إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد أن أعلن الرحوي عن السعي إلى تجميعها.. "العائلة الوطنية الديمقراطية" مصطلح سياسي آخر دون معنى ولا ملامح !

تونس - الصباح

في الوقت الذي بات فيه الحضور السياسي لأغلب الأحزاب والقوى باهتا في الفضاء العام، حيث تغيب الأنشطة وكذلك المواقف، هناك بعض القوى ومنها خاصة المؤيدة لمسار 25 جويلية تحاول أن تثبت وجودها من خلال بعض الأنشطة والفعاليات بحثا عن إسناد زخم شعبي تراجع بشكل لافت بالنسبة لكل الأحزاب والقوى السياسية ..

ورغم أن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد - شق منجي الرحوي، يعتبر من بين القوى السياسية اليسارية التي فقدت الكثير من إشعاعها وعمقها الشعبي في السنوات الأخيرة بسبب الخلاف الداخلي الذي عصف بالحزب وقسمهم الى فريقين، فريق زياد لخضر ومن معه وفريق آخر بقيادة الرحوي الذي يطرح نفسه كجهة وحيدة شرعية وممثلة للحزب، وتعود جذور أزمة الحزب الى أزمة تحالف الجبهة الشعبية ذلك التحالف اليساري الذي انتهى بأزمة ما قبل انتخابات 2019 بتلك الخصومة المعلنة بين حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد بسبب أحقية من سيترشّح وقتها الى الانتخابات ليكون في النهاية الفشل الكبير لتلك العائلة اليسارية رئاسيا وتشريعيا وإهدار تام لما راكمته من تجربة وتنظّم وشعبية بعد اغتيال الشهيد شكري الذي طالما كان يحلم بالحزب اليساري الكبير وكان تحالف الجبهة الشعبية ترجمة لذلك الحلم ..

ومن بوابة ذلك "الحلم اليساري" الضائع  يعود اليوم المنجي الرحوي طارحا فكرة العائلة الوطنية الديمقراطية، ولكن هل تملك هذه الفكرة اليوم أمام كل الإكراهات الراهنة فرصة للنجاح؟

الواقع يهزم الفكرة

ندوات إقليمية متعاقبة ولقاءات جهوية يقوم بها حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحّد" بقيادة المنجي الرحوي بهدف تجميع ما وصفه الرحوي بـ"العائلة الديمقراطية الوطنية" دون توضيح لخصوصيات هذه العائلة، ومقوّماتها وأهدافها، وما إذا كان الانضمام الى هذه العائلة سيكون في إطار تحالف سياسي أو انصهار في "الوطد" ورغم تركيز الرحوي على الجهات كمنطلق لهذا التجميع وذلك تماهيا وانسجاما مع المسار الذي يبدأ بشكل قاعدي أي من المحليات والجهات وصولا الى المركز، وهو ما يحاول الرحوي القيام به اليوم، من خلال تجديد شعبية حزبه قاعديا وطرح نفسه مجمّعا سياسيا في إطار ما وصفه بالعائلة الوطنية الديمقراطية، وهي عائلة لم تصنّف من قبل، حيث كان دائما الحديث يدور حول العائلة الوسطية أو العائلة الاجتماعية، ولكن العائلة الوطنية الديمقراطية فهي مفهوم جديد يحاول اليوم الرحوي ومن معه، بلورته في إطار مشروع سياسي قائم الذات ..

رغم أن هذا الأمر يبدو صعبا وغير منطقي، باعتبار أن العائلات السياسية تكون نتيجة ولاحقة لوجود أحزاب تحمل أفكارا مشتركة تترجم تلك العائلة السياسية ولا يمكن الحديث عن عائلة دون قوى سابقة، وإذا كان ما طرحه الرحوي يتعلّق بقوى سياسية موجودة فإن أغلب القوى والأحزاب تشترك في قيمة الوطنية والديمقراطية، كأساس في وجودها ككيان سياسي وقانوني، وبالتالي فإن فكرة العائلة الديمقراطية الوطنية تبدو فكرة هلامية وواسعة ويمكن أن تستوعب الجميع كما يمكن أيضا ألا تشمل الأغلبية بالنظر الى محاولات احتكار الوطنية والقيم الديمقراطية اليوم من بعض الأطراف ..

