إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في عيدها العالمي 18 ديسمبر.. اللغة العربية والنبوغ التجديدي في عصر الذكاء الاصطناعي

بقلم د. الصحراوي قمعون(*)

بفضل نبوغها الأدبي والعلمي السابق وما تتميز به من إرث إبداعي للحضارة العربية الإسلامية الزاهرة طوال القرون الوسطي، تجد اللغة العربية نفسها متمتعة بقدرة لامحدودة على توليد المصطلحات الجديدة واستيراد الكلمات من اللغات الأخرى وصهرها في قالب عربي مجدد وتطويعها وتعريبها معنى ونطقا ، مستغلة الثراء الواسع للتفعيلة العربية والاشتقاق اللغوي فيها بأشكاله الصغرى والكبرى والأكبر والكُبَّار بنحته الإسمي أو الفعلي أو النسبي .

وهي ، في نظر اللغويين والأخصائيين،تتمتع بمقومات الثراء والتعدد والتنوع والقدرة على التعبير وتجسيد المعاني والمواقف المتعددة، لأنها تطورت بفضل مساهمة المتكلمين بها من أمم وثقافات لغوية مختلفة في عصر ازدهارها المُعوْلم في العهد العباسي الزاهر خاصة. بل إن قمة الأريحية والروح الرياضية للغة العربية أن قواعد نحوها وصرفها وتفعيلة بحور شعرها العربي وضعها النحوي سيبويه الفارسي الأصل والذي يعني لقبه في الفارسية "رائحة التفاح"، كما كان يتفكّه بذلك في مجالس ومنتديات بغداد المدينة العالمية المفتوحة لقرون على كل الاجناس والأفكار والملل والنحل .

  وتشير احصائيات ومصادر التوثيق الموسوعي الإلكتروني عام 2024 ان عدد كلمات اللغة العربية تزيد عن اثنتي عشر مليون كلمة دون تكرار. ومقارنة باللغة الانجليزية فإن عدد كلمات اللغة العربية يعادل 25 مرة ضعف عدد كلمات اللغة الإنجليزية التي تتكون من 600 ألف كلمة فحسب، وهي المهيمنة حاليا في العالم فكريا وعلميا وتقنيا وابتكارات. ونفس الحال مع باقي عدد كلمات اللغات الحية الأخرى، حيث يبلغ عدد كلمات اللغة الفرنسية 150 ألف كلمة، والروسية 130 ألف كلمة والصينية 122 ألف كلمة والتركية 111 ألف كلمة، بينما تصل مفردات اللغة الألمانية خمسة ملايين كلمة .

ومنذ سبعينات القرن الماضي أقرت الأمم المتحدة يوما عالميا للغة العربية يكون في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، تحتفي فيه المجموعة الدولية بلغة الحضارة العربية الإسلامية الكونية ولغة نصف مليار من المتكلمين بها من سكان العالم.

تحديات الذكاء الاصطناعي

واليوم تطرح تحديات أمام هذه اللغة وكيف التعامل مع السرعة التي يتقدم بها الذكاء الاصطناعي عبر العالم وفي مختلف المجالات، مما يفرض عليها اليوم رهانات حضارية متأكدة لضمان اندراجها في العولمة الجارية حولها تحت يافطة الذكاء الاصطناعي. وهي رهانات لا تختلف عن تلك الرهانات المصيرية التي عرفتها اللغة العربية في سنوات مجدها الحضاري وفي سنوات انحطاطها وخروجها من الانحطاط مع بواكير النهضة العربية المعاصرة.

ولا يكفي الوقوف عند أمجاد ماضي العربية ، بل يتطلب الامر اليوم بإلحاح ضرورة تطوير مكانتها في مجالات الذكاء الاصطناعي القادم والبحث عن المصطلحات الجديدة، وصولا إلى وضع معجم رقمي للغة العربية في الذكاء الإصطناعي في مختلف المجالات ومنها مجال الصحافة والاعلام. وقد أطلقت دولة الإمارات في أكتوبر عام 2023 أول منصة عربية لمعجم الذكاء الاصطناعي. وهي تهدف إلى تطوير مصطلحات عربية دقيقة مترجمة عن المفردات الإنجليزية وتحديثها وتحيينها بشكل دوري بما يساهم في سد الفجوة الرقمية بين اللغة العربية والعلوم الجديدة. وهو استئناف حميد لجهود الترجمة الحضارية التي باشرها العرب في بداية نهضتهم الحضارية التي أشعوا بها على العالم طيلة القرون الوسطي وأبدع فيها أبو عبدالله الخوارزمي مدير "بيت الحكمة" في بغداد ومخترع خوارزميات التحكم في الذكاء الإصطناعي .

