إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد سنتين من جلسته الافتتاحية.. البرلمان صادق على 70 مشروع قانون

مرت أمس سنتان على تاريخ الجلسة العامة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب التي ترأسها صالح المباركي أكبر النواب سنا، وقد أشار المباركي يومها في كلمته الافتتاحية إلى ضرورة وعي النواب بأنهم يعيشون لحظة مفصلية فارقة في تاريخ البلاد وهو ما يحفزهم على القيام بدورهم من منطلق الحرص على المصلحة العليا للوطن بعيدا عن أي صراعات أو تجاذبات مرتبطة بمصالح ذاتية أو فئوية ضيقة بالنظر إلى ما تعيشه البلاد من تحديات اقتصادية واجتماعية فرضتها عوامل داخلية وخارجية متعددة، وأكد رئيس الجلسة الافتتاحية يومها أنه من أوكد واجبات نواب الشعب العمل صلب المؤسسة التشريعية في كنف التشاركية والانسجام مع مكونات الوظيفة التنفيذية من منطلق الإيمان بوحدة الدولة. أما إبراهيم بودربالة فأشار مباشرة إثر انتخابه رئيسا لمجلس نواب الشعب بعد فوزه على منافسيه النواب هشام حسني ويسري البواب وماهر الكتاري وشفيق زعفوري وفوزي الدعاس وبدر الدين القمودي وعبد السلام الدحماني، إلى أنه انطلاقا من تلك اللحظة فإنهم في المجلس سيكونون كتلة واحدة اليد في اليد لرفع التحدي وهو إرضاء الشعب التونسي وأكد على التزام المجلس بالعمل على إشاعة الطمأنينة بين الجميع سواء مواطنين تونسيين أو أجانب يعيشون في تونس بصورة قانونية وأشار إلى أن العمل مع مؤسسات الدولة في مقدمتها رئاسة الجمهورية والحكومة سيكون من أجل بناء تونس الغد التي يطمح كل تونسي أن تكون محل استقرار وأن تستعيد مكانتها في مصاف الدول الشقيقة والصديقة..

 ومنذ الجلسة الافتتاحية المنعقدة يوم 13 مارس 2023 إلى غاية أمس، تولى مجلس نواب الشعب المصادقة على 70 مشروع قانون من بينها 28 مشروع قانون تتعلق بقروض، ومرر المجلس مبادرتين تشريعيتين فقط من إعداد نوابه تعلقت الأولى بالمسؤولية الطبية وحقوق المنتفعين بالخدمات الصحية، أما المبادرة الثانية فقد تمت المصادقة عليها في دورة استثنائية تزامنت مع الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 2024 وتعلقت بتنقيح القانون الانتخابي. واستنادا إلى معطيات منشورة بالمجلة الدورية الصادرة عن المجلس كان المجلس النيابي خلال السنة الأولى وتحديدا خلال الفترة الممتدة بين 13 مارس 2023 و13 مارس 2024 قد صادق على 36 مشروع قانون تتوزع على النحو التالي:11 مشروع قانون جديد وتنقيحات لقوانين قديمة و10 مشاريع قوانين تتعلق باتفاقيات قروض و8 مشاريع قوانين تتعلق بالانضمام إلى اتفاقيات وبروتوكولات دولية و6 مشاريع قوانين تتعلق بميزانية الدولة وقانون المالية وغلق الميزانيات ومشروع قانون يتعلق برخصة استغلال محروقات.  

 واليوم بعد مرور سنتين عن أدائهم اليمين خلال الجلسة العامة الافتتاحية لمجلسهم، مازال نواب الشعب ينتظرون «الثورة على التشريعات البالية» التي وعد بها الكثير منهم ناخبيهم خلال الحملة، ومازالوا يترقبون على أحر من الجمر قدوم مشاريع القوانين التي طالبت بها كتلتهم منذ بداية العهدة النيابية، ثم تم التذكير بها لاحقا في بيان مشترك صدر يوم غرة سبتمبر2023 عن كتل الخط الوطني السيادي وصوت الجمهورية والأمانة والعمل والأحرار والوطنية المستقلة ولينتصر الشعب، حيث دعت هذه الكتل الحكومة إلى «ضرورة التسريع في مراجعة جملة القوانين المعطلة لأهداف مسار 25 جويلية لاسيما مجلة الاستثمار ومجلة المياه وقانون المنافسة وقانون الصرف».

