قال أول أمس الخبير الاقتصادي، محسن حسن، إنه «من المتوقع أن يساهم كل من قطاع السياحة والفلاحة في إنعاش الاقتصاد الوطني خلال السنة الحالية».
والحقيقة أن الفلاحة التونسية ساهمت خلال السنوات الأخيرة وفي أكثر من مناسبة في إنقاذ الاقتصاد الوطني بتوفير عائدات هامة من تصدير صابات الزيتون والتمور.
واليوم وعلى هامش إحياء الذكرى61 للجلاء الزراعي الموافق لـ12 ماي الجاري تتأكد أكثر فأكثر الحاجة لإعادة التفكير في سياسات الدولة مع القطاع الفلاحي لاسيما وأن رئيس الدولة قيس سعيد خلص سابقا في إحدى تصريحاته بأن «تونس في حاجة اليوم إلى جلاء زراعي جديد ينتفع به المواطنون ويعود بالنفع على الوطن كله، وتونس يمكن أن تحقق الاكتفاء الفلاحي لما تزخر به من ثروات».
تحل ذكرى الجلاء الزراعي مذكرة بتاريخ استرجاع الدولة التونسية بتاريخ 12 ماي 1964 مساحات من الأراضي تفوق 700 ألف هكتار بعد أن أصدر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة قانونا نص على أنه لا يمكن أن يملك الأراضي الصالحة للفلاحة إلا الأفراد من ذوي الجنسية التونسية أو الشركات التعاضدية التي يقع تأسيسها، وقد صادق مجلس النواب على هذا القرار وتم الإعلان في ذات التاريخ عن تأميم المزارع التي كانت لا تزال بحوزة الأجانب وهم أساسا فرنسيون وإيطاليون، وتم تحويل ملكية تلك الأراضي إلى الدولة التونسية.
لكن الواقع اليوم لا يختلف كثيرا خاصة على مستوى استقلاليتنا وسيادتنا الغذائية والإنتاجية، فنحن نستورد ما بين 65 إلى 75 بالمائة من حاجياتنا من القمح اللّين وما بين 25 إلى 30 بالمائة من حاجياتنا من القمح الصلب إلى جانب 40 بالمائة من حاجتنا من الأعلاف وكامل حاجيات قطاع الدواجن من الأعلاف كما نستورد جميع حاجياتنا من الزيوت النباتية في الوقت الذي تحتل فيه تونس مراتب متقدمة في إنتاج زيت الزيتون.
مفارقات ماثلة لسنوات وعقود في غياب إرادة سياسية واضحة وقوية تؤمن بالفلاحة كأولوية إستراتيجية وأمن قومي غذائي. كما تم ضرب القطاع الفلاحي بعد أن كان المجال الأكثر تشغيليّة ومساهمة في النّاتج المحلي الخام، ولكن واستنادا للمختصين فمنذ أواخر السّبعينات وبداية الثمانينات، تراجع دور الفلاحة وتقلّصت مساهمتها في إنتاج الثروة «من المساهمة بحوالي30 بالمائة من الناتج المحلّي الخام خلال الستّينات، تراجعت إلى 22 بالمائة خلال الثمانينات لتستقرّ في حدود 10 بالمائة حاليا».
مؤهلات وإشكاليات
تتصاعد في السنوات الأخيرة الأصوات الداعية لضرورة المضي أكثر في تكريس الاستقلال الاقتصادي بإعادة الاعتبار للفلاحة والأرض، وتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي بحسن استغلال وتوظيف مؤهلات البلاد في المجال الفلاحي وتذليل الصعوبات أمام هذا القطاع الواعد والحيوي.
ويؤكد المختصون «وجود 5.3 مليون هك من الأراضي الصالحة للزراعة موزّعة على كامل التراب الوطني ومتعدّدة الخاصيات والأنواع من حيث جودة التربة ودرجة خصوبتها وِفْق الأنماط المناخيّة للجهات وطبيعة التّضاريس، ممّا يعطي إمكانات أكثر تنوّعا في الإنتاج الفلاحي» في المقابل تواجه الفلاحة والفلاح التونسي جملة من الإشكاليات والعوائق التي تحد من النجاعة والاستثمار في القطاع.
ويمكن تلخيص أهم الإشكالات الهيكليّة للقطاع الفلاحي في تونس في ارتفاع المديونيّة للفلاّحين (قيمة ديون تصل إلى حوالي 100 مليون دينار) ممّا ينعكس سلبا على إنتاجيّة الفلاحة ومردوديتها، وارتفاع كلفة الإنتاج مع ضعف الدّعم المباشر الموجّه للفلاّح، إلى جانب ضعف التأطير والمتابعة الفنّية للفلاحين.
