المالية التعديلي: الإعداد والتقديم والمصادقة، فتم تقسيمه إلى خمسة أبواب تعلق الباب الأول بالإعداد وتمثل أهم فصل في العرض الوجوبي قبل موفى شهر جويلية من كل سنة للفرضيات والتوجهات الكبرى لميزانية الدولة على الغرفتين النيابيتين وعرض مشروع قانون المالية على مجلس الوزراء ثم يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلسين النيابيين في أجل أقصاه 15 أكتوبر من السنة التي تسبق سنة تنفيذه، وتعلق الباب الثاني بالوظيفة التشريعية وتم التنصيص فيه بالخصوص على تمتيع المجلسين النيابيين بالاستقلالية الإدارية والمالية في إطار ميزانية الدولة ، أما الباب الثالث فتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء والهياكل القضائية التي تنص قوانينها الأساسية على الاستقلالية الإدارية والمالية والمحكمة الدستورية والهيئات الدستورية وكيفية عرض مشاريع ميزانياتها وكيفية نقاشها في جلسات مشتركة بين الغرفتين النيابيتين وكيفية الحسم في حال عدم الاتفاق على مبلغ الاعتمادات، وتعلق الباب الرابع بتقديم مشروع قانون المالية ومشروع قانون المالية التعديلي وضبط مضامين المشروع ومرفقاته، أما الباب الخامس فتعلق بالمصادقة. وتعلقت أغلب الأحكام الجديدة التي تم اقترحها في إطار المبادرة التشريعية بباب المصادقة، حيث نص الفصل 47 منها على أن يعرض مشروع قانون المالية للسنة على كل من مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وتتم المصادقة عليه في أجل أقصاه 10 ديسمبر من السنة التي تسبق سنة تنفيذه وفقا لمقتضيات القسم الثالث من الباب الأول من المرسوم عدد 1 لسنة 2024 المؤرخ في 13 سبتمبر 2024 المتعلق بتنظيم العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. تدرس أحكام مشروع قانون المالية للسنة وتناقش في إطار جلسات مشتركة للجان المختصة بالمجلسين، تشفع بتصويت أعضاء اللجنة المختصة لمجلس نواب الشعب عليها والقيام بإجراءات الإحالة للعرض على الجلسة العامة المشتركة للمجلسين وفقا لما يقتضيه النظام الداخلي للمجلس الذي تلتئم بمقره كما تضمنت المبادرة التشريعية في الفصل 47 جملة من الأحكام الأخرى المنظمة لتراتيب الاجتماعات المشتركة للجان المجلسين النيابيين ولتراتيب التصويت على مشروع قانون المالية في جلسة عامة مشتركة بين المجلسين ونصت على الأخذ بعين الاعتبار لمقتضيات القسم الثالث من الباب الأول من المرسوم عدد 1 سالف الذكر وعلى إمكانية رد المشروع من قبل رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب لقراءة ثانية فضلا عن التنصيص فيها على إجراءات الطعن بعدم دستورية أحكام قانون المالية أمام المحكمة الدستورية والإجراءات اللاحقة بعد التوصل بقرار المحكمة فضلا على الإجراءات الخصوصية المتعلقة بالمصادقة على قانون المالية التعديلي. وضبط الفصل الموالي كيفية التصويت على مشروع قانون المالية، في حين نص الفصل 49 على أنه يمكن للوظيفة التشريعية أن تقترح إدراج فصول جديدة أو تنقيحات على مشروع قانون المالية للسنة أو على مشروع قانون المالية التعديلي في الحالات التالية: للتخفيض في النفقات أو للزيادة في الموارد، لإضافة نفقات جديدة شريطة اقتراح مورد إضافي أو اقتصاد في النفقات لتغطية النفقات الإضافية، لإدخال تعديلات على توزيع الاعتمادات بين البرامج تكون مصحوبة بالتعديلات المقابلة لأهداف ومؤشرات البرامج المعنية بالتعديل. ونص الفصل 50 من مقترح القانون المعروض حاليا على أنظار لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب على أنه في صورة عدم المصادقة على مشروع قانون المالية للسنة في أجل 31 ديسمبر يمكن تنفيذ المشروع فيما يتعلق بالنفقات، بأقساط ذات ثلاثة أشهر قابلة للتجديد بمقتضى أمر، وتستخلص الموارد طبقا للقوانين الجاري بها العمل. ويتم إعلام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم بذلك قبل المصادقة على مشروع قانون المالية للسنة.