وفي 17 نوفمبر 2023 وتحديدا بمناسبة انطلاق المداولات حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 تساءل العديد من النواب عن موعد تقديم النصوص التشريعية التي ينتظرونها بفارغ الصبر وأشار أحمد الحشاني رئيس الحكومة آنذاك إلى استكمال التشاور حول مشروع مجلة الصرف وحول مراجعة القانون المنظم للمساهمات والمنشآت العمومية واستكمال التشاور حول مراجعة الفصل96 من المجلة الجزائية ولكن هذه النصوص لم ترد إلى حد الآن على المجلس النيابي.

وبمناسبة انطلاق مداولات مجلس نواب الشعب حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 تحدث رئيس الحكومة الحالي كمال المدّوري بدوره عن مجلة الاستثمار وقانون الصرف وقال في البيان الذي ألقاه يوم 8 نوفمبر2024 أمام مجلس نواب الشعب إن الدولة ستعمل على مراجعة المنظومة التشريعية للاستثمار واستقطاب الباعثين في الأنشطة الواعدة والمجالات الإستراتجية وذلك ضمن نص قانوني جامع موحد وأفقي، إلى جانب ما سيتضمنه تنقيح مجلة الصرف من امتيازات تفتح آفاقا واعدة لتحرير الطاقات خاصة الشبابية منها، ورغم مرور أكثر من أربعة أشهر عن تلك الجلسة لم تقع إحالة المشروعين بعد على المجلس النيابي. 

ويذكر أنه طيلة السنتين المنقضيتين، لا تكاد تمر جلسة عامة أو يوم دراسي بالأكاديمية البرلمانية دون أن ينتهز النواب فرصة حضور أي عضو من أعضاء الحكومة لتذكير الوظيفة التنفيذية بأنها مدعوة إلى مراجعة ترسانة التشريعات التي تتعارض مع أحكام دستور 2022 وللتأكيد على أن تونس في حاجة إلى ثورة تشريعية.

وحتى رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه فقد أشار في خطابه الذي ألقاه بمناسبة أداء اليمين الدستورية يوم 21 أكتوبر 2024 أمام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم إلى أنه أكد في أكثر من مناسبة على ضرورة الانطلاق بسرعة في ثورة تشريعية تجسم على أرض الواقع آمال الشعب التونسي.

وفي نفس السياق، جدد رئيس المجلس إبراهيم بودربالة أول أمس في كلمة ألقاها خلال الجلسة العامة المنعقدة بقصر باردو بمناسبة مرور سنتين عن انطلاق العهدة النيابية، التأكيد على أنّ المجلس على أتمّ الاستعداد للقيام بما تتطلبه ثورة تشريعية حقيقية بفكر جديد ومغاير، وحسب تعبيره، ثورة تشريعية تقطع مع ما كان سائدا وتضع في أولوياتها المشاريع التي تعمل على تنزيل فلسفة الدستور الجديد، وتلك التي من شأنها تحسين الأوضاع المعيشيّة للتونسيات والتونسيين في جميع ربوع البلاد.

ولم يخف العديد من النواب انزعاجهم الكبير من التأخير في إحالة مشاريع القوانين التي يعتقدون أنها يجب أن تحقق ثورة تشريعية غير مسبوقة في تونس، وهناك نواب توجهوا في إطار دورهم الرقابي بأسئلة كتابية وشفاهية إلى عدد من أعضاء الحكومة لاستفسارهم عن مدى التقدم في إعداد تلك المشاريع ولاستحثاث الحكومة على استكمالها في أقرب الآجال حتى تتضح الرؤية أمامهم. وبادر جل النواب طيلة السنتين المنقضيتين بتقديم مقترحات قوانين تتعلق بمختلف المجالات ومن بينها الاستثمار، لكن تبين للجان أثناء دراسة العديد منها أن الحكومة بصدد الاشتغال على مشاريع قوانين مماثلة ومازالت هذه اللجان تنتظر ورود  تلك المشاريع.

