جدّدت تونس تمسّكها باتحاد المغرب العربي كمشروع حضاري ومكسب تاريخي لشعوب المنطقة، وذلك في استقبال وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي للأمين العام لاتحاد المغرب العربي طارق بن سالم، حيث تم التأكيد خلال اللقاء على أن تونس تؤمن بحتمية العمل المغاربي المشترك وأنه خيار استراتيجي لا محيد عنه لتحقيق التنمية المتضامنة في المنطقة المغاربية، كما أكد الأمين العام للاتحاد أنه على الأمانة العامة أن تسعى للمحافظة وتفعيل ما وصفه بـ"الصرح المغاربي" وأن جهود الجميع يجب أن تتضافر من أجل ذلك.
ويأتي هذا اللقاء بعد حوالي سنة من تعيين الأمين العام الجديد لاتحاد المغرب العربي وهو التونسي طارق بن سالم خلفا لوزير الخارجية السابق الطيب البكوش الذي تقلّد مهامه لسنوات، ولكنه مع ذلك فشل في إعادة الروح للاتحاد المغاربي الذي ظلّ لعقود تطغى عليه الخلافات الثنائية بين بعض البلدان المغاربية والتي تعمّقت في السنوات الأخيرة لتصل لمرحلة قطع العلاقات الديبلوماسية وطرد السفراء.
هذا الوضع الذي بلغته المنظمّة أوهنها بشكل كبير وأصبحت مجرّد كيان إداري مفرغ من كل هدف ومضمون، وضاعت بذلك الفرصة التاريخية التي كانت يمكن أن تحوّل البلدان المغاربية إلى قوّة اقتصادية هامة شمال القارة الإفريقية وهي التي تتموقع استراتيجيا بين أوروبا وإفريقيا الوسطى، وكان يمكن أيضا أن يدفع توحّد البلدان المغاربية من خلال خلق آليات ناجعة وناجزة للعمل المشترك إلى معالجة القضايا الاجتماعية الحارقة والتي يعاني منها اليوم كل بلد لوحده مثل قضايا الفقر والهجرة غير النظامية والمخاطر الإرهابية والبطالة.
ورغم أن النوايا كانت دائما حاضرة للتعبير عن رغبة كل بلد في التمسّك باتحاد المغرب العربي ككيان للعمل المشترك إلا أن هذه النوايا لم تنجح إلى اليوم في الذهاب إلى تقارب حقيقي تتم ترجمته بكيان مغاربي حقيقي يضع الاقتصاد كأولوية مطلقة بما قد يساعد كل البلدان المغاربية في تجاوز أزماتها الاقتصادية الداخلية والتي تعاني منها دون استثناء وتحول دون تحقيقها لنسب نمو هامة كان يمكن ذلك التقارب المغاربي أن يتيحها.
الحاضر ينسف تطلّعات الماضي
ظلّت العلاقات الجزائرية - المغربية، المتوتّرة طوال الوقت بسبب أزمة الصحراء الغربية، تلقي بظلالها على اتحاد المغرب العربي وتجهض كل مرة أي محاولة للخروج من هذه العلاقة الفاترة إلى علاقة أكثر تقاربا وديناميكية، وبلغ التأزّم ذروته في هذه العلاقة بعد أن أعلنت الجزائر في عام 2021 أنها قطعت علاقتها مع المغرب وذلك بعد وقوع عدة أحداث مستفزة في الصحراء الغربية، بالإضافة إلى الموقف الذي اتخذته المغرب في2020 لتطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال. وهو الأمر الذي ما زالت ترفضه بشدّة بقية بلدان المغرب العربي، وهذه الخطوة التي رفضتها الجزائر بشكل صريح رأت فيها كذلك تهديدا لأمنها الوطني بما دفع إلى القطيعة الديبلوماسية بين البلدين المتجاورين.
