إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في كتابه الجديد "التراث المشترك.. من أجل صحوة ثقافية".. "الوصايا العشر" للباحث نبيل قلالة لحماية تراث البلاد

 

- بعث وزارة خاصة بالتراث أو كتابة دولة للتراث من الحلول المقترحة

- دمج المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث في ديوان يتبع وزارة الثقافة أو السياحة أو رئاسة الحكومة قد يكون حلاً مناسبًا أيضًا

- محمد حسين فنطر في تصديره للكتاب: المؤلف قام بتشخيص جيد وتقدم بمقترحات قادرة على تقديم العلاج اللازم

- التأكيد على دور المواطن في حفظ تاريخ بلاده وتراثها

- مراجعة مجلة التراث ضرورية وتحيين كل النصوص

الوصايا العشر، هكذا وصف المؤرخ المعروف محمد حسين فنطر النصوص الواردة في الكتاب الجديد الصادر باللغة الفرنسية، DU PATRIMOINE PARTAGÉ Pour un éveil culturel لصاحبه الباحث وعالم الآثار والمدير العام السابق لمعهد تونس للتراث، نبيل قلالة. الكتاب الصادر هذه الأيام والذي يمكن ترجمة عنوانه كالآتي: «التراث المشترك.. من أجل صحوة ثقافية»، يتضمن عشرة نصوص (10) لم يتم نشرها سابقًا وهي أغلبها مداخلات كان قد ألقاها الأستاذ نبيل قلالة فيما بين 2012 و2019 في تظاهرات وطنية ودولية حول قضايا التراث. ولأجل ذلك أطلق عليها الأستاذ حسين فنطر، الذي ألف تصدير الكتاب، «الوصايا العشر». وقد حيّا المؤرخ جهود زميله الذي قال إنه قدم في كتابه هذا تشخيصًا دقيقًا لوضع التراث في تونس وأنه عدد بطريقة ناجعة الإشكاليات والقضايا وتقدم بمقترحات اعتبر أنها قادرة على معالجة الوضع بنجاعة تامة.

والمطلع على مسيرة الأستاذ نبيل قلالة الطويلة التي جمع فيها بين العمل الميداني والأكاديمي (أستاذ جامعي ومشرف على البحوث) واشتغل كثيرًا على الميدان وبعدد من المواقع الأثرية داخل البلاد، كما أنه تقلد منصب المدير العام للمعهد الوطني للتراث ومثّل بلادنا لسنوات طويلة في لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو (المنظمة الأممية للتربية والثقافة والعلم) يفهم أسباب كل هذه الإحاطة التي لديه بواقع التراث في بلادنا. كما أنه تقريبًا ملمّ بكل الإشكاليات والصعوبات التي تواجهها تونس من أجل جرد تراثها وحفظه وتثمينه واستغلاله في الدورة الاقتصادية.

والمهم في هذا الكتاب، كما هي عادة الأستاذ نبيل قلالة الذي لديه في رصيده مجموعة هامة من المؤلفات خاصة حول التاريخ القديم لتونس وأساسًا حول الفترة النوميدية (السكان الأصليين لتونس)، أنه لا يكتفي بتشخيص الوضع وإنما يحاول أن يقدم الأسباب والمسببات ويسعى كذلك لتقديم اقتراحات عملية.

ولعل أهم عنصر في هذا المؤلف الجديد من منظورنا هو التأكيد على ثراء التراث التونسي وغزارته، الأمر الذي يجعلنا من بين أبرز البلدان المتوسطية التي لديها تراثًا ضخمًا وثريًا ومتنوعًا يؤكد على أن بلادنا كانت دائمًا أرضًا لتلاقح الحضارات.

