في ظل الأوضاع المتوترة والمأساوية التي تعيشها غزة، تبرز أخبار آخر البارحة التوصل إلى اتفاق هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» كإشارة أمل تنهي الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ نحو 15 شهرا. وقد تخفف من معاناة أهالي غزة وتمنح فرصة لوقف موجة الإرهاب وحملة الإبادة المستمرة الممارسة من قبل الكيان المحتل.
اتفاق الهدنة الذي أعلن عنه رئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمان آل ثاني، البارحة سيبدأ تنفيذه الأحد. اتفاق خطّه مفاوضون في الدوحة والذي تضمنّ اللمسات النهائية لتفاصيل خطة إنهاء الحرب في غزة وسط محادثات حضرها مبعوثان للرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي دخل بكل قوته ضاغطا على جميع الأطراف حتى تتحقق الهدنة قبل دخوله البيت الأبيض يوم 20 جانفي الجاري.
الواضح أن مبدأ وقف القتال مقابل إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم «حماس» والإفراج عن فلسطينيين أسرى في سجون إسرائيل موجود منذ أشهر. لكن الإشكال ظل في بعض التفاصيل من ذلك تمسك «حماس» بضرورة أن يؤدي أي اتفاق إلى إنهاء الحرب بشكل دائم وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، في حين تقول إسرائيل إنها لن تنهي الحرب قبل القضاء على «حماس». كما أن اختلافات في هوية الأسرى المطلوب من إسرائيل الإفراج عنهم ظلت نقطة تعطل المحادثات إلى حد الساعات الأخيرة.
فحوى مسودة الاتفاق النهائي
فحسب التسريبات الأولية، فإن مسوّدة الاتفاق تنطوي على عدة بنود رئيسية تهدف إلى تحقيق ما وصف بـ»التوازن» بين مصالح الطرفين. ويُمكن تقسيم هذه البنود إلى أربعة محاور أساسية:
وقف إطلاق النار المتبادل: يتضمن الاتفاق تعهدًا من كلا الطرفين بوقف العمليات العسكرية والهجمات الجوية والبريّة. ويشمل ذلك وقف إطلاق الصواريخ من غزة مقابل وقف الغارات الإسرائيلية. هذا البند يعد حجر الزاوية في أي اتفاق هدنة، ولكنه يواجه تحديات كبيرة بسبب وجود مجموعات فلسطينية غير منضوية تحت مظلة «حماس» قد تستمر في الهجمات.
رفع تدريجي للحصار: يُتوقع أن يشمل الاتفاق تخفيفًا جزئيًا للحصار المفروض على قطاع غزة، بما يسمح بدخول المساعدات الإنسانية والبضائع الأساسية، فضلًا عن فتح المعابر بشكل منظم. ومع ذلك، يبقى السؤال حول مدى استعداد إسرائيل لتخفيف القيود بشكل فعلي، خاصةً فيما يتعلق بإدخال مواد يُمكن استخدامها في الأغراض العسكرية.
إعادة إعمار غزة: تُعتبر عمليات إعادة الإعمار أولوية قصوى، خاصة بعد الدمار الكبير الذي خلفته جولات القصف الاسرائيلي العمياء على مدى أشهر. ويُفترض أن تشمل التفاهمات آليات لضمان استخدام الأموال الدولية بشكل شفاف، بما يضمن إعادة بناء المساكن والبنية التحتية دون استغلالها لأغراض عسكرية.
إطلاق سراح الأسرى: تتعلق هذه النقطة بحساسية خاصة للطرفين، حيث تُعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل والأطراف الإسرائيلية المحتجزة في غزة ورقة ضغط مزدوجة. قد يشمل الاتفاق تسهيلات تدريجية بدلاً من حلول شاملة لتجنب انهياره بسبب هذه القضية. كما أن ما تطالب به «حماس» ترفضه إسرائيل خاصة فيما يتعلق بمن صادرة بشأنهم أحكام بالسجن مدى الحياة.
آليات تنفيذ ومراقبة: لضمان الالتزام بشروط الهدنة، تتضمن المسوّدة ترتيبات لتشكيل لجنة دولية لمراقبة التنفيذ. هذه اللجنة ستعمل كوسيط وضامن، مع تقرير دوري عن مدى الالتزام بالبنود.