التصرف والمراقبة والغلق
وبخصوص العنوان الرابع الوارد بمقترح القانون الأساسي المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية فهو يتعلق بالتصرف في ميزانية الدولة فقد تم توزيع أحكامه على باب أول تعلق بإجراءات توزيع الاعتمادات، وباب ثان تحت عنوان إلغاء الاعتمادات وتجميدها والترفيع فيها، وباب ثالث تعلق بآجال التنفيذ وهي لا تختلف في مضامينها كثيرا عن قانون 2019، في حين جاء العنوان الخامس المتعلق بالمراقبة والتقييم بجملة من الأحكام الجديدة الرامية إلى إسناد مهمة متابعة ومراقبة تنفيذ قوانين المالية وتقييم التقارير السنوية للأداء وجميع المسائل المتعلقة بالمالية العمومية إلى مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم كل وفقا لما يضبطه الدستور، ونفس الشيء بالنسبة إلى العنوان السادس المتعلق بغلق ميزانية الدولة فتمثلت أهم الأحكام الجديدة في إحالة مشروع قانون غلق ميزانية الدولة من قبل رئيس الجمهورية إلى المجلسين النيابيين معا، وتتم المصادقة عليه وفقا لمقتضيات القسمين الأول والثاني من الباب الأول من المرسوم عدد 1 لسنة 2024 المتعلق بتنظيم العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. في حين تضمن العنوان السابع والأخير من المبادرة التشريعية أحكاما انتقالية وختامية.
سعيدة بوهلال
تناغما مع أحكام دستور 2022 الذي أرسى وظيفة تشريعية بغرفتين نيابيتين ولملاءمة القانون الأساسي للميزانية مع المرسوم المنظم للعلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، تقدم 37 نائبا بمبادرة تشريعية جديدة اقترحوا من خلالها سن قانون أساسي جديد للميزانية يلغي القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المؤرخ في 13 فيفري 2019 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية وجميع الأحكام والنصوص القانونية الأخرى المخالفة.
وبين أصحاب المبادرة في وثيقة شرح الأسباب أن القانون الأساسي للميزانية يعد من أبرز الأدوات القانونية التي بمقتضاها يتم ضبط قواعد وصيغ إعداد مشروع قانون المالية وتقديمه والمصادقة عليه وتنفيذه، مثلما يحدد هذا القانون طرق مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة وتقييم نتائجها وتعديلها وغلقها. وأشاروا إلى أنه تم التأكيد في توطئة دستور 25 جويلية 2022 على التمسك بإقامة نظام سياسي يقوم على الفصل بين الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلى إرساء توازن حقيقي بينها. وأرسى الدستور الجديد وظيفة تشريعية بغرفتين نيابيتين لذلك بات من الضروري ملاءمة التشريعات الموجودة مع مقتضيات الدستور وفلسفته ومع مقومات النظام السياسي الذي أسس له.
كما أوضح أصحاب مقترح القانون الجديد أنه إضافة إلى الدستور فقد صدر المرسوم عدد 1 لسنة 2024 المؤرخ في 13 سبتمبر 2024 المتعلق بتنظيم العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، وبينوا أن مقترحهم يرمي أساسا إلى سد الفراغ التشريعي الناجم عن تركيز وظيفة تشريعية بغرفتين كما يهدف إلى تجويد أحكام القانون الأساسي الحالي ومزيد تنظيمها صلب نص جامع يلغي ما سبقه من أحكام مخالفة ويتطابق مع مقتضيات الدستور والمرسوم عدد 1 لسنة 2024.