هذا التراث الضخم والثري، الموجود في الزوايا الأربع للبلاد وفق الأستاذ نبيل قلالة والموجود في الأرض وفي البحر كذلك، بقدر ما هو عنصر قوة وشاهد على عراقة تاريخنا وتجذر تونس في الحضارة، بقدر ما يطرح إشكاليات تتعلق بحفظه وتثمينه. فهو يتطلب إمكانيات بشرية ومادية هائلة، ليست متوفرة دائمًا، كما أن الهياكل المكلفة بالسهر على حمايته وحفظه وتثمينه غالبًا ما تعجز عن الاضطلاع بمهامها بالشكل المطلوب لأسباب مادية ولوجستية وأيضًا لأسباب هيكلية.

فالمعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية وأيضًا الإدارة العامة للتراث بوزارة الشؤون الثقافية هي الهياكل الثلاث الرئيسية التي تشرف على القطاع، لكن رغم كل الجهود التي تقوم بها يبقى عملها منقوصًا لعدة أسباب موضوعية، من بينها كما ذكرنا الإمكانيات المادية والإمكانيات البشرية بالخصوص فيما يتعلق بالمعهد الوطني للتراث الذي يبقى عدد الباحثين والتقنيين وحتى العمال فيه قليلاً مقارنة بحجم العمل المطلوب. هناك أيضًا مشكلة التداخل بين الصلاحيات بين هذه الهياكل، إذ لا توجد وفق المؤلف حدود واضحة بين صلاحيات كل مؤسسة، والنتيجة هي تعطيل العمل وغياب النجاعة المطلوبة وإضاعة الوقت وهدر الطاقات.

أسباب كثيرة عدّدها الأستاذ نبيل قلالة تعتبر من وجهة نظره وانطلاقًا من معرفته بالمجال وخبرته الطويلة وعمله الميداني والأكاديمي، وراء عدم تحقيق القطاع لنقلة نوعية وهي تحول دون استثمار الكنز الذي حظيت به بلادنا والمتمثل في تراثنا الضخم الثري والمتنوع بالشكل الذي يجعله فعلاً قادرًا على الاندماج في الدورة الاقتصادية وعلى الانخراط بفاعلية في عملية التنمية وخلق الثروة. ومن بين هذه الأسباب أنك تجد مواقع ومعالم أثرية وتاريخية في الآن نفسه تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية ووزارات أخرى. فالمعالم الدينية مثلًا هي تحت إشراف وزارات الشؤون الثقافية والدينية والتجهيز وأملاك الدولة. صلاحيات البلديات أيضًا غير واضحة فيما يتعلق بمادة التراث، وأيضًا صلاحيات بعض الوكالات مثل وكالة حماية المحيط وتهيئة الأراضي والوكالة العقارية السياحية. وبخصوص التراث اللامادي، هناك تداخل بين صلاحيات وزارة الشؤون الثقافية ووزارة السياحة.

السؤال إذن، وفي ظل هذا التداخل في الصلاحيات وقلة الإمكانيات المادية والبشرية الموضوعة على ذمة الهياكل المشرفة بشكل مباشر على القطاع وعلى رأسها المعهد الوطني للتراث، هل هناك حلول؟

يقول الأستاذ نبيل قلالة إن الحلول ممكنة وإن أي حل يساعد على تثمين تراثنا وجعله يتبوأ المكانة التي يستحقها في بلاد تزخر بالمواقع (40 ألف موقع تقريبًا) إضافة إلى التراث اللامادي، مرحب به. أما فيما يخصه هو، فهو يعتبر أنه لابد من القيام بعمل كبير على مستويين أساسيين: أولًا، لا بد من تحيين كل النصوص المتعلقة بالتراث وخاصة منها مجلة التراث التي أُحدثت في 1994 وتم إعداد مشروع لتنقيحها منذ 2010 وهي اليوم بصيغتها القديمة لا يمكنها أن تنسجم مع الطرق الجديدة للتصرف في التراث وحفظه وتثمينه. ثانيًا، إعادة هيكلة المؤسسات المشرفة على مسألة التراث. وهو يقترح في هذا المجال إما إحداث وزارة للتراث والممتلكات الثقافية أو إحداث كتابة دولة للتراث (بوزارة الثقافة) ويوضع المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية تحت إشرافها أو إحداث ديوان تابع لوزارة الثقافة أو وزارة السياحة أو حتى يكون تابعًا لرئاسة الحكومة على غرار بيت الحكمة مثلًا، ويجمع الهيكلين المذكورين، والهدف من ذلك التخلص من كل المعوقات التي تعطل عمل هذه المؤسسات بهيكلها الحالي.