وفتور العلاقة بين الجزائر والمغرب، أثّر على علاقة الدول حيث نلاحظ دائما تقاربا بين الجزائر وتونس وليبيا خاصة في الموقف من بعض القضايا الدولية كما وأنه دائما كان هناك لقاءات بين قادة هذه البلدان، وهذا الفتور والقطيعة فوّت على دول الخمس المكوّنة للاتحاد والتي تحوز على كتلة بشرية في حدود 120 مليون نسمة فرصة لتكوّن قوّة اقتصادية مهمة وسوقا استهلاكية ضخمة. كما وأن مساحة هذه البلدان الشاسعة والممتدة على 6 ملايين كلم مربع بما يمثّل نسبة 40% من مساحة الوطن العربي، كان يمكن أن تتحوّل إلى قوّة استثنائية على مستوى المنتوجات الفلاحية خاصة وأن قيمة صادرات البلدان المغاربية مجتمعة، ووفق إحصائيات رسمية في حدود 47.5 مليار دولار، وهو رقم يمكن أن يتضاعف في إطار خطة تعاون مشتركة تنهض بكل القطاعات المحلية لأي بلد من بلدان الاتحاد، علما وأن فكرة الاتحاد المغاربي قامت بالأساس على أهداف ترمي إلى النهوض بالقطاع الاقتصادي وتوحيد الرؤى والمواقف الخارجية إزاء القضايا الدولية، ولكن تلك الأهداف وبعد كل هذه العقود لم يتحقق منها شيء.
وجغرافيا تتوزّع هياكل الاتحاد بين مختلف الدول إذ تقع الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي في الرباط وتستضيف تونس المصرف المغاربي فيما تحتضن الجزائر مقر مجلس الشورى ويقع في نواكشوط مقر الهيئة القضائية للاتحاد، وفي العاصمة طرابلس مقر كل من الأكاديمية المغربية وجامعة المغرب العربي، ولكن كل هذه الهيئات لا أثر لها في الواقع ولم تعمل على تذليل أي صعوبة من الصعوبات التي تحول دون التقارب بين هذه البلدان رغم كل المحاولات للخروج من هذا الوضع الهجين حيث تقدم وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني في2012 بمقترحات من أجل إصلاح الجهاز المغاربي أهمها تغيير اسمه من اتحاد المغرب العربي إلى الاتحاد المغاربي، وقد وافقت وقتها تونس وليبيا على هذا المقترح في حين اعترضت الجزائر وموريتانيا. وفي مارس 2021، وعند زيارته إلى ليبيا، قال رئيس الجمهورية قيس سعيد أنه حان الوقت لإحياء مؤسسة اتحاد المغرب العربي خاصة وأن الرئيس سعيد عبّر في أكثر من مناسبة سابقة على ضرورة التمسّك باتحاد دول المغرب العربي كخيار استراتيجي لا غنى عنه في المستقبل.
إلا أن ذلك ما زال بعيدا عن الواقع رغم وجود علاقات جيدة بين بعض دول الاتحاد خلقت داخله تكتّلا مهما من خلال التشاور الدائم بين دول كتونس والجزائر وليبيا في مجالات مهمة اليوم وحارقة مثل الأمن والهجرة غير الشرعية وتنمية المناطق الحدودية، وكان يمكن أن يتطوّر بسهولة إلى تقارب شامل يضم كذلك المملكة المغربية وموريتانيا خاصة وأن كل الآراء تجمع أنه وعلى ضوء المتغيرات التي يعيشها العالم بات من الضروري تفعيل هذا الاتحاد لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، في ظل وجود حركة اقتصادية معتادة بين أغلب البلدان المغاربية وأنشطة تجارية وتبادل للسلع بما يجعل تفعيل جهاز للعمل المشترك بين هذه البلدان ليس بالأمر الصعب ولا المستحيل.
ويرى كثير من المراقبين أن هذه النشاطات التجارية إذا تم استغلالها في إطار مغاربي ستسهم في انتعاش اقتصاد الدول المغاربية وتقلل من نسبة البطالة بين صفوف الشباب وتخلق الكثير من الفرص الاقتصادية، خاصة إذا ما تم العمل على شبكة نقل متطورة وسريعة تغطي البلدان الخمسة بما يسهّل حركة الأفراد والبضائع، ويغذّي نشاطات مهمة مثل النشاط التجاري والسياحي..
اليوم وفي ظلّ المتغيرات التي يشهدها العالم والتي قلبت الموازين والتحالفات لم يعد تفعيل اتحاد المغرب العربي مجرّد خيار يجب على البلدان المغاربية أن تتمسك به بل هو اليوم تحوّل إلى ضرورة يحتّمها الواقع إذا كانت الدول المغاربية تنشد بالفعل التطوّر والنمو وضمان الأمن لمواطنيها وحماية أراضيها من أي مخاطر أمنية بما في ذلك الخطر الإرهابي.
منية العرفاوي
!