هل نجح الوسطاء؟
مسودة الاتفاق هذه، الأكيد أن وراءها وسطاء لعبوا دورًا محوريًا في التوصل إلى هذه التفاهمات بصعوبة، حيث تدخلت عدة أطراف دولية وإقليمية لتسهيل المفاوضات بين الطرفين. يمكن تصنيف دور الوسطاء كالتالي:
مصر: تُعتبر القاهرة لاعبًا رئيسيًا بسبب قربها الجغرافي من غزة وصلاتها الوثيقة بالطرفين. قدمت مصر منصة محايدة للحوار وشاركت بفعالية في نقل الرسائل والتفاهمات بين الإسرائيليين و»حماس». كما أن لديها مصلحة مباشرة في الحفاظ على استقرار حدودها.
قطر: لعبت قطر دورًا بارزًا من خلال تقديم الدعم المالي والسياسي لغزة. ونجحت في تقريب وجهات النظر عبر علاقتها الوثيقة بـ»حماس» وامتلاكها قنوات تواصل مع القوى الغربية.
الأمم المتحدة: عملت الأمم المتحدة على تعزيز المسار الإنساني للاتفاق، حيث ركزت على إدخال المساعدات الإنسانية وضمان تدفق الدعم الدولي لإعادة الإعمار.
الولايات المتحدة: ورغم أن دورها كان أقل وضوحًا، فإن الإدارة الأمريكية مارست ضغوطًا على إسرائيل لتخفيف الحصار والتعامل بمرونة مع شروط التهدئة. هذا الدور يعكس التزام واشنطن بتهدئة التوترات في المنطقة بما يتماشى مع مصالحها الإستراتيجية.
تحديات أمام التنفيذ
رغم التفاؤل النسبي، فإن التنفيذ الفعلي للاتفاق يواجه عدة عقبات أبرزها غياب الثقة بين الطرفين حيث يظل الشك المتبادل بين إسرائيل و«حماس» أكبر عائق أمام تحقيق تقدم مستدام. إذ إن الطرفين يحملان سجلًا طويلًا من انتهاكات اتفاقيات سابقة. وخاصة الكيان الإسرائيلي الذي غالبا ما يضرب بكل الاتفاقيات والقوانين والمواثيق عرض الحائط. كما أن الانقسامات الداخلية في الجانبين تعتبر عنصرا معطلا أو على الأقل معرقلا لمسار التوصل إلى الهدنة. فعلى الجانب الفلسطيني، تعاني حماس من ضغوط داخلية من الفصائل الأخرى التي قد تعتبر شروط الاتفاق غير كافية. في المقابل، تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا من المعارضة التي ترى في أي تنازل ضعفًا أمام حماس وانتصارا لهذه الأخيرة في المعركة. هذا دون نسيان التدخلات الخارجية، فبعض الدول الإقليمية قد تحاول إفشال الاتفاق وتوجيهه حسب مصالحها الجيوسياسية، خاصة إذا رأت أن الاتفاق يعزز نفوذ خصومها. كذلك آليات المراقبة حيث يبقى الشك حائزا على نسبة كبيرة فيما يتعلق بفعالية الآليات الدولية في فرض الالتزام، خاصة مع غياب قوة قسرية قادرة على ردع أي خروقات.
اتفاق خاضع للسياق الإقليمي والدولي
ومن دون شك، فان هذا الاتفاق يأتي في سياق متغيرات إقليمية ودولية حيث تتزامن الجهود مع مساعي تقارب عربي-إسرائيلي في إطار اتفاقيات السلام التي حملت اسم «إبراهيم»، مما يعزز الحاجة إلى تهدئة الأوضاع في غزة كجزء من هذه الديناميكيات. كما لا يمكن إغفال دور إيران كداعم رئيسي لبعض الفصائل في غزة وفي المنطقة. وأي اتفاق قد يُضعف نفوذها سيواجه بمحاولات إفشاله. كما أن تصاعد التوترات العالمية، مثل الحرب في أوكرانيا، جعل القوى الكبرى أقل اهتمامًا بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ممّا أتاح مساحة أكبر للأطراف الإقليمية للتحرك.
عموما، بينما يحمل الاتفاق بارقة أمل لسكان غزة، فإن نجاحه يتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف ودعمًا مستمرًا من المجتمع الدولي الذي وجب عليه أن يخرج من مستنقع العار الذي تردى فيه خلال حرب غزة وصمته المخزي عن الجرائم الإسرائيلية. وتبقى معالجة جذور النزاع، مثل الاحتلال والحصار والاستيطان والانقسام الفلسطيني الداخلي، العامل الأساسي لتحقيق سلام دائم.
