قد تختلف أساليب رجال المال والأعمال في طرقهم لعقد الصفقات وإنجاحها، والمرور بها من مجرد فكرة إلى مشروع مكتمل.
وقد يكون الاختلاف في الأساليب حسب ما تطرحه كل مجال من المجالات: فمجال التطوير العقاري والمقاولات قد يختلف عن مجال الاستيراد والتصدير، وغيرها من الميادين، وحتى أن كل هذه المجالات تخضع بالضرورة لمنطق السوق، ومنطق الربح والخسارة.
وحتى أن الدخول في المفاوضات والأسلوب المتبع في ذلك، يختلف بين رجال الأعمال، وحتى أن بعضهم يصر على الدخول في أية مفاوضات بمنطق القوة، وإتباع إستراتيجية «التضخيم الصادق».
تلك الاستراتيجية التي كتب عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كتابه الأشهر «فن الصفقة» وأشار فيه، إلى أن «التضخيم الصادق» جزء مهم من فلسفته، ويشير إلى أن المزج بين المبالغة والتفاؤل يمكّنه من خلق اهتمام بمشروعاته، فمن خلال هذا النهج، يستطيع تشكيل تصورات إيجابية عن مشاريعه، وزيادة قيمتها، وتحقيق زخم يعزز النجاح.
ولعل «المبالغة» التي تمثل جزءا كبيرا من منطق ترامب في إدارة الأعمال، هي التي قادته في مساره السياسي المتقلب من «ديمقراطي سابق» نحو «جمهوري متطرف» يقود أصحاب حزب الشاي ويذهب بهم إلى السيطرة على كل مفاتيح المشهد السياسي الأمريكي.
وحتى أن «التضخيم» في كل أفكاره السياسية هو الذي يبقيه في عين الأحداث، حيث أن هذه الاستراتيجية تسمح له بأن يكون محل الاهتمام سواء بالسلب أو الإيجاب، وتكون أفكاره في جوهر النقاشات ضمن الفضاءات العامة والإعلامية التي تهتم أكثر بالقصة الفريدة التي تهتم بـ «الرجل الذي عض كلبا».
ولعل الامعان أكثر في كتاب الرئيس الأمريكي قد يمكن من الكشف عن مفاتيح أخرى لفلسفة الرجل، وطموحه نحو استعمال «الصدمة والرعب» في كل أعماله وسياساته، حيث يقول في كتابه «هناك أوقات يكون فيها الخيار الوحيد هو المواجهة، فإن موقفي طوال حياتي هو الرد بقوة وإلا فإن الموقف السيئ سيصبح أسوأ»، وهو يرى كذلك أن «من المهم استغلال الأوقات الصعبة، لاقتناص الأعمال المتعثرة وإعادة إحيائها وتحقيق أرباح منها».
ومن خلال هذين المحورين يمكن من الاستنتاج أن ترامب يتعامل وفق مبادئه التي تعلمها طوال مراحل تدرجه في قطاع الأعال، ويحاول إقحامها في السياسة، ولذلك فإنه، مع بعض التأثر بفلسفة القوة التي تختصر الأدبيات السياسية لليمين الجمهوري الأمريكي، فإن يسوس البيت الأبيض وفق منطق السوق، حيث أن أمريكا هي الأولى التي يجب أن تعقد الصفقات ومن ثم يجب على الآخر الرضوخ لهذه الإرادة، حتى وإن لم يكن يريد عقدها.
هذا المنطق الذي قاد ترامب في تعامله مع حلفائه الأقربين كندا والمكسيك الذين فرضا عليهما رسوما جمركية، قادتهما إلى تقديم تنازلات يريدها على المستويين الأمني والاقتصادي (مراقبة الحدود ومنع مرور المهاجرين وضرب عصابات تهريب المخدرات).
هنا قام ترامب بدفع الدولتين للتفاوض رغما عن أنفيهما، وقام برفع سقف المفاوضات بالتلويح بضرر كبير في اقتصاد الدولتين، ومن ثم قادهما لتقديم تنازلات، مقابل خفض القبضة عليهما وقتيا.