ورغم أن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد بقيادة الرحوي أعلن تأييده لمسار 25 جويلية ودعمه له مع حزب يساري آخر هو حزب تونس الى الأمام بقيادة عبيد البريكي إلا أن أغلب الأحزاب اليسارية مازالت متمسكة بموقفها الرافض والناقد لإجراءات 25 جويلية، ولكن تأييد الرحوي للمسار لم يمنعه من توجيه نقد لاذع لبعض مواقف السلطة، حيث اعتبر مؤخرا وفي إحدى تصريحاته الإعلامية أن تونس لم تحقق بعد سيادتها الرسمية والكاملة في القرار السياسي وفي الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثروات والمقدّرات الوطنية، كما اعتبر أن 25 جويلية ليس إلا فاتحة لاستئناف المسار الثوري الذي مازال الرحوي يعتبر أنه الى اليوم فيه مدّ وجزر وذلك حسب موازين القوى، ورغم أنه انتقد قانون المالية واعتبر أن حزبه معارض لكل سياسة لا تتوافق ما وصفه بطموحات الشعب كما اعتبر أنهم يرفضون سياسات هذه الحكومات التي يرى أنها مازالت في "النسق والمنظومة القديمة"،وفق تعبيره. كما أشار الى أن فائدة القروض التي يتم صرفها لبعض البنوك تفوق ميزانية الاستثمار، وفي هذا التوزيع حيف اجتماعي، وفق قوله ومن انتقاداته لقانون الميزانية أيضا اعتبار أن المبالغ المالية التي تم رصدها لفائدة الشركات ومختلف الفئات غير كافية، حيث أكَد أن "قانون المالية فيه الكثير من المغالطة عبر تقديم عناوين حول مساندة الفئات الهشة وفي الواقع لا جدوى لها، والإجراءات الاجتماعية اقتصرت على العناوين" في المقابل فقد استحسن الرحوي "إيقاف العمل مع صندوق النقد الدولي" معتبرا أنه "يوزع التداين والارتهان إلى الخارج وتبعية البلدان للبلدان الكبرى المتحكمة.."

وتركيز الرحوي على قانون المالية يعود لكونه ترأس في البرلمان السابق لجنة المالية وهي اللجنة البرلمانية التي كانت تسند الى المعارضة كمظهر من مظاهر الديمقراطية التي تسمح للمعارضة مهما كان وزنها ان يكون لها دور في صياغة أهم مشاريع إدارة الدولة وهو مشروع قانون المالية، إلا أن الرحوي أقرَ أنه "بعد 2021 وإعلان إجراءات 25 جويلية لم تغيَر قوانين المالية شيئا في أوضاع التونسيين" وأنه "لا وجود لإرادة حقيقية لتغيير واقعهم"، وفق تعبيره.

وهذه المواقف المتناقضة من مسار 25 جويلية والتي يدعمها حينا وينتقدها أحيانا ليست حكرا على منجي الرحوي بل هي تمثّل تيارا كاملا من القوى والمنظمات التي تمسّكت في فترة ما بما يسمّى "بالمساندة النقدية" التي رحبّت بإجراءات 25 جويلية ولكنها انتقدت بعد ذلك بعض التوجهات السياسية لرئيس الجمهورية قيس سعيد والذي أبقى دائما على مسافة بينه وبينها ولم يسع الى جعلها ضمن حزامه السياسي انسجاما مع رؤيته للعمل الحزبي، حيث يؤمن سعيّد بالديمقراطية المباشرة ولذلك تم إقصاء الأحزاب من الترشّح الى البرلمان وهي الضربة القاصمة التي نزعت كل وسائل التأثير وأدواته السياسية عن هذه الأحزاب، واليوم سعي الرحوي لخلق عائلة سياسية ليس إلا إنتاجا متجدّدا للعبث السياسي والحزبي الذي مازال يفكّر بشكل تقليدي في مرحلة ومسار غير تقليديين!

