تتعالى النزعات العَسْكَرانيّة في أنحاء عدة من العالم، وتدق طبول الحرب بين الحلف الأطلسي الأورو- أمريكي والتكتل الروسي الصيني، حيث يحشد كل فريق قواته الاقتصادية وتحالفاته السياسية وترسانته العسكرية.
ومع دخول عام 2025 القادم، تكون بلدان الإتحاد الأوروبي، المتعودة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على اقتصاد السلم ورخاء شعوبها، قد ضاعفت من ميزانيات الدفاع والنفقات العسكرية لديها، استجابة مرغمة لإملاءات أمريكا وبدعوى الخوف من الدب الروسي الذي هجم على أوكرانيا المجاورة في محاولة لوقف عمليات التطويق السياسي والعسكري الذي يقوم به الحلف الأطلسي لروسيا القيصرية.
وفي خضم ذلك تواصل الصين سلوك سياستها المعتمدة على الحذر والتروّي وفي يديها الكثير من الأوراق الرابحة التي تنتظر الوقت المناسب للهيمنة الناعمة بها. فقد أصبحت تقريبا القوة الاقتصادية الأولى في العالم إنتاجا وتصديرا، ولكنها غير ذات حضور وفاعلية عسكرية في المواجهات الدائرة على الساحة الأوروبية وفي باقي بؤر التوتر في العالم. وهي تحاول اللحاق بركب القوى العسكرية الفاعلة في الساحة العالمية. وقد ضاعفت لهذا الغرض في السنوات الأخيرة ترسانتها العسكرية سواء التقليدية أو النووية. وبدا للكثيرين وكأنها تستعد للمنازلة والحرب سواء في بحر الصين في مواجهة اليابان وأمريكا أو في باقي مناطق النفوذ والنزاعات في أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، متسلحة في ذلك بقوتها الاقتصادية والمالية وبدخلها الوطني الخام البالغ خمسة وعشرين تريليون دولار، وهو ما يمثل ربع دخل العالم الخام. وهو أيضا نفس الدخل الذي تملكه أمريكا فيما تستعد الصين إلى أن تتجاوزها في القريب، حسب التوقعات الدولية.
وفي نظر الكثير من مؤرخي اللحظة والأحداث من الصحافيين المتابعين، فإن بيكين لها طموح متحكم فيه لسيادة العالم، ليس فقط على مستوى الجانب الاقتصادي، بل يتعداه إلى الجانب السياسي والقوة العسكرية التي تتسابق فيها مع أمريكا.
في انتظار موعد عام 2049
وفي نظر هؤلاء المحللين فإن موعد عام 2049 سيكون ذكرى الثورة الشيوعية ومرور قرن على إنشاء الصين الشعبية التي لازالت إلى اليوم يديرها ويسيّر دفتها الحزب الشيوعي الحاكم رغم انفتاحها الاقتصادي على الرأسمالية. وقد وضعت تلك الثورة التي قادها الزعيم التاريخي ماوتسي تونغ، حدّا لقرن سابق من الضعف الصيني والذل والمهانة بسبب التدخلات الخارجية للقوى الاستعمارية الأوروبية. وقد احتلت اليابان في حرب عام 1889 إقليم منشوريا وجزيرة تايوان، في حين تقاسمت القوى الاستعمارية الفرنسية والبريطانية والألمانية والروسية العديد من مناطق التراب الصيني الممزق.
طريق الحرير الحضاري
اليوم يكتسي هذا التاريخ بعد خمس وعشرين عاما قادما من الآن، أهمية رمزية وإستراتيجية. فهي السنة التي يتم فيها الانتهاء من مشروعها الحضاري الناعم الذي أطلقت عليه "حزام طريق الحرير" الذي يحيي طريق التجارة الصينية القديم الذي يشمل ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وإفريقيا.
وسيكون هذا التاريخ حسب الصينيين رمز اكتمال فترة "البناء والتشييد" التي حققت فيها الصين معجزات اقتصادية وقوة مالية وإنتاجية تحولت بفضلها إلى "مصنع العالم" وافتكت تلك المرتبة والصفة من أمريكا التي كانت افتكتها من أوروبا خلال القرن الماضي.
