-«في انتظار خبر إن» ليست سيرة ذاتية.. إنها رواية تأملية وفي أقصى الحالات سيرة ذاتية فكرية
- لا أدعي أنني روائي و»في انتظار خبر إن» ظلت في الأدراج 7 سنوات ونُشرت بعد 11 سنة من كتابتها
-لا معنى للمثقف في العربية.. هي عبارة مبنية للمجهول، والعالم العربي اليوم فقد المعنى
-على أبناء جيلي من علماء الاجتماع الاعتراف كعلماء بعجز وسائلنا أمام التطور الكبير للكثير من الظواهر
-الغرب طوعوا الدين ليتلاءم مع التطور الاجتماعي والاقتصادي، والعرب يطوعون المجتمع ليتلاءم مع الدين، وهنا يكمن الإشكال
كان الباحث الاجتماعي والمترجم والكاتب الطاهر لبيب ضيف الجلسة الأولى لـ«دار الصباح» ضمن لقاءاتها المبرمجة في الدورة التاسعة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب، وتحدث خلالها المفكر التونسي عن روايته «في انتظار خبر إن». وأدارت هذا اللقاء مع الطاهر لبيب رئيسة القسم الثقافي بجريدة «الصباح» حياة السايب، وذلك بحضور عدد من الإعلاميين والكتّاب التونسيين والعرب بجناح «دار الصباح - سنيب لابراس» بمعرض تونس الدولي للكتاب.
وكشف الباحث الاجتماعي والمترجم الطاهر لبيب، وهو يتحدث عن تجربته الروائية الأولى «في انتظار خبر إن»، عن عمق تردده لطرح هذا العمل الأدبي، إذ يعتبر نفسه ليس بروائي، وقد ظلت «في انتظار خبر إن» جاثمة في أدراج مكتبه طيلة سبع سنوات. وتساءل «ما جدوى الكتابة اليوم في عالم عربي فقد المعنى إذ لم يعد للكتابة وزن ولا تعطي بدورها وزناً لمن يكتب..»، غير أن حفيدته «جوليا» أخبرت أصدقاءها في المدرسة أن جدها كتب رواية، فقرر حينها المفكر الطاهر لبيب نشر «في انتظار خبر إن» حتى لا يخذل حفيدته.
ويتابع الطاهر لبيب في هذا السياق: «لم أنشر الرواية اقتناعاً مني بأنها رواية وبأني روائي (لو صادف وسميت روائياً فأنا لست روائياً). أما الرواية فكنت كما فعل محمود درويش في «حضرة الغياب»، كتبت نصاً وبعد استشارة النقاد من قبل الناشر قالوا إنها رواية».
ونفى الطاهر لبيب أن تكون روايته سيرة ذاتية، موضحاً وجهة نظره قائلاً: «فقصة العشق في بيروت وقصة عشق لسيدة في بيروت هي تعلة قطعا ليست سيرة ذاتية. أستطيع أن أقول هي سيرة كتابية، وما يميز هذه الرواية عن روايات أخرى هي أنها رواية تأملية، وهي سيرة ذاتية فكرية. هناك أفكار أضعها في مشاهد وأسند لشخصياتي ما أريد أن أقول، وقد يعتبر هذا جانباً من السيرة الذاتية، والأشخاص المذكورة قد أستوحي تفاصيلها من شخص محدد أعرفه أو لا أعرفه، وذلك في إطار بناء الشخصية وأسند إليه ما أراه».
وقدم مثالا على ذلك قائلاً: «إن الكثير من النقاد قالوا إن الشاعر التونسي الذي ذكرته هو أولاد أحمد (وهو صديق حميم)، وما أسندته في مشهد الطاولة والهريسة والزيتون والجعة هو ما أوحى بشخصية تشبه في بعض تفاصيلها «الصغير أولاد أحمد» وهو يردد «ستكتب رواية إن انتظرتك امرأة في بيروت»...
وأضاف الطاهر لبيب: «كذلك كانت الشخصية الثانية التي توحي بأنه المفكر الفلسطيني هشام شرابي الذي عاش في أمريكا 40 سنة. وأعتقد أن شدة واقعية الخيال هي انعكاس للرواية الجيدة. وقد لاحظ القراء والنقاد أن أبطال الرواية دون أسماء أولاً حتى أقطع مع السيرة الذاتية وخاصة الخطية».