    ويستخدم حاليا الذكاء الاصطناعي في تطوير اللغة عبر بناء خوارزمية تنفّذ مهام الولوج إلى الذاكرة النصية والتعرف على الخط وعلى الكلام الملفوظ وتحليل النصوص العربية للبحث عن المعلومات والمعاني واستخراجها ووضعها على ذمة طالب المعلومة من الصحفيين أو الإعلاميين الراغبين في الحصول على معلومة جاهزة للتكييف الضروري لأسلوب كل صحفي في قاعة التحرير الروبوتية قادما. ويشمل ذلك تطوير قواعد لغوية ووسائل إملائية ذكية تساهم في الحفاظ على دقة وصحة النصوص الصحفية . وهو أمر يسمح للصحفيين والكتاب بالتقليل من الأخطاء اللغوية والإملائية في نصوصهم التي تصبح أكثر دقة ووضوحا وتتفادي الشقشقة اللفظية التي طالما اشتكت منها اللغة العربية في زمن الانحطاط الفكري واللغوي المتواصل إلى اليوم، حيث لا زال خلق الأفكار والمصطلحات يتم حيويا باللغة الإنجليزية المهيمنة إنتاجا وترويجا للأفكار والمصطلحات . وتسمح تقنيات الذكاء الاصطناعي بتنفيذ أوامر خوارزمية لفحص المعاني السياسية للجملة وتحليلها، وبالتالي تعزيز جودة الترجمات .

   وفي نظر المختصين في الذكاء الاصطناعي وفي قواعد النحو والصرف الخصوصية للعربية، فإن هناك تحديات للغة الضاد مع آليات الذكاء الصناعي . وتعتبر العربية من اللغات السامية التي لها خصوصيات تتطلب برمجيات معقدة مع آليات الذكاء الاصطناعي لعل أبرزها في نظر المختصين، التركيب اللغوي المعقّد والتصريفي للغة العربية، لأن الكلمات في العربية تخضع في التصريف انطلاقا من جنس المتكلم وعدده وزمن الفعل، مما يسفر عن تعدد وتنوع في الأشكال الظاهرة لنفس الكلمة. وهذا الامر يضاعف من صعوبة تصميم نماذج ذكاء اصطناعي قادر على التعرف والفهم للنصوص العربية المتاحة.

ذكاء صناعي في خدمة الصحافة والصحافيين

   كما يمثل من جهة أخرى واقع التخلف الفكري والضمور الإبداعي للبنية الفكرية والثقافية والبحثية العربية وعدم مواكبته لنسق ما يجري في العالم المتمدن اصطناعيا، أحد فصول محدودية موارد اللغة العربية الرقمية والقواعد اللغوية المنظمة للعملية الخاصة باللغة العربية، رغم ما يلاحظ من تسارع وتيرة جهود الدول العربية في تطوير مجال الموارد اللغوية والمعاجم الالكترونية ومراكز التوثيق الالكترونية التي يستند إليها الذكاء الاصطناعي لتنفيذ أوامر سيده ومولاه في إحضار أو تحضير نص صحفي دسم ومحوصل، يكون جاهزا للبث في الدقيقة التي حصل عليها بعد إجراءات التثبت والتمحيص الخوارزمي ثم البشري لرئيس التحرير أو إدْمين الموقع.

   ورغم كل التحديات الخصوصية، المشار إليها يبقى الذكاء الاصطناعي الذي غزا كل الشعوب والمجتمعات اليوم بدرجات متفاوتة، فرصة متجددة للغة العربية للنبوغ والتطوير كما جرى لها مع بداية العصر العباسي. وقد يفعل سيبويه الذكاء الاصطناعي القادم باللغة العربية ببرمجياته، ما فعله للغة العربية سيبويه الدولة العباسية من تطوير خلاق جعل اللغة العربية لغة الحكمة والآداب والعلوم طوال العصر الوسيط.

