دور نشر تونسية مشاركة في معرض الشارقة الدولي للكتاب (الدورة 43).. المشاركة في معارض دولية للكتاب مغامرة صعبة ومكلفة لكنها ضرورية من أجل نشر الكتاب التونسي بالخارج
الشارقة – الامارات – الصباح- من مبعوثتنا: حياة السايب
تشارك مجموعة من دور النشر التونسية في الدورة الجارية الجديدة عدد 43 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، التي انطلقت منذ 6 نوفمبر الجاري وتتواصل إلى 17 من نفس الشهر، وذلك إضافة إلى الجناح الخاص باتحاد الناشرين التونسيين الذي يعرض مجموعة من الكتب لعدد من دور النشر التونسية، مما جعل المشاركة هذا العام في المعرض أكبر نسبياً من الدورات السابقة التي كانت تقتصر إما على جناح اتحاد الناشرين أو على مشاركة دار نشر أو اثنتين في المعرض على الأكثر.
ونجد هذا العام في معرض الشارقة الدولي جناحاً للدار المتوسطية للنشر التي تشارك باستمرار منذ سنوات، وهناك جناح لدار الكتاب التي تشارك لأول مرة، وهناك جناح لسوتيميديا للنشر والتوزيع التي تشارك بجناح خاص لأول مرة، إذ كانت تشارك من قبل عبر وكلاء. هناك أيضاً دار صامد للنشر والتوزيع وقد شاركت من قبل في المعرض وهي موجودة في كل الدورات الأخيرة تقريباً، وكذلك الحال بالنسبة لمجمع الأطرش للكتاب المختص الذي أصبح موجوداً في أغلب المعارض الدولية. وهناك طبعاً دار مسكلياني التي فازت بجائزة أفضل دار نشر عربية لمعرض الشارقة الدولي لهذا العام، كما نسجل حضور الدار المالكية للطباعة والنشر والتوزيع.
كيف تبدو المشاركة التونسية هذا العام؟ وهل أصبحت دور النشر أكثر حضوراً في المعارض الدولية؟ وهل زالت العقبات أمام مشاركتها في المعارض الأجنبية؟ أسئلة وجهناها خلال جولتنا في معرض الشارقة الدولي لناشرين تونسيين خلال توقفنا أمام الأجنحة التونسية، وذلك طبعاً إلى جانب السؤال البديهي حول حجم الإقبال على الكتب التونسية ونوعيتها.
بالنسبة لمجمع الأطرش للكتاب المختص، فإن وجوده في معرض الشارقة الدولي للكتاب وغيره من المعارض الدولية تجاوز منطق الربح والخسارة، ويفسر صاحب المؤسسة سالم الأطرش المسألة فيقول: "نحن من دور النشر المغاربية القليلة، إن لم نقل دار النشر الوحيدة التي تشارك في أغلب معارض الكتاب الدولية."
ويضيف قائلاً: "تواجدنا بصرف النظر عن الربح والخسارة يحمل رسالة في اتجاهين. فنحن من جهة مطالبون بأن نقدم للآخر أفضل ما يكتب التونسيون، وهي كتابات من أعلى طراز بشهادة العالم. وقد كنا مؤخراً في طرابلس وحققنا نجاحاً كبيراً، وكانت مشاركتنا في بغداد، رغم أنها الأولى، مثمرة جداً، وذلك بفضل سمعة الكتب التونسية، وخاصة كتب الدراسات فهي كتب ممنهجة وأكاديمية وقائمة على أسس ثابتة معرفية. ومن جهة ثانية، أصبح مجمع الأطرش المختص في الكتاب القانوني يصدر مؤلفات لكتّاب من العديد من الدول، وهو ما يجعل مشاركتنا في المعارض الدولية خياراً استراتيجياً."
