تثير الجماعات الإسلامية المحسوبة على المعارضة السورية، والتي شكلت أو تحالفت مع ما أطلق عليه بـ"هيئة تحرير الشام"، مخاوف كبيرة في سوريا بعد سيطرتها على السلطة في دمشق، وتنصيب أحمد الشرع المعروف بـ"أبي محمد الجولاني" "قائدا عاما" للإدارة السورية الجديدة، وصاحب القول الفصل في قرارات "الحكومة الانتقالية" التي يديرها محمد البشير، وهو رئيس ما سمي بحكومة "الإنقاذ" في إدلب قبل إسقاط نظام بشار الأسد.
وبالرغم من أن الشرع وجميع "قيادات سوريا الجديدة" أصروا على خطاب "الطمأنة" و"التجميع"، في علاقة ببقية الطوائف التي تشكل المجتمع السوري، إلا أن الخلفية الفكرية للجولاني الجهادية والمرتبطة بحركات إرهابية –حسب تصنيف الأمم المتحدة- وخصوصا بتنظيمي "الدولة الإسلامية في العراق" – قبل تحولها لتنظيم "داعش"- وتنظيم القاعدة، مازالت تمثل "شكوكا" حول نوايا السلطة الجديدة في دمشق، خصوصا مع توالي الأحداث التي مست بعض الأقليات الدينية والاثنية في سوريا (حرق شجرة عيد الميلاد في حماة، وحرق ضريح الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ومقام أحد أعلام المذهب العلوي أبو عبد الله الحسين الخصيبي).
وبالرغم من محاولات الإدارة الجديدة في دمشق، تغطية هذه الأحداث وإعطائها تأويلات ثانوية ضمن الخطاب السياسي الجديد، إلا أن الهيكلة الأمنية والعسكرية والسياسية لهذه الإدارة التي كانت تتحكم بمجريات الأمور في إدلب، تؤشر إلى أنها متكونة من تشكيلات هجينة فكريا، وايديولوجيا، وسياسيا، خصوصا وأنها عاشت في صراع حول النفوذ في شمال سوريا، شهد في جزء منه معارك ضارية حول تزعم الجماعات المسلحة، كما عرفت اندماجات على قواعد ومساحات، حتى وإن اشتركت في محاربة نظام الأسد، إلا أنها تختلف حول الأجندات القتالية والسياسية، وهي في أغلبها أجندات عبر قطرية ولا تعترف بحدود الدول، خاصة مع وجود تنظيمات جهادية أجنبية، مارست عمليات قتل على الهوية، حتى في الساعات الأخيرة قبل سقوط الأسد.
هيئة تحرير الشام "التشكيل الهش"
هذه الممارسات تأتي بالرغم من أن خطاب الطمأنة للجولاني بدأ منذ الدخول إلى حلب، وخصوصا وأنه خطاب، يبدو أنه فرض على الجولاني بحكم هشاشة التحالف الذي قام بين جماعته "جبهة النصرة" –قبل فك الارتباط بتنظيم القاعدة- وجماعات مسلحة أخرى في سنوات 2016 و2017، قبل إعلان ما سمي بـ"جبهة فتح الشام" (جويلية 2016)، وإعلان الجولاني فك ارتباطه بالقاعدة، وفق ما طرحه واقع ميدان المعارك في شمال شرقي سوريا آنذاك، قائلا إن "هذه الخطوة جاءت استجابة لرغبات الشعب ومحاولة لتقليل الاستهداف الدولي".
وبالرغم من هذه الخطوة إلا أن مشاركة بعض الفصائل المسلحة، في مسار الآستانة، الذي رعته روسيا، زاد في طين الخلافات بلة، حيث رأت هذه الجبهة أن مشاركة بعض الفصائل فيه "خيانة للثورة السورية" وهو ما فتح نارها على بقية الفصائل، قبل الإعلان عن هيئة تحرير الشام والتي ضمت جبهة الشام وحركة نور الدين زنكي (التي انفصلت عنها لاحقا) وجبهة أنصار الدين ولواء الحق، وبالمقابل تم إنشاء حركة أحرار الشام، وهي: ألوية صقور الشام، وجيش الإسلام، وجيش المجاهدين، والجبهة الشامية.
هذا الانقسام بين مختلف فصائل المسلحة قاد إلى الاقتتال بينها، وهو ما تمكنت من خلاله هذه الهيئة من السيطرة على غالبية جغرافيا إدلب التي كانت ضمن مناطق "خفض التصعيد" التي حددت وفق مسار آستانة.