وتوجد كذلك إشكاليات عقارية (فحوالي 47 بالمائة من الفلاحين يملكون أراضي متوسّط مساحتها 3.5 هك ممّا يمثل عائقا لتطوّرها ومكننة طرق الإنتاج) تشكو الفلاحة التونسية أيضا من ضعف المردوديّة لاسيما في إنتاج الحبوب والأعلاف (15-20 قنطارا هك في تونس مقابل 35 بالجزائر و42 بالمغرب) كما يعاني أيضا القطاع الفلاحي من عديد الإشكاليات الظّرفيّة والهيكليّة على غرار هشاشة الموارد الطبيعية وتعرضها لشتى أشكال التّدهور كالانجراف والتّصحّر والحرائق والتّلوّث والاستغلال المفرط للموارد المائيّة ونقص البنية التّحتيّة لتثمين المنتوج الفلاحي والحدّ من ضياعه وتراجع مستوى الاستثمار الفلاحي الخاص وتشتت الملكيّة مقابل ضعف التّنظيم المهني القاعدي.
مجلس أعلى للسيادة الغذائية
تؤكد الهياكل المهنية على غرار اتحاد الفلاحة والصيد البحري على ضرورة العمل على إصلاح المشاكل الهيكلية التي تمر بها الفلاحة وذلك بمراجعة السياسات الفلاحية المعتمدة وإعادة هيكلة منظومات الإنتاج وتطوير برامج الإنتاج والتكوين ودعم البحث العلمي وتثمين نتائجه ومعالجة ملف المديونية بشكل جذري وإصلاح منظومات التمويل والتأمين والدعم المباشر للمنتجين المباشرين.
وفي وقت سابق دعا رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري السابق نور الدين بن عياد إلى إرساء مجلس أعلى للسيادة الغذائية يضبط التصورات الإستراتيجية للقطاع وانجازاته ويكون تحت إشراف رئيس الجمهورية.
من جهتها تؤكد مصادر وزارة الفلاحة أنها تعمل على دعم مساهمة الفلاحة التونسية في الاقتصاد والعمل أيضا على تحقيق هدف الأمن الغذائي وفي هذا الصدد صرح مؤخرا هيكل خشلاف رئيس ديوان وزير الفلاحة على هامش ورشة عمل حول «سياسة التّنمية الفلاحيّة: الآفاق والأولويات»، نظّمتها الإدارة العامّة للدّراسات والتنمية الفلاحيّة «أنّ الوزارة تعمل على تعزيز الأمن الغذائي والمائي رغم كل التحديات الاقتصادية والمناخيّة، مبيّنا أنّ القطاع الفلاحي لا يزال يلعب دورا هاما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ويحظى باهتمام كبير في سياسة التّنمية الاقتصاديّة في البلاد، حيث يساهم بنسبة 10,2 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبنسبة 12 % من قيمة الصادرات ويوفر حوالي 14 % من فرص التشغيل وما يقارب عن 60 ألف موطن شغل في قطاع الصيد البحري. كما أنه يعد من القطاعات الحيوية لمساهمته الهامة في الأمن الغذائي وفي خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية بالجهات».
مضيفا أنه «تم توجيه السّياسات المستقبليّة لتحقيق الرّؤية المستقبليّة للقطاع في أفق سنة 2035 والمتمثّلة في «فلاحة صامدة ومستدامة ومدمجة ومساندة للتّنمية ومعزّزة للأمن المائي والغذائي»، والتّي سترتكز على ثلاثة محاور تعكس الرّهانات الجوهريّة التّي يتعيّن تركيز الجهود والإمكانيات نحوها وإعطائها الأولويّة لتحقيق التّنمية المنشودة، وهي:
استخدام مستدام للموارد الطبيعية مع قدرة التّكيّف مع التّغيّرات المناخيّة
النّهوض بالإنتاج والإنتاجيّة مع ضمان الجودة
إرساء محيط فلاحي شامل يضمن الإدماج مع إطار مؤسّساتي ملائم
مضيفا أنه من المنتظر أن يحقق القطاع الفلاحي خلال فترة المخطط 2023-2025 نسبة نمو تقدر بـ 2.1 % مقارنة بـ 1.7 % للفترة 2016-2022.