   ومن المتوقع أيضا أن يكون إدخال التقنيات الصناعية الجديدة ذات الصلة باللغة فرصة تاريخية متجددة لتطوير تفاعل الناطقين بالعربية مع العالم الافتراضي الصناعي الزاحف بسرعة جنونية، وهو ما يساهم في نقل تراث العربية الثقافي ومزيد تعليم اللغة العربية وصيانتها وتعهدها بالزيادة والنقصان في العصر الالكتروني السيّار. ولعل ذلك ما يعود بالنفع على عودة اللغة العربية إلى قرون مجدها وجماليتها ودقتها العلمية والفلسفية، خاصة وأن إرثها الكتابي والفكري لازال تراثا تعدديا عقلانيا بناه لِيبْرَالِيُّو المعتزلة وإخوان الصفا وخلان الوفاء، وهو نتاج حضارة عربية إسلامية كان نبوغها من إنتاج أقوام وشعوب مختلفة تركت إرثا كبيرا مُعوْلما قابلا للاستغلال بواسطة أليات وتقنيات الذكاء الاصطناعي صنيعة الخوارزمي القادم على مهل والفارض نفسه "فاضِرْضِيًّا"ككائن فضائي في الفضاء العام المعولم، على كل القطاعات العلمية والأكاديمية والقانونية والصحفية والإعلامية، وصولا إلى تعامل سريع ودقيق مع بنك المعلومات المخزِّن للغةٍ وحضارة ثرية كتابية منذ الشاعر امرؤ القيس إلى الصحفي إبراهيم اليازجي، مرورا بالجاحظ والتوحيدي أقطاب علم الكلام وعلوم الصحافة وعلوم الكتابة الصحفية المتطورة مع الزمن ذكاءً بشريا أو ذكاءً صناعيا على حد السواء . فهي دائما في الموعد مع التجديد الحضاري.

يقول المستشرق الفرنسي جاك بيرك: " اللغة العربية لغة المستقبل ولاشك أنه يموت غيرها وتبقى حية خالدة".

* صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

 

 

 

في عيدها العالمي 18 ديسمبر.. اللغة العربية والنبوغ التجديدي في عصر الذكاء الاصطناعي

بقلم د. الصحراوي قمعون(*)

بفضل نبوغها الأدبي والعلمي السابق وما تتميز به من إرث إبداعي للحضارة العربية الإسلامية الزاهرة طوال القرون الوسطي، تجد اللغة العربية نفسها متمتعة بقدرة لامحدودة على توليد المصطلحات الجديدة واستيراد الكلمات من اللغات الأخرى وصهرها في قالب عربي مجدد وتطويعها وتعريبها معنى ونطقا ، مستغلة الثراء الواسع للتفعيلة العربية والاشتقاق اللغوي فيها بأشكاله الصغرى والكبرى والأكبر والكُبَّار بنحته الإسمي أو الفعلي أو النسبي .

وهي ، في نظر اللغويين والأخصائيين،تتمتع بمقومات الثراء والتعدد والتنوع والقدرة على التعبير وتجسيد المعاني والمواقف المتعددة، لأنها تطورت بفضل مساهمة المتكلمين بها من أمم وثقافات لغوية مختلفة في عصر ازدهارها المُعوْلم في العهد العباسي الزاهر خاصة. بل إن قمة الأريحية والروح الرياضية للغة العربية أن قواعد نحوها وصرفها وتفعيلة بحور شعرها العربي وضعها النحوي سيبويه الفارسي الأصل والذي يعني لقبه في الفارسية "رائحة التفاح"، كما كان يتفكّه بذلك في مجالس ومنتديات بغداد المدينة العالمية المفتوحة لقرون على كل الاجناس والأفكار والملل والنحل .

