إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أشكال جديدة للكتاب بين الرقمي والصوتي وكبار الكُتّاب يتجهون للعالم الجديد.. هل يفقد الكتاب الورقي سحره أمام استحواذ المنصات على الكتابة والأدب؟

 

-المنصات الرقمية توفّر الوقت والجهد والمال، وصناعة النشر والطباعة في أزمة "تموقع"...

-كُتّاب جدد وأصوات نسائية أنجبتهم المنصات الرقمية... اضمحلال قيود الرقابة و"النشر الذاتي" سلاح ذو حدّين

تونس - الصباح

تطورت صناعة الكتاب بالتوازي مع التغييرات الحياتية المعاصرة، وأهم مظاهرها التحوّل الرقمي الكبير والثورة التكنولوجية، وبرزت في هذا السياق أشكال حديثة للكتاب بعيدًا عن شكله الورقي، من بينها الكتب الرقمية والكتب الصوتية المسموعة.

هذا التطور على مستوى إنتاج محامل متعددة للكتاب لم يُفقد الكتاب الورقي مكانته، وإنما فتح مساحات وإمكانات جديدة للقراء للاستمتاع بمضامين أدبية بطرق غير تقليدية، قد تتماشى أكثر مع الظروف الحياتية للكثير من الباحثين عن متعة القراءة وامتلاك المعرفة والتعلم.

عائدات مالية أكبر

النشر الإلكتروني للكتاب منح المؤلفين كذلك انتشارًا أكبر – خاصة الكاتبات، اللواتي توفّرت لهن فرص أوسع مع التطور التقني – وذلك مع ميزة الترجمة لمختلف اللغات. كما يوفر النشر الإلكتروني للمؤلفات عائدات مالية أفضل، ومساحة من الحرية بعيدًا عن قيود الناشرين التقليديين والرقابة التي قد تواجه بعض المضامين في أحيان كثيرة.

وأضفت الأشكال الجديدة للكتاب، منها الرقمي والصوتي، مرونة أكبر في الحصول على المحتوى الأدبي أو المعرفي المطلوب من كل الشرائح العمرية، مع توفير وقت أقل وأسعار أفضل، خاصة بوجود منصات رقمية تمنح هذه الخدمات.

ويبقى "النشر الذاتي"، الذي قد يسبب تراجع المستوى الكيفي والنوعي للأعمال الإبداعية، من العوامل السلبية للكتاب الرقمي، كما أن التأثير السلبي لأشعة الأجهزة التكنولوجية على صحة القارئ من التحديات التي تقف عائقًا أمام المحامل الحديثة للكتاب.

تراجع صناعة النشر

ولكن، هل ساهم التحول من الكتاب الورقي إلى الشكل الرقمي والمسموع في تطوير قطاع صناعة الكتب، وضاعف من عدد القراء والمهتمين بعالم الكتاب، وخفّض من تكاليف إنتاج المضامين الروائية والأدبية والفكرية؟ أم أن هذه المحامل الجديدة مازالت في طور التجربة والبحث، ولم تُثمر بعد إنتاجات قادرة على منافسة الكتاب في شكله الكلاسيكي؟

الدراسات الأخيرة تؤكد أن نسبة تفاعل الناشرين العرب مع المحامل الرقمية لا تتجاوز 6 بالمائة، في المقابل تخطت 50 بالمائة في بريطانيا. ومع ذلك، يستمر السباق والتنافس بين مختلف الأشكال، الورقية منها والحديثة، في صناعة الكتاب.

ولئن كانت السيطرة للكتاب في شكله الكلاسيكي، إلا أن المنصات تعمل على تطوير إنتاجها وجعله أكثر جذبًا للقراء، خاصة في ظل ارتفاع سعر الورق، مما يوحي بعلاقة تكامل بين عالمي الورق والتكنولوجيا أكثر منها علاقة تقاطع واختلاف.

تجارب تونسية رقمية

ومن التجارب التونسية في مجال تطوير الكتاب الرقمي، أعمال أنتجها مركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي، وهو بدرجة أولى مختبر لدعم ومرافقة المؤسسات الناشئة في المجالات الإبداعية، ومن بينها المحتويات الأدبية والفكرية.