ويحمل مقترح القانون الأساسي المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية الذي أحاله مكتب مجلس نواب الشعب أول أمس إلى لجنة المالية والميزانية إمضاءات النواب الآتي ذكرهم: فخري عبد الخالق وحسام محجوب وعزيز بن الأخضر وصالح الصيادي وأحمد سعيداني وبسمة الهمامي وسفيان بن حليمة ومحمد ماجدي وريم المعشاوي وياسر قوراري ومنير الكموني ووليد حاجي وإلياس بوكوشة ورؤوف الفقيري ومحمد اليحياوي وعواطف الشنيتي وحاتم الهواوي وحسن بن علي والناصر الشنوفي ويوسف طرشون ومحمد علي فنيرة وعصام البحري جابري ورمزي الشتوي وعبد الستار الزارعي ولطفي الهمامي وسنياء بن مبروك والمنصف المعلول ومراد الخزامي وعبد القادر عمار وسامي طوجاني وعز الدين التايب وأسماء الدرويش وزينة جيب الله وصابر الجلاصي وآمال المؤدب وخالد حكيم مبروكي وفتحي المشرقي.
سبعة عناوين
تضمنت المبادرة التشريعية الجديدة المتعلقة بالقانون الأساسي للميزانية 72 فصلا تم توزيعها على سبعة عناوين وهي على التوالي: أحكام عامة، موارد الدولة وتكاليفها وحساباتها، مشروع قانون المالية للسنة ومشروع قانون المالية التعديلي الإعداد والتقديم والمصادقة، التصرف في ميزانية الدولة، المراقبة والتقييم، غلق ميزانية الدولة، أحكام انتقالية وختامية.
ونص العنوان الأول من المبادرة التشريعية على أحكام عامة وتم من خلال الفصل الأول التعريف بالمصطلحات وهي نفس التعريفات المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية الحالي. وحسب الفصل الثاني يضبط هذا القانون الأساسي قواعد وصيغ إعداد قانون المالية وتقديمه والمصادقة عليه وتنفيذه، كما يحدد طرق مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة وتقييم نتائجها وتعديلها وغلقها. وبمقتضى الفصل الثالث يعتبر قانونا للمالية قانون المالية للسنة. ويعتبر قانونا للميزانية قانون المالية التعديلي وقانون غلق الميزانية.
وحافظت جهة المبادرة على نفس الأحكام المعمول بها حاليا في علاقة بتقديرات قانون المالية وتنقيح قانون المالية التعديلي، وفي المقابل، وانسجاما مع النظام السياسي الذي أقره دستور 2022 تم بموجب المبادرة التشريعية تعديل الفصل السادس فعوضا عن رئيس الحكومة تم التنصيص فيه على أن يرسم رئيس الجمهورية التوجهات العامة لميزانية الدولة في إطار السياسة العامة للدولة التي يضبطها ووفقا للاختيارات الأساسية التي يحددها وتعتمد التوجهات المضبوطة ضمن مخططات التنمية في إعداد قانون المالية للسنة. أما الفصل السابع فقد قيد نسبيا وزير المالية إذ نص على أن يعهد للوزير المكلف بالمالية تحت إشراف رئيس الحكومة، إعداد ومتابعة تنفيذ الميزانية قصد الإيفاء بتعهدات الدولة والتزاماتها والمحافظة على توازناتها المالية في إطار ديمومة الميزانية، وبالتالي تمت إضافة عبارة تحت إشراف رئيس الحكومة للفصل المذكور.
