بين تونس والجزائر زخم في العلاقات وتعاون استراتجي يتجاوز مجرد التنسيق العادي بين البلدين ليطال ديناميكية على مستوى الجامعات الحدودية، تترجمها «دبلوماسية علمية»، شكلت قوة ناعمة تعمل على تقريب وجهات النظر بما يعكس إرادة قادتي البلدين للارتقاء بمستوى العلاقات إلى مرتبة الشريك المتميز والفاعل.
في هذا الخصوص عاشت مؤخرا جامعات المناطق الحدودية بين البلدين حركية كبرى تمثلت في سلسلة من الندوات الدولية انعقدت خلال الأيام الماضية إلى جانب محطات علمية وجامعية أخرى ستلتئم بداية الشهر المقبل لاسيما وأن تونس والجزائر تحظيان بجامعات ومؤسسات بحثية ذات سمعة أكاديمية متميزة، خاصة في مجالات كالعلوم الاجتماعية، والطاقات المتجددة، والاقتصاد، والأمن الحدودي.
ومن خلال عقد الندوات المشتركة، يتم تبادل الخبرات والمعارف، مما يعزز التكامل بين البلدين في المجالات العلمية والتقنية. كما أن هذا التعاون يساهم في مواجهة التحديات المشتركة على غرار الهجرة غير النظامية، والأمن الغذائي، والتغيرات المناخية.
وفي هذا الإطار انطلقت أول أمس بمنطقة الطارف فعاليات الندوة الدولية للجامعات الحدودية الجزائرية - التونسية(5+5) تحت شعار «آفاق التعاون لتعزيز المرئية الدولية»، بمشاركة مديري جامعات وممثلي مؤسسات قطاع التعليم العالي إلى جانب أساتذة مسؤولين عن التصنيفات الأكاديمية والتدويل الجامعي من البلدين.
وقال منسق الجامعات التونسية الحدودية ومدير جامعة جندوبة هشام سبيعي على هامش تصريحاته الإعلامية أن احتضان جامعة الطارف لهذه الندوة هي «محطة هامة» لتوطيد الشراكة الأكاديمية بين الجامعات الجزائرية والتونسية مشيرا إلى أن شعار الندوة «يعكس إرادة البلدين في تحقيق مرئية دولية أفضل للجامعات»، مبينا في الإطار نفسه أن «التعاون الحدودي بين البلدين يشكل رافعة إستراتيجية للاندماج في الشبكات العلمية العالمية منوها في السياق ذاته بنجاح عديد المبادرات المشتركة على غرار ورشات ريادة الأعمال الطلابية والملتقيات العلمية الثنائية..
وبدوره أبرز مدير جامعة الطارف في كلمته الافتتاحية أهمية الندوة في دعم التعاون الأكاديمي والعلمي، مشيرا إلى أنها تهدف إلى «رفع تصنيف الجامعات وتعزيز النشر العلمي المشترك وتطوير مشاريع بحثية ذات بعد دولي.
حركية علمية وثقافية كبرى
تفاعلا مع هذه الحركية على مستوى الجامعات الحدودية أورد أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي بلعباس بالجزائر والمشرف على عديد اتفاقيات التعاون مع جامعات سوسة وقفصة ومنوبة وغيرها، الدكتور محمد مكحلي في تصريح لـ «الصباح» أن هذه الندوات تندرج في إطار التعاون الدولي بين البلدين، مثمنا في الإطار نفسه أهميتها بما أنها تسهم في تبادل الخبرات بين تونس والجزائر. كما أنها تخول أيضا فرصة الإشراف المزدوج بالنسبة للطلبة المسجلين في الدكتوراه.
وأضاف محدثنا أن هذا التعاون الأكاديمي بين البلدين لا يقل أهمية عن التعاون الاقتصادي والتجاري بما أنه يكرس تعاونا علميا وثقافيا يفضي إلى تبادل الخبرات والمراجع كما يعكس حركية كبرى على مستوى هيئات التدريس بين البلدين.