ويستدرك محدثنا قائلاً إن إصرار مؤسسته على المشاركة في المعارض الدولية لا يعني انتهاء المشاكل، بل المشاكل موجودة، ونفس العقبات متواصلة حسب رأيه. وأبرز مشكل هو النقل وشحن الكتب. فتونس وكذلك المغرب والجزائر يفصلها البحر عن منطقة المشرق الإسلامي، وهذه الخاصية الجغرافية تفرض علينا دفع أثمان باهظة لشحن الكتب عن طريق النقل الجوي. ويقول محدثنا إن دور النشر المصرية أو اللبنانية مثلاً تكون تكلفة التنقل بالنسبة لها أقل بكثير من تكلفة شحن الكتب من المنطقة المغاربية. فالنقل بين بلدان المشرق يتم عن طريق البر، في حين أننا مضطرون لاستعمال النقل الجوي الذي يكلف دور النشر أضعاف أضعاف تكلفة نظرائها بالشرق. وهو يضرب على ذلك مثالاً، إذ يشير إلى أن كيلوغراماً واحداً يكلف التونسي 50 دولاراً، وهو ما يعني أن شحن "كرتونة" واحدة من الكتب يكلف صاحبها حوالي 600 دينار، أي ضعف ما يدفعه اللبناني أو المصري عشرة مرات، وبدون مبالغة وفق تأكيده.
والحل وفق محدثنا بعد أن وجهنا له السؤال حول ذلك هو أن تكون لديك نقطة تزويد في المشرق الإسلامي. أما عن مسألة البيع عن بعد، فهناك إشكاليات ما زالت قائمة تتعلق بقوانين التصدير. تونس لا تتعامل بعد بمنظومة "to pay" المعتمدة في العديد من البلدان، وهي تسلط رقابة مشددة على دخول الأموال إلى تونس أو خروجها، وتشترط رخصة تصدير حتى على المبالغ الصغيرة جداً، وهناك تعقيدات إدارية كثيرة تحول دون سهولة رواج الكتاب بالخارج.
مع العلم أن محدثنا وكل من استمعنا إليهم بالمناسبة شددوا على أن تكلفة شحن الكتب التونسية تعود بالضرر على الكتاب، لأنه يتم احتسابها عند تحديد التكلفة مما يجعل سعر الكتاب أعلى.
ويعتبر مدير مجمع الأطرش أنه لا يشاطر كثيراً زملاءه الذين يتحدثون عن ضرورة أن تتكفل وزارة الثقافة بكل شيء، وهو يرى أن وزارة الثقافة تقوم بجهد في مجال دعم الورق وعلى مستوى لجنة الشراءات (وإن كانت نسبة الشراءات هذا العام تقلصت إلى النصف وفق جل محدثينا)، معتبراً أن دور النشر عليها أن تجتهد أكثر من أجل ابتكار الحلول. وفي المقابل، فإنه يرى أن الكتاب ليس شأن وزارة الثقافة فحسب، وإنما هو شأن العديد من الوزارات الأخرى. وإن كان لا بد من تدخل، فيجب أن يكون على مستوى بقية الوزارات التي لديها عزوف كامل عن اقتناء الكتب. وإن كان لا بد من تدخل الدولة، فإنه يرى أن ذلك يجب أن يكون من باب محاولة تغيير التشريعات وتيسير "سيولة" الكتاب التونسي.
ويرى محدثنا أنه يمكن الاستفادة من تجربة المغرب التي تمنح الفرصة في كل مرة لناشرين أو أكثر للمشاركة في معارض دولية وتتحمل عنهم جزءاً هاماً من المصاريف.
وعن إمكانية أن تتدخل وزارة الثقافة من أجل التخفيف من أعباء شحن الكتاب التونسي وتيسير مشاركة دور النشر في المعارض الدولية، قال محدثنا إن التجربة أثبتت عدم نجاعتها.
فقد كانت الوزارة تشترط أن لا تتجاوز الكمية 700 كيلوغرام، وأن يكون ذلك عن طريق اتحاد الناشرين. وهو في نظره حل غير عملي ولم يكن موفقاً، لأن اتحاد الناشرين لا يمكنه أن يحمل كمّاً كبيراً من الكتب ولا يمكنه أن يفتح نافذة لكل الناشرين، فلا المساحة ولا الإمكانيات تسمح بذلك، ولذلك لا بد من البحث عن حلول خارج هذا الحل.
وعن حجم الإقبال على جناحه في معرض الشارقة الدولي، أكد محدثنا - وكل المشاركين التونسيين - أن هذا المعرض ليس معرض أفراد، وإنما يمكن القول إنه معرض مؤسسات. إذ تتولى مؤسسات إمارة الشارقة (مكتبات عمومية، جامعات، مدارس، مؤسسات بحثية وأكاديمية وغيرها) بدعم من الحاكم سلطان القاسمي شراء مجموعة هامة من الكتب المعروضة، كما أن حاكم الشارقة يخصص في كل دورة جديدة مبلغاً (وصل هذه السنة إلى 4.5 مليون درهم إماراتي) لدعم كل دور النشر المشاركة، مع العلم أنه تقرر هذا العام إعفاء دور النشر الفلسطينية واللبنانية والسودانية من معاليم المشاركة مع إقرار تخفيض على مشاركة عدد من دور النشر العربية.