الحصيلة

وفي حديثه عن حصيلة عمل المجلس النيابي قال رئيس المجلس إبراهيم بودربالة أول أمس إن:»المتابع لمسيرة المجلس يدرك أنّ المنجز التشريعي والرقابي وعمله على صعيد الدبلوماسية البرلمانية كان ثريا وهاما وجب تثمينه والعمل على تطويره، والأهمّ من ذلك أنّه تمّ في إطار الاحترام الكامل للمقتضيات الدستورية والقانونية، ويتجلى هذا النجاح، على وجه الخصوص، في أوّل عمل مشترك مع المجلس الوطني للجهات والأقاليم».

وأضاف أن مجلس نواب الشعب توصل إلى المصادقة على سبعين مشروع قانون تعلقت بمجالات متنوّعة وهامة من أبرزها قوانين للمالية وقوانين لتمويل مشاريع استثمارية وأخرى تهم مجالات اجتماعية وصحية ومشاريع قوانين لتنظيم مجال البنايات المتداعية للسقوط ولمكافحة المنشطات ومبادرة تشريعية تتعلق بالمسؤولية الطبية وقانون لتنقيح المجلة التجارية وقانون لتنقيح القانون الانتخابي وكلّ من المرسوم المتعلّق بالصلح الجزائي والمرسوم المتعلّق بـ»مؤسسة فداء» وذكر أن آخر القوانين التي تم تمريرها القانون الأساسي المتعلّق بالمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم.

تقييم الأداء

وأشار رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة إلى أن هذا المنجز لا يحجب عن المجلس النيابي الحاجة الملحة لتقييم أعماله، وأقر بوجود نقائص وعوائق تتطلب حسب قوله التشخيص والوقوف على مسبباتها في المقام الأوّل بالقدر الذي يتطلبه استشراف الحلول وسبل التطوير والتجويد من أجل المضي قدما نحو تحقيق الأهداف التي تحمّل نواب الشعب من أجلها الأمانة.

وبين أنه تقرر تكوين ثلاثة فرق عمل لتقييم أداء مجلس نواب الشعب في المجالين التشريعي والرقابي وفي مجال الدبلوماسية البرلمانية، وأشار إلى أن هذه الفرق باشرت أشغالها من أجل الخروج بمقترحات عملية كفيلة ببلوغ الغايات التي يصبو إليها الجميع لمزيد الارتقاء بالأداء النيابي في جميع أوجهه.

وأضاف أنّ هذا الجهد، كغيره من الأنشطة النيابية الرسمية أو الأنشطة الحوارية والتكوينية والعلمية التي تنتظم في إطار الأكاديمية البرلمانية، متّجه كلّه نحو تحقيق النجاعة المأمولة وبلوغ المردودية المطلوبة.

تجويد التشريعات

وفي انتظار مقترحات الفرق المكلفة بتقييم أعمال مجلس نواب الشعب على المستوى التشريعي والرقابي وعلى مستوى الدبلوماسية البرلمانية يمكن الإشارة إلى أنه قد تم مؤخرا إبرام اتفاقية تفاهم بين المجلس ممثلا في الأكاديمية البرلمانية وبين مركز الدراسات القانونية والقضائية بهدف تجويد النصوص القانونية، وقد تحدث رئيس المجلس يومها مرة أخرى عن الثورة التشريعية، وحسب بلاغ صادر عن المجلس يوم 28 فيفري 2025، أكد بودربالة بالمناسبة على الأهمية التي تكتسيها مذكرة التفاهم ودورها في إرساء تعاون متين بين مجلس نواب الشعب ومركز الدراسات القانونية والقضائية في إطار شراكة إستراتيجية ترمي بالخصوص إلى تطوير القدرات وتبادل الخبرات والتجارب، مع دعم انفتاح مجلس نواب الشعب على محيطه الخارجي. وعبر عن أمله في أن يحقّق هذا التعاون الأهداف المنتظرة خاصة من حيث تنمية قدرات النواب وإطارات المجلس في المجالات القانونية، وكذلك دعم المؤسستين من حيث التكوين والتدريب الميداني والبحوث والاستشارات والدراسات في المجالات القانونية. كما أكد على الأهمية التي يوليها مجلس نواب الشعب لمزيد تجويد العمل التشريعي وتطويره وحرصه الدائم على صياغة تشريعات تتماشى مع متطلبات المرحلة وتستجيب لحاجيات المواطن وتطلعاته في سياق تجسيم  الثورة التشريعية المأمولة، حسب تعبيره.