من جانب آخر وبعيدا عن الطارف فقد احتضنت ولاية قفصة مؤخرا ندوة تونسية جزائرية حيث اختتمت بتاريخ 18 أفريل الجاري بالمعهد العالي للعلوم الاجتماعية والتربية بقفصة، فعاليات ندوة علمية بعنوان «التعليم العمومي في تونس والجزائر.. المكاسب والواقع والتحديات»، والتي نظمها المعهد بالشراكة مع كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية الوادي بالجزائر، احتفاء بعشرينية جامعة قفصة.
وتضمنت الندوة، التي تواصلت على مدى يومين، عددا من المداخلات العلمية أمّنها أساتذة جامعيون وخبراء من تونس والجزائر..
وأورد مدير المعهد العالي للعلوم الاجتماعية والتربية بقفصة مسطاري بوكثير في معرض تصريحاته الإعلامية أن هذه الندوة تضمنت 32 مداخلة علمية لأساتذة جامعيين في اختصاصات علم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا والفلسفة، ومختصين في مناهج التدريس من جامعات تونس والجزائر.
مشيرا إلى أنها تهدف إلى تشخيص الإشكاليات والهنات الموجودة في المنظومة التربوية بالبلدين للخروج بتوصيات يمكن الاستئناس بها وأخذها بعين الاعتبار في المشاريع الإصلاحية التربوية.
وبدوره اعتبر عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية الوادي بالجزائر، عمار غرايسية، أن هذه الندوة تعتبر مهمة للمنظومة التربوية في تونس والجزائر من أجل البحث في واقع وصعوبات التعليم العمومي لمعالجتها خاصة وأن هناك حالة من التحولات في العالم الرقمي بدخول الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أن هذا «الحدث العلمي يعد استشرافا للمستقبل العلمي، وفرصة لمزيد توسيع مجالات التعاون بين وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي، خاصة وأن هناك اتفاقية إطارية موقعة بين جامعة الشهيد حمة لخضر الوادي بالجزائر وجامعة قفصة بتونس».
الخبير التربوي نور الدين الشمنقي واكب فعاليات هذه الندوة وأورد في تصريح لـ«الصباح» أن هذه اللقاءات تكتسي أهمية على مستويات مختلفة فهي تسهم في تطوير البحث العلمي كما أنها تتطرق إلى مجال محوري وحيوي: وهو مجال التربية والتعليم مثمنا في السياق ذاته أهمية الندوة التي بحثت في مواضيع راهنة تتعلق بواقع المدرسة في إطار ما يسمي بالذكاء الاصطناعي.
المنابر العلمية.. آلية للدبلوماسية
وبعيدا عن القيمة العلمية لهذه الملتقيات أشار محدثنا إلى أن هذه الندوات الحدودية تسهم في تعميق العلاقات بين الجامعات التونسية والجزائرية، كما أنها تمكن البلدين من تبادل الخبرات والتجارب في إطار أداء المؤسسات الجامعية الموجودة على مستوى الحدود. وتابع الشمنقي أن مثل هذه اللقاءات تعتبر بمثابة دبلوماسية علمية قائلا:»حين تصبح المنابر العلمية آلية من آليات العمل الدبلوماسي فهذا من شأنه أن يعمق أكثر من الروابط التي تجمع بين البلدين».
في هذا الخضم يرى كثير من التابعين للشأن العام أن الندوات الدولية في الجامعات الحدودية بين الجزائر وتونس تشكل نموذجا ناجحا للدبلوماسية العلمية حيث تساهم هذه اللقاءات في تعزيز التعاون الأكاديمي وبناء الثقة بين البلدين. ومن خلال تطوير هذه الآلية يمكن تحويل الحدود من مجرد خطوط جغرافية إلى فضاءات للتبادل المعرفي والتنمية المشتركة مما يخدم مصالح الشعبين ويساهم في استقرار المنطقة.