التقينا أيضاً خلال جولتنا بالأجنحة التونسية بمديرة دار الكتاب، سالمة الحداد، التي قالت إنها أول مشاركة لدار الكتاب بمعرض الشارقة الدولي. محدثتنا توقفت عند التنظيم الجيد جداً منذ الإعداد والتنسيق وصولاً إلى المعرض، لكن الإقبال بالنسبة لها على الأقل خلال الأيام التي مرت كان قليلاً جداً. وتضيف قائلة إن الآمال معلقة على الأيام الأخيرة للمعرض.
أما عن ظروف المشاركة، فقالت محدثتنا: "أن أكبر مشكل نتعرض له هو الشحن." وأضافت أن رغبة دور النشر في إيصال الكتاب التونسي إلى أكبر عدد ممكن من القراء - حيث شاركت دار الكتاب مثلاً في معرضي الرياض والدوحة الدوليين للكتاب - تجعل دور النشر تغامر، ولو كان ذلك يعرضها لمشاكل كبيرة مادية منها بالخصوص، وهي ترى أن الدولة لا تساعد في حل مشكل الشحن، مشيرة إلى أن قطاع النشر في تونس يعاني كثيراً، وأن مسألة إصدار كتاب في تونس ونشره وتوزيعه في الأصل عملية ليست يسيرة، فما بالك بالمشاركة في معارض بالخارج.
وتشدد محدثتنا على أن السنة الجارية (2024) كانت أسوأ سنة من حيث مبيعات الكتب، وهي تقول في هذا الباب إنها تعي ما تقول، بما أنها هي أيضاً صاحبة مكتبة، وكذلك كانت نسبة الإقبال في معرض تونس الدولي للكتاب في نسخته الماضية قليلة جداً.
هل حاول اتحاد الناشرين التونسيين إيجاد بعض الحلول للإشكاليات العالقة؟ طرحنا هذا السؤال على محدثتنا، فكانت الإجابة أنها لم تر شيئاً من هذا القبيل.
مشاركة دار سوتيميديا للنشر والتوزيع في معرض الشارقة الدولي هي أيضاً الأولى. وحول ذلك، يقول صاحب المؤسسة رياض شنيتر: "إن مشاركة سوتيميديا كانت تتم عن طريق وكلاء، لأنه كانت هناك مشكلة وهي أن المعرض يتزامن مع معرض الجزائر الدولي، وقد فضلنا السنة الماضية أن نكون في الجزائر، أما هذا العام فقد اخترنا المشاركة في الشارقة."
وحول ظروف التنظيم، شدد محدثنا على أنه على درجة عالية من الإتقان، وتشارك فيه أهم دور النشر، والفضاء مميز وفق وصفه، مضيفاً: "وأهم شيء أن المؤسسات تهتم بهذا الحدث وتزور المعرض وتتطلع وتقتني ما يناسبها من الكتب، وهي بذلك تدعم حضور الناشر العربي."
رياض شنيتر يعتبر هو أيضاً أن مشكلة الشحن هي العقبة الأساسية أمام الناشر التونسي. ففي تونس لا يمكننا أن نقوم بشحن بحري، ونضطر إلى الشحن بالطائرة، وحتى في هذا الباب، فإن المشاكل عديدة، خاصة أن الخطوط التونسية لا تتولى هذه المهمة، مما يضطر الناشرين إلى التعويل على خدمات شركات طيران عربية أو تركية، وهي ليست خطوطاً مباشرة مما يجعل المسألة أكثر تكلفة وأكثر تعقيداً. الحل أيضاً لا يتمثل في التعويل فقط على اتحاد الناشرين ليكون هو الممثل الوحيد لدور النشر التونسية في المعارض الدولية. فهو لا يتسع لكل الناشرين، ويعتبر محدثنا هو أيضاً أنه يمكن الاستفادة من التجربة المغربية، ونذكر بأنها تتمثل في تولي الدولة في كل مرة دعم مشاركة عدد من الناشرين وفق برنامج يقترح مسبقاً.