حق النفاذ إلى المعلومة

قبل تقييم أعمال مجلس نواب الشعب، كانت بعض اللجان التشريعية قد دعت إلى العدول عن قرار مكتب المجلس القاضي بتنظيم جلسات اللجان دون حضور ممثلي وسائل الإعلام، إذ أدرك جل النواب أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام في إيصال المعلومة للمواطن وتكريس حق النفاذ للمعلومة.

وليس هذا فقط بل تولى رؤساء بعض اللجان مؤخرا التعبير بشكل واضح عن حالة التململ الموجودة صلب اللجان، حيث تم بتاريخ 27 فيفري 2025 نشر بيان مشترك بين رؤساء بعض اللجان للتعبير عن رفضهم قرار دمج اللجان وصنصرة البلاغات الصادرة عنها دون إذنها، مؤكدين أن البلاغات الصحفية المنشورة على موقع المجلس وصفحته الرسمية لا تلزم اللجان بل تلزم رئيس المجلس وبعض الإداريين معه، كما دعوا إلى الكفّ عن منع دخول الصحفيين إلى اللجان لمواكبة أشغالها، وطالبوا رئيس المجلس بالالتزام بالنظام الداخلي خاصة في فصله 60 والذي ينصّ على تغطية أعمال اللّجان من قبل ممثلي وسائل الإعلام مما يضمن الشفافية على أعمالها ويمكن الشعب من الإطلاع على دور من ينوبه.

وللتذكر فقد نص الفصل 60 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب على أن جلسات اللجان علنية، وللجنة أن تقرر سريةّ جلستها بأغلبية أعضائها، وتضمن النظام الداخلي بابا كاملا  نظم العلاقة مع الإعلام والمواطنين والمجتمع المدني وهو الباب التاسع حيث نص الفصل 140 على أن يعمل مجلس نواب الشعب في تعاون وشراكة إستراتيجية مع الإعلام لنقل المعلومة البرلمانية للمواطن ومختلف متابعي الشأن البرلماني بما يضمن الحق في الإعلام وفي النفاذ إلى المعلومة. ويضبط مكتب المجلس التراتيب والإجراءات التي تضمن حسن قبول المواطنين وممثلي المجتمع المدني والضيوف وتُسهّل عمل الصحافة والإعلام. وحسب الفصل 141 تُواكب المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة والأجنبية المرخص لها من طرف الدولة، وفق الإجراءات والتراتيب التي يضبطها مكتب مجلس نواب الشعب، كافة أشغال المجلس متى طلبت ذلك وبعد حصولها على بطاقة اعتماد للغرض. كما يُواكب ممثلو المجتمع المدني أشغال اللجان والجلسة العامة وذلك طبقا للشروط التي يضبطها مكتب المجلس في حين نص الفصل 142 من النظام الداخلي للمجلس على أن تُخصّص فضاءات للنقاط الإعلامية والتصوير والحوارات مع أعضاء مجلس نواب الشعب. ويلتزم في التغطية الإعلامية لأشغال المجلس عدم انتهاك خصوصيات النواب داخل فضاءات المجلس. وجاء في الفصل الموالي أن اللجان تعمل في إطار نظرها في مقترحات ومشاريع القوانين المعروضة عليها وفق مبادئ وآليات الديمقراطية التشاركية عبر إطلاق استشارت مواطنية خاصة في المسائل الجوهرية التي تُحدد خيارات إستراتيجية. ويتمّ تنظيم إعمال هذه الآلية الاستشارية عبر منظومة إلكترونية تُدار قواعد بياناتها طبق ضوابط الشفافية والأمان وحماية المعطيات الشخصية وتضبط إجراءاتها وتنظيمها بقرار من مكتب المجلس.

