إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تحليل إخباري.. سوريا: تداعيات السقوط.. وحسابات الربح والخسارة داخليا وإقليميا

بقلم: سفيان رجب

 تونس-الصباح

بعد سنوات من الحرب الأهلية المدمرة، وصل نظام بشار الأسد إلى نهايته بمغادرته البلاد نحو موسكو، وتمكن المعارضة من السيطرة على البلاد في ساعات قليلة وسط تحولات غريبة أبطالها جيش انقسم بين جيش طيران واصل دوره وجيش برّ لم يتحركّ وتخلى عن قائده، ودول حامية مثل روسيا وإيران لم يحركا ساكنا بل فسحا المجال للمعارضة السورية للإطاحة بالنظام القائم وكأن كل شيء جاهز بعد طبخة بات ظاهرا أن أبطالها الدولتان الحاميتان زائد تركيا وبالطبع الولايات المتحدة وإسرائيل التي تطوف حولها وحول مصالحها كل الاحداث في المنطقة. ما يحدث في سوريا اليوم وما حدث لنظام بشار الأسد، يعيد إلى الأذهان مشاهد انهيار أنظمة سابقة كانت تعتمد على دعم قوى كبرى لتجد نفسها في الأخير وحيدة دون حام ولا راع ولنا في نظام صدام حسين في العراق ونظام القذافي في ليبيا أحسن مثال.

فبسرعة انهارت دمشق وبسرعة انسحبت القوات الروسية والإيرانية من سوريا، وبسرعة غادر الرئيس بشار، وبسرعة غير متوقعة انهار النظام. سقوط بالتأكيد لم يكن وليد الساعات الـ 24 الأخيرة والغريبة في نظام بشار، بل هو نتاج واضح لصراعات إقليمية ودولية معقدة، وتفاهمات جيوسياسية تمت خلف الكواليس بين الأطراف الكبرى ولمصلحتها ولا التفاتة فيها للشعب السوري الذي يحتفل اليوم بسقوط نظام ظل جاثما في الحكم على مدى 50 سنة بين أب ووريثه ابنه الطبيب -العسكري الذي عدلّ من أجله الدستور الذي كان ينص على أن سنّ الرئيس يجب أن تكون 40 سنة، وفي تصويت استغرق ربع ساعة فقط، أصبح ينص على أن سن الرئيس يمكن أن تكون 34 سنة، وهي سن بشار في ذلك الوقت، وبهذا التعديل الدستوري الذي يعتبر الأسرع من نوعه في العالم، تمكن بشار من تولي رئاسة البلاد ليكون أول رئيس يخلف والده في الحكم بدولة نظامها جمهوري.

24 ساعة حاسمة

في ظل 24 ساعة فقط، شهدت سوريا تصاعداً دراماتيكياً في تقدم قوات المعارضة ودخولها السهل والسلس دمشق، بعد انسحاب سريع وغريب للقوات الروسية والإيرانية وإخلاء قواعدهما العسكرية في الأراضي السورية. بعدها غادر الرئيس السوري بشار الأسد البلاد ليكون الانهيار السريع للنظام والذي يعكس تغيرًا كبيرًا ومفاجئا في المواقف الدولية والإقليمية، ويؤكد أن القرار بإنهاء النظام السوري ومرحلة "الأسدين" قد اتُّخذ منذ مدة وأن السقف الزمني لتحقيق ذلك تم تسريعه بشكل ملحوظ.

روسيا وإيران.. تخليتا عن الأسد

وبالعودة الى المشهد السوري على مدى سنوات، لطالما كانت روسيا وإيران الداعمتين الرئيسيين لنظام الأسد، حيث قدمتا الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي لإنقاذ النظام من الانهيار خاصة بعد ثورات الربيع العربي والتدخل التركي والاسرائيلي. ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى أن هذين الحليفين قررا إعادة تقييم مواقفهما تجاه نظام الأسد.