تونس - الصباح
جدّدت تونس تمسّكها باتحاد المغرب العربي كمشروع حضاري ومكسب تاريخي لشعوب المنطقة، وذلك في استقبال وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي للأمين العام لاتحاد المغرب العربي طارق بن سالم، حيث تم التأكيد خلال اللقاء على أن تونس تؤمن بحتمية العمل المغاربي المشترك وأنه خيار استراتيجي لا محيد عنه لتحقيق التنمية المتضامنة في المنطقة المغاربية، كما أكد الأمين العام للاتحاد أنه على الأمانة العامة أن تسعى للمحافظة وتفعيل ما وصفه بـ"الصرح المغاربي" وأن جهود الجميع يجب أن تتضافر من أجل ذلك.
ويأتي هذا اللقاء بعد حوالي سنة من تعيين الأمين العام الجديد لاتحاد المغرب العربي وهو التونسي طارق بن سالم خلفا لوزير الخارجية السابق الطيب البكوش الذي تقلّد مهامه لسنوات، ولكنه مع ذلك فشل في إعادة الروح للاتحاد المغاربي الذي ظلّ لعقود تطغى عليه الخلافات الثنائية بين بعض البلدان المغاربية والتي تعمّقت في السنوات الأخيرة لتصل لمرحلة قطع العلاقات الديبلوماسية وطرد السفراء.
هذا الوضع الذي بلغته المنظمّة أوهنها بشكل كبير وأصبحت مجرّد كيان إداري مفرغ من كل هدف ومضمون، وضاعت بذلك الفرصة التاريخية التي كانت يمكن أن تحوّل البلدان المغاربية إلى قوّة اقتصادية هامة شمال القارة الإفريقية وهي التي تتموقع استراتيجيا بين أوروبا وإفريقيا الوسطى، وكان يمكن أيضا أن يدفع توحّد البلدان المغاربية من خلال خلق آليات ناجعة وناجزة للعمل المشترك إلى معالجة القضايا الاجتماعية الحارقة والتي يعاني منها اليوم كل بلد لوحده مثل قضايا الفقر والهجرة غير النظامية والمخاطر الإرهابية والبطالة.
ورغم أن النوايا كانت دائما حاضرة للتعبير عن رغبة كل بلد في التمسّك باتحاد المغرب العربي ككيان للعمل المشترك إلا أن هذه النوايا لم تنجح إلى اليوم في الذهاب إلى تقارب حقيقي تتم ترجمته بكيان مغاربي حقيقي يضع الاقتصاد كأولوية مطلقة بما قد يساعد كل البلدان المغاربية في تجاوز أزماتها الاقتصادية الداخلية والتي تعاني منها دون استثناء وتحول دون تحقيقها لنسب نمو هامة كان يمكن ذلك التقارب المغاربي أن يتيحها.
الحاضر ينسف تطلّعات الماضي
ظلّت العلاقات الجزائرية - المغربية، المتوتّرة طوال الوقت بسبب أزمة الصحراء الغربية، تلقي بظلالها على اتحاد المغرب العربي وتجهض كل مرة أي محاولة للخروج من هذه العلاقة الفاترة إلى علاقة أكثر تقاربا وديناميكية، وبلغ التأزّم ذروته في هذه العلاقة بعد أن أعلنت الجزائر في عام 2021 أنها قطعت علاقتها مع المغرب وذلك بعد وقوع عدة أحداث مستفزة في الصحراء الغربية، بالإضافة إلى الموقف الذي اتخذته المغرب في2020 لتطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال. وهو الأمر الذي ما زالت ترفضه بشدّة بقية بلدان المغرب العربي، وهذه الخطوة التي رفضتها الجزائر بشكل صريح رأت فيها كذلك تهديدا لأمنها الوطني بما دفع إلى القطيعة الديبلوماسية بين البلدين المتجاورين.
