في وضع إقليمي معقّد وفي سياقات دولية غامضة المآلات والنهايات ومشحونة في مناطق كثيرة ومع كل التحولات الجديدة في المعادلات والتوازنات في العلاقات الدولية، تصبح العلاقات الديبلوماسية محكومة بالكثير من الحذر والرصانة في التعاطي مع بعض القضايا، لأن أي خطوة متهوّرة قد تكون عواقبها كارثية، ولذلك نلاحظ أنه في زمن الأزمات الدولية الخانقة، كما يحدث اليوم، تكون كل المواقف الدولية خاضعة للكثير من الحسابات وعدم التسرّع خاصة بالنسبة للدول التي لا تمتلك أدوات تأثير قوية وفاعلة سواء إقليميا ودوليا ..
لكن الحذر والرصانة لا يجب أن ينزعا الشجاعة على المواقف الديبلوماسية للدول ولا أن يمنعاها من الانحياز للقضايا العادلة. ولعلّ الموقف الديبلوماسي الذي عبّرت عنه أول أمس وزارة الخارجية من خلال إدانتها الشديدة للاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية، يتنزل في هذا السياق حيث كان منحازا لسيادة الشعب السوري على أرضه، واعتبر بيان الخارجية أن الكيان المحتّل قام بالسطو على جزء من الأراضي السورية في المنطقة العازلة في هضبة الجولان المحتلة، في "هذه المرحلة الاستثنائية التي تمرّ بها الجمهورية العربية السورية"، كما وصفها البيان الذي شدّد أيضا على استنكار تونس للقصف الصهيوني على سوريا واعتداءاته المتواصلة على مقدّرات وثروات الشعب السوري وذلك "في محاولة يائسة لاستغلال الظروف الخاصة التي تمرّ بها المنطقة لفرض أمر واقع جديد يخدم السياسية التوسعية للكيان الغاصب"، وفق نصّ البيان.
انسجام مع الموقف العربي
لم تبد تونس موقفا واضحا من التغييرات السياسية الحاصلة في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشّار الأسد، واكتفت بوصف ما يحصل بأنه "مرحلة استثنائية تمرّ بها الجمهورية العربية السورية"، حيث بدا بيان وزارة الخارجية شديد التحفّظ والحذر في التعبير عن موقف في علاقة بما يجري في سوريا من تغييرات عميقة داخل نظام الحكم والسلطة، وذلك في إطار المبدأ الذي تحاول تونس التمسّك والتعامل به كثابت من ثوابتها الديبلوماسية، وهو حق الشعوب في حلّ خلافاتها الداخلية وتقرير مصيرها والدفاع عن خياراتها دون أي تدخّل خارجي.. وقد بدا هذا الأمر شديد الوضوح في الموقف الديبلوماسي التونسي من تطورات الأوضاع في الجمهورية السورية، خاصّة وأن الأمر لم يتضح بعد في علاقة بتطورات الأحداث ومساراتها وما قد تفرزه من نهايات ومآلات خاصة وأن هناك ملفات عالقة بين البلدين وهي ملفات دقيقة تتعلق بملفات حسّاسة مثل ملف الإرهاب والتسفير الى بؤر التوتّر ..
والموقف التونسي من الاعتداءات الصهيونية الأخيرة على الأراضي العربية كان منسجما مع مواقف عربية كثيرة وكذلك مع موقف جامعة الدول العربية، حيث أصدرت بيانات رسمية تدين هذه الاعتداءات التي استغلت هشاشة الوضع السوري الداخلي ليتقدم الكيان المحتّل داخل الأراضي السوري ويقصف مخازن الأسلحة التي كانت تحت سيطرة نظام بشّار الأسد ومن بين الدول العربية التي أدانت هذا التدخّل نجد مواقف صادرة عن كل من قطر والسعودية والكويت والأردن والعراق وجامعة الدول العربية.
حيث أعربت الجامعة في بيان لها عن إدانتها الكاملة لما يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تحقيقه بشكل غير قانوني، وفق نصّ بيان الجامعة، والذي اعتبر أن الاحتلال يحاول أن يستفيد من تطورات الأوضاع الداخلية في سوريا "سواء على صعيد احتلال أراض إضافية في الجولان أو اعتبار اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 منتهيا"، وهو الاتفاق الذي تضمّن ترتيبات لفصل القوات السورية عن القوات الإسرائيلية باعتبارهما قوتين متحاربتين وتم من اجل ذلك تحديد خطين رئيسين يفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية، كما تم إنشاء منطقة عازلة بين الخطين تخضع لإشراف قوة من الأمم المتحدة .