ويبدو أن هذه التشكيلات العسكرية السلفية الجهادية في معظمها، التي قادت في الأخير ضمن غرفة عمليات مشتركة عملية ما سمي بـ"ردع العدوان"، وبحسب طريقة تشكيلها، تحالفا هشا، قد تسقط وحدته، حتى بعد قبول أغلبها لمبدإ الانضمام إلى "القوات العسكرية والأمنية الموحدة للإدارة السورية، خصوصا وأن الأجندة الجهادية التي يتبناها معظمها قد لا تصمد أمام سردية "الدولة الوطنية" التي يسعى الجولاني لتسويقها.
بين إسقاط الأسد و"القضاء" على الشيعة
فالفكر السلفي الجهادي، المقترن بالإرهاب الاسلاموي، قد يقود إلى إعادة الاقتتال داخل هذه الفصائل المنضوية تحت القيادة السورية الجديدة، سواء ذلك من خلال انشقاقات قد تعرفها، أو من خلال تصادم المكون السوري لهذه الفصائل مع بقية المكونات الأجنبية والتي يبدو أنها حافظت على قناعاتها، في التصدي لـ"المد النصيري" في إشارة للمكون الشيعي للمجتمع السوري.
وهذا التوجه هو من ضمن التوجهات الشاملة للتنظيمات الجهادية الإرهابية التي دخلت لسوريا، بعيد بداية الحرب الأهلية، ومارست الإرهاب ضد الأقليات الدينية الأخرى، وبالأخص ضد الشيعة، مما أعطى هذه الحرب على امتداد سنوات صبغة طائفية، تذكر بالحرب الطائفية التي عرفها العراق بعد الغزو الأمريكي له، والتي ساهمت في بروز تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والذي تحول لتنظيم "دولة العراق الإسلامية" الذي انضوى تحته الجولاني، قبل أن يتحول إلى سوريا في 2012، مبعوثا من أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم، لتأسيس فرع للقاعدة هناك، قبل أن ينقلب عليهم بعد إسقاط البغدادي ببيعته للقاعدة وإعلان تنظيم جديد مواز لها، وهو ما جر الجولاني لإعلان تأسيس جبهة النصرة كفصيل جهادي موال للقاعدة، والتي جرت معها عديد المقاتلين السوريين والأجانب، الذين رفضوا الانضمام لتنظيم "داعش" بحجة تفسيرها الأكثر تطرفا للنصوص الدينية، وممارستها الأكثر فضاعة في حق المدنيين والأسرى.
وبالرغم من أن كثيرا من المقاتلين الأجانب، اختاروا الذهاب مع الجولاني، حتى بعد إعلان انشقاقه من "القاعدة" وتأسيس "جبهة تحرير الشام"، فإنه يبدو أن ذلك تم على أساس مشترك وهو التخلص من القيادة السورية السابقة المحسوبة على المكون العلوي الشيعي في سوريا، وهو ما يوفر الحد الأدنى للأجندة الجهادية لهؤلاء، والذين مازالوا يرون أن "واجبهم الجهادي" يقتضي بالتخلص من "الروافض" و"النصيريين" (في دلالة على الشيعة)، وهو ما قاد بعضهم إلى الإعلان "البين" عن عدم انصياعه لأوامر "التهدئة" والطمأنة التي توجه بها الجولاني.
ويبدو أن هذا ما يفسر إلى حد بعيد، ما حدث مع "شجرة عيد الميلاد" بالنسبة للمسيحيين في حماة، وما يفسر إلى حد بعيد، الأحداث الحاصلة اليوم في ريف طرطوس واللاذقية حيث تعيش الأقلية العلوية، وذلك بعد تسريب فيديو يظهر حرق مقام مرجعية علوية.
مقاتلون أجانب
وهذه ليست المرة الأولى التي تشير إلى "خروج" عن خط الجولاني، فبعد يومين من سقوط دمشق (يوم 10 ديسمبر)، وإعلان الجولاني عن "سردية التهدئة"، أعدم أربعة رجال على يد مقاتلين منتمين لهيئة تحير الشام، تمت الإشارة لهما بأنهم "شبيحة خنازير"، في إشارة إلى المليشيات المقربة من النظام السابق، فيما وصفهم مسلح آخر بأنهم "نصيريون".
أما عن حادث "حرق شجرة الميلاد"، فأشارت كل المصادر إلى أن المتسبب فيها كان من المقاتلين الشيشان، والذين ينضوون تحت ما يسمى تنظيم "أجناد القوقاز"، وهؤلاء من بين المقاتلين الأكثر تطرفا الذين كان بعضهم ضمن تنظيم النصرة و"داعش" قبل أن يلتحقوا بهيئة تحرير الشام، بعد بيعتهم للجولاني على القتال معه "لإسقاط الأسد".
