لم تكن حادثة معهد الزهروني بتونس نهاية الأسبوع الفارط، إلا حلقة أخرى من سلسلة حلقات العنف داخل المؤسسات التربوية، داخل المدارس وخارجها، التي كادت أن تتحول إلى أحداث متواترة وشبه يومية، بل لعلها تزداد فظاعة بمرور الوقت، بسبب انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وغيرها من السلوكيات الخطيرة.
تمثلت حادثة معهد الزهروني في الاعتداء على تلميذ مرسّم بالمعهد بآلة حادة من قبل تلميذ عمره 14 سنة ومرسّم بمعهد آخر على خلفية نقاش حادّ جدّ بين شقيق التلميذ المعتدي والتلميذ المُعتدى عليه تطوّر فيما بعد إلى اعتداء بسكين».
ووفق منير خير الدين، كاتب عام الفرع الجامعي للتعليم الثانوي بتونس، شهد معهد الزهروني تنظيم وقفة احتجاجية»، تنديدًا بتكرّر هذه الاعتداءات واستهدافها للإطار التربوي والتلاميذ الذين أصبحوا في خطر في ظل نقص الموارد البشرية ووجود مُؤسسات دُون حراسة ودُون أعوان تنظيف، مما ساهم في حالة التسيّب داخل هذه المُؤسسات وحولها»، وفق تعبيره.
أرقام صادمة
تفيد آخر معطيات وزارة التربية أنه تمّ تسجيل حوالي 627 حالة عنف بالمؤسسات التربوية خلال الثلاثية الأولى للسنة الدراسية الحالية تنقسم إلى تنمر وعنف لفظي وعنف مادي وغيرها.
كما تؤكد إحصائيات ودراسات سابقة حجم تفشي ظاهرة العنف في الوسط التربوي وهو بالضرورة انعكاس للعنف المنتشر في الشارع وفي الأسرة والمجتمع ككل.
وأفادت أرقام المرصد الوطني للتربية، أن العنف في المدارس، تفاقم بين عامي 2023 و2024 بنسبة 19 %.
كما تشير الأرقام المسجلة خلال سنة 2023 على مستوى ولايات تونس الكبرى أيضا، إلى أن 549 طفلا كانوا ضحايا للعنف (236 تلميذا قاموا بأعمال عنف)، مقابل 550 طفلا كانوا ضحايا هذا العنف (244 تلميذا مارسوا العنف).
وتحتل ولايات تونس الكبرى على المستوى الوطني نسبة 20 بالمائة من حيث المتضرّرين و14 بالمائة من حيث القائمين بأعمال العنف داخل المؤسسات التربوية أو في محيطها.
تحدّث سابقا الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي محمد الصافي، عن ظاهرة العنف المدرسي بالمؤسسات التربوية في تونس قائلا إن»تونس مصنّفة في المرتبة الثالثة عالميا في العنف المدرسي، والأسباب عديدة وتعود أساسا للمجتمع والتنشئة». من جهته قال الباحث في علم الاجتماع، سنيم بن عبد الله، في تصريح إذاعي مؤخرا إن «العنف في تونس أصبح ظاهرة واضحة ومرئية، بل شهد زيادة ملحوظة في العديد من الأوساط، بما في ذلك الوسط المدرسي».
المخدرات من بين الأسباب
تؤكد الدراسات على الترابط بين انتشار ظاهرة العنف والقتل والاعتداءات بكل أنواعها في صفوف الشباب وبين ظاهرة المخدرات وينسحب الأمر على ما يسجل من عنف في المؤسسات التربوية في ظل الانتشار الواسع والمخيف لظاهرة المخدرات بين التلاميذ، استهلاكا وترويجا.
إذ تفيد الإحصائيات أنه «تم في سنة 2024 تسجيل 8571 قضية متنوعة بين مسك واستهلاك وترويج مواد مخدرة أي بنسبة زيارة في عدد القضايا بـ19.1 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2023». وقالت سابقا رئيسة جمعية «نبض بلادي»، ألفة العبيدي، إن «نسبة الإدمان في صفوف التلاميذ والشباب تضاعفت 5 مرات خلال 10 سنوات من 1,3 بالمائة سنة 2013 إلى 8,9 بالمائة سنة 2023».
متابعة وإجراءات
تشير مصادر وزارة التربية أنها في متابعة لصيقة لمسألة العنف وجميع السلوكيات المحفوفة بالمخاطر التي تتهدد الوسط التربوي بكل أطرافه كما تؤثر سلبا على صورة ورسالة التربية والتعليم بشكل عام.