وإدانة تونس للسلوكيات المستفزّة للكيان المحتّل والذي تحاول اليوم قضم جزء كبير من الأراضي التي كانت تحت الإدانة السورية ليس جديدا، حيث مازال الموقف الرسمي التونسي لا يعترف بالكيان المحتّل ولا حتى بفكرة التطبيع ويرى رئيس الجمهورية قيس سعيد أن الحديث عن مصطلح التطبيع هو في حدّ ذاته اعتراف بوجود الكيان المحتّل .
ثوابت في وضع متحرّك
أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيد، عند استقباله أول أمس وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، على ما وصفه بـ"دور الديبلوماسية في هذه الفترة بناء على ثوابتها"، وهذه الثوابت التي أكّد رئيس الجمهورية أن الديبلوماسية التونسية تتمسّك بها في تعاطيها اليوم مع القضايا الدولية، وفي إطار التزاماتها بعلاقات دولية مستقرة مع جميع الأطراف، انبنى عليها النهج الديبلوماسي التونسي واقترنت بجملة من المبادئ، تتمثّل بالأساس في الحفاظ على المصالح العليا للوطن والتمسك بمبدأ السيادة الوطنية، مع الحرص الشديد على رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول والالتزام بإقامة علاقات ثنائية وفق مبدأ الاحترام المتبادل مع التمسّك بالشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة من أجل تحقيق الأمن والسلم الدوليين والتمسّك بالأساليب السلمية لتسوية الخلافات والنزاعات، ونُصرة القضايا العادلة والقيم الكونيّة وتعزيز التضامن بين الدول والشعوب.. وهذه الثوابت حاولت تونس الالتزام بها في موقفها الأخير من تطورات الوضع في سوريا، وهو وضع دقيق يتطلّب مواقف رصينة تراعي عدّة ملفات وتراعي أيضا التطوّرات الدولية المتسارعة وتغيّر موازين القوى في أكثر من منطقة من العالم مع التفكير الدائم في مصلحة الدولة العليا .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
في وضع إقليمي معقّد وفي سياقات دولية غامضة المآلات والنهايات ومشحونة في مناطق كثيرة ومع كل التحولات الجديدة في المعادلات والتوازنات في العلاقات الدولية، تصبح العلاقات الديبلوماسية محكومة بالكثير من الحذر والرصانة في التعاطي مع بعض القضايا، لأن أي خطوة متهوّرة قد تكون عواقبها كارثية، ولذلك نلاحظ أنه في زمن الأزمات الدولية الخانقة، كما يحدث اليوم، تكون كل المواقف الدولية خاضعة للكثير من الحسابات وعدم التسرّع خاصة بالنسبة للدول التي لا تمتلك أدوات تأثير قوية وفاعلة سواء إقليميا ودوليا ..
لكن الحذر والرصانة لا يجب أن ينزعا الشجاعة على المواقف الديبلوماسية للدول ولا أن يمنعاها من الانحياز للقضايا العادلة. ولعلّ الموقف الديبلوماسي الذي عبّرت عنه أول أمس وزارة الخارجية من خلال إدانتها الشديدة للاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية، يتنزل في هذا السياق حيث كان منحازا لسيادة الشعب السوري على أرضه، واعتبر بيان الخارجية أن الكيان المحتّل قام بالسطو على جزء من الأراضي السورية في المنطقة العازلة في هضبة الجولان المحتلة، في "هذه المرحلة الاستثنائية التي تمرّ بها الجمهورية العربية السورية"، كما وصفها البيان الذي شدّد أيضا على استنكار تونس للقصف الصهيوني على سوريا واعتداءاته المتواصلة على مقدّرات وثروات الشعب السوري وذلك "في محاولة يائسة لاستغلال الظروف الخاصة التي تمرّ بها المنطقة لفرض أمر واقع جديد يخدم السياسية التوسعية للكيان الغاصب"، وفق نصّ البيان.
