إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

يؤسس‭ ‬لنهج‭ ‬جديد‭..‬ المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬قاطرة‭ ‬نحو‭ ‬إصلاح‭ ‬شامل

مساع‭ ‬وجهود‭ ‬لتركيز‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭  ‬للتربية،‭ ‬هذا‭ ‬الهيكل‭ ‬الذي‭ ‬يراهن‭ ‬عليه‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص،‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بالمنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬فهل‭ ‬يرى‭  ‬هذا‭ ‬الهيكل‭ ‬النور‭ ‬قريبا؟

في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬تطرق‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬لدى‭ ‬استقباله‭ ‬مساء‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬بقصر‭ ‬قرطاج‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬نور‭ ‬الدّين‭ ‬النّوري‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بنظامه‭ ‬الداخلي‭.‬

وأكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬مجدّدا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬تنظيمها‭ ‬بمقتضى‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬2‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‭ ‬مُشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬قطاع‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬العمومية‭ ‬قصفا‭ ‬وتدميرا‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬ذهبوا‭ ‬ضحيته‭ ‬وأحدثت‭ ‬شُعب‭ ‬لا‭ ‬أفق‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬آفاقها،‭ ‬إن‭ ‬وُجدت،‭ ‬محدودة‭ ‬جدّا‭.‬

كما‭ ‬أشار‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬المناهج‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬اعتمادها‭ ‬والبرامج‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬الاختيار‭ ‬عليها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بريئة‭ ‬وتمّ‭ ‬تبريرها‭ ‬آنذاك‭ ‬بتجفيف‭ ‬المنابع‭ ‬فإذ‭ ‬بالعقول‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جُفّفت‭ ‬وإذ‭ ‬بملكة‭ ‬التفكير‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬وُئدت‭.‬

وتعرّض‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬تونس‭ ‬عرفت‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬عديد‭ ‬محاولات‭ ‬الإصلاح‭ ‬نجح‭ ‬بعضها‭ ‬ولم‭ ‬يلق‭ ‬نفس‭ ‬النجاح‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الأخرى‭.‬

وأكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬هو‭ ‬النأي‭ ‬بالأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬عن‭ ‬حسابات‭ ‬السياسة،‭ ‬فلا‭ ‬يبقى‭ ‬التلميذ‭ ‬أو‭ ‬الطالب‭ ‬رهين‭ ‬تغيّر‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬بل‭ ‬يتلقى‭ ‬التعليم‭ ‬وفق‭ ‬برامج‭ ‬ومناهج‭ ‬توضع‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية،‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬هويّته‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬انتشار‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الحديثة‭ ‬وتُتيح‭ ‬له‭ ‬المساهمة‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬الإحاطة‭ ‬بالمُربّين‭ ‬والمعلّمين‭ ‬والتعهّد‭ ‬بالمدارس‭ ‬والمعاهد‭. ‬فالحقّ‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬حقّ‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُشاع‭ ‬للجميع‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنّه‭ ‬يُمثّل‭ ‬السدّ‭ ‬المنيع‭ ‬الأوّل‭ ‬أمام‭ ‬كلّ‭ ‬أشكال‭ ‬الاستلاب‭ ‬وكلّ‭ ‬أنواع‭ ‬التطرّف‭.‬