وتفيد مصادر الوزارة أنه يتم يوميا رصد حالات العنف عبر تطبيقة رقمية «مرصد عنف» والتي ترصد كل السلوكيات المحفوفة بالمخاطر بما فيها حالات العنف المسجلة ومتابعة الإجراءات التي يتم اتخاذها في كل وضعية عنف.
وقد وضعت وزارة التربية مؤخرا إستراتيجية وطنية للتصدي لظاهرة العنف والسلوكات المحفوفة بالمخاطر تحت إشراف رئاسة الجمهورية وبالشراكة مع فاعلين اجتماعيين من وزارات ومن منظمات المجتمع المدني.
وتم من خلال هذه الإستراتيجية ضبط «آليات وقائية على غرار الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية بالمؤسسات التربوية بالإضافة إلى التنسيق مع وزارة الصحة على مستوى الأخصائيين النفسانيين في المدارس وإدارة الطب المدرسي والجامعي من أجل مرافقة التلاميذ والعمل على وقايتهم وتحسين صحتهم العقلية والذهنية».
تجدر الإشارة أيضا إلى أن جمعيات تونسية بالشراكة مع وزارة التربية أطلقت مؤخرا «حملة وطنية لمقاومة العنف والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر، تحت شعار «تونس أمانة بين أيدينا»، لمكافحة الآفات الاجتماعية التي تهدد الشباب واستعادة التماسك الأسري والمجتمعي».
ويقول القائمون على هذه الحملة الوطنية لمقاومة العنف والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر، إن الهدف هو «خلق بدائل ثقافية وفنية ورياضية للأطفال والشباب، بالإضافة إلى القيام بحملة عروض فنية تستثمر عائداتها لفائدة معالجة الإدمان وتشجيع الشباب على العودة للطريق السليم إلى جانب العمل على إنشاء نواد ثقافية ورياضية واكتشاف المواهب بالإضافة إلى تنظيم لقاءات مع الأساتذة والأولياء، في إطار أنشطة تحسيسية في جميع المدارس والمعاهد بكامل تراب الجمهورية».
◗ م.ي
تونس في المرتبة الثالثة عالميا في العنف المدرسي
لم تكن حادثة معهد الزهروني بتونس نهاية الأسبوع الفارط، إلا حلقة أخرى من سلسلة حلقات العنف داخل المؤسسات التربوية، داخل المدارس وخارجها، التي كادت أن تتحول إلى أحداث متواترة وشبه يومية، بل لعلها تزداد فظاعة بمرور الوقت، بسبب انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وغيرها من السلوكيات الخطيرة.
تمثلت حادثة معهد الزهروني في الاعتداء على تلميذ مرسّم بالمعهد بآلة حادة من قبل تلميذ عمره 14 سنة ومرسّم بمعهد آخر على خلفية نقاش حادّ جدّ بين شقيق التلميذ المعتدي والتلميذ المُعتدى عليه تطوّر فيما بعد إلى اعتداء بسكين».
ووفق منير خير الدين، كاتب عام الفرع الجامعي للتعليم الثانوي بتونس، شهد معهد الزهروني تنظيم وقفة احتجاجية»، تنديدًا بتكرّر هذه الاعتداءات واستهدافها للإطار التربوي والتلاميذ الذين أصبحوا في خطر في ظل نقص الموارد البشرية ووجود مُؤسسات دُون حراسة ودُون أعوان تنظيف، مما ساهم في حالة التسيّب داخل هذه المُؤسسات وحولها»، وفق تعبيره.
أرقام صادمة
تفيد آخر معطيات وزارة التربية أنه تمّ تسجيل حوالي 627 حالة عنف بالمؤسسات التربوية خلال الثلاثية الأولى للسنة الدراسية الحالية تنقسم إلى تنمر وعنف لفظي وعنف مادي وغيرها.
كما تؤكد إحصائيات ودراسات سابقة حجم تفشي ظاهرة العنف في الوسط التربوي وهو بالضرورة انعكاس للعنف المنتشر في الشارع وفي الأسرة والمجتمع ككل.
وأفادت أرقام المرصد الوطني للتربية، أن العنف في المدارس، تفاقم بين عامي 2023 و2024 بنسبة 19 %.