ويشدد محدثنا على أهمية دعم المشاركة التونسية في معارض الكتاب الدولية لسبب بسيط هو أن القارئ العربي يريد الكتاب التونسي، وفق قوله، مواصلاً: "ورغم ذلك يظل حضور دور النشر التونسية قليلاً بالخارج مقارنة بنظرائنا من مصر ولبنان وغيرها، وأيضاً مقارنة مع المغرب."
ويضيف دعماً لقوله: "المعرض ليس فقط للبيع، هو فرصة للتسويق لتونس بالأساس. ورفع العلم التونسي في جناح تونسي بمعرض دولي للكتاب هو ترويج لصورة تونس."
ممثل جناح اتحاد الناشرين التونسيين في معرض الشارقة الدولي للكتاب، مجدي بن عيسى، أوضح لنا من جهته وبنفس المناسبة أن ما يسمح لاتحاد الناشرين بالمشاركة باستمرار في معارض الكتاب الدولية هو الاتفاقيات التي يعقدها وعلاقات الصداقة مع المعارض ومن بينها معرض الشارقة.
أما عن كيفية اختيار من يمثل الاتحاد في مثل هذه المناسبات، فقد قال إن العملية تتم عن طريق الاختيار، إذ يقع التوافق حول شخص واحد يمثل الاتحاد عبر كتبه ويمثل طبعاً عدداً من كتب الآخرين. "فدور اتحاد الناشرين ليس فقط بيع الكتب وإنما نعمل على توجيه القارئ الزائر للمعرض بما يجعل دورنا تمثيلياً أكثر منه تجارياً."
محدثنا، وفي تعقيب له حول ملاحظة عن حجم الإقبال على جناح الاتحاد، شدد على أن معرض الشارقة الدولي يعتمد على المؤسسات، وخاصة المؤسسات الجامعية، وهو يتلقى في ذلك مع الآراء السابقة.
وهو يعتبر أن المشاركة التونسية تظل ضرورية بأي صيغة كانت، من أجل التعريف بالأدب التونسي. ورغم أن المغامرة مكلفة من وجهة نظره، إلا أنها ضرورية حتى لا تقتصر صورة الأدب والإبداع في تونس على الشاعر أبو القاسم الشابي، رغم أهمية دوره ومكانته في مدونة الأدب التونسي.
محدثنا يقر أيضاً بوجود مشكل كبير يتمثل في التكلفة الباهظة جداً لشحن الكتب، وهو يرى أن الدولة يمكنها أن تساعد، لكنها لا يمكن أن تتحمل كل المسؤولية.
فالدولة حسب رأيه تضطلع بدور مهم في مجال الشراءات ودعم الورق، إلا أن المشكلة تكمن في غياب سوق حقيقية للكتاب، حيث تظل الشراءات ضعيفة جداً. كما أن شراءات الدولة قد تقلصت لأسباب اقتصادية معروفة، وهي حالياً تواجه أولويات قد تعتبرها أكثر إلحاحاً.
ورغم اعتباره أن مطالب دور النشر في معاملة الكتاب معاملة خاصة، نظراً لدوره الثقافي والتوعوي ومسؤوليته في التعريف بالهوية والحضارة التونسية، فإنه يرى أيضاً أنه يمكن التوصل إلى حلول بعيداً عن منطق الاعتماد الكامل على الدولة.
مع العلم أن جميع محدثينا قد أثنوا على حصول دار النشر مسكلياني لصاحبها شوقي العنيزي على جائزة أفضل دار نشر عربية لمعرض الشارقة الدولي لهذا العام، مشددين على أنه: "شرف لتونس أن تحصل دار نشر تونسية على جائزة بهذه القيمة، التي هي اعتراف برأيهم أولاً بجهود مؤسسها وصاحبها، وثانياً هي أيضاً خدمة للأدب التونسي عموماً."
مع العلم أن جميع محدثينا قد أثنوا على فوز دار النشر مسكلياني، لصاحبها شوقي العنيزي، بجائزة أفضل دار نشر عربية في معرض الشارقة الدولي لهذا العام، مؤكدين أن ذلك يمثل "شرفاً لتونس"، حيث يرون "أن هذه الجائزة هي اعتراف أولاً بجهود مؤسسها وصاحبها، وثانياً خدمة للأدب التونسي بشكل عام."
