إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

محادثات «نووية» جديدة بين واشنطن وطهران.. اختراق دبلوماسي أم إدارة لـ«الأزمة»؟

 

أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نية بلاده بدء محادثات مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي، ردود فعل واسعة النطاق، خاصة بعد ارفاقه الإعلان بتهديدات العادة بأن طهران ستواجه «خطرًا كبيرًا» إذا لم تتخلَّ عن طموحاتها النووية. وفيما أكدت إيران مشاركتها في المحادثات المقررة يوم السبت في سلطنة عمان، فإنها شددت على أن هذه المحادثات ستكون «غير مباشرة» وتتم عبر وساطة، مما يعكس استمرار التباعد في الرؤى بين الطرفين رغم الخطوة التفاوضية التاريخية الجديدة ان تمت.

تعود جذور التوتر بين الولايات المتحدة وإيران إلى سنة 1979، حين اندلعت الثورة الإسلامية في إيران وأُطيح بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، الحليف الوثيق لواشنطن، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتفاقمت الأزمة عندما اقتحم طلاب إيرانيون السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا 52 دبلوماسيًا لمدة 444 يومًا، في واحدة من أسوأ أزمات الرهائن في التاريخ الحديث.

منذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين البلدين محكومة بالتوتر، مع فترات نادرة من التهدئة والمحادثات المحدودة والمتقطعة. وقد تركزت المواجهة الكبرى في العقود الأخيرة على الملف النووي الإيراني، الذي تعتبره واشنطن تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة والعالم. وتعتبره طهران حقا من حقوقها وسلاحا يضعها في صفوف الدول النووية المحمية التي لا يمكن المساس بها او الاعتداء عليها او تهديدها.

علاقة معقدة تتقاطع فيها المصالح والأيديولوجيا

وبالعودة اكثر الى تاريخية العلاقة بين واشنطن وطهران، نشير الى أن أولى المحاولات الجادة لتسوية الخلاف النووي بدأت في أوائل العقد الثاني من الألفية الحالية، وتكللت بالاتفاق النووي المعروف رسميًا باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» (JCPOA) عام 2015، الذي وُقّع بين إيران ومجموعة (5+1) والتي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا.

لكن الانفراج لم يدم طويلًا، إذ قرر ترامب في عام 2018 الانسحاب من الاتفاق من جانب واحد، وفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية «الأشد في التاريخ» على طهران، ضمن سياسة «الضغط الأقصى» التي تبناها لإجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية، وبرنامجها الصاروخي، وأنشطتها الإقليمية.

الوساطة العمانية.. تقليد دبلوماسي متجدد

واليوم وبعد الإعلان التاريخي، وعلى لسان ترامب نفسه، عن استئناف المفاوضات بين البلدين، لا بد من التوقف عند المكان الحاضن لهذه المحادثات، وهي الدولة الأكثر حيادا والأكثر هدوءا سياسيا ودبلوماسيا، ألا وهي سلطنة عمان التي تُعد وسيطًا دبلوماسيًا بارزًا في منطقة الخليج، ولها سجل من النجاحات في تسهيل الحوار بين طهران وواشنطن. ففي عام 2013، استضافت عمان محادثات سرية بين البلدين، مهّدت للاتفاق النووي لاحقًا. واليوم، تعود العاصمة، مسقط، لتلعب الدور نفسه في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية المتزايدة.

ورغم وصف ترامب المحادثات الجديدة بأنها «مباشرة»، إلا أن الرواية الإيرانية تؤكد عكس ذلك، مما يشير إلى وجود تباين حتى في مستوى التواصل وطبيعته. ويُعتقد أن المفاوضات ستكون عبر وسطاء عمانيين أو أوروبيين، مع تبادل الرسائل والأفكار بين الجانبين، دون أن تجمعهما طاولة واحدة ودون لقاءات وجها لوجه.

تكتيك سياسي أم رغبة حقيقية؟

عودة الحديث عن محادثات أمريكية-إيرانية في هذا الظرف بالذات، يطرح أكثر من تساؤل عن توقيته وأهدافه. فبالنسبة للولايات المتحدة، يبدو أن إعلان ترامب عن بدء المحادثات قد يكون مدفوعًا باعتبارات داخلية، خاصة وأن النجاح في فتح قنوات تفاوض مع «عدو تقليدي» قد يُعد إنجازًا دبلوماسيًا يُحسب له. كذلك اعتبارات جيوسياسية وأهمها الحد من التقارب الإيراني مع الحلف الروسي-الصيني. كما أن واشنطن وبدفع من إسرائيل تحاول استغلال الظروف التي تمر بها ايران اليوم، بعد ضرب دفاعاتها الجوية الاستراتيجية وترسانتها الصاروخية وشبكة حلفائها في المنطقة وخاصة اضعاف «حزب الله» اللبناني وتغيير السلطة في سوريا وتدهور المقاومة الفلسطينية وضرب الحوثيين في اليمن، للسعي لإنهاء مشروعها النوويّ.