  وتشير احصائيات ومصادر التوثيق الموسوعي الإلكتروني عام 2024 ان عدد كلمات اللغة العربية تزيد عن اثنتي عشر مليون كلمة دون تكرار. ومقارنة باللغة الانجليزية فإن عدد كلمات اللغة العربية يعادل 25 مرة ضعف عدد كلمات اللغة الإنجليزية التي تتكون من 600 ألف كلمة فحسب، وهي المهيمنة حاليا في العالم فكريا وعلميا وتقنيا وابتكارات. ونفس الحال مع باقي عدد كلمات اللغات الحية الأخرى، حيث يبلغ عدد كلمات اللغة الفرنسية 150 ألف كلمة، والروسية 130 ألف كلمة والصينية 122 ألف كلمة والتركية 111 ألف كلمة، بينما تصل مفردات اللغة الألمانية خمسة ملايين كلمة .

ومنذ سبعينات القرن الماضي أقرت الأمم المتحدة يوما عالميا للغة العربية يكون في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، تحتفي فيه المجموعة الدولية بلغة الحضارة العربية الإسلامية الكونية ولغة نصف مليار من المتكلمين بها من سكان العالم.

تحديات الذكاء الاصطناعي

واليوم تطرح تحديات أمام هذه اللغة وكيف التعامل مع السرعة التي يتقدم بها الذكاء الاصطناعي عبر العالم وفي مختلف المجالات، مما يفرض عليها اليوم رهانات حضارية متأكدة لضمان اندراجها في العولمة الجارية حولها تحت يافطة الذكاء الاصطناعي. وهي رهانات لا تختلف عن تلك الرهانات المصيرية التي عرفتها اللغة العربية في سنوات مجدها الحضاري وفي سنوات انحطاطها وخروجها من الانحطاط مع بواكير النهضة العربية المعاصرة.

ولا يكفي الوقوف عند أمجاد ماضي العربية ، بل يتطلب الامر اليوم بإلحاح ضرورة تطوير مكانتها في مجالات الذكاء الاصطناعي القادم والبحث عن المصطلحات الجديدة، وصولا إلى وضع معجم رقمي للغة العربية في الذكاء الإصطناعي في مختلف المجالات ومنها مجال الصحافة والاعلام. وقد أطلقت دولة الإمارات في أكتوبر عام 2023 أول منصة عربية لمعجم الذكاء الاصطناعي. وهي تهدف إلى تطوير مصطلحات عربية دقيقة مترجمة عن المفردات الإنجليزية وتحديثها وتحيينها بشكل دوري بما يساهم في سد الفجوة الرقمية بين اللغة العربية والعلوم الجديدة. وهو استئناف حميد لجهود الترجمة الحضارية التي باشرها العرب في بداية نهضتهم الحضارية التي أشعوا بها على العالم طيلة القرون الوسطي وأبدع فيها أبو عبدالله الخوارزمي مدير "بيت الحكمة" في بغداد ومخترع خوارزميات التحكم في الذكاء الإصطناعي .

    ويستخدم حاليا الذكاء الاصطناعي في تطوير اللغة عبر بناء خوارزمية تنفّذ مهام الولوج إلى الذاكرة النصية والتعرف على الخط وعلى الكلام الملفوظ وتحليل النصوص العربية للبحث عن المعلومات والمعاني واستخراجها ووضعها على ذمة طالب المعلومة من الصحفيين أو الإعلاميين الراغبين في الحصول على معلومة جاهزة للتكييف الضروري لأسلوب كل صحفي في قاعة التحرير الروبوتية قادما. ويشمل ذلك تطوير قواعد لغوية ووسائل إملائية ذكية تساهم في الحفاظ على دقة وصحة النصوص الصحفية . وهو أمر يسمح للصحفيين والكتاب بالتقليل من الأخطاء اللغوية والإملائية في نصوصهم التي تصبح أكثر دقة ووضوحا وتتفادي الشقشقة اللفظية التي طالما اشتكت منها اللغة العربية في زمن الانحطاط الفكري واللغوي المتواصل إلى اليوم، حيث لا زال خلق الأفكار والمصطلحات يتم حيويا باللغة الإنجليزية المهيمنة إنتاجا وترويجا للأفكار والمصطلحات . وتسمح تقنيات الذكاء الاصطناعي بتنفيذ أوامر خوارزمية لفحص المعاني السياسية للجملة وتحليلها، وبالتالي تعزيز جودة الترجمات .