الشارقة – الامارات – الصباح- من مبعوثتنا: حياة السايب
تشارك مجموعة من دور النشر التونسية في الدورة الجارية الجديدة عدد 43 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، التي انطلقت منذ 6 نوفمبر الجاري وتتواصل إلى 17 من نفس الشهر، وذلك إضافة إلى الجناح الخاص باتحاد الناشرين التونسيين الذي يعرض مجموعة من الكتب لعدد من دور النشر التونسية، مما جعل المشاركة هذا العام في المعرض أكبر نسبياً من الدورات السابقة التي كانت تقتصر إما على جناح اتحاد الناشرين أو على مشاركة دار نشر أو اثنتين في المعرض على الأكثر.
ونجد هذا العام في معرض الشارقة الدولي جناحاً للدار المتوسطية للنشر التي تشارك باستمرار منذ سنوات، وهناك جناح لدار الكتاب التي تشارك لأول مرة، وهناك جناح لسوتيميديا للنشر والتوزيع التي تشارك بجناح خاص لأول مرة، إذ كانت تشارك من قبل عبر وكلاء. هناك أيضاً دار صامد للنشر والتوزيع وقد شاركت من قبل في المعرض وهي موجودة في كل الدورات الأخيرة تقريباً، وكذلك الحال بالنسبة لمجمع الأطرش للكتاب المختص الذي أصبح موجوداً في أغلب المعارض الدولية. وهناك طبعاً دار مسكلياني التي فازت بجائزة أفضل دار نشر عربية لمعرض الشارقة الدولي لهذا العام، كما نسجل حضور الدار المالكية للطباعة والنشر والتوزيع.
كيف تبدو المشاركة التونسية هذا العام؟ وهل أصبحت دور النشر أكثر حضوراً في المعارض الدولية؟ وهل زالت العقبات أمام مشاركتها في المعارض الأجنبية؟ أسئلة وجهناها خلال جولتنا في معرض الشارقة الدولي لناشرين تونسيين خلال توقفنا أمام الأجنحة التونسية، وذلك طبعاً إلى جانب السؤال البديهي حول حجم الإقبال على الكتب التونسية ونوعيتها.
بالنسبة لمجمع الأطرش للكتاب المختص، فإن وجوده في معرض الشارقة الدولي للكتاب وغيره من المعارض الدولية تجاوز منطق الربح والخسارة، ويفسر صاحب المؤسسة سالم الأطرش المسألة فيقول: "نحن من دور النشر المغاربية القليلة، إن لم نقل دار النشر الوحيدة التي تشارك في أغلب معارض الكتاب الدولية."
ويضيف قائلاً: "تواجدنا بصرف النظر عن الربح والخسارة يحمل رسالة في اتجاهين. فنحن من جهة مطالبون بأن نقدم للآخر أفضل ما يكتب التونسيون، وهي كتابات من أعلى طراز بشهادة العالم. وقد كنا مؤخراً في طرابلس وحققنا نجاحاً كبيراً، وكانت مشاركتنا في بغداد، رغم أنها الأولى، مثمرة جداً، وذلك بفضل سمعة الكتب التونسية، وخاصة كتب الدراسات فهي كتب ممنهجة وأكاديمية وقائمة على أسس ثابتة معرفية. ومن جهة ثانية، أصبح مجمع الأطرش المختص في الكتاب القانوني يصدر مؤلفات لكتّاب من العديد من الدول، وهو ما يجعل مشاركتنا في المعارض الدولية خياراً استراتيجياً."
ويستدرك محدثنا قائلاً إن إصرار مؤسسته على المشاركة في المعارض الدولية لا يعني انتهاء المشاكل، بل المشاكل موجودة، ونفس العقبات متواصلة حسب رأيه. وأبرز مشكل هو النقل وشحن الكتب. فتونس وكذلك المغرب والجزائر يفصلها البحر عن منطقة المشرق الإسلامي، وهذه الخاصية الجغرافية تفرض علينا دفع أثمان باهظة لشحن الكتب عن طريق النقل الجوي. ويقول محدثنا إن دور النشر المصرية أو اللبنانية مثلاً تكون تكلفة التنقل بالنسبة لها أقل بكثير من تكلفة شحن الكتب من المنطقة المغاربية. فالنقل بين بلدان المشرق يتم عن طريق البر، في حين أننا مضطرون لاستعمال النقل الجوي الذي يكلف دور النشر أضعاف أضعاف تكلفة نظرائها بالشرق. وهو يضرب على ذلك مثالاً، إذ يشير إلى أن كيلوغراماً واحداً يكلف التونسي 50 دولاراً، وهو ما يعني أن شحن "كرتونة" واحدة من الكتب يكلف صاحبها حوالي 600 دينار، أي ضعف ما يدفعه اللبناني أو المصري عشرة مرات، وبدون مبالغة وفق تأكيده.