واليوم تجد الصين نفسها تتهيأ لبسط نفوذها السياسي والعسكري بعد عشريتين من الآن تخطط فيهما لتجسيم المقولة المتداولة لدى إعلاميي ودبلوماسيي الغرب أنفسهم بأن هذا القرن هو "قرن الصين". وتتابع مراكز البحث الأمريكية ومراكز الدراسات الإستراتيجية في أوروبا عن قرب خطوات الصين الثابتة نحو تركيز عناصر قوتها الإستراتيجية الضاربة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.
فعلى الصعيد العسكري تحصي مراكز البحث الأمريكية ارتفاع مصاريف الصين العسكرية وملاحقتها حجم نفقات الدفاع الأمريكية البالغة ثمانمائة مليار دولار والتي تمثل أربع مرات نفقات الصين ونصف نفقات كل العالم العسكرية.
تحقيق الأهداف دون حروب
وبفضل تضاعف ميزانيتها العسكرية، أصبحت الصين تفرض هيمنتها على الممرات المائية في مجالها الحيوي الإقليمي في بحر الصين. وهو صورة مصغرة من حلم الصين بحكم العالم عبر جعلها نقطة انطلاق نحو هيمنة وريادة عالمية تدريجية بأسلوب ناعم وقبضة حديدية "بقفازات حرير". وهو أسلوب يأخذ بعين الاعتبار تقاليد الحكمة الصينية وتحقيق الأهداف المرسومة دون حروب دموية، بل هي "القوة الهادئة الصاعدة" دون جلبة أو استعراض عضلات، مع احترام الشرعية الدولية. وكان الزعيم ماوتسي تونغ يصف الغرب الرأسمالي بأنه "نمر من ورق"، وهو ما تسعى الصين اليوم إلى إثباته بعد أكثر من نصف قرن على تلك المقولة الواردة في "الكتاب الأحمر" لماو.
وبكل تؤدة تسعى الصين بنهج ثابت إلى تحقيق توازن في القوة العسكرية مع العدو الأمريكي عبر امتلاك نفس عناصر القوة في مجال الطائرات المقاتلة وحاملات الطائرات والأسلحة النووية والالكترونية والأقمار الصناعية.
وتشير المصادر الأمريكية الإستراتيجية للبنتاغون إلى أن الصين تقوم بأكبر عمليات التعصير النووي للقدرات من جملة الدول التسع المالكة للسلاح النووي عبر العالم، كما جاء في تقرير أمريكي رسمي نشر في أكتوبر 2023. وحسب التقديرات الأمريكية، فقد ضاعفت الصين في عشرية 2014-2024 العدد التقديري للرؤوس النووية من 250 إلى 500 رأس ومن المتوقع أن يرتفع إلى 700 رأس بحلول عام 2027 وألف بحلول عام 2030.
وحسب نفس المصادر فإن الصين تركز على تطوير بنيتها من الصواريخ العابرة للقارات والحاملة لعدة رؤوس نووية لردع العدو. وتركز على تطوير تجربتها في المجال لربح المعركة مع أمريكا المتواجدة أساطيلها حول الصين في اليابان وكوريا الجنوبية وفي بحر الصين، وهو وجود يعكس السيطرة العسكرية الأمريكية على المحيطات والتي تبدو في طريقها إلى الزوال في المستقبل المنظور. فقد أصبح الأسطول البحري الصيني يتجاوز الأسطول الأمريكي من حيث عدد السفن بين عام 2014 و2018 بما يفوق إجمالي سفن البحرية في كل من ألمانيا والهند واسبانيا وبريطانيا مجتمعة، وهو ما يعني فقدان الهيمنة الأمريكية على المحيطات منذ الحرب العالمية الثانية، كما بينت ذلك صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في نوفمبر 2023.