انسجام مع الموقف العربي
لم تبد تونس موقفا واضحا من التغييرات السياسية الحاصلة في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشّار الأسد، واكتفت بوصف ما يحصل بأنه "مرحلة استثنائية تمرّ بها الجمهورية العربية السورية"، حيث بدا بيان وزارة الخارجية شديد التحفّظ والحذر في التعبير عن موقف في علاقة بما يجري في سوريا من تغييرات عميقة داخل نظام الحكم والسلطة، وذلك في إطار المبدأ الذي تحاول تونس التمسّك والتعامل به كثابت من ثوابتها الديبلوماسية، وهو حق الشعوب في حلّ خلافاتها الداخلية وتقرير مصيرها والدفاع عن خياراتها دون أي تدخّل خارجي.. وقد بدا هذا الأمر شديد الوضوح في الموقف الديبلوماسي التونسي من تطورات الأوضاع في الجمهورية السورية، خاصّة وأن الأمر لم يتضح بعد في علاقة بتطورات الأحداث ومساراتها وما قد تفرزه من نهايات ومآلات خاصة وأن هناك ملفات عالقة بين البلدين وهي ملفات دقيقة تتعلق بملفات حسّاسة مثل ملف الإرهاب والتسفير الى بؤر التوتّر ..
والموقف التونسي من الاعتداءات الصهيونية الأخيرة على الأراضي العربية كان منسجما مع مواقف عربية كثيرة وكذلك مع موقف جامعة الدول العربية، حيث أصدرت بيانات رسمية تدين هذه الاعتداءات التي استغلت هشاشة الوضع السوري الداخلي ليتقدم الكيان المحتّل داخل الأراضي السوري ويقصف مخازن الأسلحة التي كانت تحت سيطرة نظام بشّار الأسد ومن بين الدول العربية التي أدانت هذا التدخّل نجد مواقف صادرة عن كل من قطر والسعودية والكويت والأردن والعراق وجامعة الدول العربية.
حيث أعربت الجامعة في بيان لها عن إدانتها الكاملة لما يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تحقيقه بشكل غير قانوني، وفق نصّ بيان الجامعة، والذي اعتبر أن الاحتلال يحاول أن يستفيد من تطورات الأوضاع الداخلية في سوريا "سواء على صعيد احتلال أراض إضافية في الجولان أو اعتبار اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 منتهيا"، وهو الاتفاق الذي تضمّن ترتيبات لفصل القوات السورية عن القوات الإسرائيلية باعتبارهما قوتين متحاربتين وتم من اجل ذلك تحديد خطين رئيسين يفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية، كما تم إنشاء منطقة عازلة بين الخطين تخضع لإشراف قوة من الأمم المتحدة .
وإدانة تونس للسلوكيات المستفزّة للكيان المحتّل والذي تحاول اليوم قضم جزء كبير من الأراضي التي كانت تحت الإدانة السورية ليس جديدا، حيث مازال الموقف الرسمي التونسي لا يعترف بالكيان المحتّل ولا حتى بفكرة التطبيع ويرى رئيس الجمهورية قيس سعيد أن الحديث عن مصطلح التطبيع هو في حدّ ذاته اعتراف بوجود الكيان المحتّل .
ثوابت في وضع متحرّك
أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيد، عند استقباله أول أمس وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، على ما وصفه بـ"دور الديبلوماسية في هذه الفترة بناء على ثوابتها"، وهذه الثوابت التي أكّد رئيس الجمهورية أن الديبلوماسية التونسية تتمسّك بها في تعاطيها اليوم مع القضايا الدولية، وفي إطار التزاماتها بعلاقات دولية مستقرة مع جميع الأطراف، انبنى عليها النهج الديبلوماسي التونسي واقترنت بجملة من المبادئ، تتمثّل بالأساس في الحفاظ على المصالح العليا للوطن والتمسك بمبدأ السيادة الوطنية، مع الحرص الشديد على رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول والالتزام بإقامة علاقات ثنائية وفق مبدأ الاحترام المتبادل مع التمسّك بالشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة من أجل تحقيق الأمن والسلم الدوليين والتمسّك بالأساليب السلمية لتسوية الخلافات والنزاعات، ونُصرة القضايا العادلة والقيم الكونيّة وتعزيز التضامن بين الدول والشعوب.. وهذه الثوابت حاولت تونس الالتزام بها في موقفها الأخير من تطورات الوضع في سوريا، وهو وضع دقيق يتطلّب مواقف رصينة تراعي عدّة ملفات وتراعي أيضا التطوّرات الدولية المتسارعة وتغيّر موازين القوى في أكثر من منطقة من العالم مع التفكير الدائم في مصلحة الدولة العليا .