وعن تجربته الإبداعية وهو الأكاديمي والباحث، أقر الطاهر لبيب أن هذه الهجرة هي في حد ذاتها - لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً - إنجازاً، إضافة إلى أن الإبداع بالنسبة للباحث في علم الاجتماع أو غيره يجعله يرى الأشياء والظواهر كما لا يراها من قبل، وفقاً لحديثه خلال لقائه المبرمج ضمن الجلسات الثقافية لـ«دار الصباح» بمعرض تونس الدولي للكتاب.
وتفاعل الطاهر لبيب مع الحضور النوعي لجلسته حول روايته الأولى «في انتظار خبر إن» حول عدد من القضايا الفكرية، منها مكانة علم الاجتماع ودور المثقف والدين في عالمنا العربي. وفي هذا السياق، بين المفكر التونسي أن الأمر لا يتعلق بموقف شخصي، ولكن الدين في مجتمعاتنا العربية وكأنه هو الثقافة لا جزءاً من أبعاد الثقافة، قائلاً في ذات الإطار: «في العالم هناك حوالي 6 آلاف دين، وقد غاب الكثير منها عبر الزمن، وبقية الآلاف منها السماوية وأخرى غير سماوية، وبالنسبة لمعتقديها هي أديان. والمسلمون ليسوا الأكثر تديناً في العالم، هذا خطأ. ففي أمريكا اللاتينية هناك أناس يزحفون على بطونهم وهم يصعدون جبلاً في البرازيل والمكسيك لزيارة شيء مقدس»، مشدداً في حديثه على أن الغرب استبطن ما ساعده على تطويع الدين ليتلاءم مع تطور المجتمع الاقتصادي، على عكس العرب الذين يرون أن المجتمع يجب أن يتلاءم مع الدين.
وأقر الطاهر لبيب بأن وسائل علماء الاجتماع من أبناء جيله لم تعد ناجعة في فهم وتفسير الظواهر الاجتماعية، وبالتالي يجب الاعتراف بهذا العجز، فالظواهر تطورت بشكل كبير. وأضاف: «نشأة علم الاجتماع العربي كانت في مصر في الثلاثينيات، ثم في بقية الدول العربية، وحصرت في نطاق الإجابة عن الدولة الوطنية المستقلة في المغرب العربي خاصة، لذلك صنع علم الاجتماع أناساً يقومون بالتحقيقات الميدانية وأخذوا من المناهج ما يناسب هذا البحث فحسب».
وعن تأثير المثقف وقدرته على التغيير في عالمنا العربي، أجاب الباحث في علم الاجتماع والمترجم الطاهر لبيب على السؤال بسؤال عن معنى المثقف اليوم، وما الفرق بينه وبين المفكر، موضحاً أن لا وجود لكلمة «مثقف» في التراث العربي، وأن هذه الكلمة ظهرت في القرن 18 كترجمة من الفرنسية لعبارة «Intellectuel» وهي كلمة مبنية للمجهول، لذلك ظلت كذلك. ولم يغفل الطاهر لبيب عن التعبير عن حبه لبيروت التي أقام فيها 25 سنة، فهو عاشق لهذه المدينة العربية في كل حالتها، التي وصفها قائلاً: «بيروت مدينة حتى في الموت لا تموت..»
الحضور في جلسة «الطاهر لبيب» بجناح «دار الصباح - سنيب لابراس» بمعرض تونس الدولي للكتاب كان نوعياً، ومن بين من تفاعل مع روايته «في انتظار خبر إن» الباحث والكاتب الفلسطيني محمد نعيم فرحات، الذي طالبه بالكتابة من جديد في الأدب والرواية، مستعينا بكلمة محمود درويش عن الطاهر لبيب حين قال عنه: «بخيل في إنتاج النصوص»، ومضيفاً في كلمته للطاهر لبيب: «قلت الكثير من خبر إن في روايتك الأولى، ولكن الكثير لم يقل من الكامن في ظل الرواية. نأمل أن تواصل في كتابة الأدب». بدوره عبر الروائي وليد الشرفا عن مدى إعجابه برواية «في انتظار خبر إن» للطاهر لبيب والوجدانية العالية التي تعكسها في مضامينها.
الطاهر لبيب، الباحث الاجتماعي والمترجم ذا الصيت الدولي، والذي تجاوز منجزه المعرفي والفكري تونس والعالم العربي، سبق وحصل على جائزة «ابن خلدون لتنمية الدراسة والبحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية في البحر الأبيض المتوسط» سنة 2017، وكان من أبرز المساهمين في تأسيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع في تونس سنة 1985. كما تولى مهام مدير عام المنظمة العربية للترجمة في بيروت بين سنتي 2000 و2011. ومن كتابات الطاهر لبيب «سوسيولوجيا الغزل العربي: الشعر العذري نموذجاً».