أما إيران، فهي تعاني من آثار العقوبات الاقتصادية الخانقة، وتواجه ضغوطًا داخلية بسبب التدهور الاقتصادي الى جانب الوضع الإقليمي الذي اشرنا اليه أعلاه. لكنها لا تزال تصر على حقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، وترفض أي تنازل يمس سيادتها الوطنية.

سيناريوهات بين الانفراج والتصعيد

ورغم أهمية الإعلان عن استئناف المحادثات وحديث ترامب عن كونها «مباشرة»، فإن الطريق إلى حلول او على الاقل اتفاقات جديدة لا يبدو مفروشًا بالورود. فالثقة بين الطرفين في أدنى مستوياتها ان لم نقل منعدمة، والنزاعات السابقة تركت أثرًا عميقًا في السرديات السياسية لكليهما.

ومن المحتمل أن تشهد المرحلة المقبلة محاولات لبلورة «اتفاق مرحلي» أو «إطار عمل تفاوضي» يمكن من خلاله تهدئة التوترات مؤقتًا، دون الوصول إلى اتفاق شامل على المدى القريب. كما أن موقف القوى الإقليمية، خصوصًا إسرائيل والسعودية، سيكون مؤثرًا في تحديد مدى قدرة الطرفين على المضي قدمًا.

وعموما، يمكن القول إن محادثات عمان-سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة-تعكس لحظة مفصلية في مسار العلاقات الأمريكية الإيرانية. وهي اختبار حقيقي لمدى جدية الطرفين في كسر حلقة العداء المتبادل، والدخول في تسوية عقلانية تنهي عقدين من التوتر والصراع. لكن يبقى السؤال قائما: هل ستكون هذه المفاوضات بداية لسلام محتمل؟ أم أنها مجرد محطة عابرة وفاصل قصير في مسلسل طويل من المواجهات والتهديدات والتحديات محورها وسلاحها «نووي»؟

سفيان رجب

محادثات «نووية» جديدة بين واشنطن وطهران..   اختراق دبلوماسي أم إدارة لـ«الأزمة»؟

 

أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نية بلاده بدء محادثات مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي، ردود فعل واسعة النطاق، خاصة بعد ارفاقه الإعلان بتهديدات العادة بأن طهران ستواجه «خطرًا كبيرًا» إذا لم تتخلَّ عن طموحاتها النووية. وفيما أكدت إيران مشاركتها في المحادثات المقررة يوم السبت في سلطنة عمان، فإنها شددت على أن هذه المحادثات ستكون «غير مباشرة» وتتم عبر وساطة، مما يعكس استمرار التباعد في الرؤى بين الطرفين رغم الخطوة التفاوضية التاريخية الجديدة ان تمت.

تعود جذور التوتر بين الولايات المتحدة وإيران إلى سنة 1979، حين اندلعت الثورة الإسلامية في إيران وأُطيح بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، الحليف الوثيق لواشنطن، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتفاقمت الأزمة عندما اقتحم طلاب إيرانيون السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا 52 دبلوماسيًا لمدة 444 يومًا، في واحدة من أسوأ أزمات الرهائن في التاريخ الحديث.

منذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين البلدين محكومة بالتوتر، مع فترات نادرة من التهدئة والمحادثات المحدودة والمتقطعة. وقد تركزت المواجهة الكبرى في العقود الأخيرة على الملف النووي الإيراني، الذي تعتبره واشنطن تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة والعالم. وتعتبره طهران حقا من حقوقها وسلاحا يضعها في صفوف الدول النووية المحمية التي لا يمكن المساس بها او الاعتداء عليها او تهديدها.

علاقة معقدة تتقاطع فيها المصالح والأيديولوجيا

وبالعودة اكثر الى تاريخية العلاقة بين واشنطن وطهران، نشير الى أن أولى المحاولات الجادة لتسوية الخلاف النووي بدأت في أوائل العقد الثاني من الألفية الحالية، وتكللت بالاتفاق النووي المعروف رسميًا باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» (JCPOA) عام 2015، الذي وُقّع بين إيران ومجموعة (5+1) والتي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا.