مفاتيح الهيمنة
ومثلما نجح الصينيون في البداية في تقليد صناعة المنتوجات الغربية وحققوا ثورة صناعية طوروها حد تجاوز نوعية الصناعات الأمريكية العريقة، فهم يقلّدون اليوم عناصر القوة العسكرية وأساليب الهيمنة الأمريكية للنسج على منوالها دون الحاجة اليوم إلى حروب فتاكة مدمرة كانت ضرورية في الماضي وخاضتها أمريكا في الحروب العالمية الأولي والثانية وفي حرب كوريا وحرب فيتنام وحروب العراق وأفغانستان وفلسطين.
وتبدو الصين الحكيمة تعمل في صمت على نقل أسلوب الهيمنة الأمريكية، ولكن بمفاتيحها السلمية والحكيمة وعدم التسرع أو الهرولة وتفادي سرعة الضغط على الزناد المعروفة لدى رعاة البقر، كما في أفلام الكاوْبُوي.
كما يبدو الصينيون أصحاب الحضارة القديمة والعريقة أكثر حكمة ورويّة في التعامل التاريخي مع مسارات الحتمية التاريخية وفي إعادة دورة التاريخ باعتباره نشأة مستأنفة حتمية للحضارات، كما بينها عالم الاجتماع والعمران البشري العلامة ابن خلدون. وهي تعمل الآن على توظيف إمكانياتها الاقتصادية والمالية المذهلة لدخلها القومي الذي يساوي دخل أمريكا حاليا، مع فارق كبير وهو أن أمريكا تنفق كثيرا على حروبها وتنتج قليلا وهي عكس الصين التي تنتج كثيرا وتنفق قليلا، مما يجعل لها فائضا ماليا هاما، هو أحد مظاهر قوتها الضاربة وإحدى أدوات هيمنتها القادمة.
وتدل مصادر التاريخ أن الكثير من الحضارات القديمة والإمبراطوريات اندثرت بسبب الاختلال في التوازن بين النفقات والمداخيل حد العجز عن خلاص أجور العسكر المتضخم، وهو ما عرفته الإمبراطوريات الآفلة القرطاجنية والرومانية والعثمانية.
* صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
بقلم: الصحراوي قمعون(*)
تتعالى النزعات العَسْكَرانيّة في أنحاء عدة من العالم، وتدق طبول الحرب بين الحلف الأطلسي الأورو- أمريكي والتكتل الروسي الصيني، حيث يحشد كل فريق قواته الاقتصادية وتحالفاته السياسية وترسانته العسكرية.
ومع دخول عام 2025 القادم، تكون بلدان الإتحاد الأوروبي، المتعودة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على اقتصاد السلم ورخاء شعوبها، قد ضاعفت من ميزانيات الدفاع والنفقات العسكرية لديها، استجابة مرغمة لإملاءات أمريكا وبدعوى الخوف من الدب الروسي الذي هجم على أوكرانيا المجاورة في محاولة لوقف عمليات التطويق السياسي والعسكري الذي يقوم به الحلف الأطلسي لروسيا القيصرية.
وفي خضم ذلك تواصل الصين سلوك سياستها المعتمدة على الحذر والتروّي وفي يديها الكثير من الأوراق الرابحة التي تنتظر الوقت المناسب للهيمنة الناعمة بها. فقد أصبحت تقريبا القوة الاقتصادية الأولى في العالم إنتاجا وتصديرا، ولكنها غير ذات حضور وفاعلية عسكرية في المواجهات الدائرة على الساحة الأوروبية وفي باقي بؤر التوتر في العالم. وهي تحاول اللحاق بركب القوى العسكرية الفاعلة في الساحة العالمية. وقد ضاعفت لهذا الغرض في السنوات الأخيرة ترسانتها العسكرية سواء التقليدية أو النووية. وبدا للكثيرين وكأنها تستعد للمنازلة والحرب سواء في بحر الصين في مواجهة اليابان وأمريكا أو في باقي مناطق النفوذ والنزاعات في أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، متسلحة في ذلك بقوتها الاقتصادية والمالية وبدخلها الوطني الخام البالغ خمسة وعشرين تريليون دولار، وهو ما يمثل ربع دخل العالم الخام. وهو أيضا نفس الدخل الذي تملكه أمريكا فيما تستعد الصين إلى أن تتجاوزها في القريب، حسب التوقعات الدولية.