فبالنسبة لروسيا، انسحابها المفاجئ من قواعدها في سوريا، مع تقارير عن نقل دبلوماسييها وخبرائها العسكريين، يعكس إدراكها لتغيرات على الأرض ولعبة جيوسياسية أكبر. وقد يكون هذا الانسحاب جزءًا من صفقة كبرى مع الولايات المتحدة، تتضمن تقديم تنازلات في الملف السوري مقابل تسهيلات في أوكرانيا. بمعنى بشار مقابل زيلنسكي وسوريا مقابل أوكرانيا.

أما بالنسبة لإيران، يبدو أنها وجدت نفسها في مأزق استراتيجي. فخسارتها لسوريا تعني تراجع نفوذها الإقليمي وانحسار ما يُعرف بـ"محور المقاومة" خاصة بعد النظر الى الوضع في غزة ولبنان بعد 7 أكتوبر والضربات الكبيرة التي تلقتها المقاومة وتمكن إسرائيل من ضرب واغتيال جل رموز محور المقاومة وحتى القضاء على بعض الرموز الإيرانية بطريقة أو بأخرى. فالنظام الإيراني، الذي استثمر الكثير في دعم الأسد، يواجه اليوم معضلة كبيرة في كيفية حماية مكاسبه المتبقية في المنطقة وسط انسحاب داعميه الدوليين.

صفقات جيوسياسية.. سوريا مقابل أوكرانيا؟

الثابت ان العلاقات السياسية والديبلوماسية غير ثابتة وغير قارة، بل تشهد تحولات وفق المصالح.. وما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط ككل وآخرها ما جرى في سوريا، يشير إلى إمكانية وجود صفقات جيوسياسية كبرى أطرافها الدول الكبرى وكذلك بعض دول المنطقة. فروسيا قد تكون مستعدة اليوم، وربما بدأت في ذلك، للتخلي عن حليفها السوري مقابل تنازلات غربية في أوكرانيا. الولايات المتحدة، من جانبها، قد تستغل هذا الوضع لإعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، لا سيما إسرائيل.

لتركيا كذلك أطماع معلنة ولنا في مشروع "الميثاق الملي" أحسن مثال، وهو الذي تطمح من خلاله انقرة لمحاولة إعادة رسم الحدود استنادًا إلى طموحات تاريخية.

حيث أن تركيا تسعى للسيطرة على مناطق تمتد من البحر المتوسط إلى الحدود الإيرانية، بهدف فرض واقع جغرافي جديد، معتمدة في ذلك على الفصائل المسلحة بما فيها "جبهة النصرة" كأدوات لتحقيق هذه الطموحات.

عودة ترامب تعيد صياغة المشهد الإقليمي

وفي ظل جهود أمريكية لم تعد مخفية لإعادة صياغة المشهد الإقليمي بما يتناسب مع مصالحها، خاصة مع اقتراب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من تولي السلطة بداية من جانفي المقبل. ومع اقتراب حفل تنصيب ترامب، قد يكون هذا الأخير وضع الخطوط العريضة لمشهد إقليمي جديد أراده أن يتشكل حتى قبل دخوله البيت الأبيض، من ذلك إرساء تفاهمات أمريكية- روسية تنهي النزاع في أوكرانيا لفائدة موسكو ورئيسها بوتين مقابل تغييرات في الشرق الأوسط. أي التضحية ببشار مقابل التضحية بزيلنسكي. والدليل على ذلك تصريحات القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا حول خسارة روسيا لميناء طرطوس واستشراف خسائرها المحتملة في البلقان وأوكرانيا، وهو ما يعزز فرضية وجود صفقة أمريكية- روسية تخلط الأوراق في سوريا وأوكرانيا. تأكدت خلال لقاء ترامب بالرئيس الأوكراني زيلينسكي أثناء إعادة افتتاح كنيسة نوتردام في باريس والتي كان فيها حديث علني عن إنهاء الحرب في أوكرانيا..