كما تشير الأرقام المسجلة خلال سنة 2023 على مستوى ولايات تونس الكبرى أيضا، إلى أن 549 طفلا كانوا ضحايا للعنف (236 تلميذا قاموا بأعمال عنف)، مقابل 550 طفلا كانوا ضحايا هذا العنف (244 تلميذا مارسوا العنف).
وتحتل ولايات تونس الكبرى على المستوى الوطني نسبة 20 بالمائة من حيث المتضرّرين و14 بالمائة من حيث القائمين بأعمال العنف داخل المؤسسات التربوية أو في محيطها.
تحدّث سابقا الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي محمد الصافي، عن ظاهرة العنف المدرسي بالمؤسسات التربوية في تونس قائلا إن»تونس مصنّفة في المرتبة الثالثة عالميا في العنف المدرسي، والأسباب عديدة وتعود أساسا للمجتمع والتنشئة». من جهته قال الباحث في علم الاجتماع، سنيم بن عبد الله، في تصريح إذاعي مؤخرا إن «العنف في تونس أصبح ظاهرة واضحة ومرئية، بل شهد زيادة ملحوظة في العديد من الأوساط، بما في ذلك الوسط المدرسي».
المخدرات من بين الأسباب
تؤكد الدراسات على الترابط بين انتشار ظاهرة العنف والقتل والاعتداءات بكل أنواعها في صفوف الشباب وبين ظاهرة المخدرات وينسحب الأمر على ما يسجل من عنف في المؤسسات التربوية في ظل الانتشار الواسع والمخيف لظاهرة المخدرات بين التلاميذ، استهلاكا وترويجا.
إذ تفيد الإحصائيات أنه «تم في سنة 2024 تسجيل 8571 قضية متنوعة بين مسك واستهلاك وترويج مواد مخدرة أي بنسبة زيارة في عدد القضايا بـ19.1 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2023». وقالت سابقا رئيسة جمعية «نبض بلادي»، ألفة العبيدي، إن «نسبة الإدمان في صفوف التلاميذ والشباب تضاعفت 5 مرات خلال 10 سنوات من 1,3 بالمائة سنة 2013 إلى 8,9 بالمائة سنة 2023».
متابعة وإجراءات
تشير مصادر وزارة التربية أنها في متابعة لصيقة لمسألة العنف وجميع السلوكيات المحفوفة بالمخاطر التي تتهدد الوسط التربوي بكل أطرافه كما تؤثر سلبا على صورة ورسالة التربية والتعليم بشكل عام.
وتفيد مصادر الوزارة أنه يتم يوميا رصد حالات العنف عبر تطبيقة رقمية «مرصد عنف» والتي ترصد كل السلوكيات المحفوفة بالمخاطر بما فيها حالات العنف المسجلة ومتابعة الإجراءات التي يتم اتخاذها في كل وضعية عنف.
وقد وضعت وزارة التربية مؤخرا إستراتيجية وطنية للتصدي لظاهرة العنف والسلوكات المحفوفة بالمخاطر تحت إشراف رئاسة الجمهورية وبالشراكة مع فاعلين اجتماعيين من وزارات ومن منظمات المجتمع المدني.
وتم من خلال هذه الإستراتيجية ضبط «آليات وقائية على غرار الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية بالمؤسسات التربوية بالإضافة إلى التنسيق مع وزارة الصحة على مستوى الأخصائيين النفسانيين في المدارس وإدارة الطب المدرسي والجامعي من أجل مرافقة التلاميذ والعمل على وقايتهم وتحسين صحتهم العقلية والذهنية».
تجدر الإشارة أيضا إلى أن جمعيات تونسية بالشراكة مع وزارة التربية أطلقت مؤخرا «حملة وطنية لمقاومة العنف والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر، تحت شعار «تونس أمانة بين أيدينا»، لمكافحة الآفات الاجتماعية التي تهدد الشباب واستعادة التماسك الأسري والمجتمعي».
ويقول القائمون على هذه الحملة الوطنية لمقاومة العنف والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر، إن الهدف هو «خلق بدائل ثقافية وفنية ورياضية للأطفال والشباب، بالإضافة إلى القيام بحملة عروض فنية تستثمر عائداتها لفائدة معالجة الإدمان وتشجيع الشباب على العودة للطريق السليم إلى جانب العمل على إنشاء نواد ثقافية ورياضية واكتشاف المواهب بالإضافة إلى تنظيم لقاءات مع الأساتذة والأولياء، في إطار أنشطة تحسيسية في جميع المدارس والمعاهد بكامل تراب الجمهورية».