وفي نظر الكثير من مؤرخي اللحظة والأحداث من الصحافيين المتابعين، فإن بيكين لها طموح متحكم فيه لسيادة العالم، ليس فقط على مستوى الجانب الاقتصادي، بل يتعداه إلى الجانب السياسي والقوة العسكرية التي تتسابق فيها مع أمريكا.
في انتظار موعد عام 2049
وفي نظر هؤلاء المحللين فإن موعد عام 2049 سيكون ذكرى الثورة الشيوعية ومرور قرن على إنشاء الصين الشعبية التي لازالت إلى اليوم يديرها ويسيّر دفتها الحزب الشيوعي الحاكم رغم انفتاحها الاقتصادي على الرأسمالية. وقد وضعت تلك الثورة التي قادها الزعيم التاريخي ماوتسي تونغ، حدّا لقرن سابق من الضعف الصيني والذل والمهانة بسبب التدخلات الخارجية للقوى الاستعمارية الأوروبية. وقد احتلت اليابان في حرب عام 1889 إقليم منشوريا وجزيرة تايوان، في حين تقاسمت القوى الاستعمارية الفرنسية والبريطانية والألمانية والروسية العديد من مناطق التراب الصيني الممزق.
طريق الحرير الحضاري
اليوم يكتسي هذا التاريخ بعد خمس وعشرين عاما قادما من الآن، أهمية رمزية وإستراتيجية. فهي السنة التي يتم فيها الانتهاء من مشروعها الحضاري الناعم الذي أطلقت عليه "حزام طريق الحرير" الذي يحيي طريق التجارة الصينية القديم الذي يشمل ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وإفريقيا.
وسيكون هذا التاريخ حسب الصينيين رمز اكتمال فترة "البناء والتشييد" التي حققت فيها الصين معجزات اقتصادية وقوة مالية وإنتاجية تحولت بفضلها إلى "مصنع العالم" وافتكت تلك المرتبة والصفة من أمريكا التي كانت افتكتها من أوروبا خلال القرن الماضي.
واليوم تجد الصين نفسها تتهيأ لبسط نفوذها السياسي والعسكري بعد عشريتين من الآن تخطط فيهما لتجسيم المقولة المتداولة لدى إعلاميي ودبلوماسيي الغرب أنفسهم بأن هذا القرن هو "قرن الصين". وتتابع مراكز البحث الأمريكية ومراكز الدراسات الإستراتيجية في أوروبا عن قرب خطوات الصين الثابتة نحو تركيز عناصر قوتها الإستراتيجية الضاربة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.
فعلى الصعيد العسكري تحصي مراكز البحث الأمريكية ارتفاع مصاريف الصين العسكرية وملاحقتها حجم نفقات الدفاع الأمريكية البالغة ثمانمائة مليار دولار والتي تمثل أربع مرات نفقات الصين ونصف نفقات كل العالم العسكرية.
تحقيق الأهداف دون حروب
وبفضل تضاعف ميزانيتها العسكرية، أصبحت الصين تفرض هيمنتها على الممرات المائية في مجالها الحيوي الإقليمي في بحر الصين. وهو صورة مصغرة من حلم الصين بحكم العالم عبر جعلها نقطة انطلاق نحو هيمنة وريادة عالمية تدريجية بأسلوب ناعم وقبضة حديدية "بقفازات حرير". وهو أسلوب يأخذ بعين الاعتبار تقاليد الحكمة الصينية وتحقيق الأهداف المرسومة دون حروب دموية، بل هي "القوة الهادئة الصاعدة" دون جلبة أو استعراض عضلات، مع احترام الشرعية الدولية. وكان الزعيم ماوتسي تونغ يصف الغرب الرأسمالي بأنه "نمر من ورق"، وهو ما تسعى الصين اليوم إلى إثباته بعد أكثر من نصف قرن على تلك المقولة الواردة في "الكتاب الأحمر" لماو.