وحسب الفصل الثامن من المبادرة تخضع التقديرات والبيانات المتعلقة بقانون المالية لمبادئ المصداقية والشفافية. ويقتضي مبدأ المصداقية عدم التقليل أو التضخيم من تقديرات التكاليف والموارد المضمنة بقانون المالية وإبراز مكوّنات الأصول المالية وممتلكات الدولة. ويقتضي مبدأ الشفافية توضيح دور مختلف هياكل الدولة وتوفير المعلومات حول ميزانية الدولة حسب الأساليب والطرق المتداولة وتوفير التقارير حول تنفيذ ميزانية الدولة والأداء ونشرها للعموم في الآجال. أما الفصل التاسع فنص على تبدأ السنة المالية في غرة جانفي وتنتهي في تاريخ 31 ديسمبر من نفس السنة. وبمقتضى الفصل الموالي يتضمن مشروع قانون المالية وجوبا الأحكام المتعلقة بموارد الدولة وتكاليفها. وأضافت جهة المبادرة إمكانية تضمينه أحكاما تتعلق بالتوجهات المضبوطة ضمن مخططات التنمية شريطة اقتراح مورد إضافي أو اقتصاد في النفقات لتغطية النفقات الجديدة، بينما نص الفصل 11 على أن تدرج موارد الدولة وتكاليفها في الميزانية بمبالغها الجملية والخام دون مقاصة بينها وتستعمل جملة موارد الدولة لتسديد جملة تكاليفها.غير أنه يمكن: توظيف مداخيل لتغطية نفقات معينة بواسطة الحسابات الخاصة والصناديق الخاصة والمؤسسات العمومية الملحقة ميزانياتها ترتيبيا بميزانية الدولة، توظيف موارد صكوك وقروض خارجية لتمويل نفقات الاستثمار وبصفة استثنائية نسبة محدودة من نفقات التدخلات ونفقات العمليات المالية، تخصيص مداخيل متأتية من استغلال الثروات الطبيعية للنهوض بالتنمية الجهوية على المستوى الوطني مع احترام مبدأ التمييز الإيجابي في توزيعها.
الموارد.. التكاليف والحسابات
تعلقت أحكام العنوان الثاني من مقترح القانون الأساسي المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية، بموارد الدولة وتكالفيها وحساباتها، وتم تقسيمها إلى خمسة أبواب، وهي موارد الدولة وتكاليفها، حسابات الدولة، الحسابات الخاصة وصناديق الخزينة، المؤسسات العمومية الملحقة ميزانياتها ترتيبيا بميزانية الدولة، الجماعات المحلية.
فالنسبة إلى الباب الأول وهو حول موارد الدولة وتكاليفها، ومقارنة بالقانون الأساسي للميزانية لسنة 2019 الجاري به العمل في الوقت الراهن، يذكر أنه تمت المحافظة على نفس تبويب مداخيل ميزانية الدولة حسب الأقسام ونفس تبويب نفقات البرامج حسب الأقسام، على أن يضبط تبويب مداخيل ميزانية الدولة ونفقاتها بمقتضى قرار من الوزير المكلف بالمالية، مثلما تمت المحافظة على نفس الأحكام المتعلقة بتحديد موارد الخزينة وتكاليفها واعتماد نفس التوزيع المعمول بها حاليا لقانون المالية حيث يوزع قانون المالية على الاعتمادات المرصودة لنفقات ميزانية الدولة حسب مهمات وبرامج. وتحتوي المهمة على مجموعة برامج تساهم في تحقيق سياسات عمومية محدّدة، وتشمل جملة الاعتمادات الموضوعة على ذمة كل رئيس مهمة. ويمثل البرنامج سياسة عمومية محددة راجعة بالنظر إلى نفس المهمة، ويشمل مجموعة متجانسة من البرامج الفرعية و الأنشطة التي تساهم بصفة مباشرة في تحقيق أهداف السياسة العمومية للبرنامج. ويعمل رئيس البرنامج على إعداد الميزانية على أساس أهداف ومؤشرات تضمن المساواة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال وبصفة عامة بين كافة فئات المجتمع دون تمييز وتخضع للتقييم على ذلك الأساس. وفي علاقة بتكافؤ الفرص بين النساء والرجال، يذكر أنه لم يكن من السهل تمريرها في قانون 2019 فقد كانت محور معركة ساخنة تحت قبة البرلمان بمناسبة نقاش مقترح القانون الأساسي للميزانية. وتعلقت أهم التعديلات التي اقترحها أصحاب المبادرة بالفصل 19 المتعلق بالمهمات الخاصة فبعد تركيز المجلس الوطني للجهات والأقاليم كان يجب تنقيح هذا الفصل في اتجاه التنصيص فيه على إضافة الغرفة النيابية الثانية لهذا الفصل.