هيكل‭ ‬استراتيجي

تفاعلا‭ ‬مع‭ ‬أهمية‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬يشير‭ ‬رئيس‭ ‬الجمعية‭ ‬التونسية‭ ‬لجودة‭ ‬التعليم‭ ‬سليم‭ ‬قاسم‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬قراءة‭ ‬مطولة‭ ‬لـ»الصباح‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬وضمن‭ ‬مقاربة‭ ‬منظومية‭ ‬فعالة‭ ‬وبناءة‭ ‬تكرس‭ ‬قواعد‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرشيدة‭ ‬وتحقق‭ ‬مبادئ‭ ‬الجودة‭ ‬الشاملة،‭ ‬فإن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتّربية‭ ‬والتعليم‭ ‬هو‭ ‬هيكل‭ ‬استراتيجي‭ ‬ومكون‭ ‬رئيسي‭ ‬توكل‭ ‬إليه‭ ‬مهمّة‭ ‬سلامة‭ ‬التّوجّهات‭ ‬ونجاعة‭ ‬التّخطيط‭ ‬وفاعليّة‭ ‬التّنفيذ،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬السّماح‭ ‬بأمرين‭ ‬على‭ ‬غاية‭ ‬من‭ ‬الأهمّيّة‭ ‬هما‭ ‬ضمان‭ ‬انخراط‭ ‬المنظومة‭ ‬التّربويّة‭ ‬ضمن‭ ‬مشروع‭ ‬حضاريّ‭ ‬وتنموي‭ ‬وطنيّ‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وضمان‭ ‬تخليص‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬ممّا‭ ‬علق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أدران‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬منه‭ ‬أيّ‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬أركانها،‭ ‬سواء‭ ‬تعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بالموارد‭ ‬البشريّة‭ ‬أو‭ ‬البرامج‭ ‬التّعليميّة‭ ‬أو‭ ‬الاختيارات‭ ‬البيداغوجيّة‭ ‬أو‭ ‬البنى‭ ‬التّحتيّة‭ ‬أو‭ ‬التّنظيمات‭ ‬الإداريّة‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬الأدهى‭ ‬أنّ‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬يُقدّم‭ ‬تحت‭ ‬لافتة‭ ‬الإصلاح،‭ ‬والحال‭ ‬أنّه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬موجات‭ ‬هدّامة‭ ‬متتالية‭ ‬والتّخريب‭ ‬الممنهج‭.‬

وأضاف‭ ‬محدثنا‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬الحديث‭ ‬ينطوي‭ ‬للأسف‭ ‬الشّديد،‭ ‬ومنذ‭ ‬القرن‭ ‬التّاسع‭ ‬عشر،‭ ‬على‭ ‬أمثلة‭ ‬عديدة‭ ‬لمشاريع‭ ‬الإصلاح‭ ‬المجهضة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمّ‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مرة‭ ‬تحويل‭ ‬وجهتها‭ ‬لتصير‭ ‬أدواتٍ‭ ‬لهدم‭ ‬المكاسب‭ ‬بدل‭ ‬دعمها،‭ ‬وآليّات‭ ‬لتعبيد‭ ‬الطّريق‭ ‬لفقدان‭ ‬السّيادة‭ ‬بدل‭ ‬تأصيلها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تؤكّده‭ ‬الوقائع،‭ ‬حين‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬الإصلاح‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تسبّب‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إهدار‭ ‬للموارد‭ ‬والطّاقات‭ ‬والوقت‭ ‬الثّمين،‭ ‬وما‭ ‬مثّله‭ ‬من‭ ‬جناية‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬تونس،‭ ‬ومن‭ ‬تعطيل‭ ‬للمسار‭ ‬التّنمويّ‭ ‬والحضاريّ‭ ‬لبلادنا‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬يرى‭ ‬محدثنا‭ ‬أن‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬2‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‭ ‬المتعلّق‭ ‬بتنظيم‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬قد‭ ‬مثل‭ ‬منعرجا‭ ‬حقيقيّا‭ ‬يعد‭ ‬ببناء‭ ‬مشروع‭ ‬إصلاحيّ‭ ‬وطنيّ‭ ‬ناجح‭ ‬لمنظومتنا‭ ‬التّربويّة،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬ما‭ ‬تعطيه‭ ‬القيادة‭ ‬السّياسيّة‭ ‬من‭ ‬أولويّة‭ ‬مطلقة‭ ‬لبناء‭ ‬الإنسان‭ ‬التّونسيّ‭ ‬المتأصّل‭ ‬في‭ ‬قيمه‭ ‬الحضاريّة‭ ‬والمنفتح‭ ‬على‭ ‬محيطه‭ ‬الدّوليّ‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أبعاده،‭ ‬وخاصّة‭ ‬منها‭ ‬التّكنولوجيّة‭ ‬والاقتصاديّة‭ ‬والإنسانيّة‭ ‬موضحا‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬أنّ‭ ‬الانتظارات‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتّربية‭ ‬والتّعليم‭ ‬عديدة،‭ ‬وليس‭ ‬أقلّها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قاطرة‭ ‬لمشروع‭ ‬بناء‭ ‬منظومة‭ ‬تربويّة‭ ‬وتعليميّة‭ ‬وطنيّة‭ ‬عالية‭ ‬الأداء،‭ ‬ولا‭ ‬شكّ‭ ‬أن‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬صدور‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬للمجلس‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بنظامه‭ ‬الداخلي‭ ‬هو‭ ‬خبر‭ ‬يُثلج‭ ‬صدور‭ ‬كلّ‭ ‬الغيورين‭ ‬على‭ ‬الشّأن‭ ‬التّربويّ‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬والآمال‭ ‬المعقودة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يمثّل‭ ‬هذان‭ ‬النّصّان‭ ‬فاتحة‭ ‬لجيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬النّصوص‭ ‬التّشريعيّة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬والتّعليميّة،‭ ‬والتي‭ ‬تؤسّس‭ ‬لنهج‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬إدارتها،‭ ‬يقطع‭ ‬مع‭ ‬النّهج‭ ‬البيروقراطيّ‭ ‬العقيم‭ ‬والتّعقيدات‭ ‬التّنظيميّة‭ ‬الجوفاء‭ ‬التي‭ ‬تسلّلت‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬السّابق‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬الاختراق‭ ‬والتّخريب،‭ ‬وهي‭ ‬مناسبة‭ ‬للإعراب‭ ‬عن‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬أعمال‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتّربية‭ ‬والتّعليم‭ ‬مرفودة‭ ‬بهيكلين‭ ‬فرعيّين‭ ‬يعملان‭ ‬تحت‭ ‬إشرافه‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقلّ‭ ‬بالتّنسيق‭ ‬المباشر‭ ‬والدّائم‭ ‬معه،‭ ‬وهما‭ ‬مركز‭ ‬وطنيّ‭ ‬توكل‭ ‬إليه‭ ‬مهمّة‭ ‬إنجاز‭ ‬الدّراسات‭ ‬والبحوث‭ ‬النّظريّة‭ ‬والميدانيّة‭ ‬والمقارنة‭ ‬والاستشرافيّة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التّربية‭ ‬والتّعليم،‭ ‬ومركز‭ ‬وطنيّة‭ ‬يتعهّد‭ ‬بمهام‭ ‬تقييم‭ ‬أداء‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬والتّعليميّة‭ ‬بجميع‭ ‬مكوّناتها‭ ‬وعناصرها،‭ ‬وضمان‭ ‬جودة‭ ‬مدخلاتها‭ ‬وعمليّاتها‭ ‬ومخرجاتها،‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬تحقيق‭ ‬مبادئ‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرّشيدة‭ ‬ويضمن‭ ‬التّحسين‭ ‬المستمرّ‭ ‬لأداء‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭.‬