الشرق الأوسط وتحولات منتظرة

إن سقوط الأسد لا يعني فقط إعادة تشكيل المشهد السوري، بل يحمل تداعيات كبرى على المنطقة ككل:

أولا: إسرائيل والمكاسب الاستراتيجية

مع ضعف المحور الإيراني في سوريا، قد تتوسع إسرائيل في مناطق جديدة تحت ذريعة إنشاء مناطق آمنة، مما يعزز سيطرتها على الجولان وربما يتجاوز ذلك إلى جنوب سوريا. وهذا التحول سيؤدي إلى تقويض محور المقاومة وإضعافه بشكل كبير، مما سيؤثر بشكل مباشر على "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة، و"حزب الله" في لبنان والحوثي في اليمن اللذين يعتمد بعضهم بشكل كبير على الدعم الإيراني والسوري.

ثانيا: مصير أصعب لغزة

كذلك، وفي ظل التحولات الراهنة، قد تجد غزة نفسها أكثر عزلة. فإسرائيل قد تستغل ضعف الدعم الإقليمي لـ"حماس" لفرض واقع جديد على القطاع، مثل تشديد الحصار أو السعي لإنشاء منطقة عازلة تفصل القطاع عن مصر. وفي الوقت ذاته، قد تحاول دول عربية وخاصة منها المملكة العربية السعودية التدخل لملء الفراغ الذي ستتركه إيران وسوريا، من خلال تقديم مبادرات لحل سياسي يضمن تهدئة الأوضاع في القطاع.

ثالثا: تركيا والملف الكردي

وبالنسبة لتركيا، التي لعبت دورًا رئيسيًا في دعم المعارضة السورية، قد تستفيد من سقوط الأسد لتعزيز موقفها في مواجهة الأكراد. وقد تسعى أنقرة إلى إنشاء منطقة آمنة جديدة على الحدود السورية لتقويض الطموحات الكردية في إقامة كيان مستقل.

رابعا: إيران وإعادة ترتيب الأوراق

خسارة سوريا تعني فشل إيران التي ستحتاج إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الإقليمية. ومن المحتمل أن تركز طهران على تعزيز نفوذها في العراق واليمن لتعويض خسائرها في سوريا وقبلها في جنوب لينان.

مشهد إقليمي جديد

عموما، يمكن القول أن سقوط نظام الأسد في سوريا يمثل نقطة تحول كبرى في الشرق الأوسط، لكنه ليس النهاية. فالمنطقة على أعتاب مرحلة جديدة من الصراعات وإعادة الاصطفاف. وسوريا قد تدخل مرحلة من الفوضى أو التقسيم حسب مخططات اسرائيلية، بينما تواجه غزة تحديات غير مسبوقة في ظل تراجع الدعم الإقليمي ويتواصل الغموض والصراع الداخلي في لبنان.

كما أن انهيار النظام السوري لا يعني بالمرة نهاية المأساة السورية، بل بداية مرحلة جديدة تحمل تحديات معقدة. إيران، التي استثمرت موارد هائلة لدعم النظام، تبدو الآن كأكبر الخاسرين. تسليم سوريا عملياً لإسرائيل عبر منطقة آمنة يعكس تحولًا جذريًا في ميزان القوى الإقليمي بعد تقويض محور المقاومة من الداخل.

الأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد ملامح المستقبل في المنطقة، حيث ستكشف عن طبيعة الصفقات الدولية والتحولات التي ستعيد تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة.

وبينما يحق للسوريين اليوم الاحتفاء بسقوط نظام الأسد، يبقى مستقبل سوريا محاطًا بالغموض. هل ستتمكن القوى الدولية من تحقيق تسوية عادلة وفرض الاستقرار في سوريا، أم أن البلاد ستظل ساحة لصراعات جديدة؟ الإجابة تعتمد على ما ستكشفه الأيام القادمة من أسرار الاتفاقيات التي تُبرم خلف الأبواب المغلقة وبعيدا بالتأكيد عن ما يطمح اليه الشعب السوري.