ثم إنه ذهب في نفس هذا النهج فيما يخص ملف «هدنة غزة»، فقام بصدمة الجميع بخياره في تملك القطاع، وهي خطة غير واقعية مع تمادي هذا الرفض من جميع دول العالم، ودفع الاحتلال نحو الذهاب لمفاوضات المرحلة الثانية بضمانات سياسية بعدم اسقاط حكومته من اليمين الديني والقومي الصهيوني بعد «هدية ترامب بتهجير الفلسطينيين من القطاع» وهو ما يلائم الأجندة الفكرية والسياسية لقادة العقل السياسي الإسرائيلي.
ولكن هدف ترامب الأول والأخير، يبقى في استكمال المرحلة الثالثة من «صفقة غزة»، وهنا يكمن مربط الفرس: فهو سيسعى من خلال مطلبه بترحيل الفلسطينيين من القطاع، بالدفع بإستراتيجية أكبر في المنطقة، والخروج بـ 3 مطالب أساسية: تطبيع المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى مقابل عدوله عن فكرة «تملك» القطاع وإسقاط شرط «التطبيع مقابل الدولة الفلسطينية»، وجر دول عربية أخرى إلى مربع «الاتفاقيات الإبراهيمية»، وكذلك إيجاد بديل لـ»حماس» في غزة قد يكون السلطة الفلسطينية، أو لجنة من الفصائل الفلسطينية لإدارة القطاع.
في كتابه فن الصفقة يقول ترامب: «يجب الاستعداد للمواقف غير المتوقعة وإعداد خيارات بديلة، ولا ينبغي الاعتماد على خطة واحدة فقط في التفاوض، بل يجب أن يكون لديك دائماً خطط احتياطية إذا لم تمضِ الأمور كما هو مخطط لها، فالمفاوضات تتطلب التحلي بالمرونة والتكيف السريع».
بقلم: نزار مقني
قد تختلف أساليب رجال المال والأعمال في طرقهم لعقد الصفقات وإنجاحها، والمرور بها من مجرد فكرة إلى مشروع مكتمل.
وقد يكون الاختلاف في الأساليب حسب ما تطرحه كل مجال من المجالات: فمجال التطوير العقاري والمقاولات قد يختلف عن مجال الاستيراد والتصدير، وغيرها من الميادين، وحتى أن كل هذه المجالات تخضع بالضرورة لمنطق السوق، ومنطق الربح والخسارة.
وحتى أن الدخول في المفاوضات والأسلوب المتبع في ذلك، يختلف بين رجال الأعمال، وحتى أن بعضهم يصر على الدخول في أية مفاوضات بمنطق القوة، وإتباع إستراتيجية «التضخيم الصادق».
تلك الاستراتيجية التي كتب عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كتابه الأشهر «فن الصفقة» وأشار فيه، إلى أن «التضخيم الصادق» جزء مهم من فلسفته، ويشير إلى أن المزج بين المبالغة والتفاؤل يمكّنه من خلق اهتمام بمشروعاته، فمن خلال هذا النهج، يستطيع تشكيل تصورات إيجابية عن مشاريعه، وزيادة قيمتها، وتحقيق زخم يعزز النجاح.
ولعل «المبالغة» التي تمثل جزءا كبيرا من منطق ترامب في إدارة الأعمال، هي التي قادته في مساره السياسي المتقلب من «ديمقراطي سابق» نحو «جمهوري متطرف» يقود أصحاب حزب الشاي ويذهب بهم إلى السيطرة على كل مفاتيح المشهد السياسي الأمريكي.
وحتى أن «التضخيم» في كل أفكاره السياسية هو الذي يبقيه في عين الأحداث، حيث أن هذه الاستراتيجية تسمح له بأن يكون محل الاهتمام سواء بالسلب أو الإيجاب، وتكون أفكاره في جوهر النقاشات ضمن الفضاءات العامة والإعلامية التي تهتم أكثر بالقصة الفريدة التي تهتم بـ «الرجل الذي عض كلبا».