وشكل هؤلاء الأجانب أحد أشد الحلقات تطرفا في الهيئة، بل وكانت أدوارهم مرتبطة بأدوار قتالية أمامية في الجبهة ضمن ما عرف بفرق "العصائب الحمراء" والتي استعملت حتى للعمليات الانتحارية، خلال عملية "ردع العدوان" التي أطاحت بالأسد، وكانت لهم فيديوات انتشرت في تلغرام، أحدها لمقاتلين أفغان، قاموا بحرق جثث لجنود في الجيش السوري، ووصموهم بأنهم "رافضة" و"كفار"، في إشارة لانتمائهم الديني والاثني، وهؤلاء الأفغان لا يخفون انتماءهم لطالبان، وهو ما اتضح في فيديوات تجديد البيعة لزعيم طالبان "الملا هبة الله أخوند زادة" حتى قبل اسقاط النظام وخلال عملية "ردع العدوان".
إن هذه المعطيات والأحداث التي تدور حول هشاشة التنظيمات الجهادية المنضوية تحت لواء "هيئة تحرير الشام" يمكن أن تشكل في المستقبل، بؤر توتر جديدة، خصوصا مع محافظة تنظيم "داعش" على مواطئ قدم في البادية السورية.
هذا التنظيم يمكن أن يشكل مصدر جذب للمسلحين المنضويين تحت "هيئة تحرير الشام"، وغير المقتنعين، بخطاب التهدئة الذي بات يتبناه أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني، الذي مازال يحتفظ بسيطرة نوعية على هذه الفصائل، والتي يمكن أن تتراجع، إذا ما ذهب الجولاني، إلى استكمال ما أقره سابقا، من إقامة انتخابات ومؤسسات سياسية "ديمقراطية" ينتجها حوار وطني، وهذه التعبيرات والمصطلحات قد تدخل ضمن فتاوى الخروج عن الدين والشريعة التي تتبناها الجماعات الاسلاموية العنيفة في العالم، كما لا تتقبلها بعض السرديات الجهادية السلفية، في مقاربتها الدينية للسياسة.
بقلم: نزار مقني
تثير الجماعات الإسلامية المحسوبة على المعارضة السورية، والتي شكلت أو تحالفت مع ما أطلق عليه بـ"هيئة تحرير الشام"، مخاوف كبيرة في سوريا بعد سيطرتها على السلطة في دمشق، وتنصيب أحمد الشرع المعروف بـ"أبي محمد الجولاني" "قائدا عاما" للإدارة السورية الجديدة، وصاحب القول الفصل في قرارات "الحكومة الانتقالية" التي يديرها محمد البشير، وهو رئيس ما سمي بحكومة "الإنقاذ" في إدلب قبل إسقاط نظام بشار الأسد.
وبالرغم من أن الشرع وجميع "قيادات سوريا الجديدة" أصروا على خطاب "الطمأنة" و"التجميع"، في علاقة ببقية الطوائف التي تشكل المجتمع السوري، إلا أن الخلفية الفكرية للجولاني الجهادية والمرتبطة بحركات إرهابية –حسب تصنيف الأمم المتحدة- وخصوصا بتنظيمي "الدولة الإسلامية في العراق" – قبل تحولها لتنظيم "داعش"- وتنظيم القاعدة، مازالت تمثل "شكوكا" حول نوايا السلطة الجديدة في دمشق، خصوصا مع توالي الأحداث التي مست بعض الأقليات الدينية والاثنية في سوريا (حرق شجرة عيد الميلاد في حماة، وحرق ضريح الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ومقام أحد أعلام المذهب العلوي أبو عبد الله الحسين الخصيبي).
وبالرغم من محاولات الإدارة الجديدة في دمشق، تغطية هذه الأحداث وإعطائها تأويلات ثانوية ضمن الخطاب السياسي الجديد، إلا أن الهيكلة الأمنية والعسكرية والسياسية لهذه الإدارة التي كانت تتحكم بمجريات الأمور في إدلب، تؤشر إلى أنها متكونة من تشكيلات هجينة فكريا، وايديولوجيا، وسياسيا، خصوصا وأنها عاشت في صراع حول النفوذ في شمال سوريا، شهد في جزء منه معارك ضارية حول تزعم الجماعات المسلحة، كما عرفت اندماجات على قواعد ومساحات، حتى وإن اشتركت في محاربة نظام الأسد، إلا أنها تختلف حول الأجندات القتالية والسياسية، وهي في أغلبها أجندات عبر قطرية ولا تعترف بحدود الدول، خاصة مع وجود تنظيمات جهادية أجنبية، مارست عمليات قتل على الهوية، حتى في الساعات الأخيرة قبل سقوط الأسد.