سفيان رجب
في ظل الأوضاع المتوترة والمأساوية التي تعيشها غزة، تبرز أخبار آخر البارحة التوصل إلى اتفاق هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» كإشارة أمل تنهي الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ نحو 15 شهرا. وقد تخفف من معاناة أهالي غزة وتمنح فرصة لوقف موجة الإرهاب وحملة الإبادة المستمرة الممارسة من قبل الكيان المحتل.
اتفاق الهدنة الذي أعلن عنه رئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمان آل ثاني، البارحة سيبدأ تنفيذه الأحد. اتفاق خطّه مفاوضون في الدوحة والذي تضمنّ اللمسات النهائية لتفاصيل خطة إنهاء الحرب في غزة وسط محادثات حضرها مبعوثان للرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي دخل بكل قوته ضاغطا على جميع الأطراف حتى تتحقق الهدنة قبل دخوله البيت الأبيض يوم 20 جانفي الجاري.
الواضح أن مبدأ وقف القتال مقابل إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم «حماس» والإفراج عن فلسطينيين أسرى في سجون إسرائيل موجود منذ أشهر. لكن الإشكال ظل في بعض التفاصيل من ذلك تمسك «حماس» بضرورة أن يؤدي أي اتفاق إلى إنهاء الحرب بشكل دائم وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، في حين تقول إسرائيل إنها لن تنهي الحرب قبل القضاء على «حماس». كما أن اختلافات في هوية الأسرى المطلوب من إسرائيل الإفراج عنهم ظلت نقطة تعطل المحادثات إلى حد الساعات الأخيرة.
فحوى مسودة الاتفاق النهائي
فحسب التسريبات الأولية، فإن مسوّدة الاتفاق تنطوي على عدة بنود رئيسية تهدف إلى تحقيق ما وصف بـ»التوازن» بين مصالح الطرفين. ويُمكن تقسيم هذه البنود إلى أربعة محاور أساسية:
وقف إطلاق النار المتبادل: يتضمن الاتفاق تعهدًا من كلا الطرفين بوقف العمليات العسكرية والهجمات الجوية والبريّة. ويشمل ذلك وقف إطلاق الصواريخ من غزة مقابل وقف الغارات الإسرائيلية. هذا البند يعد حجر الزاوية في أي اتفاق هدنة، ولكنه يواجه تحديات كبيرة بسبب وجود مجموعات فلسطينية غير منضوية تحت مظلة «حماس» قد تستمر في الهجمات.
رفع تدريجي للحصار: يُتوقع أن يشمل الاتفاق تخفيفًا جزئيًا للحصار المفروض على قطاع غزة، بما يسمح بدخول المساعدات الإنسانية والبضائع الأساسية، فضلًا عن فتح المعابر بشكل منظم. ومع ذلك، يبقى السؤال حول مدى استعداد إسرائيل لتخفيف القيود بشكل فعلي، خاصةً فيما يتعلق بإدخال مواد يُمكن استخدامها في الأغراض العسكرية.
إعادة إعمار غزة: تُعتبر عمليات إعادة الإعمار أولوية قصوى، خاصة بعد الدمار الكبير الذي خلفته جولات القصف الاسرائيلي العمياء على مدى أشهر. ويُفترض أن تشمل التفاهمات آليات لضمان استخدام الأموال الدولية بشكل شفاف، بما يضمن إعادة بناء المساكن والبنية التحتية دون استغلالها لأغراض عسكرية.
إطلاق سراح الأسرى: تتعلق هذه النقطة بحساسية خاصة للطرفين، حيث تُعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل والأطراف الإسرائيلية المحتجزة في غزة ورقة ضغط مزدوجة. قد يشمل الاتفاق تسهيلات تدريجية بدلاً من حلول شاملة لتجنب انهياره بسبب هذه القضية. كما أن ما تطالب به «حماس» ترفضه إسرائيل خاصة فيما يتعلق بمن صادرة بشأنهم أحكام بالسجن مدى الحياة.
آليات تنفيذ ومراقبة: لضمان الالتزام بشروط الهدنة، تتضمن المسوّدة ترتيبات لتشكيل لجنة دولية لمراقبة التنفيذ. هذه اللجنة ستعمل كوسيط وضامن، مع تقرير دوري عن مدى الالتزام بالبنود.