   وفي نظر المختصين في الذكاء الاصطناعي وفي قواعد النحو والصرف الخصوصية للعربية، فإن هناك تحديات للغة الضاد مع آليات الذكاء الصناعي . وتعتبر العربية من اللغات السامية التي لها خصوصيات تتطلب برمجيات معقدة مع آليات الذكاء الاصطناعي لعل أبرزها في نظر المختصين، التركيب اللغوي المعقّد والتصريفي للغة العربية، لأن الكلمات في العربية تخضع في التصريف انطلاقا من جنس المتكلم وعدده وزمن الفعل، مما يسفر عن تعدد وتنوع في الأشكال الظاهرة لنفس الكلمة. وهذا الامر يضاعف من صعوبة تصميم نماذج ذكاء اصطناعي قادر على التعرف والفهم للنصوص العربية المتاحة.

ذكاء صناعي في خدمة الصحافة والصحافيين

   كما يمثل من جهة أخرى واقع التخلف الفكري والضمور الإبداعي للبنية الفكرية والثقافية والبحثية العربية وعدم مواكبته لنسق ما يجري في العالم المتمدن اصطناعيا، أحد فصول محدودية موارد اللغة العربية الرقمية والقواعد اللغوية المنظمة للعملية الخاصة باللغة العربية، رغم ما يلاحظ من تسارع وتيرة جهود الدول العربية في تطوير مجال الموارد اللغوية والمعاجم الالكترونية ومراكز التوثيق الالكترونية التي يستند إليها الذكاء الاصطناعي لتنفيذ أوامر سيده ومولاه في إحضار أو تحضير نص صحفي دسم ومحوصل، يكون جاهزا للبث في الدقيقة التي حصل عليها بعد إجراءات التثبت والتمحيص الخوارزمي ثم البشري لرئيس التحرير أو إدْمين الموقع.

   ورغم كل التحديات الخصوصية، المشار إليها يبقى الذكاء الاصطناعي الذي غزا كل الشعوب والمجتمعات اليوم بدرجات متفاوتة، فرصة متجددة للغة العربية للنبوغ والتطوير كما جرى لها مع بداية العصر العباسي. وقد يفعل سيبويه الذكاء الاصطناعي القادم باللغة العربية ببرمجياته، ما فعله للغة العربية سيبويه الدولة العباسية من تطوير خلاق جعل اللغة العربية لغة الحكمة والآداب والعلوم طوال العصر الوسيط.

   ومن المتوقع أيضا أن يكون إدخال التقنيات الصناعية الجديدة ذات الصلة باللغة فرصة تاريخية متجددة لتطوير تفاعل الناطقين بالعربية مع العالم الافتراضي الصناعي الزاحف بسرعة جنونية، وهو ما يساهم في نقل تراث العربية الثقافي ومزيد تعليم اللغة العربية وصيانتها وتعهدها بالزيادة والنقصان في العصر الالكتروني السيّار. ولعل ذلك ما يعود بالنفع على عودة اللغة العربية إلى قرون مجدها وجماليتها ودقتها العلمية والفلسفية، خاصة وأن إرثها الكتابي والفكري لازال تراثا تعدديا عقلانيا بناه لِيبْرَالِيُّو المعتزلة وإخوان الصفا وخلان الوفاء، وهو نتاج حضارة عربية إسلامية كان نبوغها من إنتاج أقوام وشعوب مختلفة تركت إرثا كبيرا مُعوْلما قابلا للاستغلال بواسطة أليات وتقنيات الذكاء الاصطناعي صنيعة الخوارزمي القادم على مهل والفارض نفسه "فاضِرْضِيًّا"ككائن فضائي في الفضاء العام المعولم، على كل القطاعات العلمية والأكاديمية والقانونية والصحفية والإعلامية، وصولا إلى تعامل سريع ودقيق مع بنك المعلومات المخزِّن للغةٍ وحضارة ثرية كتابية منذ الشاعر امرؤ القيس إلى الصحفي إبراهيم اليازجي، مرورا بالجاحظ والتوحيدي أقطاب علم الكلام وعلوم الصحافة وعلوم الكتابة الصحفية المتطورة مع الزمن ذكاءً بشريا أو ذكاءً صناعيا على حد السواء . فهي دائما في الموعد مع التجديد الحضاري.

يقول المستشرق الفرنسي جاك بيرك: " اللغة العربية لغة المستقبل ولاشك أنه يموت غيرها وتبقى حية خالدة".

* صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة