إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. مادامت الشعوب مشدودة إلى الماضي..

 

تكررت خيبات الشعوب العربية في المدة الأخيرة، وخاصة بعد ما سمي بالربيع العربي، وذلك تقريبا لنفس الأسباب. فالشعوب العربية التي تمكنت من قلب الأنظمة الديكتاتورية، لم تتوفق في خلق بديل للحكم يحقق الآمال ويعيد بناء الوطن على أساس العدالة واحترام الحقوق والحريات وصون الكرامة.

وبلادنا اكتوت بتجربة من هذا النوع. فقد حدث أن استبدلت الديكتاتورية في تونس بنظام حكم هجين، متكون من تحالف مبني على أساس المصالح وتغافل عن مطالب المواطنين التي نادوا بها خلال انتفاضتهم على نظام الحكم الاستبدادي التي تبلغ هذه الأيام ذكراها الرابعة عشر (17 ديسمبر 2010) والتي انتهت كما هو معروف بإسقاط النظام في 14 جانفي 2011. ويمكن القول إن التونسيين الذين انتظروا قيام حركة 25 جويلية 2021 للتخلص من منظومة الحكم الفاشلة، التي استمرت طيلة عشرية من الزمن تاركة إرثا مثقلا من المشاكل والأزمات، يتحملون جانبا من المسؤولية في ذلك. فاختيارات الأغلبية لم تكن دائما محكومة بالموضوعية المطلوبة، فظلت البلاد حبيسة المشاكل وطبعا تبددت الأحلام وليدة الثورة.

نفس الشيء يمكن قوله حول بقية التجارب العربية، التي أتت في سياق في الربيع العربي، رغم بعض الاختلافات. فلئن صادفنا الحظ في تونس أن تجنبنا حربا أهلية كانت ممكنة، فإن بلدانا عربية أخرى لم يحالفها نفس الحظ، وشهدت ليبيا مثلا وكذلك اليمن وسوريا حروبا أهلية ولم تعرف هذه البلدان استقرارا رغم أن جميعها، وآخرها سوريا، قد أسقطت الأنظمة الديكتاتورية.

وفعلا اسقطت الجماعات المسلحة هذه الأيام في سوريا النظام الديكتاتوري، لكنها خلفت العديد من الأسئلة حول مستقبل البلاد، خاصة بعد استغلال الكيان الصهيوني الوضع غير المستقر، لتعزيز وجوده في سوريا، وضم مناطق أخرى، إضافة الى الجولان المحتل منذ 1967، وعمد أيضا وفي وضح النهار، دون أي تعليق من الجماعات المسلحة التي تقود البلاد، الى تدمير هائل للمقدرات السورية، في غارات مسترسلة، وصل عددها وفق أرقام صهيونية الى 400 غارة معادية ضد التراب السوري.

وإن كنا نفرح لفرح الشعب السوري لتخلصه من الاستبداد، ولكل شعب عربي يتوق للانعتاق، إلا أن ذلك لا يحول دون ملاحظة أننا مازلنا كشعوب عربية لا نطرح الأسئلة الضرورية حتى نضمن ألا نكرر نفس المأساة وألا نعيد إنتاج الديكتاتورية ولو كانت بأشكال مختلفة، وربما بطرق أكثر فظاعة.

فسوريا اليوم، وكما هو واضح، بيد جماعات مسلحة ذات مرجعية دينية، وأغلب قادتها لهم تاريخ معروف وصنّف بعضهم على لائحة الإرهاب. وبعيدا عن محاولة استباق الاحداث، وأيضا في كنف احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، فإننا نتساءل، هل سبق ومن خلال تجارب الحكم الأخيرة في العالم العربي أو الإسلامي، أن نجحت الجماعات الدينية في خلق نموذج حكم قادر على الاستجابة لمطالب الشعوب في العدالة والحرية وفي صون كرامتها والحفاظ على استقلالية القرار الوطني؟

إننا وإذ نطرح هذه الأسئلة بخصوص سوريا، فإننا نشير الى أنها تطرح على جل الشعوب العربية التي ظلت دائما اختياراتها محكومة بالماضي ومازالت تؤمن بأن خلاصها في أنظمة حكم مستلهمة من العصور الوسطى تكون قادرة على تعويضها عن الحرمان الذي عاشته في ظل الديكتاتورية. نعم هو كذلك، فالشعوب العربية لم تبلغ بعد مرحلة تجعلها قادرة على أن تقطع مع ماضيها البعيد وأن تؤمن بأنها يمكن أن يكون لها آخر غير الديكتاتورية البغيضة أو الأنظمة التيوقراطية حاملة وهم الخلاص.