هل نجح الوسطاء؟
مسودة الاتفاق هذه، الأكيد أن وراءها وسطاء لعبوا دورًا محوريًا في التوصل إلى هذه التفاهمات بصعوبة، حيث تدخلت عدة أطراف دولية وإقليمية لتسهيل المفاوضات بين الطرفين. يمكن تصنيف دور الوسطاء كالتالي:
مصر: تُعتبر القاهرة لاعبًا رئيسيًا بسبب قربها الجغرافي من غزة وصلاتها الوثيقة بالطرفين. قدمت مصر منصة محايدة للحوار وشاركت بفعالية في نقل الرسائل والتفاهمات بين الإسرائيليين و»حماس». كما أن لديها مصلحة مباشرة في الحفاظ على استقرار حدودها.
قطر: لعبت قطر دورًا بارزًا من خلال تقديم الدعم المالي والسياسي لغزة. ونجحت في تقريب وجهات النظر عبر علاقتها الوثيقة بـ»حماس» وامتلاكها قنوات تواصل مع القوى الغربية.
الأمم المتحدة: عملت الأمم المتحدة على تعزيز المسار الإنساني للاتفاق، حيث ركزت على إدخال المساعدات الإنسانية وضمان تدفق الدعم الدولي لإعادة الإعمار.
الولايات المتحدة: ورغم أن دورها كان أقل وضوحًا، فإن الإدارة الأمريكية مارست ضغوطًا على إسرائيل لتخفيف الحصار والتعامل بمرونة مع شروط التهدئة. هذا الدور يعكس التزام واشنطن بتهدئة التوترات في المنطقة بما يتماشى مع مصالحها الإستراتيجية.
تحديات أمام التنفيذ
رغم التفاؤل النسبي، فإن التنفيذ الفعلي للاتفاق يواجه عدة عقبات أبرزها غياب الثقة بين الطرفين حيث يظل الشك المتبادل بين إسرائيل و«حماس» أكبر عائق أمام تحقيق تقدم مستدام. إذ إن الطرفين يحملان سجلًا طويلًا من انتهاكات اتفاقيات سابقة. وخاصة الكيان الإسرائيلي الذي غالبا ما يضرب بكل الاتفاقيات والقوانين والمواثيق عرض الحائط. كما أن الانقسامات الداخلية في الجانبين تعتبر عنصرا معطلا أو على الأقل معرقلا لمسار التوصل إلى الهدنة. فعلى الجانب الفلسطيني، تعاني حماس من ضغوط داخلية من الفصائل الأخرى التي قد تعتبر شروط الاتفاق غير كافية. في المقابل، تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا من المعارضة التي ترى في أي تنازل ضعفًا أمام حماس وانتصارا لهذه الأخيرة في المعركة. هذا دون نسيان التدخلات الخارجية، فبعض الدول الإقليمية قد تحاول إفشال الاتفاق وتوجيهه حسب مصالحها الجيوسياسية، خاصة إذا رأت أن الاتفاق يعزز نفوذ خصومها. كذلك آليات المراقبة حيث يبقى الشك حائزا على نسبة كبيرة فيما يتعلق بفعالية الآليات الدولية في فرض الالتزام، خاصة مع غياب قوة قسرية قادرة على ردع أي خروقات.
اتفاق خاضع للسياق الإقليمي والدولي
ومن دون شك، فان هذا الاتفاق يأتي في سياق متغيرات إقليمية ودولية حيث تتزامن الجهود مع مساعي تقارب عربي-إسرائيلي في إطار اتفاقيات السلام التي حملت اسم «إبراهيم»، مما يعزز الحاجة إلى تهدئة الأوضاع في غزة كجزء من هذه الديناميكيات. كما لا يمكن إغفال دور إيران كداعم رئيسي لبعض الفصائل في غزة وفي المنطقة. وأي اتفاق قد يُضعف نفوذها سيواجه بمحاولات إفشاله. كما أن تصاعد التوترات العالمية، مثل الحرب في أوكرانيا، جعل القوى الكبرى أقل اهتمامًا بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ممّا أتاح مساحة أكبر للأطراف الإقليمية للتحرك.
عموما، بينما يحمل الاتفاق بارقة أمل لسكان غزة، فإن نجاحه يتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف ودعمًا مستمرًا من المجتمع الدولي الذي وجب عليه أن يخرج من مستنقع العار الذي تردى فيه خلال حرب غزة وصمته المخزي عن الجرائم الإسرائيلية. وتبقى معالجة جذور النزاع، مثل الاحتلال والحصار والاستيطان والانقسام الفلسطيني الداخلي، العامل الأساسي لتحقيق سلام دائم.