وبكل تؤدة تسعى الصين بنهج ثابت إلى تحقيق توازن في القوة العسكرية مع العدو الأمريكي عبر امتلاك نفس عناصر القوة في مجال الطائرات المقاتلة وحاملات الطائرات والأسلحة النووية والالكترونية والأقمار الصناعية.
وتشير المصادر الأمريكية الإستراتيجية للبنتاغون إلى أن الصين تقوم بأكبر عمليات التعصير النووي للقدرات من جملة الدول التسع المالكة للسلاح النووي عبر العالم، كما جاء في تقرير أمريكي رسمي نشر في أكتوبر 2023. وحسب التقديرات الأمريكية، فقد ضاعفت الصين في عشرية 2014-2024 العدد التقديري للرؤوس النووية من 250 إلى 500 رأس ومن المتوقع أن يرتفع إلى 700 رأس بحلول عام 2027 وألف بحلول عام 2030.
وحسب نفس المصادر فإن الصين تركز على تطوير بنيتها من الصواريخ العابرة للقارات والحاملة لعدة رؤوس نووية لردع العدو. وتركز على تطوير تجربتها في المجال لربح المعركة مع أمريكا المتواجدة أساطيلها حول الصين في اليابان وكوريا الجنوبية وفي بحر الصين، وهو وجود يعكس السيطرة العسكرية الأمريكية على المحيطات والتي تبدو في طريقها إلى الزوال في المستقبل المنظور. فقد أصبح الأسطول البحري الصيني يتجاوز الأسطول الأمريكي من حيث عدد السفن بين عام 2014 و2018 بما يفوق إجمالي سفن البحرية في كل من ألمانيا والهند واسبانيا وبريطانيا مجتمعة، وهو ما يعني فقدان الهيمنة الأمريكية على المحيطات منذ الحرب العالمية الثانية، كما بينت ذلك صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في نوفمبر 2023.
مفاتيح الهيمنة
ومثلما نجح الصينيون في البداية في تقليد صناعة المنتوجات الغربية وحققوا ثورة صناعية طوروها حد تجاوز نوعية الصناعات الأمريكية العريقة، فهم يقلّدون اليوم عناصر القوة العسكرية وأساليب الهيمنة الأمريكية للنسج على منوالها دون الحاجة اليوم إلى حروب فتاكة مدمرة كانت ضرورية في الماضي وخاضتها أمريكا في الحروب العالمية الأولي والثانية وفي حرب كوريا وحرب فيتنام وحروب العراق وأفغانستان وفلسطين.
وتبدو الصين الحكيمة تعمل في صمت على نقل أسلوب الهيمنة الأمريكية، ولكن بمفاتيحها السلمية والحكيمة وعدم التسرع أو الهرولة وتفادي سرعة الضغط على الزناد المعروفة لدى رعاة البقر، كما في أفلام الكاوْبُوي.
كما يبدو الصينيون أصحاب الحضارة القديمة والعريقة أكثر حكمة ورويّة في التعامل التاريخي مع مسارات الحتمية التاريخية وفي إعادة دورة التاريخ باعتباره نشأة مستأنفة حتمية للحضارات، كما بينها عالم الاجتماع والعمران البشري العلامة ابن خلدون. وهي تعمل الآن على توظيف إمكانياتها الاقتصادية والمالية المذهلة لدخلها القومي الذي يساوي دخل أمريكا حاليا، مع فارق كبير وهو أن أمريكا تنفق كثيرا على حروبها وتنتج قليلا وهي عكس الصين التي تنتج كثيرا وتنفق قليلا، مما يجعل لها فائضا ماليا هاما، هو أحد مظاهر قوتها الضاربة وإحدى أدوات هيمنتها القادمة.
وتدل مصادر التاريخ أن الكثير من الحضارات القديمة والإمبراطوريات اندثرت بسبب الاختلال في التوازن بين النفقات والمداخيل حد العجز عن خلاص أجور العسكر المتضخم، وهو ما عرفته الإمبراطوريات الآفلة القرطاجنية والرومانية والعثمانية.