وتُساهم سياسات هذا المركز في تطوير البرامج والمبادرات والمشاريع القائمة على توظيف التكنولوجيات الحديثة في القطاع الثقافي. وفي هذا السياق، تم إنجاز مشاريع على غرار كتاب صوتي لأحد مؤلفات علي الدوعاجي "سهرت منه الليالي"، وذلك بالتعاون مع المعرض الوطني للكتاب التونسي. وشارك في تسجيل أصوات هذا العمل الأديب عز الدين المدني، والفنان رؤوف بن عمر.

وجدد مركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي تجربة دعم الكتب الرقمية والصوتية في أكثر من مناسبة. ومن بين هذه المشاريع، إنتاج الكتاب الصوتي "بصوتهن"، وشارك في تأثيثه عدد من الفنانات والكاتبات، منهن: دليلة مفتاحي، شاكرة رماح، خديجة البكوش، "بنت طراد"، مروى المناعي، زينب الهنشري، وأشرف فنيًا على هذا المشروع المسرحي سليم الصنهاجي.

وإذ بات الوصول إلى الكتب الإلكترونية اليوم أسهل بكثير من البحث عن عنوانك المفضل في مكتبة وسط العاصمة أو غيرها من المكتبات القليلة المنتشرة في أماكن محدودة بالبلاد، فإنه مازال للورق سحره الذي يظل مُبهرًا للكثيرين. فالتجربة مازالت في بداياتها في تونس والعالم العربي، إذ لم تحظَ المحامل الرقمية للكتب باهتمام القراء إلا مع سنة 2011، مع تراجع قيود أخرى تتعلّق بالرقابة، وغيرها من العوامل، على غرار أزمات ارتفاع كلفة الورق، وتراجع قطاع الطباعة والنشر، وإشكاليات التخزين.

بين الكتاب الورقي والمحتوى الرقمي والصوتي، الخيار مفتوح لمن يبحث عن متعة القراءة. ولكن، تزايد عدد المنصات الرقمية المخصصة للأدب والرواية والبحوث والدراسات، وانخراط الكُتّاب الكبار في هذه الموجة الجديدة، وانتشار أعمال لأصوات أدبية ناشئة وجذبها لقاعدة جماهيرية كبيرة... كل هذه الميزات وغيرها تدفع الكتاب نحو عالم جديد متطور تحكمه التكنولوجيات، وقريبًا قد يسيطر على عوالمه الذكاء الاصطناعي.

نجلاء قموع

أشكال جديدة للكتاب بين الرقمي والصوتي وكبار الكُتّاب يتجهون للعالم الجديد..   هل يفقد الكتاب الورقي سحره أمام استحواذ المنصات على الكتابة والأدب؟

 

-المنصات الرقمية توفّر الوقت والجهد والمال، وصناعة النشر والطباعة في أزمة "تموقع"...

-كُتّاب جدد وأصوات نسائية أنجبتهم المنصات الرقمية... اضمحلال قيود الرقابة و"النشر الذاتي" سلاح ذو حدّين

تونس - الصباح

تطورت صناعة الكتاب بالتوازي مع التغييرات الحياتية المعاصرة، وأهم مظاهرها التحوّل الرقمي الكبير والثورة التكنولوجية، وبرزت في هذا السياق أشكال حديثة للكتاب بعيدًا عن شكله الورقي، من بينها الكتب الرقمية والكتب الصوتية المسموعة.

هذا التطور على مستوى إنتاج محامل متعددة للكتاب لم يُفقد الكتاب الورقي مكانته، وإنما فتح مساحات وإمكانات جديدة للقراء للاستمتاع بمضامين أدبية بطرق غير تقليدية، قد تتماشى أكثر مع الظروف الحياتية للكثير من الباحثين عن متعة القراءة وامتلاك المعرفة والتعلم.

عائدات مالية أكبر

النشر الإلكتروني للكتاب منح المؤلفين كذلك انتشارًا أكبر – خاصة الكاتبات، اللواتي توفّرت لهن فرص أوسع مع التطور التقني – وذلك مع ميزة الترجمة لمختلف اللغات. كما يوفر النشر الإلكتروني للمؤلفات عائدات مالية أفضل، ومساحة من الحرية بعيدًا عن قيود الناشرين التقليديين والرقابة التي قد تواجه بعض المضامين في أحيان كثيرة.

وأضفت الأشكال الجديدة للكتاب، منها الرقمي والصوتي، مرونة أكبر في الحصول على المحتوى الأدبي أو المعرفي المطلوب من كل الشرائح العمرية، مع توفير وقت أقل وأسعار أفضل، خاصة بوجود منصات رقمية تمنح هذه الخدمات.