والحل وفق محدثنا بعد أن وجهنا له السؤال حول ذلك هو أن تكون لديك نقطة تزويد في المشرق الإسلامي. أما عن مسألة البيع عن بعد، فهناك إشكاليات ما زالت قائمة تتعلق بقوانين التصدير. تونس لا تتعامل بعد بمنظومة "to pay" المعتمدة في العديد من البلدان، وهي تسلط رقابة مشددة على دخول الأموال إلى تونس أو خروجها، وتشترط رخصة تصدير حتى على المبالغ الصغيرة جداً، وهناك تعقيدات إدارية كثيرة تحول دون سهولة رواج الكتاب بالخارج.
مع العلم أن محدثنا وكل من استمعنا إليهم بالمناسبة شددوا على أن تكلفة شحن الكتب التونسية تعود بالضرر على الكتاب، لأنه يتم احتسابها عند تحديد التكلفة مما يجعل سعر الكتاب أعلى.
ويعتبر مدير مجمع الأطرش أنه لا يشاطر كثيراً زملاءه الذين يتحدثون عن ضرورة أن تتكفل وزارة الثقافة بكل شيء، وهو يرى أن وزارة الثقافة تقوم بجهد في مجال دعم الورق وعلى مستوى لجنة الشراءات (وإن كانت نسبة الشراءات هذا العام تقلصت إلى النصف وفق جل محدثينا)، معتبراً أن دور النشر عليها أن تجتهد أكثر من أجل ابتكار الحلول. وفي المقابل، فإنه يرى أن الكتاب ليس شأن وزارة الثقافة فحسب، وإنما هو شأن العديد من الوزارات الأخرى. وإن كان لا بد من تدخل، فيجب أن يكون على مستوى بقية الوزارات التي لديها عزوف كامل عن اقتناء الكتب. وإن كان لا بد من تدخل الدولة، فإنه يرى أن ذلك يجب أن يكون من باب محاولة تغيير التشريعات وتيسير "سيولة" الكتاب التونسي.
ويرى محدثنا أنه يمكن الاستفادة من تجربة المغرب التي تمنح الفرصة في كل مرة لناشرين أو أكثر للمشاركة في معارض دولية وتتحمل عنهم جزءاً هاماً من المصاريف.
وعن إمكانية أن تتدخل وزارة الثقافة من أجل التخفيف من أعباء شحن الكتاب التونسي وتيسير مشاركة دور النشر في المعارض الدولية، قال محدثنا إن التجربة أثبتت عدم نجاعتها.
فقد كانت الوزارة تشترط أن لا تتجاوز الكمية 700 كيلوغرام، وأن يكون ذلك عن طريق اتحاد الناشرين. وهو في نظره حل غير عملي ولم يكن موفقاً، لأن اتحاد الناشرين لا يمكنه أن يحمل كمّاً كبيراً من الكتب ولا يمكنه أن يفتح نافذة لكل الناشرين، فلا المساحة ولا الإمكانيات تسمح بذلك، ولذلك لا بد من البحث عن حلول خارج هذا الحل.
وعن حجم الإقبال على جناحه في معرض الشارقة الدولي، أكد محدثنا - وكل المشاركين التونسيين - أن هذا المعرض ليس معرض أفراد، وإنما يمكن القول إنه معرض مؤسسات. إذ تتولى مؤسسات إمارة الشارقة (مكتبات عمومية، جامعات، مدارس، مؤسسات بحثية وأكاديمية وغيرها) بدعم من الحاكم سلطان القاسمي شراء مجموعة هامة من الكتب المعروضة، كما أن حاكم الشارقة يخصص في كل دورة جديدة مبلغاً (وصل هذه السنة إلى 4.5 مليون درهم إماراتي) لدعم كل دور النشر المشاركة، مع العلم أنه تقرر هذا العام إعفاء دور النشر الفلسطينية واللبنانية والسودانية من معاليم المشاركة مع إقرار تخفيض على مشاركة عدد من دور النشر العربية.