لكن الانفراج لم يدم طويلًا، إذ قرر ترامب في عام 2018 الانسحاب من الاتفاق من جانب واحد، وفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية «الأشد في التاريخ» على طهران، ضمن سياسة «الضغط الأقصى» التي تبناها لإجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية، وبرنامجها الصاروخي، وأنشطتها الإقليمية.

الوساطة العمانية.. تقليد دبلوماسي متجدد

واليوم وبعد الإعلان التاريخي، وعلى لسان ترامب نفسه، عن استئناف المفاوضات بين البلدين، لا بد من التوقف عند المكان الحاضن لهذه المحادثات، وهي الدولة الأكثر حيادا والأكثر هدوءا سياسيا ودبلوماسيا، ألا وهي سلطنة عمان التي تُعد وسيطًا دبلوماسيًا بارزًا في منطقة الخليج، ولها سجل من النجاحات في تسهيل الحوار بين طهران وواشنطن. ففي عام 2013، استضافت عمان محادثات سرية بين البلدين، مهّدت للاتفاق النووي لاحقًا. واليوم، تعود العاصمة، مسقط، لتلعب الدور نفسه في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية المتزايدة.

ورغم وصف ترامب المحادثات الجديدة بأنها «مباشرة»، إلا أن الرواية الإيرانية تؤكد عكس ذلك، مما يشير إلى وجود تباين حتى في مستوى التواصل وطبيعته. ويُعتقد أن المفاوضات ستكون عبر وسطاء عمانيين أو أوروبيين، مع تبادل الرسائل والأفكار بين الجانبين، دون أن تجمعهما طاولة واحدة ودون لقاءات وجها لوجه.

تكتيك سياسي أم رغبة حقيقية؟

عودة الحديث عن محادثات أمريكية-إيرانية في هذا الظرف بالذات، يطرح أكثر من تساؤل عن توقيته وأهدافه. فبالنسبة للولايات المتحدة، يبدو أن إعلان ترامب عن بدء المحادثات قد يكون مدفوعًا باعتبارات داخلية، خاصة وأن النجاح في فتح قنوات تفاوض مع «عدو تقليدي» قد يُعد إنجازًا دبلوماسيًا يُحسب له. كذلك اعتبارات جيوسياسية وأهمها الحد من التقارب الإيراني مع الحلف الروسي-الصيني. كما أن واشنطن وبدفع من إسرائيل تحاول استغلال الظروف التي تمر بها ايران اليوم، بعد ضرب دفاعاتها الجوية الاستراتيجية وترسانتها الصاروخية وشبكة حلفائها في المنطقة وخاصة اضعاف «حزب الله» اللبناني وتغيير السلطة في سوريا وتدهور المقاومة الفلسطينية وضرب الحوثيين في اليمن، للسعي لإنهاء مشروعها النوويّ.

أما إيران، فهي تعاني من آثار العقوبات الاقتصادية الخانقة، وتواجه ضغوطًا داخلية بسبب التدهور الاقتصادي الى جانب الوضع الإقليمي الذي اشرنا اليه أعلاه. لكنها لا تزال تصر على حقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، وترفض أي تنازل يمس سيادتها الوطنية.

سيناريوهات بين الانفراج والتصعيد

ورغم أهمية الإعلان عن استئناف المحادثات وحديث ترامب عن كونها «مباشرة»، فإن الطريق إلى حلول او على الاقل اتفاقات جديدة لا يبدو مفروشًا بالورود. فالثقة بين الطرفين في أدنى مستوياتها ان لم نقل منعدمة، والنزاعات السابقة تركت أثرًا عميقًا في السرديات السياسية لكليهما.

ومن المحتمل أن تشهد المرحلة المقبلة محاولات لبلورة «اتفاق مرحلي» أو «إطار عمل تفاوضي» يمكن من خلاله تهدئة التوترات مؤقتًا، دون الوصول إلى اتفاق شامل على المدى القريب. كما أن موقف القوى الإقليمية، خصوصًا إسرائيل والسعودية، سيكون مؤثرًا في تحديد مدى قدرة الطرفين على المضي قدمًا.

وعموما، يمكن القول إن محادثات عمان-سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة-تعكس لحظة مفصلية في مسار العلاقات الأمريكية الإيرانية. وهي اختبار حقيقي لمدى جدية الطرفين في كسر حلقة العداء المتبادل، والدخول في تسوية عقلانية تنهي عقدين من التوتر والصراع. لكن يبقى السؤال قائما: هل ستكون هذه المفاوضات بداية لسلام محتمل؟ أم أنها مجرد محطة عابرة وفاصل قصير في مسلسل طويل من المواجهات والتهديدات والتحديات محورها وسلاحها «نووي»؟

سفيان رجب