ولعل الامعان أكثر في كتاب الرئيس الأمريكي قد يمكن من الكشف عن مفاتيح أخرى لفلسفة الرجل، وطموحه نحو استعمال «الصدمة والرعب» في كل أعماله وسياساته، حيث يقول في كتابه «هناك أوقات يكون فيها الخيار الوحيد هو المواجهة، فإن موقفي طوال حياتي هو الرد بقوة وإلا فإن الموقف السيئ سيصبح أسوأ»، وهو يرى كذلك أن «من المهم استغلال الأوقات الصعبة، لاقتناص الأعمال المتعثرة وإعادة إحيائها وتحقيق أرباح منها».
ومن خلال هذين المحورين يمكن من الاستنتاج أن ترامب يتعامل وفق مبادئه التي تعلمها طوال مراحل تدرجه في قطاع الأعال، ويحاول إقحامها في السياسة، ولذلك فإنه، مع بعض التأثر بفلسفة القوة التي تختصر الأدبيات السياسية لليمين الجمهوري الأمريكي، فإن يسوس البيت الأبيض وفق منطق السوق، حيث أن أمريكا هي الأولى التي يجب أن تعقد الصفقات ومن ثم يجب على الآخر الرضوخ لهذه الإرادة، حتى وإن لم يكن يريد عقدها.
هذا المنطق الذي قاد ترامب في تعامله مع حلفائه الأقربين كندا والمكسيك الذين فرضا عليهما رسوما جمركية، قادتهما إلى تقديم تنازلات يريدها على المستويين الأمني والاقتصادي (مراقبة الحدود ومنع مرور المهاجرين وضرب عصابات تهريب المخدرات).
هنا قام ترامب بدفع الدولتين للتفاوض رغما عن أنفيهما، وقام برفع سقف المفاوضات بالتلويح بضرر كبير في اقتصاد الدولتين، ومن ثم قادهما لتقديم تنازلات، مقابل خفض القبضة عليهما وقتيا.
ثم إنه ذهب في نفس هذا النهج فيما يخص ملف «هدنة غزة»، فقام بصدمة الجميع بخياره في تملك القطاع، وهي خطة غير واقعية مع تمادي هذا الرفض من جميع دول العالم، ودفع الاحتلال نحو الذهاب لمفاوضات المرحلة الثانية بضمانات سياسية بعدم اسقاط حكومته من اليمين الديني والقومي الصهيوني بعد «هدية ترامب بتهجير الفلسطينيين من القطاع» وهو ما يلائم الأجندة الفكرية والسياسية لقادة العقل السياسي الإسرائيلي.
ولكن هدف ترامب الأول والأخير، يبقى في استكمال المرحلة الثالثة من «صفقة غزة»، وهنا يكمن مربط الفرس: فهو سيسعى من خلال مطلبه بترحيل الفلسطينيين من القطاع، بالدفع بإستراتيجية أكبر في المنطقة، والخروج بـ 3 مطالب أساسية: تطبيع المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى مقابل عدوله عن فكرة «تملك» القطاع وإسقاط شرط «التطبيع مقابل الدولة الفلسطينية»، وجر دول عربية أخرى إلى مربع «الاتفاقيات الإبراهيمية»، وكذلك إيجاد بديل لـ»حماس» في غزة قد يكون السلطة الفلسطينية، أو لجنة من الفصائل الفلسطينية لإدارة القطاع.
في كتابه فن الصفقة يقول ترامب: «يجب الاستعداد للمواقف غير المتوقعة وإعداد خيارات بديلة، ولا ينبغي الاعتماد على خطة واحدة فقط في التفاوض، بل يجب أن يكون لديك دائماً خطط احتياطية إذا لم تمضِ الأمور كما هو مخطط لها، فالمفاوضات تتطلب التحلي بالمرونة والتكيف السريع».