الإحاطة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والمهنية

وأضاف‭ ‬محدثنا‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬لبناء‭ ‬البرامج‭ ‬والمناهج‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬تراعي‭ ‬المشروع‭ ‬الحضاريّ‭ ‬الوطنيّ‭ ‬وتأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬القواعد‭ ‬العلميّة‭ ‬وتستفيد‭ ‬من‭ ‬التّجارب‭ ‬النّاجحة‭ ‬محلّيّا‭ ‬ودوليّا،‭ ‬كما‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬أيضا‭ ‬لترميم‭ ‬منظومة‭ ‬مواردنا‭ ‬البشريّة‭ ‬عبر‭ ‬الإحاطة‭ ‬الأكاديميّة‭ ‬والمهنيّة‭ ‬والمادّيّة‭ ‬بالمربّين‭ ‬وسائر‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬التّربويّ،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬سبل‭ ‬توفير‭ ‬تمويلات‭ ‬وطنيّة‭ ‬كافية‭ ‬وإحكام‭ ‬التّصرّف‭ ‬فيها‭ ‬ومحاربة‭ ‬كافّة‭ ‬أشكال‭ ‬هدرها،‭ ‬وبذلك‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬بإمكاننا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬والتّعليميّة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬متينة‭ ‬ومستدامة‭ ‬تحقّق‭ ‬مصالح‭ ‬الفرد‭ ‬والمجموعة‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬الوطن‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬ازدهاره،‭ ‬وإنّ‭ ‬أبناء‭ ‬المدرسة‭ ‬العموميّة‭ ‬التّونسيّة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬لقادرون‭.‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تعيش‭ ‬أزمة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬تراجع‭ ‬المستوى‭ ‬التعليمي‭ ‬وتفشي‭ ‬ظاهرة‭ ‬العنف‭ ‬المدرسي‭ ‬وعدم‭ ‬مواكبة‭ ‬وملاءمة‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬لمتطلبات‭ ‬العصر‭ ‬ليبرز‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬كآلية‭ ‬دستورية‭ ‬محورية‭ ‬لقيادة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفضي‭ ‬الى‭ ‬إعادة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬وضمان‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