نجلاء قموع
-«في انتظار خبر إن» ليست سيرة ذاتية.. إنها رواية تأملية وفي أقصى الحالات سيرة ذاتية فكرية
- لا أدعي أنني روائي و»في انتظار خبر إن» ظلت في الأدراج 7 سنوات ونُشرت بعد 11 سنة من كتابتها
-لا معنى للمثقف في العربية.. هي عبارة مبنية للمجهول، والعالم العربي اليوم فقد المعنى
-على أبناء جيلي من علماء الاجتماع الاعتراف كعلماء بعجز وسائلنا أمام التطور الكبير للكثير من الظواهر
-الغرب طوعوا الدين ليتلاءم مع التطور الاجتماعي والاقتصادي، والعرب يطوعون المجتمع ليتلاءم مع الدين، وهنا يكمن الإشكال
كان الباحث الاجتماعي والمترجم والكاتب الطاهر لبيب ضيف الجلسة الأولى لـ«دار الصباح» ضمن لقاءاتها المبرمجة في الدورة التاسعة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب، وتحدث خلالها المفكر التونسي عن روايته «في انتظار خبر إن». وأدارت هذا اللقاء مع الطاهر لبيب رئيسة القسم الثقافي بجريدة «الصباح» حياة السايب، وذلك بحضور عدد من الإعلاميين والكتّاب التونسيين والعرب بجناح «دار الصباح - سنيب لابراس» بمعرض تونس الدولي للكتاب.
وكشف الباحث الاجتماعي والمترجم الطاهر لبيب، وهو يتحدث عن تجربته الروائية الأولى «في انتظار خبر إن»، عن عمق تردده لطرح هذا العمل الأدبي، إذ يعتبر نفسه ليس بروائي، وقد ظلت «في انتظار خبر إن» جاثمة في أدراج مكتبه طيلة سبع سنوات. وتساءل «ما جدوى الكتابة اليوم في عالم عربي فقد المعنى إذ لم يعد للكتابة وزن ولا تعطي بدورها وزناً لمن يكتب..»، غير أن حفيدته «جوليا» أخبرت أصدقاءها في المدرسة أن جدها كتب رواية، فقرر حينها المفكر الطاهر لبيب نشر «في انتظار خبر إن» حتى لا يخذل حفيدته.
ويتابع الطاهر لبيب في هذا السياق: «لم أنشر الرواية اقتناعاً مني بأنها رواية وبأني روائي (لو صادف وسميت روائياً فأنا لست روائياً). أما الرواية فكنت كما فعل محمود درويش في «حضرة الغياب»، كتبت نصاً وبعد استشارة النقاد من قبل الناشر قالوا إنها رواية».
ونفى الطاهر لبيب أن تكون روايته سيرة ذاتية، موضحاً وجهة نظره قائلاً: «فقصة العشق في بيروت وقصة عشق لسيدة في بيروت هي تعلة قطعا ليست سيرة ذاتية. أستطيع أن أقول هي سيرة كتابية، وما يميز هذه الرواية عن روايات أخرى هي أنها رواية تأملية، وهي سيرة ذاتية فكرية. هناك أفكار أضعها في مشاهد وأسند لشخصياتي ما أريد أن أقول، وقد يعتبر هذا جانباً من السيرة الذاتية، والأشخاص المذكورة قد أستوحي تفاصيلها من شخص محدد أعرفه أو لا أعرفه، وذلك في إطار بناء الشخصية وأسند إليه ما أراه».
وقدم مثالا على ذلك قائلاً: «إن الكثير من النقاد قالوا إن الشاعر التونسي الذي ذكرته هو أولاد أحمد (وهو صديق حميم)، وما أسندته في مشهد الطاولة والهريسة والزيتون والجعة هو ما أوحى بشخصية تشبه في بعض تفاصيلها «الصغير أولاد أحمد» وهو يردد «ستكتب رواية إن انتظرتك امرأة في بيروت»...
وأضاف الطاهر لبيب: «كذلك كانت الشخصية الثانية التي توحي بأنه المفكر الفلسطيني هشام شرابي الذي عاش في أمريكا 40 سنة. وأعتقد أن شدة واقعية الخيال هي انعكاس للرواية الجيدة. وقد لاحظ القراء والنقاد أن أبطال الرواية دون أسماء أولاً حتى أقطع مع السيرة الذاتية وخاصة الخطية».