التقينا أيضاً خلال جولتنا بالأجنحة التونسية بمديرة دار الكتاب، سالمة الحداد، التي قالت إنها أول مشاركة لدار الكتاب بمعرض الشارقة الدولي. محدثتنا توقفت عند التنظيم الجيد جداً منذ الإعداد والتنسيق وصولاً إلى المعرض، لكن الإقبال بالنسبة لها على الأقل خلال الأيام التي مرت كان قليلاً جداً. وتضيف قائلة إن الآمال معلقة على الأيام الأخيرة للمعرض.
أما عن ظروف المشاركة، فقالت محدثتنا: "أن أكبر مشكل نتعرض له هو الشحن." وأضافت أن رغبة دور النشر في إيصال الكتاب التونسي إلى أكبر عدد ممكن من القراء - حيث شاركت دار الكتاب مثلاً في معرضي الرياض والدوحة الدوليين للكتاب - تجعل دور النشر تغامر، ولو كان ذلك يعرضها لمشاكل كبيرة مادية منها بالخصوص، وهي ترى أن الدولة لا تساعد في حل مشكل الشحن، مشيرة إلى أن قطاع النشر في تونس يعاني كثيراً، وأن مسألة إصدار كتاب في تونس ونشره وتوزيعه في الأصل عملية ليست يسيرة، فما بالك بالمشاركة في معارض بالخارج.
وتشدد محدثتنا على أن السنة الجارية (2024) كانت أسوأ سنة من حيث مبيعات الكتب، وهي تقول في هذا الباب إنها تعي ما تقول، بما أنها هي أيضاً صاحبة مكتبة، وكذلك كانت نسبة الإقبال في معرض تونس الدولي للكتاب في نسخته الماضية قليلة جداً.
هل حاول اتحاد الناشرين التونسيين إيجاد بعض الحلول للإشكاليات العالقة؟ طرحنا هذا السؤال على محدثتنا، فكانت الإجابة أنها لم تر شيئاً من هذا القبيل.
مشاركة دار سوتيميديا للنشر والتوزيع في معرض الشارقة الدولي هي أيضاً الأولى. وحول ذلك، يقول صاحب المؤسسة رياض شنيتر: "إن مشاركة سوتيميديا كانت تتم عن طريق وكلاء، لأنه كانت هناك مشكلة وهي أن المعرض يتزامن مع معرض الجزائر الدولي، وقد فضلنا السنة الماضية أن نكون في الجزائر، أما هذا العام فقد اخترنا المشاركة في الشارقة."
وحول ظروف التنظيم، شدد محدثنا على أنه على درجة عالية من الإتقان، وتشارك فيه أهم دور النشر، والفضاء مميز وفق وصفه، مضيفاً: "وأهم شيء أن المؤسسات تهتم بهذا الحدث وتزور المعرض وتتطلع وتقتني ما يناسبها من الكتب، وهي بذلك تدعم حضور الناشر العربي."
رياض شنيتر يعتبر هو أيضاً أن مشكلة الشحن هي العقبة الأساسية أمام الناشر التونسي. ففي تونس لا يمكننا أن نقوم بشحن بحري، ونضطر إلى الشحن بالطائرة، وحتى في هذا الباب، فإن المشاكل عديدة، خاصة أن الخطوط التونسية لا تتولى هذه المهمة، مما يضطر الناشرين إلى التعويل على خدمات شركات طيران عربية أو تركية، وهي ليست خطوطاً مباشرة مما يجعل المسألة أكثر تكلفة وأكثر تعقيداً. الحل أيضاً لا يتمثل في التعويل فقط على اتحاد الناشرين ليكون هو الممثل الوحيد لدور النشر التونسية في المعارض الدولية. فهو لا يتسع لكل الناشرين، ويعتبر محدثنا هو أيضاً أنه يمكن الاستفادة من التجربة المغربية، ونذكر بأنها تتمثل في تولي الدولة في كل مرة دعم مشاركة عدد من الناشرين وفق برنامج يقترح مسبقاً.
