إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. وهم ربيع.. !!

 

يوم بعد آخر تنكشف خيوط صفقة الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتتوضح ملامح اتفاقيات الغرف المغلقة، التي عجلت بسقوط دمشق، آخر قلاع النظام السوري، في سيناريوهات بدت مدروسة وخطط محبوكة، من طرف قوى دولية حركتها مصالحها الإستراتيجية ومطامعها التوسعية، قبل كل الغايات الإنسانية، تشبثا بنصيبها من صفقة إسقاط النظام الاستبدادي، لا حرصا على تخليص الشعب السوري من مخالب الدكتاتورية، ولا رغبة في إنقاذه من أوضاعه المأساوية.

ورغم أن الأوراق مكشوفة، والنوايا مبيتة، من القوى الإقليمية، التي كشفتها مختلف تصريحات كبار القادة والمسؤولين على مدى الأيام الماضية، لاسيما بعد اعتراف وزير الخارجية التركي صراحة بأن "تركيا أقنعت طهران وروسيا بعدم التدخل لإنقاذ بشار الأسد"، وما تلاها من اعترافات لكبار المسؤولين، تختزل الاتفاقيات وآخر الترتيبات قبل قرار الهجوم الحاسم للإطاحة بنظام الأسد، فإن بعض الأصوات مازالت تتعالى وتتصاعد وسط دمشق، وتعتبر أن سقوط النظام الاستبدادي، مثل بداية الربيع السوري، وحقبة الازدهار والرخاء، بعد سنوات العذاب والدمار.

لا ندري عن أي ربيع يتحدثون وقوات الكيان الصهيوني تستحوذ يوميا على الأراضي وتستبيح القرى السورية وتتمدد داخل الجولان، إلى حد أنها باتت تطل على العاصمة دمشق من قمة جبل الشيخ، وما يثير الاستغراب أكثر هو أن لا أحد من المعارضة السورية علق على كلام رئيس وزراء الكيان المحتل نتنياهو، لما قال: "إننا نعمل على تغيير وجه الشرق الأوسط، وهضبة الجولان ستظل إلى الأبد، جزءًا لا يتجزأ من دولة إسرائيل"، في تحدّ سافر لكل الأعراف والقوانين الدولية.

صحيح أنه من حق الشعب السوري أن يسعد بخروجه من دوامة الدكتاتورية، ويفرح بخلاصه من كابوس الحقبة الاستبدادية، لكن عليه أن يظل متيقظا حتى لا يشرب من نفس كؤوس الخديعة، التي تعرضت لها الأمة العربية خلال السنوات الماضية، ولو أن المؤشرات الأولى لا تبشر بخير ، في ظل بلد تُدمّر مقدراته على مدار الساعة، أمام أعين قادته الجدد، دون أي تنديد أو استنكار، بل أن الخلافات بين فئاته وأطيافه وميليشياته، تتزايد ممّا ينبئ بأن الانفجار قد يعصف به من جديد، ليجد نفسه في عين العاصفة مجددا، أمام تعدد الصراعات وحدة التباينات، التي لا يمكن التكهن بسيناريوهاتها الممكنة المفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها المواجهات الدموية الطاحنة، التي سيدفع ثمنها ويتجرع مرارتها الشعب السوري.

 هكذا كانت بداية صفحات السواد والقتامة، التي لفت أغلب البلدان العربية، التي شربت من كؤوس الخديعة، حيث بُشّرت بالربيع والياسمين والجنة الموعودة، فإذا بها تغرق في أوحال الإرهاب ومستنقعات الحروب الأهلية، وتردي الأوضاع الاجتماعية، من تونس ومصر إلى ليبيا واليمن والسودان. فعن أي ربيع يتحدثون، ربيع الأزمات والصدمات والنكسات، أم ربيع الصراعات والكوارث والمجاعات، في ثورات "مغدورة"، طغت عليها المحاصصات والانحرافات؟

الحقيقة أن الشعوب العربية التي تتباكى اليوم على أوطانها، مازال منها من يعيش الأوهام، ولا يمانع في الشرب من نفس "كؤوس الخديعة"، بل انه يقدم عروض الولاء و"العمالة" ليكون أداة للاختراق والخراب، في سيناريو يتكرر في ضرب استقرار الدول والمساس بسيادتها، باعتبار أن هذه الفئة الانتهازية لا تعنيها الوطنية، ومنهجها الوحيد المصلحية والأجندات الأجنبية، لا يهمها دخولها على ظهر دبابة، ولا دخول بلدانها في دوامة الخراب الشامل.

في ظل هذا الوضع لا ننسى ما عاشته تونس في عشرية الدمار و"الخراب"، من ركوب على الثورة، وصراعات حزبية، وأزمات سياسية، ومحاصصات كانت تداعياتها كارثية، بين تغلغل الإرهاب والصدمات والنكسات، فوضى واغتيالات ودمار شامل، وهي بمثابة "الصفعات" التي وجب استخلاص الدروس والعبر من كوارثها وسوادها، بعد أن تحول الربيع "المرتقب" إلى شتاء ملبد، وغيوم ورعود وصواعق، عشنا على وقعها على مدى سنوات.

ومهما كانت التباينات والمبررات واختلفت العناوين في أوطاننا العربية، فإنها لا تحجب البتة تلك المؤامرات الأجنبية و"طبخات" الغرف المغلقة، التي لا يمكن مواجهة "ارتداداتها" إلا بالتحصين داخليا، ووعي الشعوب بتداعيات مختلف المخططات، حتى لا تستفيق دوما إلا بعد فوات الأوان.