أما بالنسبة إلى الباب الثاني المتعلق بحسابات الدولة، فقد تمت المحافظة على الصيغة الحالية المنصوص عليها بقانون 2019، ونفس الشيء بالنسبة إلى الباب الثالث المتعلق بالحسابات الخاصة والصناديق الخاصة والباب الرابع المتعلق بالمؤسسات العمومية الملحقة ميزانياتها ترتيبيا بميزانية الدولة. وفي المقابل تم تنقيح أحكام الباب الخامس الوارد تحت عنوان الجماعات المحلية، حيث نص الفصل 38 من المبادر على أن يتم تخصيص اعتمادات من ميزانية الدولة لفائدة الجماعات المحلية على أساس حاجياتها من التمويل في إطار توازن ميزانية الدولة وطبقا للتشريع المعمول به عوضا عن طبقا لمجلة الجماعات المحلية. وتشتمل موارد الجماعات المحلية علاوة على مواردها الذاتية على: موارد محالة إليها من ميزانية الدولة في شكل منح، موارد محالة إليها من ميزانية الدولة عوضا عن السلطة المركزية، لإنجاز مشاريع الدولة على المستوى المحلي في إطار البرامج والأهداف المحددة. وتصرف الموارد المذكورة حسب قواعد الحوكمة الرشيدة ووفقا لبرامج وأهداف وتخضع إجراءات التصرف في ميزانية الجماعات المحلية إلى القانون.
الإعداد والتقديم والمصادقة
وبخصوص العنوان الثالث من المبادرة التشريعية الجديدة والمتعلق بمشروع قانون المالية للسنة ومشروع قانون المالية التعديلي: الإعداد والتقديم والمصادقة، فتم تقسيمه إلى خمسة أبواب تعلق الباب الأول بالإعداد وتمثل أهم فصل في العرض الوجوبي قبل موفى شهر جويلية من كل سنة للفرضيات والتوجهات الكبرى لميزانية الدولة على الغرفتين النيابيتين وعرض مشروع قانون المالية على مجلس الوزراء ثم يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلسين النيابيين في أجل أقصاه 15 أكتوبر من السنة التي تسبق سنة تنفيذه، وتعلق الباب الثاني بالوظيفة التشريعية وتم التنصيص فيه بالخصوص على تمتيع المجلسين النيابيين بالاستقلالية الإدارية والمالية في إطار ميزانية الدولة ، أما الباب الثالث فتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء والهياكل القضائية التي تنص قوانينها الأساسية على الاستقلالية الإدارية والمالية والمحكمة الدستورية والهيئات الدستورية وكيفية عرض مشاريع ميزانياتها وكيفية نقاشها في جلسات مشتركة بين الغرفتين النيابيتين وكيفية الحسم في حال عدم الاتفاق على مبلغ الاعتمادات، وتعلق الباب الرابع بتقديم مشروع قانون المالية ومشروع قانون المالية التعديلي وضبط مضامين المشروع ومرفقاته، أما الباب الخامس فتعلق بالمصادقة. وتعلقت أغلب الأحكام الجديدة التي تم اقترحها في إطار المبادرة التشريعية بباب المصادقة، حيث نص الفصل 47 منها على أن يعرض مشروع قانون المالية للسنة على كل من مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وتتم المصادقة عليه في أجل أقصاه 10 ديسمبر من السنة التي تسبق سنة تنفيذه وفقا لمقتضيات القسم الثالث من الباب الأول من المرسوم عدد 1 لسنة 2024 المؤرخ في 13 سبتمبر 2024 المتعلق بتنظيم العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. تدرس أحكام مشروع قانون المالية للسنة وتناقش في إطار جلسات مشتركة للجان المختصة بالمجلسين، تشفع بتصويت أعضاء اللجنة المختصة لمجلس نواب الشعب عليها والقيام بإجراءات الإحالة للعرض على