إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. أكراد سوريا.. و"الأجندات المتأرجحة"

تشير جميع المؤشرات الميدانية في سوريا الى أن "التصادم" بين "قوات سوريا الديمقراطية" و"الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، تتجه نحو التصعيد، لتتمدد جبهة الحرب المباشرة بينهما إلى مناطق جديدة، خارج المثلث الأمني الموجود في ريف حلب الشرقي، ومناطق منبج وعين العرب كوباني القريبة من الحدود مع تركيا.

ولعل أي انفجار لهذه الجبهة المنحصرة ضمن المناطق التي يسيطر عليها الأتراك مباشرة في شمال سوريا، قد يحتم تدخلا مباشرا من القوات المنضوية تحت الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع –أبو محمد الجولاني- وهو، على ما يبدو، ما تبحث عنه تركيا في هذه المرحلة، أي استكمال معادلة الحرب على الأكراد في سوريا، وبأياد سورية للتصدي لـ"الخطر الكردي" الذي ترى أنقرة أنه يمثل أول الخطوط الحمراء في معادلة أمنها القومي، أكثر من انتشار "الإرهاب الإسلاموي" المتمثل في الجماعات الإسلامية الجهادية، والتي أضحت تمارس السلطة اليوم في دمشق، وفق طرح فطري جديد، بدأت ملامحه تتحدد، وأطلق عليه مفهوم "الجهادية السياسية".

في هذا السياق، يبدو أن أنقرة لا ترى في السلطة الجديدة في دمشق إلا "خزانا عسكريا" يجب عليه تنفيذ الأجندة التركية في سوريا، باعتبارها أكبر قوة إقليمية مستفيدة من إسقاط نظام بشار الأسد، مقابل تراجع النفوذ الإيراني، و"ضمور" النفوذ السوري في سوريا.

وهذا الدور الذي سطرته تركيا في سوريا، كان وراءه نفس "النسق" اللاتماثلي لجيوسياسة الصراع في سوريا، منذ بداية الحرب الأهلية هناك، والتي لعبت فيها كل القوى الإقليمية والدولية أدوارا بأياد أخرى للحفاظ على موطئ قدم في هذا الصراع.

فكما لعبت تركيا، ورقة دعم الجماعات الإسلامية لضرب الجيش السوري، مما تسبب في بروز تنظيم "داعش"، فقد لعبت إيران بورقة التنظيمات الموالية لها في العراق ولبنان وحتى أفغانستان (شيعة الهزارا) لضمان موطئ قدم هناك، وهو دور لعبه الأمريكيون مباشرة بدعم التنظيمات الكردية المسلحة والتي أسست في ما بعد "قوات سوريا الديمقراطية، وهو نفس الدور الذي لعبته روسيا من خلال إقحام قواتها غير النظامية والمتمثلة أساسا في مجموعة "فاغنر" في المعترك الروسي، واقتحامه مباشرة في بعض الأحيان، مما سمح أيضا بدخول تركي مباشر في الصراع في مناسبتين، قامت خلالهما بفرض "مناطق عازلة" على الأكراد.

واليوم تسعى تركيا لمواصلة نفس اللعبة: دفع "الخزان الجهادي" الذي أصبح ممسكا بالسلطة، لاستكمال الإجهاز على التنظيمات الكردية السورية، وعدم السماح ببناء ضلع جديد لمربع كردستان الكبرى (ضلع أول في العراق وآخر في تركيا وأخير في إيران)، وهي اللعبة التي تقف واشنطن صدا لها، والتي ترى أن التنظيمات الكردية عنصر أساسي في محاربة تنظيم "داعش" وما بقي منه من مجموعات تنتشر في البادية السورية.

هنا، يبدو أن واشنطن تسعى إلى هدفين من دعم الأكراد في سوريا، وعدم تطلعهم لحكم ذاتي لمناطق شرق نهر الفرات في سوريا: أولهما هدف تكتيكي متعلق خاصة بـ"الحرب على الإرهاب" في ظل إمكانية أن يعاود تنظيم داعش الظهور مجددا من رحم الفوضى الجديدة في سوريا، وثانيهما استراتيجي والمتمثل في غرس خنجر جديد في ظهر تركيا، الدولة التي أصبح "تأرجحها" بين أجندة حلف الشمال الأطلسي ومصالحه في شرق أوروبا أحيانا، ودعم تحالفها مع روسيا أحيانا أخرى، وهو ما يثير قلق "الغرب" بضفتيه، خصوصا مع التغييرات السريعة التي بات يعرفها الصراع الجيوسياسي الدولي.