محمد صالح الربعاوي

 

 

 

يوم بعد آخر تنكشف خيوط صفقة الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتتوضح ملامح اتفاقيات الغرف المغلقة، التي عجلت بسقوط دمشق، آخر قلاع النظام السوري، في سيناريوهات بدت مدروسة وخطط محبوكة، من طرف قوى دولية حركتها مصالحها الإستراتيجية ومطامعها التوسعية، قبل كل الغايات الإنسانية، تشبثا بنصيبها من صفقة إسقاط النظام الاستبدادي، لا حرصا على تخليص الشعب السوري من مخالب الدكتاتورية، ولا رغبة في إنقاذه من أوضاعه المأساوية.

ورغم أن الأوراق مكشوفة، والنوايا مبيتة، من القوى الإقليمية، التي كشفتها مختلف تصريحات كبار القادة والمسؤولين على مدى الأيام الماضية، لاسيما بعد اعتراف وزير الخارجية التركي صراحة بأن "تركيا أقنعت طهران وروسيا بعدم التدخل لإنقاذ بشار الأسد"، وما تلاها من اعترافات لكبار المسؤولين، تختزل الاتفاقيات وآخر الترتيبات قبل قرار الهجوم الحاسم للإطاحة بنظام الأسد، فإن بعض الأصوات مازالت تتعالى وتتصاعد وسط دمشق، وتعتبر أن سقوط النظام الاستبدادي، مثل بداية الربيع السوري، وحقبة الازدهار والرخاء، بعد سنوات العذاب والدمار.

لا ندري عن أي ربيع يتحدثون وقوات الكيان الصهيوني تستحوذ يوميا على الأراضي وتستبيح القرى السورية وتتمدد داخل الجولان، إلى حد أنها باتت تطل على العاصمة دمشق من قمة جبل الشيخ، وما يثير الاستغراب أكثر هو أن لا أحد من المعارضة السورية علق على كلام رئيس وزراء الكيان المحتل نتنياهو، لما قال: "إننا نعمل على تغيير وجه الشرق الأوسط، وهضبة الجولان ستظل إلى الأبد، جزءًا لا يتجزأ من دولة إسرائيل"، في تحدّ سافر لكل الأعراف والقوانين الدولية.

صحيح أنه من حق الشعب السوري أن يسعد بخروجه من دوامة الدكتاتورية، ويفرح بخلاصه من كابوس الحقبة الاستبدادية، لكن عليه أن يظل متيقظا حتى لا يشرب من نفس كؤوس الخديعة، التي تعرضت لها الأمة العربية خلال السنوات الماضية، ولو أن المؤشرات الأولى لا تبشر بخير ، في ظل بلد تُدمّر مقدراته على مدار الساعة، أمام أعين قادته الجدد، دون أي تنديد أو استنكار، بل أن الخلافات بين فئاته وأطيافه وميليشياته، تتزايد ممّا ينبئ بأن الانفجار قد يعصف به من جديد، ليجد نفسه في عين العاصفة مجددا، أمام تعدد الصراعات وحدة التباينات، التي لا يمكن التكهن بسيناريوهاتها الممكنة المفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها المواجهات الدموية الطاحنة، التي سيدفع ثمنها ويتجرع مرارتها الشعب السوري.

 هكذا كانت بداية صفحات السواد والقتامة، التي لفت أغلب البلدان العربية، التي شربت من كؤوس الخديعة، حيث بُشّرت بالربيع والياسمين والجنة الموعودة، فإذا بها تغرق في أوحال الإرهاب ومستنقعات الحروب الأهلية، وتردي الأوضاع الاجتماعية، من تونس ومصر إلى ليبيا واليمن والسودان. فعن أي ربيع يتحدثون، ربيع الأزمات والصدمات والنكسات، أم ربيع الصراعات والكوارث والمجاعات، في ثورات "مغدورة"، طغت عليها المحاصصات والانحرافات؟

الحقيقة أن الشعوب العربية التي تتباكى اليوم على أوطانها، مازال منها من يعيش الأوهام، ولا يمانع في الشرب من نفس "كؤوس الخديعة"، بل انه يقدم عروض الولاء و"العمالة" ليكون أداة للاختراق والخراب، في سيناريو يتكرر في ضرب استقرار الدول والمساس بسيادتها، باعتبار أن هذه الفئة الانتهازية لا تعنيها الوطنية، ومنهجها الوحيد المصلحية والأجندات الأجنبية، لا يهمها دخولها على ظهر دبابة، ولا دخول بلدانها في دوامة الخراب الشامل.

في ظل هذا الوضع لا ننسى ما عاشته تونس في عشرية الدمار و"الخراب"، من ركوب على الثورة، وصراعات حزبية، وأزمات سياسية، ومحاصصات كانت تداعياتها كارثية، بين تغلغل الإرهاب والصدمات والنكسات، فوضى واغتيالات ودمار شامل، وهي بمثابة "الصفعات" التي وجب استخلاص الدروس والعبر من كوارثها وسوادها، بعد أن تحول الربيع "المرتقب" إلى شتاء ملبد، وغيوم ورعود وصواعق، عشنا على وقعها على مدى سنوات.

ومهما كانت التباينات والمبررات واختلفت العناوين في أوطاننا العربية، فإنها لا تحجب البتة تلك المؤامرات الأجنبية و"طبخات" الغرف المغلقة، التي لا يمكن مواجهة "ارتداداتها" إلا بالتحصين داخليا، ووعي الشعوب بتداعيات مختلف المخططات، حتى لا تستفيق دوما إلا بعد فوات الأوان.

محمد صالح الربعاوي