منية العرفاوي

بعد أن أعلن الرحوي عن السعي إلى تجميعها..  "العائلة الوطنية الديمقراطية" مصطلح سياسي آخر دون معنى ولا ملامح !

تونس - الصباح

في الوقت الذي بات فيه الحضور السياسي لأغلب الأحزاب والقوى باهتا في الفضاء العام، حيث تغيب الأنشطة وكذلك المواقف، هناك بعض القوى ومنها خاصة المؤيدة لمسار 25 جويلية تحاول أن تثبت وجودها من خلال بعض الأنشطة والفعاليات بحثا عن إسناد زخم شعبي تراجع بشكل لافت بالنسبة لكل الأحزاب والقوى السياسية ..

ورغم أن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد - شق منجي الرحوي، يعتبر من بين القوى السياسية اليسارية التي فقدت الكثير من إشعاعها وعمقها الشعبي في السنوات الأخيرة بسبب الخلاف الداخلي الذي عصف بالحزب وقسمهم الى فريقين، فريق زياد لخضر ومن معه وفريق آخر بقيادة الرحوي الذي يطرح نفسه كجهة وحيدة شرعية وممثلة للحزب، وتعود جذور أزمة الحزب الى أزمة تحالف الجبهة الشعبية ذلك التحالف اليساري الذي انتهى بأزمة ما قبل انتخابات 2019 بتلك الخصومة المعلنة بين حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد بسبب أحقية من سيترشّح وقتها الى الانتخابات ليكون في النهاية الفشل الكبير لتلك العائلة اليسارية رئاسيا وتشريعيا وإهدار تام لما راكمته من تجربة وتنظّم وشعبية بعد اغتيال الشهيد شكري الذي طالما كان يحلم بالحزب اليساري الكبير وكان تحالف الجبهة الشعبية ترجمة لذلك الحلم ..

ومن بوابة ذلك "الحلم اليساري" الضائع  يعود اليوم المنجي الرحوي طارحا فكرة العائلة الوطنية الديمقراطية، ولكن هل تملك هذه الفكرة اليوم أمام كل الإكراهات الراهنة فرصة للنجاح؟

الواقع يهزم الفكرة

ندوات إقليمية متعاقبة ولقاءات جهوية يقوم بها حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحّد" بقيادة المنجي الرحوي بهدف تجميع ما وصفه الرحوي بـ"العائلة الديمقراطية الوطنية" دون توضيح لخصوصيات هذه العائلة، ومقوّماتها وأهدافها، وما إذا كان الانضمام الى هذه العائلة سيكون في إطار تحالف سياسي أو انصهار في "الوطد" ورغم تركيز الرحوي على الجهات كمنطلق لهذا التجميع وذلك تماهيا وانسجاما مع المسار الذي يبدأ بشكل قاعدي أي من المحليات والجهات وصولا الى المركز، وهو ما يحاول الرحوي القيام به اليوم، من خلال تجديد شعبية حزبه قاعديا وطرح نفسه مجمّعا سياسيا في إطار ما وصفه بالعائلة الوطنية الديمقراطية، وهي عائلة لم تصنّف من قبل، حيث كان دائما الحديث يدور حول العائلة الوسطية أو العائلة الاجتماعية، ولكن العائلة الوطنية الديمقراطية فهي مفهوم جديد يحاول اليوم الرحوي ومن معه، بلورته في إطار مشروع سياسي قائم الذات ..

رغم أن هذا الأمر يبدو صعبا وغير منطقي، باعتبار أن العائلات السياسية تكون نتيجة ولاحقة لوجود أحزاب تحمل أفكارا مشتركة تترجم تلك العائلة السياسية ولا يمكن الحديث عن عائلة دون قوى سابقة، وإذا كان ما طرحه الرحوي يتعلّق بقوى سياسية موجودة فإن أغلب القوى والأحزاب تشترك في قيمة الوطنية والديمقراطية، كأساس في وجودها ككيان سياسي وقانوني، وبالتالي فإن فكرة العائلة الديمقراطية الوطنية تبدو فكرة هلامية وواسعة ويمكن أن تستوعب الجميع كما يمكن أيضا ألا تشمل الأغلبية بالنظر الى محاولات احتكار الوطنية والقيم الديمقراطية اليوم من بعض الأطراف ..