وعن تجربته الإبداعية وهو الأكاديمي والباحث، أقر الطاهر لبيب أن هذه الهجرة هي في حد ذاتها - لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً - إنجازاً، إضافة إلى أن الإبداع بالنسبة للباحث في علم الاجتماع أو غيره يجعله يرى الأشياء والظواهر كما لا يراها من قبل، وفقاً لحديثه خلال لقائه المبرمج ضمن الجلسات الثقافية لـ«دار الصباح» بمعرض تونس الدولي للكتاب.
وتفاعل الطاهر لبيب مع الحضور النوعي لجلسته حول روايته الأولى «في انتظار خبر إن» حول عدد من القضايا الفكرية، منها مكانة علم الاجتماع ودور المثقف والدين في عالمنا العربي. وفي هذا السياق، بين المفكر التونسي أن الأمر لا يتعلق بموقف شخصي، ولكن الدين في مجتمعاتنا العربية وكأنه هو الثقافة لا جزءاً من أبعاد الثقافة، قائلاً في ذات الإطار: «في العالم هناك حوالي 6 آلاف دين، وقد غاب الكثير منها عبر الزمن، وبقية الآلاف منها السماوية وأخرى غير سماوية، وبالنسبة لمعتقديها هي أديان. والمسلمون ليسوا الأكثر تديناً في العالم، هذا خطأ. ففي أمريكا اللاتينية هناك أناس يزحفون على بطونهم وهم يصعدون جبلاً في البرازيل والمكسيك لزيارة شيء مقدس»، مشدداً في حديثه على أن الغرب استبطن ما ساعده على تطويع الدين ليتلاءم مع تطور المجتمع الاقتصادي، على عكس العرب الذين يرون أن المجتمع يجب أن يتلاءم مع الدين.
وأقر الطاهر لبيب بأن وسائل علماء الاجتماع من أبناء جيله لم تعد ناجعة في فهم وتفسير الظواهر الاجتماعية، وبالتالي يجب الاعتراف بهذا العجز، فالظواهر تطورت بشكل كبير. وأضاف: «نشأة علم الاجتماع العربي كانت في مصر في الثلاثينيات، ثم في بقية الدول العربية، وحصرت في نطاق الإجابة عن الدولة الوطنية المستقلة في المغرب العربي خاصة، لذلك صنع علم الاجتماع أناساً يقومون بالتحقيقات الميدانية وأخذوا من المناهج ما يناسب هذا البحث فحسب».
وعن تأثير المثقف وقدرته على التغيير في عالمنا العربي، أجاب الباحث في علم الاجتماع والمترجم الطاهر لبيب على السؤال بسؤال عن معنى المثقف اليوم، وما الفرق بينه وبين المفكر، موضحاً أن لا وجود لكلمة «مثقف» في التراث العربي، وأن هذه الكلمة ظهرت في القرن 18 كترجمة من الفرنسية لعبارة «Intellectuel» وهي كلمة مبنية للمجهول، لذلك ظلت كذلك. ولم يغفل الطاهر لبيب عن التعبير عن حبه لبيروت التي أقام فيها 25 سنة، فهو عاشق لهذه المدينة العربية في كل حالتها، التي وصفها قائلاً: «بيروت مدينة حتى في الموت لا تموت..»
الحضور في جلسة «الطاهر لبيب» بجناح «دار الصباح - سنيب لابراس» بمعرض تونس الدولي للكتاب كان نوعياً، ومن بين من تفاعل مع روايته «في انتظار خبر إن» الباحث والكاتب الفلسطيني محمد نعيم فرحات، الذي طالبه بالكتابة من جديد في الأدب والرواية، مستعينا بكلمة محمود درويش عن الطاهر لبيب حين قال عنه: «بخيل في إنتاج النصوص»، ومضيفاً في كلمته للطاهر لبيب: «قلت الكثير من خبر إن في روايتك الأولى، ولكن الكثير لم يقل من الكامن في ظل الرواية. نأمل أن تواصل في كتابة الأدب». بدوره عبر الروائي وليد الشرفا عن مدى إعجابه برواية «في انتظار خبر إن» للطاهر لبيب والوجدانية العالية التي تعكسها في مضامينها.
الطاهر لبيب، الباحث الاجتماعي والمترجم ذا الصيت الدولي، والذي تجاوز منجزه المعرفي والفكري تونس والعالم العربي، سبق وحصل على جائزة «ابن خلدون لتنمية الدراسة والبحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية في البحر الأبيض المتوسط» سنة 2017، وكان من أبرز المساهمين في تأسيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع في تونس سنة 1985. كما تولى مهام مدير عام المنظمة العربية للترجمة في بيروت بين سنتي 2000 و2011. ومن كتابات الطاهر لبيب «سوسيولوجيا الغزل العربي: الشعر العذري نموذجاً».