ويشدد محدثنا على أهمية دعم المشاركة التونسية في معارض الكتاب الدولية لسبب بسيط هو أن القارئ العربي يريد الكتاب التونسي، وفق قوله، مواصلاً: "ورغم ذلك يظل حضور دور النشر التونسية قليلاً بالخارج مقارنة بنظرائنا من مصر ولبنان وغيرها، وأيضاً مقارنة مع المغرب."
ويضيف دعماً لقوله: "المعرض ليس فقط للبيع، هو فرصة للتسويق لتونس بالأساس. ورفع العلم التونسي في جناح تونسي بمعرض دولي للكتاب هو ترويج لصورة تونس."
ممثل جناح اتحاد الناشرين التونسيين في معرض الشارقة الدولي للكتاب، مجدي بن عيسى، أوضح لنا من جهته وبنفس المناسبة أن ما يسمح لاتحاد الناشرين بالمشاركة باستمرار في معارض الكتاب الدولية هو الاتفاقيات التي يعقدها وعلاقات الصداقة مع المعارض ومن بينها معرض الشارقة.
أما عن كيفية اختيار من يمثل الاتحاد في مثل هذه المناسبات، فقد قال إن العملية تتم عن طريق الاختيار، إذ يقع التوافق حول شخص واحد يمثل الاتحاد عبر كتبه ويمثل طبعاً عدداً من كتب الآخرين. "فدور اتحاد الناشرين ليس فقط بيع الكتب وإنما نعمل على توجيه القارئ الزائر للمعرض بما يجعل دورنا تمثيلياً أكثر منه تجارياً."
محدثنا، وفي تعقيب له حول ملاحظة عن حجم الإقبال على جناح الاتحاد، شدد على أن معرض الشارقة الدولي يعتمد على المؤسسات، وخاصة المؤسسات الجامعية، وهو يتلقى في ذلك مع الآراء السابقة.
وهو يعتبر أن المشاركة التونسية تظل ضرورية بأي صيغة كانت، من أجل التعريف بالأدب التونسي. ورغم أن المغامرة مكلفة من وجهة نظره، إلا أنها ضرورية حتى لا تقتصر صورة الأدب والإبداع في تونس على الشاعر أبو القاسم الشابي، رغم أهمية دوره ومكانته في مدونة الأدب التونسي.
محدثنا يقر أيضاً بوجود مشكل كبير يتمثل في التكلفة الباهظة جداً لشحن الكتب، وهو يرى أن الدولة يمكنها أن تساعد، لكنها لا يمكن أن تتحمل كل المسؤولية.
فالدولة حسب رأيه تضطلع بدور مهم في مجال الشراءات ودعم الورق، إلا أن المشكلة تكمن في غياب سوق حقيقية للكتاب، حيث تظل الشراءات ضعيفة جداً. كما أن شراءات الدولة قد تقلصت لأسباب اقتصادية معروفة، وهي حالياً تواجه أولويات قد تعتبرها أكثر إلحاحاً.
ورغم اعتباره أن مطالب دور النشر في معاملة الكتاب معاملة خاصة، نظراً لدوره الثقافي والتوعوي ومسؤوليته في التعريف بالهوية والحضارة التونسية، فإنه يرى أيضاً أنه يمكن التوصل إلى حلول بعيداً عن منطق الاعتماد الكامل على الدولة.
مع العلم أن جميع محدثينا قد أثنوا على حصول دار النشر مسكلياني لصاحبها شوقي العنيزي على جائزة أفضل دار نشر عربية لمعرض الشارقة الدولي لهذا العام، مشددين على أنه: "شرف لتونس أن تحصل دار نشر تونسية على جائزة بهذه القيمة، التي هي اعتراف برأيهم أولاً بجهود مؤسسها وصاحبها، وثانياً هي أيضاً خدمة للأدب التونسي عموماً."
مع العلم أن جميع محدثينا قد أثنوا على فوز دار النشر مسكلياني، لصاحبها شوقي العنيزي، بجائزة أفضل دار نشر عربية في معرض الشارقة الدولي لهذا العام، مؤكدين أن ذلك يمثل "شرفاً لتونس"، حيث يرون "أن هذه الجائزة هي اعتراف أولاً بجهود مؤسسها وصاحبها، وثانياً خدمة للأدب التونسي بشكل عام."