لكن هل يكفي أن نراجع النصوص القانونية وأن نعيد هيكلة المؤسسات الثقافية المشرفة على قطاع التراث حتى نتخلص من كل المشاكل التي تعيق عملية الإقلاع؟

الإجابة تأتي بالنفي، إذ يعتقد ويصر الباحث نبيل قلالة على أنه لا شيء يمكن أن يتحقق فقط بالنصوص القانونية وبإعادة الهيكلة المؤسساتية. فالقانون في ظل وجود مجتمع غير واعٍ بقيمة الكنوز الأثرية والتاريخية للبلاد لن يوقف الاعتداءات على التراث والسطو عليه ولن يوقف عملية التجاهل لتراثنا. فالنصوص القانونية يجب أن تنبع من بيئة تؤمن بأن التراث هو ملك الوطن وبما أنه ملك للوطن فهو ملك للجميع وأن من واجب الجميع أن يعملوا على حمايته وصيانته. ويعتقد الأستاذ نبيل قلالة أن المجتمع المدني لديه الكثير ليقوم به من أجل تثمين تراثنا وتطويره، وهو يرى أن أي عملية إصلاح تشريعية لقطاع التراث يجب أن تتم بعد استشارة واسعة مع مكونات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات المختصة في صيانة المدن وصيانة التراث عمومًا.

المؤلف يشدد كذلك على أنه لا شيء يمكن أن ينجح بدون عملية تحسيس قوية بأهمية التراث، ذلك المشترك بيننا والذي يعتبر جزءًا هامًا من هويتنا. العمل بالنسبة له ينطلق منذ الصغر وفي المدرسة تحديدًا، مع العلم أن الكاتب له نظرة ناقدة لتعليم مادة التاريخ وخاصة التاريخ القديم والآثار في الجامعة التونسية. فهو بالنسبة له غير منسجم مع حجم تاريخنا العريق. وهو يرى أن هناك تقصيرًا في الإحاطة بتاريخنا بالكامل الذي يتجاوز الثلاثة آلاف سنة بكثير بل هو بالأحرى يعود إلى عشرات الآلاف من السنين.

هو أيضًا يعتبر أن لدينا تقصيرًا كبيرًا في باب التعريف بتاريخنا النوميدي وسكان تونس الأصليين، ويكاد يراهن على أن المواطنين التونسيين بما في ذلك من النخبة لا يعرفون الشيء الكثير عن هذا التاريخ، وهم بخلاف يوغرطة وماسينيسا مثلًا لا يمكنهم أن يجيبوا عن شيء حول تاريخنا النوميدي.

وقد لا يفوتنا التنويه بتلك الحماسة التي يتحدث بها الباحث نبيل قلالة عن تاريخنا وتراثنا المشترك، ذلك الذي يلتقي حوله التونسيون ومنه يستمدون قيمتهم وبه يعرفون أنفسهم، وعن طريقه يدرك العالم مدى تجذرهم في التاريخ والحضارة. أصلاً لقد اختار عنوان الكتاب الجديد بناءً على ذلك وعنون الكتاب الذي وشحه بالكثير من الصور لمعالم أثرية وتاريخية ومواقع دينية قديمة وحديثة من مختلف جهات البلاد، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، بـ «التراث المشترك»، مشددًا على أنه في كل ركن وفي كل زاوية في أرضنا هناك إرث تاريخي وتراث هام يجمعنا، دون أن ننسى ما هو مطمور في المياه وموجود في البحر ودون أن ننسى التراث اللامادي الكبير.

وهو إذ يشخص الوضع ويحاول استقراء الأسباب والمسببات ويتقدم بمقترحات لحل الإشكاليات، فإنه يضع بين يدي القارئ كتابًا أبيض حول التراث.

حياة السايب

في كتابه الجديد "التراث المشترك.. من أجل صحوة ثقافية"..   "الوصايا العشر" للباحث نبيل قلالة لحماية تراث البلاد

 

- بعث وزارة خاصة بالتراث أو كتابة دولة للتراث من الحلول المقترحة

- دمج المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث في ديوان يتبع وزارة الثقافة أو السياحة أو رئاسة الحكومة قد يكون حلاً مناسبًا أيضًا

- محمد حسين فنطر في تصديره للكتاب: المؤلف قام بتشخيص جيد وتقدم بمقترحات قادرة على تقديم العلاج اللازم

- التأكيد على دور المواطن في حفظ تاريخ بلاده وتراثها

- مراجعة مجلة التراث ضرورية وتحيين كل النصوص

الوصايا العشر، هكذا وصف المؤرخ المعروف محمد حسين فنطر النصوص الواردة في الكتاب الجديد الصادر باللغة الفرنسية، DU PATRIMOINE PARTAGÉ Pour un éveil culturel لصاحبه الباحث وعالم الآثار والمدير العام السابق لمعهد تونس للتراث، نبيل قلالة. الكتاب الصادر هذه الأيام والذي يمكن ترجمة عنوانه كالآتي: «التراث المشترك.. من أجل صحوة ثقافية»، يتضمن عشرة نصوص (10) لم يتم نشرها سابقًا وهي أغلبها مداخلات كان قد ألقاها الأستاذ نبيل قلالة فيما بين 2012 و2019 في تظاهرات وطنية ودولية حول قضايا التراث. ولأجل ذلك أطلق عليها الأستاذ حسين فنطر، الذي ألف تصدير الكتاب، «الوصايا العشر». وقد حيّا المؤرخ جهود زميله الذي قال إنه قدم في كتابه هذا تشخيصًا دقيقًا لوضع التراث في تونس وأنه عدد بطريقة ناجعة الإشكاليات والقضايا وتقدم بمقترحات اعتبر أنها قادرة على معالجة الوضع بنجاعة تامة.

والمطلع على مسيرة الأستاذ نبيل قلالة الطويلة التي جمع فيها بين العمل الميداني والأكاديمي (أستاذ جامعي ومشرف على البحوث) واشتغل كثيرًا على الميدان وبعدد من المواقع الأثرية داخل البلاد، كما أنه تقلد منصب المدير العام للمعهد الوطني للتراث ومثّل بلادنا لسنوات طويلة في لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو (المنظمة الأممية للتربية والثقافة والعلم) يفهم أسباب كل هذه الإحاطة التي لديه بواقع التراث في بلادنا. كما أنه تقريبًا ملمّ بكل الإشكاليات والصعوبات التي تواجهها تونس من أجل جرد تراثها وحفظه وتثمينه واستغلاله في الدورة الاقتصادية.

والمهم في هذا الكتاب، كما هي عادة الأستاذ نبيل قلالة الذي لديه في رصيده مجموعة هامة من المؤلفات خاصة حول التاريخ القديم لتونس وأساسًا حول الفترة النوميدية (السكان الأصليين لتونس)، أنه لا يكتفي بتشخيص الوضع وإنما يحاول أن يقدم الأسباب والمسببات ويسعى كذلك لتقديم اقتراحات عملية.

ولعل أهم عنصر في هذا المؤلف الجديد من منظورنا هو التأكيد على ثراء التراث التونسي وغزارته، الأمر الذي يجعلنا من بين أبرز البلدان المتوسطية التي لديها تراثًا ضخمًا وثريًا ومتنوعًا يؤكد على أن بلادنا كانت دائمًا أرضًا لتلاقح الحضارات.

هذا التراث الضخم والثري، الموجود في الزوايا الأربع للبلاد وفق الأستاذ نبيل قلالة والموجود في الأرض وفي البحر كذلك، بقدر ما هو عنصر قوة وشاهد على عراقة تاريخنا وتجذر تونس في الحضارة، بقدر ما يطرح إشكاليات تتعلق بحفظه وتثمينه. فهو يتطلب إمكانيات بشرية ومادية هائلة، ليست متوفرة دائمًا، كما أن الهياكل المكلفة بالسهر على حمايته وحفظه وتثمينه غالبًا ما تعجز عن الاضطلاع بمهامها بالشكل المطلوب لأسباب مادية ولوجستية وأيضًا لأسباب هيكلية.

فالمعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية وأيضًا الإدارة العامة للتراث بوزارة الشؤون الثقافية هي الهياكل الثلاث الرئيسية التي تشرف على القطاع، لكن رغم كل الجهود التي تقوم بها يبقى عملها منقوصًا لعدة أسباب موضوعية، من بينها كما ذكرنا الإمكانيات المادية والإمكانيات البشرية بالخصوص فيما يتعلق بالمعهد الوطني للتراث الذي يبقى عدد الباحثين والتقنيين وحتى العمال فيه قليلاً مقارنة بحجم العمل المطلوب. هناك أيضًا مشكلة التداخل بين الصلاحيات بين هذه الهياكل، إذ لا توجد وفق المؤلف حدود واضحة بين صلاحيات كل مؤسسة، والنتيجة هي تعطيل العمل وغياب النجاعة المطلوبة وإضاعة الوقت وهدر الطاقات.

أسباب كثيرة عدّدها الأستاذ نبيل قلالة تعتبر من وجهة نظره وانطلاقًا من معرفته بالمجال وخبرته الطويلة وعمله الميداني والأكاديمي، وراء عدم تحقيق القطاع لنقلة نوعية وهي تحول دون استثمار الكنز الذي حظيت به بلادنا والمتمثل في تراثنا الضخم الثري والمتنوع بالشكل الذي يجعله فعلاً قادرًا على الاندماج في الدورة الاقتصادية وعلى الانخراط بفاعلية في عملية التنمية وخلق الثروة. ومن بين هذه الأسباب أنك تجد مواقع ومعالم أثرية وتاريخية في الآن نفسه تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية ووزارات أخرى. فالمعالم الدينية مثلًا هي تحت إشراف وزارات الشؤون الثقافية والدينية والتجهيز وأملاك الدولة. صلاحيات البلديات أيضًا غير واضحة فيما يتعلق بمادة التراث، وأيضًا صلاحيات بعض الوكالات مثل وكالة حماية المحيط وتهيئة الأراضي والوكالة العقارية السياحية. وبخصوص التراث اللامادي، هناك تداخل بين صلاحيات وزارة الشؤون الثقافية ووزارة السياحة.

السؤال إذن، وفي ظل هذا التداخل في الصلاحيات وقلة الإمكانيات المادية والبشرية الموضوعة على ذمة الهياكل المشرفة بشكل مباشر على القطاع وعلى رأسها المعهد الوطني للتراث، هل هناك حلول؟

يقول الأستاذ نبيل قلالة إن الحلول ممكنة وإن أي حل يساعد على تثمين تراثنا وجعله يتبوأ المكانة التي يستحقها في بلاد تزخر بالمواقع (40 ألف موقع تقريبًا) إضافة إلى التراث اللامادي، مرحب به. أما فيما يخصه هو، فهو يعتبر أنه لابد من القيام بعمل كبير على مستويين أساسيين: أولًا، لا بد من تحيين كل النصوص المتعلقة بالتراث وخاصة منها مجلة التراث التي أُحدثت في 1994 وتم إعداد مشروع لتنقيحها منذ 2010 وهي اليوم بصيغتها القديمة لا يمكنها أن تنسجم مع الطرق الجديدة للتصرف في التراث وحفظه وتثمينه. ثانيًا، إعادة هيكلة المؤسسات المشرفة على مسألة التراث. وهو يقترح في هذا المجال إما إحداث وزارة للتراث والممتلكات الثقافية أو إحداث كتابة دولة للتراث (بوزارة الثقافة) ويوضع المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية تحت إشرافها أو إحداث ديوان تابع لوزارة الثقافة أو وزارة السياحة أو حتى يكون تابعًا لرئاسة الحكومة على غرار بيت الحكمة مثلًا، ويجمع الهيكلين المذكورين، والهدف من ذلك التخلص من كل المعوقات التي تعطل عمل هذه المؤسسات بهيكلها الحالي.

لكن هل يكفي أن نراجع النصوص القانونية وأن نعيد هيكلة المؤسسات الثقافية المشرفة على قطاع التراث حتى نتخلص من كل المشاكل التي تعيق عملية الإقلاع؟

الإجابة تأتي بالنفي، إذ يعتقد ويصر الباحث نبيل قلالة على أنه لا شيء يمكن أن يتحقق فقط بالنصوص القانونية وبإعادة الهيكلة المؤسساتية. فالقانون في ظل وجود مجتمع غير واعٍ بقيمة الكنوز الأثرية والتاريخية للبلاد لن يوقف الاعتداءات على التراث والسطو عليه ولن يوقف عملية التجاهل لتراثنا. فالنصوص القانونية يجب أن تنبع من بيئة تؤمن بأن التراث هو ملك الوطن وبما أنه ملك للوطن فهو ملك للجميع وأن من واجب الجميع أن يعملوا على حمايته وصيانته. ويعتقد الأستاذ نبيل قلالة أن المجتمع المدني لديه الكثير ليقوم به من أجل تثمين تراثنا وتطويره، وهو يرى أن أي عملية إصلاح تشريعية لقطاع التراث يجب أن تتم بعد استشارة واسعة مع مكونات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات المختصة في صيانة المدن وصيانة التراث عمومًا.

المؤلف يشدد كذلك على أنه لا شيء يمكن أن ينجح بدون عملية تحسيس قوية بأهمية التراث، ذلك المشترك بيننا والذي يعتبر جزءًا هامًا من هويتنا. العمل بالنسبة له ينطلق منذ الصغر وفي المدرسة تحديدًا، مع العلم أن الكاتب له نظرة ناقدة لتعليم مادة التاريخ وخاصة التاريخ القديم والآثار في الجامعة التونسية. فهو بالنسبة له غير منسجم مع حجم تاريخنا العريق. وهو يرى أن هناك تقصيرًا في الإحاطة بتاريخنا بالكامل الذي يتجاوز الثلاثة آلاف سنة بكثير بل هو بالأحرى يعود إلى عشرات الآلاف من السنين.

هو أيضًا يعتبر أن لدينا تقصيرًا كبيرًا في باب التعريف بتاريخنا النوميدي وسكان تونس الأصليين، ويكاد يراهن على أن المواطنين التونسيين بما في ذلك من النخبة لا يعرفون الشيء الكثير عن هذا التاريخ، وهم بخلاف يوغرطة وماسينيسا مثلًا لا يمكنهم أن يجيبوا عن شيء حول تاريخنا النوميدي.

وقد لا يفوتنا التنويه بتلك الحماسة التي يتحدث بها الباحث نبيل قلالة عن تاريخنا وتراثنا المشترك، ذلك الذي يلتقي حوله التونسيون ومنه يستمدون قيمتهم وبه يعرفون أنفسهم، وعن طريقه يدرك العالم مدى تجذرهم في التاريخ والحضارة. أصلاً لقد اختار عنوان الكتاب الجديد بناءً على ذلك وعنون الكتاب الذي وشحه بالكثير من الصور لمعالم أثرية وتاريخية ومواقع دينية قديمة وحديثة من مختلف جهات البلاد، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، بـ «التراث المشترك»، مشددًا على أنه في كل ركن وفي كل زاوية في أرضنا هناك إرث تاريخي وتراث هام يجمعنا، دون أن ننسى ما هو مطمور في المياه وموجود في البحر ودون أن ننسى التراث اللامادي الكبير.

وهو إذ يشخص الوضع ويحاول استقراء الأسباب والمسببات ويتقدم بمقترحات لحل الإشكاليات، فإنه يضع بين يدي القارئ كتابًا أبيض حول التراث.

حياة السايب