الجلسة العامة المشتركة للمجلسين وفقا لما يقتضيه النظام الداخلي للمجلس الذي تلتئم بمقره كما تضمنت المبادرة التشريعية في الفصل 47 جملة من الأحكام الأخرى المنظمة لتراتيب الاجتماعات المشتركة للجان المجلسين النيابيين ولتراتيب التصويت على مشروع قانون المالية في جلسة عامة مشتركة بين المجلسين ونصت على الأخذ بعين الاعتبار لمقتضيات القسم الثالث من الباب الأول من المرسوم عدد 1 سالف الذكر وعلى إمكانية رد المشروع من قبل رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب لقراءة ثانية فضلا عن التنصيص فيها على إجراءات الطعن بعدم دستورية أحكام قانون المالية أمام المحكمة الدستورية والإجراءات اللاحقة بعد التوصل بقرار المحكمة فضلا على الإجراءات الخصوصية المتعلقة بالمصادقة على قانون المالية التعديلي. وضبط الفصل الموالي كيفية التصويت على مشروع قانون المالية، في حين نص الفصل 49 على أنه يمكن للوظيفة التشريعية أن تقترح إدراج فصول جديدة أو تنقيحات على مشروع قانون المالية للسنة أو على مشروع قانون المالية التعديلي في الحالات التالية: للتخفيض في النفقات أو للزيادة في الموارد، لإضافة نفقات جديدة شريطة اقتراح مورد إضافي أو اقتصاد في النفقات لتغطية النفقات الإضافية، لإدخال تعديلات على توزيع الاعتمادات بين البرامج تكون مصحوبة بالتعديلات المقابلة لأهداف ومؤشرات البرامج المعنية بالتعديل. ونص الفصل 50 من مقترح القانون المعروض حاليا على أنظار لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب على أنه في صورة عدم المصادقة على مشروع قانون المالية للسنة في أجل 31 ديسمبر يمكن تنفيذ المشروع فيما يتعلق بالنفقات، بأقساط ذات ثلاثة أشهر قابلة للتجديد بمقتضى أمر، وتستخلص الموارد طبقا للقوانين الجاري بها العمل. ويتم إعلام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم بذلك قبل المصادقة على مشروع قانون المالية للسنة.
التصرف والمراقبة والغلق
وبخصوص العنوان الرابع الوارد بمقترح القانون الأساسي المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية فهو يتعلق بالتصرف في ميزانية الدولة فقد تم توزيع أحكامه على باب أول تعلق بإجراءات توزيع الاعتمادات، وباب ثان تحت عنوان إلغاء الاعتمادات وتجميدها والترفيع فيها، وباب ثالث تعلق بآجال التنفيذ وهي لا تختلف في مضامينها كثيرا عن قانون 2019، في حين جاء العنوان الخامس المتعلق بالمراقبة والتقييم بجملة من الأحكام الجديدة الرامية إلى إسناد مهمة متابعة ومراقبة تنفيذ قوانين المالية وتقييم التقارير السنوية للأداء وجميع المسائل المتعلقة بالمالية العمومية إلى مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم كل وفقا لما يضبطه الدستور، ونفس الشيء بالنسبة إلى العنوان السادس المتعلق بغلق ميزانية الدولة فتمثلت أهم الأحكام الجديدة في إحالة مشروع قانون غلق ميزانية الدولة من قبل رئيس الجمهورية إلى المجلسين النيابيين معا، وتتم المصادقة عليه وفقا لمقتضيات القسمين الأول والثاني من الباب الأول من المرسوم عدد 1 لسنة 2024 المتعلق بتنظيم العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. في حين تضمن العنوان السابع والأخير من المبادرة التشريعية أحكاما انتقالية وختامية.