منال حرزي
بين تونس والجزائر زخم في العلاقات وتعاون استراتجي يتجاوز مجرد التنسيق العادي بين البلدين ليطال ديناميكية على مستوى الجامعات الحدودية، تترجمها «دبلوماسية علمية»، شكلت قوة ناعمة تعمل على تقريب وجهات النظر بما يعكس إرادة قادتي البلدين للارتقاء بمستوى العلاقات إلى مرتبة الشريك المتميز والفاعل.
في هذا الخصوص عاشت مؤخرا جامعات المناطق الحدودية بين البلدين حركية كبرى تمثلت في سلسلة من الندوات الدولية انعقدت خلال الأيام الماضية إلى جانب محطات علمية وجامعية أخرى ستلتئم بداية الشهر المقبل لاسيما وأن تونس والجزائر تحظيان بجامعات ومؤسسات بحثية ذات سمعة أكاديمية متميزة، خاصة في مجالات كالعلوم الاجتماعية، والطاقات المتجددة، والاقتصاد، والأمن الحدودي.
ومن خلال عقد الندوات المشتركة، يتم تبادل الخبرات والمعارف، مما يعزز التكامل بين البلدين في المجالات العلمية والتقنية. كما أن هذا التعاون يساهم في مواجهة التحديات المشتركة على غرار الهجرة غير النظامية، والأمن الغذائي، والتغيرات المناخية.
وفي هذا الإطار انطلقت أول أمس بمنطقة الطارف فعاليات الندوة الدولية للجامعات الحدودية الجزائرية - التونسية(5+5) تحت شعار «آفاق التعاون لتعزيز المرئية الدولية»، بمشاركة مديري جامعات وممثلي مؤسسات قطاع التعليم العالي إلى جانب أساتذة مسؤولين عن التصنيفات الأكاديمية والتدويل الجامعي من البلدين.
وقال منسق الجامعات التونسية الحدودية ومدير جامعة جندوبة هشام سبيعي على هامش تصريحاته الإعلامية أن احتضان جامعة الطارف لهذه الندوة هي «محطة هامة» لتوطيد الشراكة الأكاديمية بين الجامعات الجزائرية والتونسية مشيرا إلى أن شعار الندوة «يعكس إرادة البلدين في تحقيق مرئية دولية أفضل للجامعات»، مبينا في الإطار نفسه أن «التعاون الحدودي بين البلدين يشكل رافعة إستراتيجية للاندماج في الشبكات العلمية العالمية منوها في السياق ذاته بنجاح عديد المبادرات المشتركة على غرار ورشات ريادة الأعمال الطلابية والملتقيات العلمية الثنائية..
وبدوره أبرز مدير جامعة الطارف في كلمته الافتتاحية أهمية الندوة في دعم التعاون الأكاديمي والعلمي، مشيرا إلى أنها تهدف إلى «رفع تصنيف الجامعات وتعزيز النشر العلمي المشترك وتطوير مشاريع بحثية ذات بعد دولي.
حركية علمية وثقافية كبرى
تفاعلا مع هذه الحركية على مستوى الجامعات الحدودية أورد أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي بلعباس بالجزائر والمشرف على عديد اتفاقيات التعاون مع جامعات سوسة وقفصة ومنوبة وغيرها، الدكتور محمد مكحلي في تصريح لـ «الصباح» أن هذه الندوات تندرج في إطار التعاون الدولي بين البلدين، مثمنا في الإطار نفسه أهميتها بما أنها تسهم في تبادل الخبرات بين تونس والجزائر. كما أنها تخول أيضا فرصة الإشراف المزدوج بالنسبة للطلبة المسجلين في الدكتوراه.
وأضاف محدثنا أن هذا التعاون الأكاديمي بين البلدين لا يقل أهمية عن التعاون الاقتصادي والتجاري بما أنه يكرس تعاونا علميا وثقافيا يفضي إلى تبادل الخبرات والمراجع كما يعكس حركية كبرى على مستوى هيئات التدريس بين البلدين.