منال‭ ‬حرزي

يؤسس‭ ‬لنهج‭ ‬جديد‭..‬ المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬قاطرة‭ ‬نحو‭ ‬إصلاح‭ ‬شامل

مساع‭ ‬وجهود‭ ‬لتركيز‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭  ‬للتربية،‭ ‬هذا‭ ‬الهيكل‭ ‬الذي‭ ‬يراهن‭ ‬عليه‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص،‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بالمنظومة‭ ‬التربوية،‭ ‬فهل‭ ‬يرى‭  ‬هذا‭ ‬الهيكل‭ ‬النور‭ ‬قريبا؟

في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬تطرق‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬لدى‭ ‬استقباله‭ ‬مساء‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬بقصر‭ ‬قرطاج‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬نور‭ ‬الدّين‭ ‬النّوري‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بنظامه‭ ‬الداخلي‭.‬

وأكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬مجدّدا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬تنظيمها‭ ‬بمقتضى‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬2‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‭ ‬مُشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬قطاع‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬العمومية‭ ‬قصفا‭ ‬وتدميرا‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬ذهبوا‭ ‬ضحيته‭ ‬وأحدثت‭ ‬شُعب‭ ‬لا‭ ‬أفق‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬آفاقها،‭ ‬إن‭ ‬وُجدت،‭ ‬محدودة‭ ‬جدّا‭.‬

كما‭ ‬أشار‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬المناهج‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬اعتمادها‭ ‬والبرامج‭ ‬التي‭ ‬تمّ‭ ‬الاختيار‭ ‬عليها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بريئة‭ ‬وتمّ‭ ‬تبريرها‭ ‬آنذاك‭ ‬بتجفيف‭ ‬المنابع‭ ‬فإذ‭ ‬بالعقول‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جُفّفت‭ ‬وإذ‭ ‬بملكة‭ ‬التفكير‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬وُئدت‭.‬

وتعرّض‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬تونس‭ ‬عرفت‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬عديد‭ ‬محاولات‭ ‬الإصلاح‭ ‬نجح‭ ‬بعضها‭ ‬ولم‭ ‬يلق‭ ‬نفس‭ ‬النجاح‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الأخرى‭.‬

وأكّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬هو‭ ‬النأي‭ ‬بالأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬عن‭ ‬حسابات‭ ‬السياسة،‭ ‬فلا‭ ‬يبقى‭ ‬التلميذ‭ ‬أو‭ ‬الطالب‭ ‬رهين‭ ‬تغيّر‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬بل‭ ‬يتلقى‭ ‬التعليم‭ ‬وفق‭ ‬برامج‭ ‬ومناهج‭ ‬توضع‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية،‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬هويّته‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬انتشار‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الحديثة‭ ‬وتُتيح‭ ‬له‭ ‬المساهمة‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬الإحاطة‭ ‬بالمُربّين‭ ‬والمعلّمين‭ ‬والتعهّد‭ ‬بالمدارس‭ ‬والمعاهد‭. ‬فالحقّ‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬حقّ‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُشاع‭ ‬للجميع‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنّه‭ ‬يُمثّل‭ ‬السدّ‭ ‬المنيع‭ ‬الأوّل‭ ‬أمام‭ ‬كلّ‭ ‬أشكال‭ ‬الاستلاب‭ ‬وكلّ‭ ‬أنواع‭ ‬التطرّف‭.‬