هيئة تحرير الشام "التشكيل الهش"
هذه الممارسات تأتي بالرغم من أن خطاب الطمأنة للجولاني بدأ منذ الدخول إلى حلب، وخصوصا وأنه خطاب، يبدو أنه فرض على الجولاني بحكم هشاشة التحالف الذي قام بين جماعته "جبهة النصرة" –قبل فك الارتباط بتنظيم القاعدة- وجماعات مسلحة أخرى في سنوات 2016 و2017، قبل إعلان ما سمي بـ"جبهة فتح الشام" (جويلية 2016)، وإعلان الجولاني فك ارتباطه بالقاعدة، وفق ما طرحه واقع ميدان المعارك في شمال شرقي سوريا آنذاك، قائلا إن "هذه الخطوة جاءت استجابة لرغبات الشعب ومحاولة لتقليل الاستهداف الدولي".
وبالرغم من هذه الخطوة إلا أن مشاركة بعض الفصائل المسلحة، في مسار الآستانة، الذي رعته روسيا، زاد في طين الخلافات بلة، حيث رأت هذه الجبهة أن مشاركة بعض الفصائل فيه "خيانة للثورة السورية" وهو ما فتح نارها على بقية الفصائل، قبل الإعلان عن هيئة تحرير الشام والتي ضمت جبهة الشام وحركة نور الدين زنكي (التي انفصلت عنها لاحقا) وجبهة أنصار الدين ولواء الحق، وبالمقابل تم إنشاء حركة أحرار الشام، وهي: ألوية صقور الشام، وجيش الإسلام، وجيش المجاهدين، والجبهة الشامية.
هذا الانقسام بين مختلف فصائل المسلحة قاد إلى الاقتتال بينها، وهو ما تمكنت من خلاله هذه الهيئة من السيطرة على غالبية جغرافيا إدلب التي كانت ضمن مناطق "خفض التصعيد" التي حددت وفق مسار آستانة.
ويبدو أن هذه التشكيلات العسكرية السلفية الجهادية في معظمها، التي قادت في الأخير ضمن غرفة عمليات مشتركة عملية ما سمي بـ"ردع العدوان"، وبحسب طريقة تشكيلها، تحالفا هشا، قد تسقط وحدته، حتى بعد قبول أغلبها لمبدإ الانضمام إلى "القوات العسكرية والأمنية الموحدة للإدارة السورية، خصوصا وأن الأجندة الجهادية التي يتبناها معظمها قد لا تصمد أمام سردية "الدولة الوطنية" التي يسعى الجولاني لتسويقها.
بين إسقاط الأسد و"القضاء" على الشيعة
فالفكر السلفي الجهادي، المقترن بالإرهاب الاسلاموي، قد يقود إلى إعادة الاقتتال داخل هذه الفصائل المنضوية تحت القيادة السورية الجديدة، سواء ذلك من خلال انشقاقات قد تعرفها، أو من خلال تصادم المكون السوري لهذه الفصائل مع بقية المكونات الأجنبية والتي يبدو أنها حافظت على قناعاتها، في التصدي لـ"المد النصيري" في إشارة للمكون الشيعي للمجتمع السوري.
وهذا التوجه هو من ضمن التوجهات الشاملة للتنظيمات الجهادية الإرهابية التي دخلت لسوريا، بعيد بداية الحرب الأهلية، ومارست الإرهاب ضد الأقليات الدينية الأخرى، وبالأخص ضد الشيعة، مما أعطى هذه الحرب على امتداد سنوات صبغة طائفية، تذكر بالحرب الطائفية التي عرفها العراق بعد الغزو الأمريكي له، والتي ساهمت في بروز تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والذي تحول لتنظيم "دولة العراق الإسلامية" الذي انضوى تحته الجولاني، قبل أن يتحول إلى سوريا في 2012، مبعوثا من أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم، لتأسيس فرع للقاعدة هناك، قبل أن ينقلب عليهم بعد إسقاط البغدادي ببيعته للقاعدة وإعلان تنظيم جديد مواز لها، وهو ما جر الجولاني لإعلان تأسيس جبهة النصرة كفصيل جهادي موال للقاعدة، والتي جرت معها عديد المقاتلين السوريين والأجانب، الذين رفضوا الانضمام لتنظيم "داعش" بحجة تفسيرها الأكثر تطرفا للنصوص الدينية، وممارستها الأكثر فضاعة في حق المدنيين والأسرى.