من جانب آخر وبعيدا عن الطارف فقد احتضنت ولاية قفصة مؤخرا ندوة تونسية جزائرية حيث اختتمت بتاريخ 18 أفريل الجاري بالمعهد العالي للعلوم الاجتماعية والتربية بقفصة، فعاليات ندوة علمية بعنوان «التعليم العمومي في تونس والجزائر.. المكاسب والواقع والتحديات»، والتي نظمها المعهد بالشراكة مع كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية الوادي بالجزائر، احتفاء بعشرينية جامعة قفصة.
وتضمنت الندوة، التي تواصلت على مدى يومين، عددا من المداخلات العلمية أمّنها أساتذة جامعيون وخبراء من تونس والجزائر..
وأورد مدير المعهد العالي للعلوم الاجتماعية والتربية بقفصة مسطاري بوكثير في معرض تصريحاته الإعلامية أن هذه الندوة تضمنت 32 مداخلة علمية لأساتذة جامعيين في اختصاصات علم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا والفلسفة، ومختصين في مناهج التدريس من جامعات تونس والجزائر.
مشيرا إلى أنها تهدف إلى تشخيص الإشكاليات والهنات الموجودة في المنظومة التربوية بالبلدين للخروج بتوصيات يمكن الاستئناس بها وأخذها بعين الاعتبار في المشاريع الإصلاحية التربوية.
وبدوره اعتبر عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية الوادي بالجزائر، عمار غرايسية، أن هذه الندوة تعتبر مهمة للمنظومة التربوية في تونس والجزائر من أجل البحث في واقع وصعوبات التعليم العمومي لمعالجتها خاصة وأن هناك حالة من التحولات في العالم الرقمي بدخول الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أن هذا «الحدث العلمي يعد استشرافا للمستقبل العلمي، وفرصة لمزيد توسيع مجالات التعاون بين وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي، خاصة وأن هناك اتفاقية إطارية موقعة بين جامعة الشهيد حمة لخضر الوادي بالجزائر وجامعة قفصة بتونس».
الخبير التربوي نور الدين الشمنقي واكب فعاليات هذه الندوة وأورد في تصريح لـ«الصباح» أن هذه اللقاءات تكتسي أهمية على مستويات مختلفة فهي تسهم في تطوير البحث العلمي كما أنها تتطرق إلى مجال محوري وحيوي: وهو مجال التربية والتعليم مثمنا في السياق ذاته أهمية الندوة التي بحثت في مواضيع راهنة تتعلق بواقع المدرسة في إطار ما يسمي بالذكاء الاصطناعي.
المنابر العلمية.. آلية للدبلوماسية
وبعيدا عن القيمة العلمية لهذه الملتقيات أشار محدثنا إلى أن هذه الندوات الحدودية تسهم في تعميق العلاقات بين الجامعات التونسية والجزائرية، كما أنها تمكن البلدين من تبادل الخبرات والتجارب في إطار أداء المؤسسات الجامعية الموجودة على مستوى الحدود. وتابع الشمنقي أن مثل هذه اللقاءات تعتبر بمثابة دبلوماسية علمية قائلا:»حين تصبح المنابر العلمية آلية من آليات العمل الدبلوماسي فهذا من شأنه أن يعمق أكثر من الروابط التي تجمع بين البلدين».
في هذا الخضم يرى كثير من التابعين للشأن العام أن الندوات الدولية في الجامعات الحدودية بين الجزائر وتونس تشكل نموذجا ناجحا للدبلوماسية العلمية حيث تساهم هذه اللقاءات في تعزيز التعاون الأكاديمي وبناء الثقة بين البلدين. ومن خلال تطوير هذه الآلية يمكن تحويل الحدود من مجرد خطوط جغرافية إلى فضاءات للتبادل المعرفي والتنمية المشتركة مما يخدم مصالح الشعبين ويساهم في استقرار المنطقة.