حياة السايب

 

 

 

تكررت خيبات الشعوب العربية في المدة الأخيرة، وخاصة بعد ما سمي بالربيع العربي، وذلك تقريبا لنفس الأسباب. فالشعوب العربية التي تمكنت من قلب الأنظمة الديكتاتورية، لم تتوفق في خلق بديل للحكم يحقق الآمال ويعيد بناء الوطن على أساس العدالة واحترام الحقوق والحريات وصون الكرامة.

وبلادنا اكتوت بتجربة من هذا النوع. فقد حدث أن استبدلت الديكتاتورية في تونس بنظام حكم هجين، متكون من تحالف مبني على أساس المصالح وتغافل عن مطالب المواطنين التي نادوا بها خلال انتفاضتهم على نظام الحكم الاستبدادي التي تبلغ هذه الأيام ذكراها الرابعة عشر (17 ديسمبر 2010) والتي انتهت كما هو معروف بإسقاط النظام في 14 جانفي 2011. ويمكن القول إن التونسيين الذين انتظروا قيام حركة 25 جويلية 2021 للتخلص من منظومة الحكم الفاشلة، التي استمرت طيلة عشرية من الزمن تاركة إرثا مثقلا من المشاكل والأزمات، يتحملون جانبا من المسؤولية في ذلك. فاختيارات الأغلبية لم تكن دائما محكومة بالموضوعية المطلوبة، فظلت البلاد حبيسة المشاكل وطبعا تبددت الأحلام وليدة الثورة.

نفس الشيء يمكن قوله حول بقية التجارب العربية، التي أتت في سياق في الربيع العربي، رغم بعض الاختلافات. فلئن صادفنا الحظ في تونس أن تجنبنا حربا أهلية كانت ممكنة، فإن بلدانا عربية أخرى لم يحالفها نفس الحظ، وشهدت ليبيا مثلا وكذلك اليمن وسوريا حروبا أهلية ولم تعرف هذه البلدان استقرارا رغم أن جميعها، وآخرها سوريا، قد أسقطت الأنظمة الديكتاتورية.

وفعلا اسقطت الجماعات المسلحة هذه الأيام في سوريا النظام الديكتاتوري، لكنها خلفت العديد من الأسئلة حول مستقبل البلاد، خاصة بعد استغلال الكيان الصهيوني الوضع غير المستقر، لتعزيز وجوده في سوريا، وضم مناطق أخرى، إضافة الى الجولان المحتل منذ 1967، وعمد أيضا وفي وضح النهار، دون أي تعليق من الجماعات المسلحة التي تقود البلاد، الى تدمير هائل للمقدرات السورية، في غارات مسترسلة، وصل عددها وفق أرقام صهيونية الى 400 غارة معادية ضد التراب السوري.

وإن كنا نفرح لفرح الشعب السوري لتخلصه من الاستبداد، ولكل شعب عربي يتوق للانعتاق، إلا أن ذلك لا يحول دون ملاحظة أننا مازلنا كشعوب عربية لا نطرح الأسئلة الضرورية حتى نضمن ألا نكرر نفس المأساة وألا نعيد إنتاج الديكتاتورية ولو كانت بأشكال مختلفة، وربما بطرق أكثر فظاعة.

فسوريا اليوم، وكما هو واضح، بيد جماعات مسلحة ذات مرجعية دينية، وأغلب قادتها لهم تاريخ معروف وصنّف بعضهم على لائحة الإرهاب. وبعيدا عن محاولة استباق الاحداث، وأيضا في كنف احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، فإننا نتساءل، هل سبق ومن خلال تجارب الحكم الأخيرة في العالم العربي أو الإسلامي، أن نجحت الجماعات الدينية في خلق نموذج حكم قادر على الاستجابة لمطالب الشعوب في العدالة والحرية وفي صون كرامتها والحفاظ على استقلالية القرار الوطني؟

إننا وإذ نطرح هذه الأسئلة بخصوص سوريا، فإننا نشير الى أنها تطرح على جل الشعوب العربية التي ظلت دائما اختياراتها محكومة بالماضي ومازالت تؤمن بأن خلاصها في أنظمة حكم مستلهمة من العصور الوسطى تكون قادرة على تعويضها عن الحرمان الذي عاشته في ظل الديكتاتورية. نعم هو كذلك، فالشعوب العربية لم تبلغ بعد مرحلة تجعلها قادرة على أن تقطع مع ماضيها البعيد وأن تؤمن بأنها يمكن أن يكون لها آخر غير الديكتاتورية البغيضة أو الأنظمة التيوقراطية حاملة وهم الخلاص.

حياة السايب