◗ م.ي
قال أول أمس الخبير الاقتصادي، محسن حسن، إنه «من المتوقع أن يساهم كل من قطاع السياحة والفلاحة في إنعاش الاقتصاد الوطني خلال السنة الحالية».
والحقيقة أن الفلاحة التونسية ساهمت خلال السنوات الأخيرة وفي أكثر من مناسبة في إنقاذ الاقتصاد الوطني بتوفير عائدات هامة من تصدير صابات الزيتون والتمور.
واليوم وعلى هامش إحياء الذكرى61 للجلاء الزراعي الموافق لـ12 ماي الجاري تتأكد أكثر فأكثر الحاجة لإعادة التفكير في سياسات الدولة مع القطاع الفلاحي لاسيما وأن رئيس الدولة قيس سعيد خلص سابقا في إحدى تصريحاته بأن «تونس في حاجة اليوم إلى جلاء زراعي جديد ينتفع به المواطنون ويعود بالنفع على الوطن كله، وتونس يمكن أن تحقق الاكتفاء الفلاحي لما تزخر به من ثروات».
تحل ذكرى الجلاء الزراعي مذكرة بتاريخ استرجاع الدولة التونسية بتاريخ 12 ماي 1964 مساحات من الأراضي تفوق 700 ألف هكتار بعد أن أصدر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة قانونا نص على أنه لا يمكن أن يملك الأراضي الصالحة للفلاحة إلا الأفراد من ذوي الجنسية التونسية أو الشركات التعاضدية التي يقع تأسيسها، وقد صادق مجلس النواب على هذا القرار وتم الإعلان في ذات التاريخ عن تأميم المزارع التي كانت لا تزال بحوزة الأجانب وهم أساسا فرنسيون وإيطاليون، وتم تحويل ملكية تلك الأراضي إلى الدولة التونسية.
لكن الواقع اليوم لا يختلف كثيرا خاصة على مستوى استقلاليتنا وسيادتنا الغذائية والإنتاجية، فنحن نستورد ما بين 65 إلى 75 بالمائة من حاجياتنا من القمح اللّين وما بين 25 إلى 30 بالمائة من حاجياتنا من القمح الصلب إلى جانب 40 بالمائة من حاجتنا من الأعلاف وكامل حاجيات قطاع الدواجن من الأعلاف كما نستورد جميع حاجياتنا من الزيوت النباتية في الوقت الذي تحتل فيه تونس مراتب متقدمة في إنتاج زيت الزيتون.
مفارقات ماثلة لسنوات وعقود في غياب إرادة سياسية واضحة وقوية تؤمن بالفلاحة كأولوية إستراتيجية وأمن قومي غذائي. كما تم ضرب القطاع الفلاحي بعد أن كان المجال الأكثر تشغيليّة ومساهمة في النّاتج المحلي الخام، ولكن واستنادا للمختصين فمنذ أواخر السّبعينات وبداية الثمانينات، تراجع دور الفلاحة وتقلّصت مساهمتها في إنتاج الثروة «من المساهمة بحوالي30 بالمائة من الناتج المحلّي الخام خلال الستّينات، تراجعت إلى 22 بالمائة خلال الثمانينات لتستقرّ في حدود 10 بالمائة حاليا».
مؤهلات وإشكاليات
تتصاعد في السنوات الأخيرة الأصوات الداعية لضرورة المضي أكثر في تكريس الاستقلال الاقتصادي بإعادة الاعتبار للفلاحة والأرض، وتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي بحسن استغلال وتوظيف مؤهلات البلاد في المجال الفلاحي وتذليل الصعوبات أمام هذا القطاع الواعد والحيوي.
ويؤكد المختصون «وجود 5.3 مليون هك من الأراضي الصالحة للزراعة موزّعة على كامل التراب الوطني ومتعدّدة الخاصيات والأنواع من حيث جودة التربة ودرجة خصوبتها وِفْق الأنماط المناخيّة للجهات وطبيعة التّضاريس، ممّا يعطي إمكانات أكثر تنوّعا في الإنتاج الفلاحي» في المقابل تواجه الفلاحة والفلاح التونسي جملة من الإشكاليات والعوائق التي تحد من النجاعة والاستثمار في القطاع.
ويمكن تلخيص أهم الإشكالات الهيكليّة للقطاع الفلاحي في تونس في ارتفاع المديونيّة للفلاّحين (قيمة ديون تصل إلى حوالي 100 مليون دينار) ممّا ينعكس سلبا على إنتاجيّة الفلاحة ومردوديتها، وارتفاع كلفة الإنتاج مع ضعف الدّعم المباشر الموجّه للفلاّح، إلى جانب ضعف التأطير والمتابعة الفنّية للفلاحين.