ورغم أن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد بقيادة الرحوي أعلن تأييده لمسار 25 جويلية ودعمه له مع حزب يساري آخر هو حزب تونس الى الأمام بقيادة عبيد البريكي إلا أن أغلب الأحزاب اليسارية مازالت متمسكة بموقفها الرافض والناقد لإجراءات 25 جويلية، ولكن تأييد الرحوي للمسار لم يمنعه من توجيه نقد لاذع لبعض مواقف السلطة، حيث اعتبر مؤخرا وفي إحدى تصريحاته الإعلامية أن تونس لم تحقق بعد سيادتها الرسمية والكاملة في القرار السياسي وفي الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثروات والمقدّرات الوطنية، كما اعتبر أن 25 جويلية ليس إلا فاتحة لاستئناف المسار الثوري الذي مازال الرحوي يعتبر أنه الى اليوم فيه مدّ وجزر وذلك حسب موازين القوى، ورغم أنه انتقد قانون المالية واعتبر أن حزبه معارض لكل سياسة لا تتوافق ما وصفه بطموحات الشعب كما اعتبر أنهم يرفضون سياسات هذه الحكومات التي يرى أنها مازالت في "النسق والمنظومة القديمة"،وفق تعبيره. كما أشار الى أن فائدة القروض التي يتم صرفها لبعض البنوك تفوق ميزانية الاستثمار، وفي هذا التوزيع حيف اجتماعي، وفق قوله ومن انتقاداته لقانون الميزانية أيضا اعتبار أن المبالغ المالية التي تم رصدها لفائدة الشركات ومختلف الفئات غير كافية، حيث أكَد أن "قانون المالية فيه الكثير من المغالطة عبر تقديم عناوين حول مساندة الفئات الهشة وفي الواقع لا جدوى لها، والإجراءات الاجتماعية اقتصرت على العناوين" في المقابل فقد استحسن الرحوي "إيقاف العمل مع صندوق النقد الدولي" معتبرا أنه "يوزع التداين والارتهان إلى الخارج وتبعية البلدان للبلدان الكبرى المتحكمة.."

وتركيز الرحوي على قانون المالية يعود لكونه ترأس في البرلمان السابق لجنة المالية وهي اللجنة البرلمانية التي كانت تسند الى المعارضة كمظهر من مظاهر الديمقراطية التي تسمح للمعارضة مهما كان وزنها ان يكون لها دور في صياغة أهم مشاريع إدارة الدولة وهو مشروع قانون المالية، إلا أن الرحوي أقرَ أنه "بعد 2021 وإعلان إجراءات 25 جويلية لم تغيَر قوانين المالية شيئا في أوضاع التونسيين" وأنه "لا وجود لإرادة حقيقية لتغيير واقعهم"، وفق تعبيره.

وهذه المواقف المتناقضة من مسار 25 جويلية والتي يدعمها حينا وينتقدها أحيانا ليست حكرا على منجي الرحوي بل هي تمثّل تيارا كاملا من القوى والمنظمات التي تمسّكت في فترة ما بما يسمّى "بالمساندة النقدية" التي رحبّت بإجراءات 25 جويلية ولكنها انتقدت بعد ذلك بعض التوجهات السياسية لرئيس الجمهورية قيس سعيد والذي أبقى دائما على مسافة بينه وبينها ولم يسع الى جعلها ضمن حزامه السياسي انسجاما مع رؤيته للعمل الحزبي، حيث يؤمن سعيّد بالديمقراطية المباشرة ولذلك تم إقصاء الأحزاب من الترشّح الى البرلمان وهي الضربة القاصمة التي نزعت كل وسائل التأثير وأدواته السياسية عن هذه الأحزاب، واليوم سعي الرحوي لخلق عائلة سياسية ليس إلا إنتاجا متجدّدا للعبث السياسي والحزبي الذي مازال يفكّر بشكل تقليدي في مرحلة ومسار غير تقليديين!

منية العرفاوي