سعيدة بوهلال

 

بعد سنتين من جلسته الافتتاحية..  البرلمان صادق على 70 مشروع قانون

مرت أمس سنتان على تاريخ الجلسة العامة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب التي ترأسها صالح المباركي أكبر النواب سنا، وقد أشار المباركي يومها في كلمته الافتتاحية إلى ضرورة وعي النواب بأنهم يعيشون لحظة مفصلية فارقة في تاريخ البلاد وهو ما يحفزهم على القيام بدورهم من منطلق الحرص على المصلحة العليا للوطن بعيدا عن أي صراعات أو تجاذبات مرتبطة بمصالح ذاتية أو فئوية ضيقة بالنظر إلى ما تعيشه البلاد من تحديات اقتصادية واجتماعية فرضتها عوامل داخلية وخارجية متعددة، وأكد رئيس الجلسة الافتتاحية يومها أنه من أوكد واجبات نواب الشعب العمل صلب المؤسسة التشريعية في كنف التشاركية والانسجام مع مكونات الوظيفة التنفيذية من منطلق الإيمان بوحدة الدولة. أما إبراهيم بودربالة فأشار مباشرة إثر انتخابه رئيسا لمجلس نواب الشعب بعد فوزه على منافسيه النواب هشام حسني ويسري البواب وماهر الكتاري وشفيق زعفوري وفوزي الدعاس وبدر الدين القمودي وعبد السلام الدحماني، إلى أنه انطلاقا من تلك اللحظة فإنهم في المجلس سيكونون كتلة واحدة اليد في اليد لرفع التحدي وهو إرضاء الشعب التونسي وأكد على التزام المجلس بالعمل على إشاعة الطمأنينة بين الجميع سواء مواطنين تونسيين أو أجانب يعيشون في تونس بصورة قانونية وأشار إلى أن العمل مع مؤسسات الدولة في مقدمتها رئاسة الجمهورية والحكومة سيكون من أجل بناء تونس الغد التي يطمح كل تونسي أن تكون محل استقرار وأن تستعيد مكانتها في مصاف الدول الشقيقة والصديقة..

 ومنذ الجلسة الافتتاحية المنعقدة يوم 13 مارس 2023 إلى غاية أمس، تولى مجلس نواب الشعب المصادقة على 70 مشروع قانون من بينها 28 مشروع قانون تتعلق بقروض، ومرر المجلس مبادرتين تشريعيتين فقط من إعداد نوابه تعلقت الأولى بالمسؤولية الطبية وحقوق المنتفعين بالخدمات الصحية، أما المبادرة الثانية فقد تمت المصادقة عليها في دورة استثنائية تزامنت مع الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 2024 وتعلقت بتنقيح القانون الانتخابي. واستنادا إلى معطيات منشورة بالمجلة الدورية الصادرة عن المجلس كان المجلس النيابي خلال السنة الأولى وتحديدا خلال الفترة الممتدة بين 13 مارس 2023 و13 مارس 2024 قد صادق على 36 مشروع قانون تتوزع على النحو التالي:11 مشروع قانون جديد وتنقيحات لقوانين قديمة و10 مشاريع قوانين تتعلق باتفاقيات قروض و8 مشاريع قوانين تتعلق بالانضمام إلى اتفاقيات وبروتوكولات دولية و6 مشاريع قوانين تتعلق بميزانية الدولة وقانون المالية وغلق الميزانيات ومشروع قانون يتعلق برخصة استغلال محروقات.  

 واليوم بعد مرور سنتين عن أدائهم اليمين خلال الجلسة العامة الافتتاحية لمجلسهم، مازال نواب الشعب ينتظرون «الثورة على التشريعات البالية» التي وعد بها الكثير منهم ناخبيهم خلال الحملة، ومازالوا يترقبون على أحر من الجمر قدوم مشاريع القوانين التي طالبت بها كتلتهم منذ بداية العهدة النيابية، ثم تم التذكير بها لاحقا في بيان مشترك صدر يوم غرة سبتمبر2023 عن كتل الخط الوطني السيادي وصوت الجمهورية والأمانة والعمل والأحرار والوطنية المستقلة ولينتصر الشعب، حيث دعت هذه الكتل الحكومة إلى «ضرورة التسريع في مراجعة جملة القوانين المعطلة لأهداف مسار 25 جويلية لاسيما مجلة الاستثمار ومجلة المياه وقانون المنافسة وقانون الصرف».

وفي 17 نوفمبر 2023 وتحديدا بمناسبة انطلاق المداولات حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 تساءل العديد من النواب عن موعد تقديم النصوص التشريعية التي ينتظرونها بفارغ الصبر وأشار أحمد الحشاني رئيس الحكومة آنذاك إلى استكمال التشاور حول مشروع مجلة الصرف وحول مراجعة القانون المنظم للمساهمات والمنشآت العمومية واستكمال التشاور حول مراجعة الفصل96 من المجلة الجزائية ولكن هذه النصوص لم ترد إلى حد الآن على المجلس النيابي.

وبمناسبة انطلاق مداولات مجلس نواب الشعب حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 تحدث رئيس الحكومة الحالي كمال المدّوري بدوره عن مجلة الاستثمار وقانون الصرف وقال في البيان الذي ألقاه يوم 8 نوفمبر2024 أمام مجلس نواب الشعب إن الدولة ستعمل على مراجعة المنظومة التشريعية للاستثمار واستقطاب الباعثين في الأنشطة الواعدة والمجالات الإستراتجية وذلك ضمن نص قانوني جامع موحد وأفقي، إلى جانب ما سيتضمنه تنقيح مجلة الصرف من امتيازات تفتح آفاقا واعدة لتحرير الطاقات خاصة الشبابية منها، ورغم مرور أكثر من أربعة أشهر عن تلك الجلسة لم تقع إحالة المشروعين بعد على المجلس النيابي. 

ويذكر أنه طيلة السنتين المنقضيتين، لا تكاد تمر جلسة عامة أو يوم دراسي بالأكاديمية البرلمانية دون أن ينتهز النواب فرصة حضور أي عضو من أعضاء الحكومة لتذكير الوظيفة التنفيذية بأنها مدعوة إلى مراجعة ترسانة التشريعات التي تتعارض مع أحكام دستور 2022 وللتأكيد على أن تونس في حاجة إلى ثورة تشريعية.

وحتى رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه فقد أشار في خطابه الذي ألقاه بمناسبة أداء اليمين الدستورية يوم 21 أكتوبر 2024 أمام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم إلى أنه أكد في أكثر من مناسبة على ضرورة الانطلاق بسرعة في ثورة تشريعية تجسم على أرض الواقع آمال الشعب التونسي.

وفي نفس السياق، جدد رئيس المجلس إبراهيم بودربالة أول أمس في كلمة ألقاها خلال الجلسة العامة المنعقدة بقصر باردو بمناسبة مرور سنتين عن انطلاق العهدة النيابية، التأكيد على أنّ المجلس على أتمّ الاستعداد للقيام بما تتطلبه ثورة تشريعية حقيقية بفكر جديد ومغاير، وحسب تعبيره، ثورة تشريعية تقطع مع ما كان سائدا وتضع في أولوياتها المشاريع التي تعمل على تنزيل فلسفة الدستور الجديد، وتلك التي من شأنها تحسين الأوضاع المعيشيّة للتونسيات والتونسيين في جميع ربوع البلاد.

ولم يخف العديد من النواب انزعاجهم الكبير من التأخير في إحالة مشاريع القوانين التي يعتقدون أنها يجب أن تحقق ثورة تشريعية غير مسبوقة في تونس، وهناك نواب توجهوا في إطار دورهم الرقابي بأسئلة كتابية وشفاهية إلى عدد من أعضاء الحكومة لاستفسارهم عن مدى التقدم في إعداد تلك المشاريع ولاستحثاث الحكومة على استكمالها في أقرب الآجال حتى تتضح الرؤية أمامهم. وبادر جل النواب طيلة السنتين المنقضيتين بتقديم مقترحات قوانين تتعلق بمختلف المجالات ومن بينها الاستثمار، لكن تبين للجان أثناء دراسة العديد منها أن الحكومة بصدد الاشتغال على مشاريع قوانين مماثلة ومازالت هذه اللجان تنتظر ورود  تلك المشاريع.

الحصيلة

وفي حديثه عن حصيلة عمل المجلس النيابي قال رئيس المجلس إبراهيم بودربالة أول أمس إن:»المتابع لمسيرة المجلس يدرك أنّ المنجز التشريعي والرقابي وعمله على صعيد الدبلوماسية البرلمانية كان ثريا وهاما وجب تثمينه والعمل على تطويره، والأهمّ من ذلك أنّه تمّ في إطار الاحترام الكامل للمقتضيات الدستورية والقانونية، ويتجلى هذا النجاح، على وجه الخصوص، في أوّل عمل مشترك مع المجلس الوطني للجهات والأقاليم».

وأضاف أن مجلس نواب الشعب توصل إلى المصادقة على سبعين مشروع قانون تعلقت بمجالات متنوّعة وهامة من أبرزها قوانين للمالية وقوانين لتمويل مشاريع استثمارية وأخرى تهم مجالات اجتماعية وصحية ومشاريع قوانين لتنظيم مجال البنايات المتداعية للسقوط ولمكافحة المنشطات ومبادرة تشريعية تتعلق بالمسؤولية الطبية وقانون لتنقيح المجلة التجارية وقانون لتنقيح القانون الانتخابي وكلّ من المرسوم المتعلّق بالصلح الجزائي والمرسوم المتعلّق بـ»مؤسسة فداء» وذكر أن آخر القوانين التي تم تمريرها القانون الأساسي المتعلّق بالمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم.

تقييم الأداء

وأشار رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة إلى أن هذا المنجز لا يحجب عن المجلس النيابي الحاجة الملحة لتقييم أعماله، وأقر بوجود نقائص وعوائق تتطلب حسب قوله التشخيص والوقوف على مسبباتها في المقام الأوّل بالقدر الذي يتطلبه استشراف الحلول وسبل التطوير والتجويد من أجل المضي قدما نحو تحقيق الأهداف التي تحمّل نواب الشعب من أجلها الأمانة.

وبين أنه تقرر تكوين ثلاثة فرق عمل لتقييم أداء مجلس نواب الشعب في المجالين التشريعي والرقابي وفي مجال الدبلوماسية البرلمانية، وأشار إلى أن هذه الفرق باشرت أشغالها من أجل الخروج بمقترحات عملية كفيلة ببلوغ الغايات التي يصبو إليها الجميع لمزيد الارتقاء بالأداء النيابي في جميع أوجهه.

وأضاف أنّ هذا الجهد، كغيره من الأنشطة النيابية الرسمية أو الأنشطة الحوارية والتكوينية والعلمية التي تنتظم في إطار الأكاديمية البرلمانية، متّجه كلّه نحو تحقيق النجاعة المأمولة وبلوغ المردودية المطلوبة.

تجويد التشريعات

وفي انتظار مقترحات الفرق المكلفة بتقييم أعمال مجلس نواب الشعب على المستوى التشريعي والرقابي وعلى مستوى الدبلوماسية البرلمانية يمكن الإشارة إلى أنه قد تم مؤخرا إبرام اتفاقية تفاهم بين المجلس ممثلا في الأكاديمية البرلمانية وبين مركز الدراسات القانونية والقضائية بهدف تجويد النصوص القانونية، وقد تحدث رئيس المجلس يومها مرة أخرى عن الثورة التشريعية، وحسب بلاغ صادر عن المجلس يوم 28 فيفري 2025، أكد بودربالة بالمناسبة على الأهمية التي تكتسيها مذكرة التفاهم ودورها في إرساء تعاون متين بين مجلس نواب الشعب ومركز الدراسات القانونية والقضائية في إطار شراكة إستراتيجية ترمي بالخصوص إلى تطوير القدرات وتبادل الخبرات والتجارب، مع دعم انفتاح مجلس نواب الشعب على محيطه الخارجي. وعبر عن أمله في أن يحقّق هذا التعاون الأهداف المنتظرة خاصة من حيث تنمية قدرات النواب وإطارات المجلس في المجالات القانونية، وكذلك دعم المؤسستين من حيث التكوين والتدريب الميداني والبحوث والاستشارات والدراسات في المجالات القانونية. كما أكد على الأهمية التي يوليها مجلس نواب الشعب لمزيد تجويد العمل التشريعي وتطويره وحرصه الدائم على صياغة تشريعات تتماشى مع متطلبات المرحلة وتستجيب لحاجيات المواطن وتطلعاته في سياق تجسيم  الثورة التشريعية المأمولة، حسب تعبيره.