وتوجد كذلك إشكاليات عقارية (فحوالي 47 بالمائة من الفلاحين يملكون أراضي متوسّط مساحتها 3.5 هك ممّا يمثل عائقا لتطوّرها ومكننة طرق الإنتاج) تشكو الفلاحة التونسية أيضا من ضعف المردوديّة لاسيما في إنتاج الحبوب والأعلاف (15-20 قنطارا هك في تونس مقابل 35 بالجزائر و42 بالمغرب) كما يعاني أيضا القطاع الفلاحي من عديد الإشكاليات الظّرفيّة والهيكليّة على غرار هشاشة الموارد الطبيعية وتعرضها لشتى أشكال التّدهور كالانجراف والتّصحّر والحرائق والتّلوّث والاستغلال المفرط للموارد المائيّة ونقص البنية التّحتيّة لتثمين المنتوج الفلاحي والحدّ من ضياعه وتراجع مستوى الاستثمار الفلاحي الخاص وتشتت الملكيّة مقابل ضعف التّنظيم المهني القاعدي.
مجلس أعلى للسيادة الغذائية
تؤكد الهياكل المهنية على غرار اتحاد الفلاحة والصيد البحري على ضرورة العمل على إصلاح المشاكل الهيكلية التي تمر بها الفلاحة وذلك بمراجعة السياسات الفلاحية المعتمدة وإعادة هيكلة منظومات الإنتاج وتطوير برامج الإنتاج والتكوين ودعم البحث العلمي وتثمين نتائجه ومعالجة ملف المديونية بشكل جذري وإصلاح منظومات التمويل والتأمين والدعم المباشر للمنتجين المباشرين.
وفي وقت سابق دعا رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري السابق نور الدين بن عياد إلى إرساء مجلس أعلى للسيادة الغذائية يضبط التصورات الإستراتيجية للقطاع وانجازاته ويكون تحت إشراف رئيس الجمهورية.
من جهتها تؤكد مصادر وزارة الفلاحة أنها تعمل على دعم مساهمة الفلاحة التونسية في الاقتصاد والعمل أيضا على تحقيق هدف الأمن الغذائي وفي هذا الصدد صرح مؤخرا هيكل خشلاف رئيس ديوان وزير الفلاحة على هامش ورشة عمل حول «سياسة التّنمية الفلاحيّة: الآفاق والأولويات»، نظّمتها الإدارة العامّة للدّراسات والتنمية الفلاحيّة «أنّ الوزارة تعمل على تعزيز الأمن الغذائي والمائي رغم كل التحديات الاقتصادية والمناخيّة، مبيّنا أنّ القطاع الفلاحي لا يزال يلعب دورا هاما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ويحظى باهتمام كبير في سياسة التّنمية الاقتصاديّة في البلاد، حيث يساهم بنسبة 10,2 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبنسبة 12 % من قيمة الصادرات ويوفر حوالي 14 % من فرص التشغيل وما يقارب عن 60 ألف موطن شغل في قطاع الصيد البحري. كما أنه يعد من القطاعات الحيوية لمساهمته الهامة في الأمن الغذائي وفي خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية بالجهات».
مضيفا أنه «تم توجيه السّياسات المستقبليّة لتحقيق الرّؤية المستقبليّة للقطاع في أفق سنة 2035 والمتمثّلة في «فلاحة صامدة ومستدامة ومدمجة ومساندة للتّنمية ومعزّزة للأمن المائي والغذائي»، والتّي سترتكز على ثلاثة محاور تعكس الرّهانات الجوهريّة التّي يتعيّن تركيز الجهود والإمكانيات نحوها وإعطائها الأولويّة لتحقيق التّنمية المنشودة، وهي:
استخدام مستدام للموارد الطبيعية مع قدرة التّكيّف مع التّغيّرات المناخيّة
النّهوض بالإنتاج والإنتاجيّة مع ضمان الجودة
إرساء محيط فلاحي شامل يضمن الإدماج مع إطار مؤسّساتي ملائم
مضيفا أنه من المنتظر أن يحقق القطاع الفلاحي خلال فترة المخطط 2023-2025 نسبة نمو تقدر بـ 2.1 % مقارنة بـ 1.7 % للفترة 2016-2022.