هيكل‭ ‬استراتيجي

تفاعلا‭ ‬مع‭ ‬أهمية‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬يشير‭ ‬رئيس‭ ‬الجمعية‭ ‬التونسية‭ ‬لجودة‭ ‬التعليم‭ ‬سليم‭ ‬قاسم‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬قراءة‭ ‬مطولة‭ ‬لـ»الصباح‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬وضمن‭ ‬مقاربة‭ ‬منظومية‭ ‬فعالة‭ ‬وبناءة‭ ‬تكرس‭ ‬قواعد‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرشيدة‭ ‬وتحقق‭ ‬مبادئ‭ ‬الجودة‭ ‬الشاملة،‭ ‬فإن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتّربية‭ ‬والتعليم‭ ‬هو‭ ‬هيكل‭ ‬استراتيجي‭ ‬ومكون‭ ‬رئيسي‭ ‬توكل‭ ‬إليه‭ ‬مهمّة‭ ‬سلامة‭ ‬التّوجّهات‭ ‬ونجاعة‭ ‬التّخطيط‭ ‬وفاعليّة‭ ‬التّنفيذ،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬السّماح‭ ‬بأمرين‭ ‬على‭ ‬غاية‭ ‬من‭ ‬الأهمّيّة‭ ‬هما‭ ‬ضمان‭ ‬انخراط‭ ‬المنظومة‭ ‬التّربويّة‭ ‬ضمن‭ ‬مشروع‭ ‬حضاريّ‭ ‬وتنموي‭ ‬وطنيّ‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وضمان‭ ‬تخليص‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬ممّا‭ ‬علق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أدران‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬منه‭ ‬أيّ‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬أركانها،‭ ‬سواء‭ ‬تعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بالموارد‭ ‬البشريّة‭ ‬أو‭ ‬البرامج‭ ‬التّعليميّة‭ ‬أو‭ ‬الاختيارات‭ ‬البيداغوجيّة‭ ‬أو‭ ‬البنى‭ ‬التّحتيّة‭ ‬أو‭ ‬التّنظيمات‭ ‬الإداريّة‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬الأدهى‭ ‬أنّ‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬يُقدّم‭ ‬تحت‭ ‬لافتة‭ ‬الإصلاح،‭ ‬والحال‭ ‬أنّه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬موجات‭ ‬هدّامة‭ ‬متتالية‭ ‬والتّخريب‭ ‬الممنهج‭.‬

وأضاف‭ ‬محدثنا‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬الحديث‭ ‬ينطوي‭ ‬للأسف‭ ‬الشّديد،‭ ‬ومنذ‭ ‬القرن‭ ‬التّاسع‭ ‬عشر،‭ ‬على‭ ‬أمثلة‭ ‬عديدة‭ ‬لمشاريع‭ ‬الإصلاح‭ ‬المجهضة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمّ‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مرة‭ ‬تحويل‭ ‬وجهتها‭ ‬لتصير‭ ‬أدواتٍ‭ ‬لهدم‭ ‬المكاسب‭ ‬بدل‭ ‬دعمها،‭ ‬وآليّات‭ ‬لتعبيد‭ ‬الطّريق‭ ‬لفقدان‭ ‬السّيادة‭ ‬بدل‭ ‬تأصيلها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تؤكّده‭ ‬الوقائع،‭ ‬حين‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬الإصلاح‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تسبّب‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إهدار‭ ‬للموارد‭ ‬والطّاقات‭ ‬والوقت‭ ‬الثّمين،‭ ‬وما‭ ‬مثّله‭ ‬من‭ ‬جناية‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬تونس،‭ ‬ومن‭ ‬تعطيل‭ ‬للمسار‭ ‬التّنمويّ‭ ‬والحضاريّ‭ ‬لبلادنا‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬يرى‭ ‬محدثنا‭ ‬أن‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬2‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‭ ‬المتعلّق‭ ‬بتنظيم‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬قد‭ ‬مثل‭ ‬منعرجا‭ ‬حقيقيّا‭ ‬يعد‭ ‬ببناء‭ ‬مشروع‭ ‬إصلاحيّ‭ ‬وطنيّ‭ ‬ناجح‭ ‬لمنظومتنا‭ ‬التّربويّة،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬ما‭ ‬تعطيه‭ ‬القيادة‭ ‬السّياسيّة‭ ‬من‭ ‬أولويّة‭ ‬مطلقة‭ ‬لبناء‭ ‬الإنسان‭ ‬التّونسيّ‭ ‬المتأصّل‭ ‬في‭ ‬قيمه‭ ‬الحضاريّة‭ ‬والمنفتح‭ ‬على‭ ‬محيطه‭ ‬الدّوليّ‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أبعاده،‭ ‬وخاصّة‭ ‬منها‭ ‬التّكنولوجيّة‭ ‬والاقتصاديّة‭ ‬والإنسانيّة‭ ‬موضحا‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬أنّ‭ ‬الانتظارات‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتّربية‭ ‬والتّعليم‭ ‬عديدة،‭ ‬وليس‭ ‬أقلّها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قاطرة‭ ‬لمشروع‭ ‬بناء‭ ‬منظومة‭ ‬تربويّة‭ ‬وتعليميّة‭ ‬وطنيّة‭ ‬عالية‭ ‬الأداء،‭ ‬ولا‭ ‬شكّ‭ ‬أن‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬صدور‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬للمجلس‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بنظامه‭ ‬الداخلي‭ ‬هو‭ ‬خبر‭ ‬يُثلج‭ ‬صدور‭ ‬كلّ‭ ‬الغيورين‭ ‬على‭ ‬الشّأن‭ ‬التّربويّ‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬والآمال‭ ‬المعقودة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يمثّل‭ ‬هذان‭ ‬النّصّان‭ ‬فاتحة‭ ‬لجيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬النّصوص‭ ‬التّشريعيّة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬والتّعليميّة،‭ ‬والتي‭ ‬تؤسّس‭ ‬لنهج‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬إدارتها،‭ ‬يقطع‭ ‬مع‭ ‬النّهج‭ ‬البيروقراطيّ‭ ‬العقيم‭ ‬والتّعقيدات‭ ‬التّنظيميّة‭ ‬الجوفاء‭ ‬التي‭ ‬تسلّلت‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬السّابق‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬الاختراق‭ ‬والتّخريب،‭ ‬وهي‭ ‬مناسبة‭ ‬للإعراب‭ ‬عن‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬أعمال‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتّربية‭ ‬والتّعليم‭ ‬مرفودة‭ ‬بهيكلين‭ ‬فرعيّين‭ ‬يعملان‭ ‬تحت‭ ‬إشرافه‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقلّ‭ ‬بالتّنسيق‭ ‬المباشر‭ ‬والدّائم‭ ‬معه،‭ ‬وهما‭ ‬مركز‭ ‬وطنيّ‭ ‬توكل‭ ‬إليه‭ ‬مهمّة‭ ‬إنجاز‭ ‬الدّراسات‭ ‬والبحوث‭ ‬النّظريّة‭ ‬والميدانيّة‭ ‬والمقارنة‭ ‬والاستشرافيّة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التّربية‭ ‬والتّعليم،‭ ‬ومركز‭ ‬وطنيّة‭ ‬يتعهّد‭ ‬بمهام‭ ‬تقييم‭ ‬أداء‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬والتّعليميّة‭ ‬بجميع‭ ‬مكوّناتها‭ ‬وعناصرها،‭ ‬وضمان‭ ‬جودة‭ ‬مدخلاتها‭ ‬وعمليّاتها‭ ‬ومخرجاتها،‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬تحقيق‭ ‬مبادئ‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرّشيدة‭ ‬ويضمن‭ ‬التّحسين‭ ‬المستمرّ‭ ‬لأداء‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭.‬