تحليل إخباري..   سوريا: تداعيات السقوط.. وحسابات الربح والخسارة داخليا وإقليميا

بقلم: سفيان رجب

 تونس-الصباح

بعد سنوات من الحرب الأهلية المدمرة، وصل نظام بشار الأسد إلى نهايته بمغادرته البلاد نحو موسكو، وتمكن المعارضة من السيطرة على البلاد في ساعات قليلة وسط تحولات غريبة أبطالها جيش انقسم بين جيش طيران واصل دوره وجيش برّ لم يتحركّ وتخلى عن قائده، ودول حامية مثل روسيا وإيران لم يحركا ساكنا بل فسحا المجال للمعارضة السورية للإطاحة بالنظام القائم وكأن كل شيء جاهز بعد طبخة بات ظاهرا أن أبطالها الدولتان الحاميتان زائد تركيا وبالطبع الولايات المتحدة وإسرائيل التي تطوف حولها وحول مصالحها كل الاحداث في المنطقة. ما يحدث في سوريا اليوم وما حدث لنظام بشار الأسد، يعيد إلى الأذهان مشاهد انهيار أنظمة سابقة كانت تعتمد على دعم قوى كبرى لتجد نفسها في الأخير وحيدة دون حام ولا راع ولنا في نظام صدام حسين في العراق ونظام القذافي في ليبيا أحسن مثال.

فبسرعة انهارت دمشق وبسرعة انسحبت القوات الروسية والإيرانية من سوريا، وبسرعة غادر الرئيس بشار، وبسرعة غير متوقعة انهار النظام. سقوط بالتأكيد لم يكن وليد الساعات الـ 24 الأخيرة والغريبة في نظام بشار، بل هو نتاج واضح لصراعات إقليمية ودولية معقدة، وتفاهمات جيوسياسية تمت خلف الكواليس بين الأطراف الكبرى ولمصلحتها ولا التفاتة فيها للشعب السوري الذي يحتفل اليوم بسقوط نظام ظل جاثما في الحكم على مدى 50 سنة بين أب ووريثه ابنه الطبيب -العسكري الذي عدلّ من أجله الدستور الذي كان ينص على أن سنّ الرئيس يجب أن تكون 40 سنة، وفي تصويت استغرق ربع ساعة فقط، أصبح ينص على أن سن الرئيس يمكن أن تكون 34 سنة، وهي سن بشار في ذلك الوقت، وبهذا التعديل الدستوري الذي يعتبر الأسرع من نوعه في العالم، تمكن بشار من تولي رئاسة البلاد ليكون أول رئيس يخلف والده في الحكم بدولة نظامها جمهوري.

24 ساعة حاسمة

في ظل 24 ساعة فقط، شهدت سوريا تصاعداً دراماتيكياً في تقدم قوات المعارضة ودخولها السهل والسلس دمشق، بعد انسحاب سريع وغريب للقوات الروسية والإيرانية وإخلاء قواعدهما العسكرية في الأراضي السورية. بعدها غادر الرئيس السوري بشار الأسد البلاد ليكون الانهيار السريع للنظام والذي يعكس تغيرًا كبيرًا ومفاجئا في المواقف الدولية والإقليمية، ويؤكد أن القرار بإنهاء النظام السوري ومرحلة "الأسدين" قد اتُّخذ منذ مدة وأن السقف الزمني لتحقيق ذلك تم تسريعه بشكل ملحوظ.

روسيا وإيران.. تخليتا عن الأسد

وبالعودة الى المشهد السوري على مدى سنوات، لطالما كانت روسيا وإيران الداعمتين الرئيسيين لنظام الأسد، حيث قدمتا الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي لإنقاذ النظام من الانهيار خاصة بعد ثورات الربيع العربي والتدخل التركي والاسرائيلي. ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى أن هذين الحليفين قررا إعادة تقييم مواقفهما تجاه نظام الأسد.