وبالرغم من أن كثيرا من المقاتلين الأجانب، اختاروا الذهاب مع الجولاني، حتى بعد إعلان انشقاقه من "القاعدة" وتأسيس "جبهة تحرير الشام"، فإنه يبدو أن ذلك تم على أساس مشترك وهو التخلص من القيادة السورية السابقة المحسوبة على المكون العلوي الشيعي في سوريا، وهو ما يوفر الحد الأدنى للأجندة الجهادية لهؤلاء، والذين مازالوا يرون أن "واجبهم الجهادي" يقتضي بالتخلص من "الروافض" و"النصيريين" (في دلالة على الشيعة)، وهو ما قاد بعضهم إلى الإعلان "البين" عن عدم انصياعه لأوامر "التهدئة" والطمأنة التي توجه بها الجولاني.
ويبدو أن هذا ما يفسر إلى حد بعيد، ما حدث مع "شجرة عيد الميلاد" بالنسبة للمسيحيين في حماة، وما يفسر إلى حد بعيد، الأحداث الحاصلة اليوم في ريف طرطوس واللاذقية حيث تعيش الأقلية العلوية، وذلك بعد تسريب فيديو يظهر حرق مقام مرجعية علوية.
مقاتلون أجانب
وهذه ليست المرة الأولى التي تشير إلى "خروج" عن خط الجولاني، فبعد يومين من سقوط دمشق (يوم 10 ديسمبر)، وإعلان الجولاني عن "سردية التهدئة"، أعدم أربعة رجال على يد مقاتلين منتمين لهيئة تحير الشام، تمت الإشارة لهما بأنهم "شبيحة خنازير"، في إشارة إلى المليشيات المقربة من النظام السابق، فيما وصفهم مسلح آخر بأنهم "نصيريون".
أما عن حادث "حرق شجرة الميلاد"، فأشارت كل المصادر إلى أن المتسبب فيها كان من المقاتلين الشيشان، والذين ينضوون تحت ما يسمى تنظيم "أجناد القوقاز"، وهؤلاء من بين المقاتلين الأكثر تطرفا الذين كان بعضهم ضمن تنظيم النصرة و"داعش" قبل أن يلتحقوا بهيئة تحرير الشام، بعد بيعتهم للجولاني على القتال معه "لإسقاط الأسد".
وشكل هؤلاء الأجانب أحد أشد الحلقات تطرفا في الهيئة، بل وكانت أدوارهم مرتبطة بأدوار قتالية أمامية في الجبهة ضمن ما عرف بفرق "العصائب الحمراء" والتي استعملت حتى للعمليات الانتحارية، خلال عملية "ردع العدوان" التي أطاحت بالأسد، وكانت لهم فيديوات انتشرت في تلغرام، أحدها لمقاتلين أفغان، قاموا بحرق جثث لجنود في الجيش السوري، ووصموهم بأنهم "رافضة" و"كفار"، في إشارة لانتمائهم الديني والاثني، وهؤلاء الأفغان لا يخفون انتماءهم لطالبان، وهو ما اتضح في فيديوات تجديد البيعة لزعيم طالبان "الملا هبة الله أخوند زادة" حتى قبل اسقاط النظام وخلال عملية "ردع العدوان".
إن هذه المعطيات والأحداث التي تدور حول هشاشة التنظيمات الجهادية المنضوية تحت لواء "هيئة تحرير الشام" يمكن أن تشكل في المستقبل، بؤر توتر جديدة، خصوصا مع محافظة تنظيم "داعش" على مواطئ قدم في البادية السورية.
هذا التنظيم يمكن أن يشكل مصدر جذب للمسلحين المنضويين تحت "هيئة تحرير الشام"، وغير المقتنعين، بخطاب التهدئة الذي بات يتبناه أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني، الذي مازال يحتفظ بسيطرة نوعية على هذه الفصائل، والتي يمكن أن تتراجع، إذا ما ذهب الجولاني، إلى استكمال ما أقره سابقا، من إقامة انتخابات ومؤسسات سياسية "ديمقراطية" ينتجها حوار وطني، وهذه التعبيرات والمصطلحات قد تدخل ضمن فتاوى الخروج عن الدين والشريعة التي تتبناها الجماعات الاسلاموية العنيفة في العالم، كما لا تتقبلها بعض السرديات الجهادية السلفية، في مقاربتها الدينية للسياسة.