نزار مقني

 

تشير جميع المؤشرات الميدانية في سوريا الى أن "التصادم" بين "قوات سوريا الديمقراطية" و"الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، تتجه نحو التصعيد، لتتمدد جبهة الحرب المباشرة بينهما إلى مناطق جديدة، خارج المثلث الأمني الموجود في ريف حلب الشرقي، ومناطق منبج وعين العرب كوباني القريبة من الحدود مع تركيا.

ولعل أي انفجار لهذه الجبهة المنحصرة ضمن المناطق التي يسيطر عليها الأتراك مباشرة في شمال سوريا، قد يحتم تدخلا مباشرا من القوات المنضوية تحت الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع –أبو محمد الجولاني- وهو، على ما يبدو، ما تبحث عنه تركيا في هذه المرحلة، أي استكمال معادلة الحرب على الأكراد في سوريا، وبأياد سورية للتصدي لـ"الخطر الكردي" الذي ترى أنقرة أنه يمثل أول الخطوط الحمراء في معادلة أمنها القومي، أكثر من انتشار "الإرهاب الإسلاموي" المتمثل في الجماعات الإسلامية الجهادية، والتي أضحت تمارس السلطة اليوم في دمشق، وفق طرح فطري جديد، بدأت ملامحه تتحدد، وأطلق عليه مفهوم "الجهادية السياسية".

في هذا السياق، يبدو أن أنقرة لا ترى في السلطة الجديدة في دمشق إلا "خزانا عسكريا" يجب عليه تنفيذ الأجندة التركية في سوريا، باعتبارها أكبر قوة إقليمية مستفيدة من إسقاط نظام بشار الأسد، مقابل تراجع النفوذ الإيراني، و"ضمور" النفوذ السوري في سوريا.

وهذا الدور الذي سطرته تركيا في سوريا، كان وراءه نفس "النسق" اللاتماثلي لجيوسياسة الصراع في سوريا، منذ بداية الحرب الأهلية هناك، والتي لعبت فيها كل القوى الإقليمية والدولية أدوارا بأياد أخرى للحفاظ على موطئ قدم في هذا الصراع.

فكما لعبت تركيا، ورقة دعم الجماعات الإسلامية لضرب الجيش السوري، مما تسبب في بروز تنظيم "داعش"، فقد لعبت إيران بورقة التنظيمات الموالية لها في العراق ولبنان وحتى أفغانستان (شيعة الهزارا) لضمان موطئ قدم هناك، وهو دور لعبه الأمريكيون مباشرة بدعم التنظيمات الكردية المسلحة والتي أسست في ما بعد "قوات سوريا الديمقراطية، وهو نفس الدور الذي لعبته روسيا من خلال إقحام قواتها غير النظامية والمتمثلة أساسا في مجموعة "فاغنر" في المعترك الروسي، واقتحامه مباشرة في بعض الأحيان، مما سمح أيضا بدخول تركي مباشر في الصراع في مناسبتين، قامت خلالهما بفرض "مناطق عازلة" على الأكراد.

واليوم تسعى تركيا لمواصلة نفس اللعبة: دفع "الخزان الجهادي" الذي أصبح ممسكا بالسلطة، لاستكمال الإجهاز على التنظيمات الكردية السورية، وعدم السماح ببناء ضلع جديد لمربع كردستان الكبرى (ضلع أول في العراق وآخر في تركيا وأخير في إيران)، وهي اللعبة التي تقف واشنطن صدا لها، والتي ترى أن التنظيمات الكردية عنصر أساسي في محاربة تنظيم "داعش" وما بقي منه من مجموعات تنتشر في البادية السورية.

هنا، يبدو أن واشنطن تسعى إلى هدفين من دعم الأكراد في سوريا، وعدم تطلعهم لحكم ذاتي لمناطق شرق نهر الفرات في سوريا: أولهما هدف تكتيكي متعلق خاصة بـ"الحرب على الإرهاب" في ظل إمكانية أن يعاود تنظيم داعش الظهور مجددا من رحم الفوضى الجديدة في سوريا، وثانيهما استراتيجي والمتمثل في غرس خنجر جديد في ظهر تركيا، الدولة التي أصبح "تأرجحها" بين أجندة حلف الشمال الأطلسي ومصالحه في شرق أوروبا أحيانا، ودعم تحالفها مع روسيا أحيانا أخرى، وهو ما يثير قلق "الغرب" بضفتيه، خصوصا مع التغييرات السريعة التي بات يعرفها الصراع الجيوسياسي الدولي.

نزار مقني