فبالنسبة لروسيا، انسحابها المفاجئ من قواعدها في سوريا، مع تقارير عن نقل دبلوماسييها وخبرائها العسكريين، يعكس إدراكها لتغيرات على الأرض ولعبة جيوسياسية أكبر. وقد يكون هذا الانسحاب جزءًا من صفقة كبرى مع الولايات المتحدة، تتضمن تقديم تنازلات في الملف السوري مقابل تسهيلات في أوكرانيا. بمعنى بشار مقابل زيلنسكي وسوريا مقابل أوكرانيا.

أما بالنسبة لإيران، يبدو أنها وجدت نفسها في مأزق استراتيجي. فخسارتها لسوريا تعني تراجع نفوذها الإقليمي وانحسار ما يُعرف بـ"محور المقاومة" خاصة بعد النظر الى الوضع في غزة ولبنان بعد 7 أكتوبر والضربات الكبيرة التي تلقتها المقاومة وتمكن إسرائيل من ضرب واغتيال جل رموز محور المقاومة وحتى القضاء على بعض الرموز الإيرانية بطريقة أو بأخرى. فالنظام الإيراني، الذي استثمر الكثير في دعم الأسد، يواجه اليوم معضلة كبيرة في كيفية حماية مكاسبه المتبقية في المنطقة وسط انسحاب داعميه الدوليين.

صفقات جيوسياسية.. سوريا مقابل أوكرانيا؟

الثابت ان العلاقات السياسية والديبلوماسية غير ثابتة وغير قارة، بل تشهد تحولات وفق المصالح.. وما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط ككل وآخرها ما جرى في سوريا، يشير إلى إمكانية وجود صفقات جيوسياسية كبرى أطرافها الدول الكبرى وكذلك بعض دول المنطقة. فروسيا قد تكون مستعدة اليوم، وربما بدأت في ذلك، للتخلي عن حليفها السوري مقابل تنازلات غربية في أوكرانيا. الولايات المتحدة، من جانبها، قد تستغل هذا الوضع لإعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، لا سيما إسرائيل.

لتركيا كذلك أطماع معلنة ولنا في مشروع "الميثاق الملي" أحسن مثال، وهو الذي تطمح من خلاله انقرة لمحاولة إعادة رسم الحدود استنادًا إلى طموحات تاريخية.

حيث أن تركيا تسعى للسيطرة على مناطق تمتد من البحر المتوسط إلى الحدود الإيرانية، بهدف فرض واقع جغرافي جديد، معتمدة في ذلك على الفصائل المسلحة بما فيها "جبهة النصرة" كأدوات لتحقيق هذه الطموحات.

عودة ترامب تعيد صياغة المشهد الإقليمي

وفي ظل جهود أمريكية لم تعد مخفية لإعادة صياغة المشهد الإقليمي بما يتناسب مع مصالحها، خاصة مع اقتراب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من تولي السلطة بداية من جانفي المقبل. ومع اقتراب حفل تنصيب ترامب، قد يكون هذا الأخير وضع الخطوط العريضة لمشهد إقليمي جديد أراده أن يتشكل حتى قبل دخوله البيت الأبيض، من ذلك إرساء تفاهمات أمريكية- روسية تنهي النزاع في أوكرانيا لفائدة موسكو ورئيسها بوتين مقابل تغييرات في الشرق الأوسط. أي التضحية ببشار مقابل التضحية بزيلنسكي. والدليل على ذلك تصريحات القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا حول خسارة روسيا لميناء طرطوس واستشراف خسائرها المحتملة في البلقان وأوكرانيا، وهو ما يعزز فرضية وجود صفقة أمريكية- روسية تخلط الأوراق في سوريا وأوكرانيا. تأكدت خلال لقاء ترامب بالرئيس الأوكراني زيلينسكي أثناء إعادة افتتاح كنيسة نوتردام في باريس والتي كان فيها حديث علني عن إنهاء الحرب في أوكرانيا..