الإحاطة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والمهنية

وأضاف‭ ‬محدثنا‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬لبناء‭ ‬البرامج‭ ‬والمناهج‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬تراعي‭ ‬المشروع‭ ‬الحضاريّ‭ ‬الوطنيّ‭ ‬وتأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬القواعد‭ ‬العلميّة‭ ‬وتستفيد‭ ‬من‭ ‬التّجارب‭ ‬النّاجحة‭ ‬محلّيّا‭ ‬ودوليّا،‭ ‬كما‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬أيضا‭ ‬لترميم‭ ‬منظومة‭ ‬مواردنا‭ ‬البشريّة‭ ‬عبر‭ ‬الإحاطة‭ ‬الأكاديميّة‭ ‬والمهنيّة‭ ‬والمادّيّة‭ ‬بالمربّين‭ ‬وسائر‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬التّربويّ،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬سبل‭ ‬توفير‭ ‬تمويلات‭ ‬وطنيّة‭ ‬كافية‭ ‬وإحكام‭ ‬التّصرّف‭ ‬فيها‭ ‬ومحاربة‭ ‬كافّة‭ ‬أشكال‭ ‬هدرها،‭ ‬وبذلك‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬بإمكاننا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬والتّعليميّة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬متينة‭ ‬ومستدامة‭ ‬تحقّق‭ ‬مصالح‭ ‬الفرد‭ ‬والمجموعة‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬الوطن‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬ازدهاره،‭ ‬وإنّ‭ ‬أبناء‭ ‬المدرسة‭ ‬العموميّة‭ ‬التّونسيّة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬لقادرون‭.‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تعيش‭ ‬أزمة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬تراجع‭ ‬المستوى‭ ‬التعليمي‭ ‬وتفشي‭ ‬ظاهرة‭ ‬العنف‭ ‬المدرسي‭ ‬وعدم‭ ‬مواكبة‭ ‬وملاءمة‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬لمتطلبات‭ ‬العصر‭ ‬ليبرز‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬كآلية‭ ‬دستورية‭ ‬محورية‭ ‬لقيادة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفضي‭ ‬الى‭ ‬إعادة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬وضمان‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

منال‭ ‬حرزي