وفتور العلاقة بين الجزائر والمغرب، أثّر على علاقة الدول حيث نلاحظ دائما تقاربا بين الجزائر وتونس وليبيا خاصة في الموقف من بعض القضايا الدولية كما وأنه دائما كان هناك لقاءات بين قادة هذه البلدان، وهذا الفتور والقطيعة فوّت على دول الخمس المكوّنة للاتحاد والتي تحوز على كتلة بشرية في حدود 120 مليون نسمة فرصة لتكوّن قوّة اقتصادية مهمة وسوقا استهلاكية ضخمة. كما وأن مساحة هذه البلدان الشاسعة والممتدة على 6 ملايين كلم مربع بما يمثّل نسبة 40% من مساحة الوطن العربي، كان يمكن أن تتحوّل إلى قوّة استثنائية على مستوى المنتوجات الفلاحية خاصة وأن قيمة صادرات البلدان المغاربية مجتمعة، ووفق إحصائيات رسمية في حدود 47.5 مليار دولار، وهو رقم يمكن أن يتضاعف في إطار خطة تعاون مشتركة تنهض بكل القطاعات المحلية لأي بلد من بلدان الاتحاد، علما وأن فكرة الاتحاد المغاربي قامت بالأساس على أهداف ترمي إلى النهوض بالقطاع الاقتصادي وتوحيد الرؤى والمواقف الخارجية إزاء القضايا الدولية، ولكن تلك الأهداف وبعد كل هذه العقود لم يتحقق منها شيء.
وجغرافيا تتوزّع هياكل الاتحاد بين مختلف الدول إذ تقع الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي في الرباط وتستضيف تونس المصرف المغاربي فيما تحتضن الجزائر مقر مجلس الشورى ويقع في نواكشوط مقر الهيئة القضائية للاتحاد، وفي العاصمة طرابلس مقر كل من الأكاديمية المغربية وجامعة المغرب العربي، ولكن كل هذه الهيئات لا أثر لها في الواقع ولم تعمل على تذليل أي صعوبة من الصعوبات التي تحول دون التقارب بين هذه البلدان رغم كل المحاولات للخروج من هذا الوضع الهجين حيث تقدم وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني في2012 بمقترحات من أجل إصلاح الجهاز المغاربي أهمها تغيير اسمه من اتحاد المغرب العربي إلى الاتحاد المغاربي، وقد وافقت وقتها تونس وليبيا على هذا المقترح في حين اعترضت الجزائر وموريتانيا. وفي مارس 2021، وعند زيارته إلى ليبيا، قال رئيس الجمهورية قيس سعيد أنه حان الوقت لإحياء مؤسسة اتحاد المغرب العربي خاصة وأن الرئيس سعيد عبّر في أكثر من مناسبة سابقة على ضرورة التمسّك باتحاد دول المغرب العربي كخيار استراتيجي لا غنى عنه في المستقبل.
إلا أن ذلك ما زال بعيدا عن الواقع رغم وجود علاقات جيدة بين بعض دول الاتحاد خلقت داخله تكتّلا مهما من خلال التشاور الدائم بين دول كتونس والجزائر وليبيا في مجالات مهمة اليوم وحارقة مثل الأمن والهجرة غير الشرعية وتنمية المناطق الحدودية، وكان يمكن أن يتطوّر بسهولة إلى تقارب شامل يضم كذلك المملكة المغربية وموريتانيا خاصة وأن كل الآراء تجمع أنه وعلى ضوء المتغيرات التي يعيشها العالم بات من الضروري تفعيل هذا الاتحاد لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، في ظل وجود حركة اقتصادية معتادة بين أغلب البلدان المغاربية وأنشطة تجارية وتبادل للسلع بما يجعل تفعيل جهاز للعمل المشترك بين هذه البلدان ليس بالأمر الصعب ولا المستحيل.
ويرى كثير من المراقبين أن هذه النشاطات التجارية إذا تم استغلالها في إطار مغاربي ستسهم في انتعاش اقتصاد الدول المغاربية وتقلل من نسبة البطالة بين صفوف الشباب وتخلق الكثير من الفرص الاقتصادية، خاصة إذا ما تم العمل على شبكة نقل متطورة وسريعة تغطي البلدان الخمسة بما يسهّل حركة الأفراد والبضائع، ويغذّي نشاطات مهمة مثل النشاط التجاري والسياحي..
اليوم وفي ظلّ المتغيرات التي يشهدها العالم والتي قلبت الموازين والتحالفات لم يعد تفعيل اتحاد المغرب العربي مجرّد خيار يجب على البلدان المغاربية أن تتمسك به بل هو اليوم تحوّل إلى ضرورة يحتّمها الواقع إذا كانت الدول المغاربية تنشد بالفعل التطوّر والنمو وضمان الأمن لمواطنيها وحماية أراضيها من أي مخاطر أمنية بما في ذلك الخطر الإرهابي.