حق النفاذ إلى المعلومة

قبل تقييم أعمال مجلس نواب الشعب، كانت بعض اللجان التشريعية قد دعت إلى العدول عن قرار مكتب المجلس القاضي بتنظيم جلسات اللجان دون حضور ممثلي وسائل الإعلام، إذ أدرك جل النواب أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام في إيصال المعلومة للمواطن وتكريس حق النفاذ للمعلومة.

وليس هذا فقط بل تولى رؤساء بعض اللجان مؤخرا التعبير بشكل واضح عن حالة التململ الموجودة صلب اللجان، حيث تم بتاريخ 27 فيفري 2025 نشر بيان مشترك بين رؤساء بعض اللجان للتعبير عن رفضهم قرار دمج اللجان وصنصرة البلاغات الصادرة عنها دون إذنها، مؤكدين أن البلاغات الصحفية المنشورة على موقع المجلس وصفحته الرسمية لا تلزم اللجان بل تلزم رئيس المجلس وبعض الإداريين معه، كما دعوا إلى الكفّ عن منع دخول الصحفيين إلى اللجان لمواكبة أشغالها، وطالبوا رئيس المجلس بالالتزام بالنظام الداخلي خاصة في فصله 60 والذي ينصّ على تغطية أعمال اللّجان من قبل ممثلي وسائل الإعلام مما يضمن الشفافية على أعمالها ويمكن الشعب من الإطلاع على دور من ينوبه.

وللتذكر فقد نص الفصل 60 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب على أن جلسات اللجان علنية، وللجنة أن تقرر سريةّ جلستها بأغلبية أعضائها، وتضمن النظام الداخلي بابا كاملا  نظم العلاقة مع الإعلام والمواطنين والمجتمع المدني وهو الباب التاسع حيث نص الفصل 140 على أن يعمل مجلس نواب الشعب في تعاون وشراكة إستراتيجية مع الإعلام لنقل المعلومة البرلمانية للمواطن ومختلف متابعي الشأن البرلماني بما يضمن الحق في الإعلام وفي النفاذ إلى المعلومة. ويضبط مكتب المجلس التراتيب والإجراءات التي تضمن حسن قبول المواطنين وممثلي المجتمع المدني والضيوف وتُسهّل عمل الصحافة والإعلام. وحسب الفصل 141 تُواكب المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة والأجنبية المرخص لها من طرف الدولة، وفق الإجراءات والتراتيب التي يضبطها مكتب مجلس نواب الشعب، كافة أشغال المجلس متى طلبت ذلك وبعد حصولها على بطاقة اعتماد للغرض. كما يُواكب ممثلو المجتمع المدني أشغال اللجان والجلسة العامة وذلك طبقا للشروط التي يضبطها مكتب المجلس في حين نص الفصل 142 من النظام الداخلي للمجلس على أن تُخصّص فضاءات للنقاط الإعلامية والتصوير والحوارات مع أعضاء مجلس نواب الشعب. ويلتزم في التغطية الإعلامية لأشغال المجلس عدم انتهاك خصوصيات النواب داخل فضاءات المجلس. وجاء في الفصل الموالي أن اللجان تعمل في إطار نظرها في مقترحات ومشاريع القوانين المعروضة عليها وفق مبادئ وآليات الديمقراطية التشاركية عبر إطلاق استشارت مواطنية خاصة في المسائل الجوهرية التي تُحدد خيارات إستراتيجية. ويتمّ تنظيم إعمال هذه الآلية الاستشارية عبر منظومة إلكترونية تُدار قواعد بياناتها طبق ضوابط الشفافية والأمان وحماية المعطيات الشخصية وتضبط إجراءاتها وتنظيمها بقرار من مكتب المجلس.

سعيدة بوهلال