الشرق الأوسط وتحولات منتظرة

إن سقوط الأسد لا يعني فقط إعادة تشكيل المشهد السوري، بل يحمل تداعيات كبرى على المنطقة ككل:

أولا: إسرائيل والمكاسب الاستراتيجية

مع ضعف المحور الإيراني في سوريا، قد تتوسع إسرائيل في مناطق جديدة تحت ذريعة إنشاء مناطق آمنة، مما يعزز سيطرتها على الجولان وربما يتجاوز ذلك إلى جنوب سوريا. وهذا التحول سيؤدي إلى تقويض محور المقاومة وإضعافه بشكل كبير، مما سيؤثر بشكل مباشر على "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة، و"حزب الله" في لبنان والحوثي في اليمن اللذين يعتمد بعضهم بشكل كبير على الدعم الإيراني والسوري.

ثانيا: مصير أصعب لغزة

كذلك، وفي ظل التحولات الراهنة، قد تجد غزة نفسها أكثر عزلة. فإسرائيل قد تستغل ضعف الدعم الإقليمي لـ"حماس" لفرض واقع جديد على القطاع، مثل تشديد الحصار أو السعي لإنشاء منطقة عازلة تفصل القطاع عن مصر. وفي الوقت ذاته، قد تحاول دول عربية وخاصة منها المملكة العربية السعودية التدخل لملء الفراغ الذي ستتركه إيران وسوريا، من خلال تقديم مبادرات لحل سياسي يضمن تهدئة الأوضاع في القطاع.

ثالثا: تركيا والملف الكردي

وبالنسبة لتركيا، التي لعبت دورًا رئيسيًا في دعم المعارضة السورية، قد تستفيد من سقوط الأسد لتعزيز موقفها في مواجهة الأكراد. وقد تسعى أنقرة إلى إنشاء منطقة آمنة جديدة على الحدود السورية لتقويض الطموحات الكردية في إقامة كيان مستقل.

رابعا: إيران وإعادة ترتيب الأوراق

خسارة سوريا تعني فشل إيران التي ستحتاج إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الإقليمية. ومن المحتمل أن تركز طهران على تعزيز نفوذها في العراق واليمن لتعويض خسائرها في سوريا وقبلها في جنوب لينان.

مشهد إقليمي جديد

عموما، يمكن القول أن سقوط نظام الأسد في سوريا يمثل نقطة تحول كبرى في الشرق الأوسط، لكنه ليس النهاية. فالمنطقة على أعتاب مرحلة جديدة من الصراعات وإعادة الاصطفاف. وسوريا قد تدخل مرحلة من الفوضى أو التقسيم حسب مخططات اسرائيلية، بينما تواجه غزة تحديات غير مسبوقة في ظل تراجع الدعم الإقليمي ويتواصل الغموض والصراع الداخلي في لبنان.

كما أن انهيار النظام السوري لا يعني بالمرة نهاية المأساة السورية، بل بداية مرحلة جديدة تحمل تحديات معقدة. إيران، التي استثمرت موارد هائلة لدعم النظام، تبدو الآن كأكبر الخاسرين. تسليم سوريا عملياً لإسرائيل عبر منطقة آمنة يعكس تحولًا جذريًا في ميزان القوى الإقليمي بعد تقويض محور المقاومة من الداخل.

الأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد ملامح المستقبل في المنطقة، حيث ستكشف عن طبيعة الصفقات الدولية والتحولات التي ستعيد تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة.

وبينما يحق للسوريين اليوم الاحتفاء بسقوط نظام الأسد، يبقى مستقبل سوريا محاطًا بالغموض. هل ستتمكن القوى الدولية من تحقيق تسوية عادلة وفرض الاستقرار في سوريا، أم أن البلاد ستظل ساحة لصراعات جديدة؟ الإجابة تعتمد على ما ستكشفه الأيام القادمة من أسرار الاتفاقيات التي تُبرم خلف الأبواب المغلقة وبعيدا بالتأكيد عن ما يطمح اليه الشعب السوري.