ويبقى "النشر الذاتي"، الذي قد يسبب تراجع المستوى الكيفي والنوعي للأعمال الإبداعية، من العوامل السلبية للكتاب الرقمي، كما أن التأثير السلبي لأشعة الأجهزة التكنولوجية على صحة القارئ من التحديات التي تقف عائقًا أمام المحامل الحديثة للكتاب.

تراجع صناعة النشر

ولكن، هل ساهم التحول من الكتاب الورقي إلى الشكل الرقمي والمسموع في تطوير قطاع صناعة الكتب، وضاعف من عدد القراء والمهتمين بعالم الكتاب، وخفّض من تكاليف إنتاج المضامين الروائية والأدبية والفكرية؟ أم أن هذه المحامل الجديدة مازالت في طور التجربة والبحث، ولم تُثمر بعد إنتاجات قادرة على منافسة الكتاب في شكله الكلاسيكي؟

الدراسات الأخيرة تؤكد أن نسبة تفاعل الناشرين العرب مع المحامل الرقمية لا تتجاوز 6 بالمائة، في المقابل تخطت 50 بالمائة في بريطانيا. ومع ذلك، يستمر السباق والتنافس بين مختلف الأشكال، الورقية منها والحديثة، في صناعة الكتاب.

ولئن كانت السيطرة للكتاب في شكله الكلاسيكي، إلا أن المنصات تعمل على تطوير إنتاجها وجعله أكثر جذبًا للقراء، خاصة في ظل ارتفاع سعر الورق، مما يوحي بعلاقة تكامل بين عالمي الورق والتكنولوجيا أكثر منها علاقة تقاطع واختلاف.

تجارب تونسية رقمية

ومن التجارب التونسية في مجال تطوير الكتاب الرقمي، أعمال أنتجها مركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي، وهو بدرجة أولى مختبر لدعم ومرافقة المؤسسات الناشئة في المجالات الإبداعية، ومن بينها المحتويات الأدبية والفكرية.

وتُساهم سياسات هذا المركز في تطوير البرامج والمبادرات والمشاريع القائمة على توظيف التكنولوجيات الحديثة في القطاع الثقافي. وفي هذا السياق، تم إنجاز مشاريع على غرار كتاب صوتي لأحد مؤلفات علي الدوعاجي "سهرت منه الليالي"، وذلك بالتعاون مع المعرض الوطني للكتاب التونسي. وشارك في تسجيل أصوات هذا العمل الأديب عز الدين المدني، والفنان رؤوف بن عمر.

وجدد مركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي تجربة دعم الكتب الرقمية والصوتية في أكثر من مناسبة. ومن بين هذه المشاريع، إنتاج الكتاب الصوتي "بصوتهن"، وشارك في تأثيثه عدد من الفنانات والكاتبات، منهن: دليلة مفتاحي، شاكرة رماح، خديجة البكوش، "بنت طراد"، مروى المناعي، زينب الهنشري، وأشرف فنيًا على هذا المشروع المسرحي سليم الصنهاجي.

وإذ بات الوصول إلى الكتب الإلكترونية اليوم أسهل بكثير من البحث عن عنوانك المفضل في مكتبة وسط العاصمة أو غيرها من المكتبات القليلة المنتشرة في أماكن محدودة بالبلاد، فإنه مازال للورق سحره الذي يظل مُبهرًا للكثيرين. فالتجربة مازالت في بداياتها في تونس والعالم العربي، إذ لم تحظَ المحامل الرقمية للكتب باهتمام القراء إلا مع سنة 2011، مع تراجع قيود أخرى تتعلّق بالرقابة، وغيرها من العوامل، على غرار أزمات ارتفاع كلفة الورق، وتراجع قطاع الطباعة والنشر، وإشكاليات التخزين.

بين الكتاب الورقي والمحتوى الرقمي والصوتي، الخيار مفتوح لمن يبحث عن متعة القراءة. ولكن، تزايد عدد المنصات الرقمية المخصصة للأدب والرواية والبحوث والدراسات، وانخراط الكُتّاب الكبار في هذه الموجة الجديدة، وانتشار أعمال لأصوات أدبية ناشئة وجذبها لقاعدة جماهيرية كبيرة... كل هذه الميزات وغيرها تدفع الكتاب نحو عالم جديد متطور تحكمه التكنولوجيات، وقريبًا قد يسيطر على عوالمه الذكاء الاصطناعي.

نجلاء قموع